< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/04/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال:

التنبيه السابع:وهو في الشبهة غير المحصورة: والكلام السابق كله كان يدور حول الشبهة المحصورة وإذا دار الأمر بين طرفين أو ثلاثة أو عشرة أطراف المهم أن تكون شبهة محصورة، والكلام الآن في الشبهة غير المحصورة، وهناك دعوى إجماع أو ذهاب المشهور على عدم تنجيز العلم الإجمالي في الشبهات غير المحصورة، والكلام في هذا التنبيه يقع في مقامين:

المقام الأول: في تحديد الشبهة غير المحصورة يعني في الموضوع.

المقام الثاني: في حكم الشبهة غير المحصورة.

أما بالنسبة إلى المقام الأول فذكرت عدة وجوه لبيانه والسيد الخوئي في المصباح قال نذكر العمدة منها وهي خمسة ولكن نقتصر نحن على أهمها وهي وجهان، الوجه الذي أفاده الشيخ الأنصاري والوجه الآخر الذي أفاده المحقق النائيني، أما غير هذين الوجهين فهو واضح البطلان ونقدم الكلام فيما أفاده المحقق النائيني.

قال المحقق النائيني: إن المناط أو الميزان في الشبهة غير المحصورة هو عدم تمكن المكلف عادة من المخالفة القطعية، وإن تمكن من ارتكاب كل واحد واحد في نفسه على سبيل البدل، فإذاً جعل المدار هو أن كثرة الأطراف تقتضي عدم التمكن وعدم القدرة من ارتكاب جميع الأطراف ولكن يمكنه أن يرتكب كل طرف على سبيل البدل، هذا في نفسه يمكنه وذاك في نفسه يمكنه وهكذا، فهنا يترتب على ما ذكره أمران:

الأمر الأول: أن الشبهة غير المحصورة تختص بالشبهات التحريمية لأنها هي التي لا يمكن ارتكاب جميعها يعني لا يمكن فيها المخالفة القطعية وأما بالنسبة إلى الشبهات الوجوبية فيمكنه المخالفة القطعية بترك جميعها مهما بلغت من الكثرة، يجب عليه مائة ألف فعل مثلا يتركها جميعاً هنا يتحقق منه المخالفة القطعية، فإذاً الأمر الأول الذي يترتب هو انحصار البحث في خصوص الشبهة التحريمية التي هي فرض الكلام لا يقدر على المخالفة القطعية فيها.

الأمر الثاني الذي يترتب: أن المكلف بما أنه لا يمكنه الموافقة القطعية في الشبهات الوجوبية فهنا يرتكب ما يتمكن من ذلك وبالنسبة إلى الباقي يلحقه حكم المضطر كما سيأتي الكلام إن شاء الله في تنبيه آخر ما لو اضطر المكلف إلى ترك بعض الأطراف أو إلى ارتكاب بعض الأطراف، هنا الفرض أنه لا يمكنه في الشبهة الوجوبية أن يأتي بجميع الأطراف ويمكنه الاجتناب عن جميعها ولكن لا يمكنه أن يأتي بها كلها، هنا ما لم يستطع أن يأتي به في حكم المضطر إليه، والاضطرار في حد نفسه مانع من التنجيز والآن الكلام في كونه شبهة غير محصورة هل يمنع من التنجيز أو لا يمنع؟ هذا ما أفاده المحقق النائيني.

أورد عليه السيد الخوئي بثلاثة إيرادات:

الإيراد الأول: أن عدم تمكن المكلف من ارتكاب جميع الأطراف لا يلازم كون الشبهة غير محصورة بل حتى في الشبهة المحصورة أحياناً لا يمكنه ارتكاب جميع الأطراف مثلاً لو علم إجمالاً بحرمة الجلوس وقت الزوال إما في هذه الغرفة أو في هذه الغرفة هنا الشبهة محصورة والحرمة في أحد طرفين فهي محصورة قطعاً، في هذه الشبهة المحصورة لا يقدر على ارتكاب جميع الأطراف لأنه الوقت محدد وهو وقت الزوال والمكانين مختلفين فإذا هنا يحرم عليه البقاء في أحدهما لا يمكن أن يأتي بهما بنحو الفعلية وبنحو التدريج انتهى الوقت فالوقت محدد فعليه فإن الشبهة محصورة ومع ذلك يصدق عليها هذا التعريف أو الميزان، فينقض عليه بهذا.

وهذا الإشكال واضح الدفع لأن المحقق النائيني يقول بعدم التمكن من ارتكاب جميع الأطراف بسبب الكثرة يعني تبلغ الأطراف حداً من الكثرة بحيث لا يمكن للمكلف أن يأتي بجميع الأطراف لا لسبب آخر، هنا في مورد الإشكال أن السبب هو أن الوقت محدد وعنده قدرة واحدة إما أن يصرفها في هذا أو في هذا فالسبب ليس لأن الأطراف كثيرة كما نلاحظ من نفس تعريف أجود التقريرات وبحسب أيضا ما قرره نفس السيد (قده)هنا في أجود التقريرات أولاً ذكر كلام متين وواضح كمقدمة، قال لا بد يعني الكلام في تنجيز العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة لا بد أن يقع بعد الفراغ عن وجود بقية شرائط التنجيز بحيث لو كانت الشبهة محصورة لكان العلم منجزا بلا كلام يعني جميع الأشياء التي نشترطها في تنجيز العلم الإجمالي في الشبهة المحصورة لا بد أن تكون متوفرة والفرق فقط أن هذه محصورة وهذه غير محصورة، ضرورة أنه مع فقدان بعض الشرائط يكون عدم التنجيز مستنداً إليه يعني إلى فقدان الشرط لا إلى كون الشبهة غير محصورة وهذا واضح جداً، بعد هذه المقدمة قال: وعلى ذلك فتحديد عدم حصر الشبهة بما إذا كان الاجتناب عن تمام الأطراف حرجيا أو بما كان بعضها خارجا عن محل الابتلاء في غير محله، يشير إلى أحد وجهين بعضهم قال أن تحديد الشبهة غير المحصورة أن الاجتناب عن جميع الأطراف حرجي، بعضهم قال إن بعض الأطراف خارج عن محل الابتلاء، يقول هذا خارج عن بحثنا لأنه إذا كان حرجيا حتى في الشبهة المحصورة يجوز الارتكاب وإذا خرج عن محل الابتلاء حتى في الشبهة المحصورة يجوز الارتكاب، نحن نريد فقط شبهة محصورة يقابلها شبهة غير محصورة وجميع الشرط متحققة، إذ مع خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء أو لزوم الحرج من ارتكاب الجمع لما كان العلم منجزا مع حصر الشبهة أيضا فالصحيح أن يقال: إن عدم حصر الشبهة عبارة عن بلوغ كثرة الأطراف إلى حد لا يمكن للمكلف ارتكاب جميعها عادة ولو كان كلٌ من الأطراف محل للابتلاء وكان قابلا للارتكاب وعدمه، ضرورة عدم الملازمة بين إمكان ارتكاب كل واحد من الأطراف في حد نفسه وإمكان ارتكاب الجميع، فنلاحظ هنا أنه جعل المدار عبارة عن بلوغ كثرة الأطراف إلى حد لا يمكن للمكلف ارتكاب جميعها، إذاً المدار عند المحقق النائيني في الشبهة غير المحصورة أن تبلغ الأطراف بكثرة هي التي توجب عدم ارتكاب الجميع، الإشكال عليه بأن عدم القدرة على ارتكاب الجميع يأتي حتى في الشبهة المحصورة، هذا خلاف الفرض، ذاك لمانع آخر لا لوجود الكثرة فإذاً هذا الإشكال الأول من السيد الخوئي غير ناهض.

الإشكال الثاني: قال بأن عدم القدرة على المخالفة القطعية أمر غير منضبط في نفسه بل يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والحالات والظروف، يقول لا يقدر على المخالفة القطعية يختلف من شخص إلى شخص فربما شخص يقدر أن يخالف ما لو كانت الشبهة في ضمن ألف وربما شخص لا يقدر إذا كانت ضمن ألف، في زمان لا يقدر وفي زمان آخر يقدر وفي حالات لا يقدر وفي حالات يقدر، إذاً التحديد بعدم قدرة المكلف على الاجتناب عن جميع الأطراف غير منضبط لا يصلح أن يكون ضابطة لأنه أمر غير واضح ومجمل فعليه لا يصح أن تُجعل الضابطة هي هذه الضابطة عدم القدرة على إمكان ارتكاب جميع الأطراف.

هذا الإشكال أيضا من السيد الخوئي يمكن دفعه بأن القدرة في نفسها منضبطة فالقدرة لما تؤخذ قدرة عقلية منضبطة وقدرة عادية كما هو أخذها غالبا منضبطة، غير المنضبط هو المصاديق فهي تختلف باختلاف الأشخاص هذا الشخص قدرته بهذا النحو لكن نفس القدرة منضبطة نقول هذا الشخص غير قادر الشخص الثاني تقول هذا قادر فإذاً الاختلاف في المصاديق وليس في نفس المفهوم، ومفهوم القدرة لو كانت قدرة عقلية أو عادية نفس مفهوم القدرة مضبوط وميزان الخلاف فقط في المصاديق والتحديد يختلف بحسبه، فإذاً يمكن أن نأخذ بهذا التعريف ونقول أن المدار على عدم القدرة عادة على الاجتناب عن جميع الأطراف ثم كل فرد بحسبه والأمر إليه بحسب زمانه وظرفه وحاله، فهذا لا يصلح أن يكون إشكالا والإشكال ليس على نفس الضابطة بل صار الإشكال على المصاديق فهي تختلف مثلها مثل أي شيء آخر، مثلا نفترض أنه أُخذ في الحج شرط الاستطاعة وهي محددة معروفة تخلية السرب والزاد والراحلة وغيره، ولكن قد يختلف من شخص لآخر، شخص مثلا زاده معين والراحلة معينة فهذا يختلف عن قدرة الآخر فإذاً لا نقول أنه إرجاع إلى امر غير منضبط بل هو إرجاع لأمر منضبط، هذا الإشكال أيضا مندفع.

الإشكال الثالث: أورده السيد الخوئي أيضا هذا الإشكال أورده المحقق العراقي، حاصله: أن عدم التمكن من المخالفة إن أريد دفعة واحدة في وقت واحد لا يستطيع هذا صحيح ولكن هذا يأتي حتى في بعض أطراف الشبهة المحصورة لا يمكنه أن يأتي بها دفعة واحدة وهذا أمر واضح، أمور كثيرة في الشبهة المحصورة إذا أراد أن يرتكبها المكلف يأتي بها بنحو التدريج لا يمكنه دفعة، إذا كان المقصود هو عدم قدرته على ارتكابها دفعة فهذا يشترك مع الشبهة المحصورة وإذا أراد أن يكون بنحو التدريج تقل الشبهات غير المحصورة لأنه لا توجد عندنا شبهة ولو كانت كثيرة لا يمكن أن يرتكب جميع أطرافها ولو في سنين، نفترض كفرضية الآن أنه يعلم بإناء نجس في النجف دفعة واحدة غير ممكن أما تدريجا في خلال عشر سنوات يستطيع أن يأتي على جميع الأواني الموجودة في النجف كإمكان موجود، فعليه: لا يبقى عندنا صور إلى الشبهة غير المحصورة إلا نادراً وهذا لا يصلح أن يكون مقياساً، هذا ما أفاده السيد الخوئي (ره) وأيضا أشار إليه المحقق العراقي بل صرّح، نذكر بعض عباراته، قال: وما عن بعض الأعلام (قده) من تحديد عدم حصر الشبهة ببلوغ كثرة الأطراف إلى حد لا يتمكن .... ثم قال: وفيه إن أريد من عدم التمكن من الجمع بين الأطراف في الاستعمال عدم التمكن منها ولو تدريجا بمضي الليالي والأيام فلا ريب في فساده إذ ما من شبهة غير محصورة إلا ويتمكن المكلف من الجمع بين أطراف الشبهة ولو تدريجا وفي أزمنة طويلة، وإن أريد بذلك عدم التمكن من الجمع بينها في زمان قصير فهذا يحتاج إلى تحديده بزمان معين ولا معين في البين مع أن لازمه...إلخ. فالحاصل في هذا الإشكال هو هذا تقول تدريجي لا يوجد عندنا شبهة غير محصورة وتقول دفعي يحتاج أولا تحديد زمان معين ولا يوجد ما يعينه أو على كلام السيد الخوئي دفعة حتى في الشبهة المحصورة يأتي الكلام.

هنا أورد السيد الروحاني (قده) على هذا الإشكال بأن هذا إنما يأتي في خصوص الأمور القارّة الثابتة أما في الأمور غير الثابتة الزائلة فلا يأتي بمعنى الآن لو فرضنا أحد بيوت النجف مغصوب هذا يستطيع أن يرتكب كل يوم يجلس في بيت إلى سنتين ثلاث سنوات، هذا أمر ثابت فيأتي هذا الإشكال، أما إذا كان أمر غير ثابت مما يتلف مثل المأكولات علم بأن نفترض الخضرة الفلانية اللحم الفلاني دجاج هذا مغصوب في النجف هنا لو أراد أن يأتي على جميع اللحم الموجود يحتاج إلى سنين مثلا هذا المأكول لا يظل، في مثل هذا المورد لا يرد عليه الإشكال وهذه موارد كثيرة، فإذا كانت كثيرة لا تشكل عليه بأنه هذا غير تام لأنه إذا كان دفعةً يشترك مع الشبهة المحصورة إذا كان تدريجيا فيمكن الارتكاب، لا فإن هذا يتلف، أو آنية مثلا يعلم أنه يستطيع في خلال عشر سنوات أن يرتكب هذا الماء المشكوك النجاسة ولكن لا يبقى هذا الماء في ظل عشر إلا قطعا تطهر هذا الماء.ولكن يمكن أن يندفع هذا الإشكال بأنه لا ينفع في الرد أولاً لأن الضابط ينبغي أن يكون جامعاً مانعاً لجميع الأطراف، هنا أنت تقول يشمل الأمور الثابتة الإشكال ولا يرد على الأمور غير الثابتة، يعني الضابط لا يأتي إلا في الأمور غير الثابتة وأما في الأمور الثابتة هذا الضابط لا يصلح فهذا الضابط لم يكن جامعا لأنه في بعض الأفراد يصدق وفي بعضها لا يصدق، فلا ينفع جواب السيد الروحاني على المحقق النائيني ولا يدفع الإشكال كاملا.

ثانياً: المطلوب في الضابطة وفي الإشكال عدم الارتكاب في حد نفسه يعني المكلف غير قادر على ارتكاب جميع الأطراف من حيث الارتكاب لكثرتها أما لظروف أخرى لا يستطيع أو لا يقدر على ارتكابها لأنها ستتلف ذاك لأمر آخر لا يفيد المجيب، فالمستشكل يقول بأنه تدريجا غير ممكن فلا يبقى إلا المقدار القليل، نقول يمكن في الأمور غير الثابتة لأنها تتلف فمع المدة الطويلة يتلف بعض أفرادها إذاً لا يمكن ارتكابه إذاً عدم القدرة على الارتكاب ناشئ من التلف وليس ناشئاً من كثرة الأطراف، فعليه: المستشكل يقول بأنه إن أريد عدم القدرة على الارتكاب دفعة فهذا يحصل في الشبهة المحصورة وتدريجا يمكن في المدد الطويلة وأنت تقول في المدة الطويلة يتلف فلا يمكن هذا لا يفيد لأن الكلام عدم تمكنه لأنه كثير الأطراف لا لأنه سيتلف فجواب إشكال المحقق العراقي وإشكال السيد الخوئي وارد على المحقق النائيني الإشكال الثالث نعم وارد عليه ولا يفيد ما دفعه به المحقق الروحاني.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo