< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

44/04/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الظن/ الإستدلال على حجية خبر الواحد بالدليل العقلي/

كان الكلام في الوجه الأول من وجوه الإستدلال بالدليل العقلي على حجية الخبر وهو ما ذكره السيخ الأنصاري قده وعدل عنه وحاصله أنَّ هناك علم إجمالي بأنَّ الأخبار الواصلة إلينا فيها ما هو صادر قطعاً وحيث لا يمكن تعين الصادر على وجه اليقين والجزم فنتنزَّل الى تعيينه على وجه الظن وذلك بالعمل بالأخبار المظنونة الصدور ، فيثبت أن كل خبر مظنون الصدور حجة.

وأرود عليه بإيرادات:

الأول ما ذكره الشيخ نفسه وحاصله:

إنَّ العلم الإجمالي إنما ينتج هذه النتيجة بإعتباره يوجب العلم بوجود أحكام شرعية واقعية في ضمن هذه الأخبار وإلا فلا خصوصية للأخبار بما هي لو فرض تجردها عن الأحكام الشرعية الواقعية التي يجب إمتثالها، ولكن هذا العلم لا يختص بالأخبار بل يعم سائر الأمارات فإذا كان يجب الإعتناء بهذا العلم بنحو ينتج حجية الخبر المظنون الصدور فلابد أن ينتج حجية كل أمارة مظنونة الصدور بنفس الملاك، فينتج من ذلك أنَّ كل أمارة مظنونة الصدور حجة وهذا ما لا يلتزم به المستدل.

وقد يُدعى في مقام الجواب: إنحلال هذا العلم الإجمالي الكبير - أي وجود أحكام واقعية في ضمن جميع الأمارات - الى علم إجمالي صغير وهو العلم الإجمالي بوجود أحكام واقعية في ضمن الأخبار خاصة ، ومع إنحلال العلم الإجمالي الكبير لا يرد الإعتراض بلزوم حجية جميع الأمارات مظنونة الصدور وإنما نلتزم بحجية الأخبار مظنونة الصدور إذ لا علم حينئذٍ بوجود أحكام واقعية إلا في دائرة الأخبار ، وحينئذٍ يأتي فيه ما ذكر في الوجه الأول من عدم إمكان تعين الصادر من هذه الأخبار يقيناً فنتنزل الى تعيينها ظناً ويثبت بذلك حجية الخبر الواحد وهو المطلوب.

ويمكن الجواب عن هذه الدعوى: بأنَّ هذا الإنحلال إنما يتم في صورة عدم بقاء العلم الإجمالي الكبير إذا عزلنا من أطراف العلم الإجمالي الصغير بمقدار المعلوم بالإجمال ، ويمثل لذلك بما إذا علمنا أنّ قطيعاً من الغنم يتألف من مائة رأس ومن ضمنها عشرة محرمة الأكل ، وكانت بعض غنم هذا القطيع سود وبعضها بيض ، فكما أنَّ هناك علم بوجود عشرة محرمة في ضمن القطيع فهناك علم أيضاً بوجودها في ضمن السود ، فإذا عزلنا عشرة من السود والتفتنا الى الباقي من كل القطيع فلا علم إجمالي بوجود المحرمة فيما بينها وإنما هناك شك فقط وذلك لأنَّ المعلوم بالإجمال في العلم الإجمالي الكبير لا يزيد على المعلوم بالعلم الإجمالي الصغير ، وهذا هو المناط في إنحلال العلم الإجمالي الكبير الى علم إجمالي صغير.

ولكن هذا المناط غير موجود في محل الكلام لأنك إذا عزلتَ من العلم الإجمالي الصغير - الأخبار - بمقدار المعلوم بالإجمال والتفتَ الى الباقي من الأخبار والى باقي الأمارات فستجد أنك لا زلت تعلم إجمالاً بوجود أحكام واقعية في ضمنها ، بدليل أننا لا يمكن أن نقبل أن كل هذه الأمارات وما تبقى من الأخبار غير مطابقة للواقع ، فالعلم الإجمالي باق على حاله ودفع الإشكال بدعوى الإنحلال غير وارد ، وعليه فالعلم الإجمالي الكبير لا ينحل بالعلم الإجمالي الصغير ولا يجوز الإقتصار على مراعاة العلم الإجمالي الصغير.

وأجاب المحقق الخراساني قده عن هذه الإيراد بنحو آخر فذكر أنَّ ميزان الإنحلال متحقق في المقام وذلك لأنَّ ما نعلمه إجمالاً هو صدور أخبار كثيرة وافية بمعظم الفقه بحيث لو فرضنا العلم التفصيلي بها وبما تتضمنه من أحكام واقعية لما بقي علم إجمالي في الباقي ، وفي محل الكلام العلم الإجمالي الصغير مشتمل على أخبار وافية بمعظم الفقه فينحل العلم الإجمالي الكبير ويرتفع بذلك الإيراد ولا يلزم البناء على حجية كل أمارة مظنونة الصدور وينحصر الأثر في العلم الإجمالي الصغير ، وينتج حجية الخبر مظنون الصدور ، وهو المطلوب.

وأما إنحلال العلم الإجمالي الكبير بالصغير فبإعتبار أننا إذا عملنا بهذه الأخبار فسوف نحصل على جميع الأحكام الواقعية التي فرضنا أنها وافية بمعظم الفقه ومعه لا يوجد علم إجمالي في الباقي فينطبق ميزان الإنحلال في محل الكلام والنكتة فيه هو أنَّ الإخبار في العلم الإجمالي الصغير وافية بمعظم الفقه.

والحاصل: إنَّ المعلوم إجمالاً هو صدور أخبار كثيرة وافية بمعظم الفقه وهذا يوجب إنحلال العلم الإجمالي الكبير الى العلم بأنَّ الأخذ بما بأيدينا من الأخبار يحصل به الأخذ بمقدار كثير من الأحكام الواقعية بحيث يوجب الشك في وجود أحكام واقعية في غير هذه الأخبار من الأمارات الأخرى ، والدليل على ذلك هو أننا لو علمنا تفصيلاً بالأحكام الواقعية هذه في موارد الأخبار لانحل العلم الإجمالي الكبير الى علم تفصيلي بهذه الأحكام وشك بدوي في وجود أحكام واقعية في غيرها.

ثم إعترض:

لا يقال: إنا نرى بالوجدان أنه مع الأخذ بالأخبار يبقى لنا علم إجمالي بوجود أحكام واقعية ضمن الأمارات الأخرى إذ لا نحتمل كذبها جميعاً فيبقى العلم الإجمالي الكبير على حاله فيجب مراعاته.

وأجاب: إنَّ هذا وإن كان صحيحاً ولكن ما نعلمه إجمالاً فيها يحتمل إنطباقه على الأحكام التي في ضمن الأخبار ولا مجال لدعوى العلم بعدم الإنطباق بحيث يُعلم أنَّ هذه الأحكام الواقعية التي في ضمن الأمارات الأخرى هي غير الأحكام الواقعية الموجودة في ضمن الأخبار وذلك لما عرفت من أنَّ ما بأيدينا من الأخبار يفي بمعظم الفقه.

وبعبارة أخرى: إنَّ مضمون جملة من هذه الأمارات يوافق مضمون الأخبار التي نعلم بصدورها إجمالاً إذ لا يحتمل أن تكون جميع هذه الأمارات مخالفة للأخبار المذكورة ، وهذا يعني أنَّ عزل هذه الأخبار يستلزم عزل ذلك المقدار من تلك الأمارات كما أنَّ العمل بهذه الأخبار يستلزم العمل بالأمارات ، وحينئذٍ لا يبقى علم بوجود إحكام واقعية في باقي الأمارات التي تختلف في المضمون مع الأخبار ، وهذا يعني إنحلال العلم الإجمالي الكبير.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo