< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/04/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال:

التنبيه الثامن:
الصورة الثالثة:تقدم الكلام عندنا في صورتين من صور الاضطرار، وهو ما إذا اضطر إلى أحد الأطراف، قلنا إنه تارة يكون اضطراره قبل التكليف وقبل العلم الإجمالي، والصورة الثانية قلنا إن يكون الاضطرار بعد التكليف وبعد العلم الإجمالي، وفي الصورة الأولى قلنا لا يتنجز العلم والصورة الثانية يتنجز العلم على رأي الجميع غاية ما هنالك أن صاحب الكفاية (قده) في المتن اختار عدم التنجيز ولكن في الهامش اختار التنجيز والبحث فيه واضح لأنه أركان العلم الإجمالي فيه متحققة عندنا علم إجمالي بالتكليف غاية ما هنالك أنه يدور أمره بين أن يتعلق بالفرد الطويل أو بالفرد القصير، فإن كان في الواقع تعليق التكليف بما اضطر إليه فيما بعد فهذا فرد قصير الأمد وإن كان التكليف موجودا في الطرف الثاني فهو طويل الأمد، هذه الجهة لا تضر في تنجيز العلم الإجمالي فهو منجز ولا رافع له، هذا تقدم الكلام فيه، والكلام الآن في الصورة الثالثة.
الصورة الثالثة:

ما إذا تحقق التكليف ثم اضطر إلى أحد الطرفين ثم علم بالتكليف، مثلاً في الصبح وقعت النجاسة في أحد الإناءين وفي الظهر اضطر إلى شرب أحد الإناءين وفي العصر علم إجمالاً بأن أحد الإناءين قد تنجس من الصبح بدون أن يعلم أيهما، في مثل هذا الفرض هل يتنجز العلم الإجمالي فنتعامل معه معاملة الصورة الثانية؟ أو أن العلم الإجمالي هنا لا ينجز التكليف فنتعامل مع هذه الصورة معاملة الصورة الأولى؟ هنا وجهان وجه للتنجيز ووجه لعدم التنجيز ولكن قبل بيان الوجهين لا بأس أن نذكر بعض النقاط التمهيدية لاتضاح المطلب ولعل بعضها تعرضنا لها سابقا ولكن لا بأس بالإعادة.

النقطة الأولى: مراتب الحكم طبعا اختلفوا فيها فمثلا صاحب الكفاية يقول بأن مراتب الحكم أربع مراتب المرتبة الأولى مرتبة الاقتضاء وهي مرتبة الملاك وهذا باعتبار أننا نحن العدلية نرى بأن الأحكام تدور مدار المصالح والمفاسد الواقعية خلافاً للأشاعرة وإن هناك اختلاف بين العدلية هل أن المصلحة موجودة في الجعل أو في المجعول؟ هذا بحث آخر والأكثر على أن المصلحة في المجعول وهناك من يقول انها في الجعل، المهم بناءً على هذا أن الأحكام تدور مدار المصالح والمفاسد فعندنا المرتبة الأولى هي مرتبة الاقتضاء والملاك فإذا كان الملاك ملزم من حيث الوقوع يكون وجوب وإذا كان ملزم من حيث الترك يكون حرام وهكذا، والمرحلة الثانية هي مرحلية الإنشاء وهي مرحلة جعل الحكم على الموضوع المفروض الوجود بنحو القضية الحقيقية فالشارع ينشأ الخمر حرام فهنا بغض النظر عن الخارج وجد خمر في الخارج أو لم يوجد خمر في الخارج، هذا الحكم وهو الحرمة مجعول على موضوع الخمر متى ما تحقق الخمر في الخارج فهو حرام، المرحلة الثالثة مرحلة الفعلية وهي مرحلة تحقق الموضوع في الخارج بجميع شروطه وأجزاءه إذا تحقق الموضوع في الخارج ووجد الخمر في الخارج ووجد المستطيع بالنسبة إلى الحج في الخارج مع بقية الشروط والأجزاء هنا يصل الحكم إلى مرتبة الفعلية نقول هذا الحكم فعلي، المرحلة الرابعة مرحلة التنجز وهي مرحلة العلم بالتكليف الفعلي ليس العلم بالتكليف الإنشائي لأنه حتى لو علمت بالتكليف الإنشائي ولكن أعلم بعدم وجود الموضوع فهذا لا ينجز، يعني علمت بأن الله سبحانه وتعالى جعل الحج على المستطيع ولكن لم أكن مستطيعا لم ينجز، فمرحلة التنجز هي العلم بالحكم الفعلي الذي تحقق موضوعه في الخارج مع سائر شروطه وأجزاءه، هذه المراتب بنظر المحقق الآخوند.

آخرون اختلفوا مثلاً المحقق النائيني أو السيد الخوئي (ره) يقولان بأن مرحلة الاقتضاء ليست من مراحل الحكم وإنما هي من مبادئ الحكم كما قلنا إنه إذا وجدت مصلحة ملزمة بعد ذلك يضع الشارع الحكم على طبقها وإذا وجدت مفسدة ملزمة يضع الحكم على طبقها وهكذا، فمرحلة الاقتضاء مرحلة خارجة عن مراتب الحكم ومرحلة التنجز الرابعة أيضا مرحلة خارجة عن مراحل الحكم والتنجز حكم عقلي لوجود الحكم الفعلي يعني بعد أن وجد الموضوع وهو الخمر في الخارج وأعلم بإنشائه هنا العقل يقول هذا الحكم منجز عليك يجب الإتيان به والالتزام به، فمرحلة التنجز خارجة فلهذا قالوا بأن مراتب الحكم مرتبتان مرتبة الجعل ومرتبة المجعول بتعبيرهم، مرتبة الجعل هي مرتبة الإنشاء بنظر صاحب الكفاية يعني جعل الحكم على الموضوع المقدر الوجود المفروض الوجود متى ما وجد المستطيع وجب الحج متى ما وجد خمر في الخارج حرم شربه وهكذا، ومرحلة المجعول هي المرتبة الثانية وهي إذا وجد الموضوع في الخارج بجميع أجزاءه وشرائطه فهاتان المرحلتان الموجودتان عندنا، وتقريبا الكثير يدور حول هذين القولين، هذا تمهيد أول.

التمهيد الثاني: تقدم عندنا وذكرنا بأن منجزية العلم الإجمالي فيها أركان إذا تمت ينجز العلم الإجمالي وإلا فلا يكون منجزاً أهم هذه الأركان التي تُذكر عادة هو العلم بالتكليف ومن جهة أخرى نقول أيضا عدم جريان الأصول في الأطراف ولكن للتفصيل في الواقع عندنا أركان أربعة: اركن الأول هو العلم بالجامع ربما نقول بالتكليف الفعلي ولكن هذا التكليف الفعلي علم بالتكليف الجامع ليس علم بالتكليف الخاص الشخصي، فإذاً نشترط أولاً أن يكون هناك علم بالجامع وإلا لو لم يوجد علم بالجامع لكانت الشبهة بدوية وإذا كانت بدوية لا إشكال عندنا في جريان الأصول، فإذاً لا بد من وجود علم بالجامع، والركن الثاني: أن لا يتعدى العلم من الجامع إلى الفرد يعني يبقى العلم بالجامع ولا يتعدى ولا يسري إلى الفرد لأنه لو سرى إلى الفرد لكان العلم تفصيلياً وليس العلم إجمالياً فإذا علمت بنجاسة أحد الإناءين ولكن إذا تبين لي فيما بعد بأن النجاسة موجودة في الإناء (أ) فهنا سرى العلم من الجامع إلى الفرد فصار عندنا علم تفصيلي فالركن الثاني أن يبقى العلم متعلقا بالجامع ولا يسري إلى الفرد، والركن الثالث أن تكون أطراف العلم الإجمالي في حد نفسها وبغض النظر عن العلم الإجمالي تكون مجرى للأصول الترخيصية المؤمنة مثلاً في المثال الذي ذكرناه عندما علمت إجمالاً بنجاسة أحد الإناءين قبل العلم الإجمالي ومع غض النظر عن العلم الإجمالي هذا الإناء الأول يمكن أن تجري فيه أصالة الطهارة ودليل أصالة الطهارة يشمل المقام، الإناء الثاني أيضا يمكن جريان أصالة الطهارة فيه، إذاً لما وجد الآن علم إجمالي نقول وجود العلم الإجمالي منع من جريان الأصول في الأطراف فإذاً في منجزية العلم الإجمالي نقول بأن الطرفين أو الأطراف للعلم الإجمالي في حد نفسها ومع غض النظر عن العلم الإجمالي تكون مجرى للأصول الترخيصية، لو فرضنا عدم جريان الأصل في أحد الطرفين لسبب من الأسباب لأي سبب كان هنا لا يكون العلم الإجمالي منجزاً لأن هذا الطرف في حد ذاته لا يجري فيه الأصل مع غض النظر عن العلم الإجمالي فإذا لا يجري فيه الأصل إذاً لا تتعارض الأصول يجري في أحد الطرفين ولا يجري في الطرف الآخر فلا تتعارض الأصول ولا يتنجز العلم الإجمالي، هذا على القول بالاقتضاء.

أما على القول بالعلية أيضا هناك صياغة للمحقق العراقي بحيث تكون هي ركن أيضا من أركان منجزية العلم الإجمالي خاصل هذه الصياغة،
يقول: تنجيز العلم يتوقف على صلاحيته لتنجيز معلومه على كل تقدير في جميع التقادير المحقق العراقي يقول بالعلية ولكن بالنسبة إلى جريان الأصول هو محل اعتبار عنده فيقول يشترط في تنجيز العلم الإجمالي أن يكون صالحاً للتنجيز على كل التقادير فلو كان صالحا للتنجيز على تقدير دون تقدير لم يكن صالحاً، هنا صياغة أخرى تتناسب مع العلية يعني نريد أن نقول لو جرى الأصل في أحد الطرفين دون الآخر العلم الإجمالي لا يكون منجزاً، بكلامه أن هذا العلم غير صالح للتنجيز على كل تقدير بحيث لو كان المعلوم بالإجمال في هذا الطرف الذي لا يجري فيه الأصل في حد نفسه هنا لم يكن العلم الإجمالي منجزا على هذا التقدير يكون منجزا فقط على تقدير واحد وهو إذا كان صالحا لتنجيز معلومه في طرف دون طرف لا يتنجز العلم الإجمالي.

الركن الرابع: أن يكون جريان الأصول في الأطراف مؤدياً للمخالفة القطعية مؤدياً للترخيص في مخالفة الحكم الشرعي، لو فرضنا بأن جريان الأصول لا يقتضي ذلك العلم الإجمالي يبقى على تنجيزه، يعني مثلاً لو كانت الحالة السابقة في الإناءين النجاسة وطُهر أحدهما هنا علمت بطهارة أحدهما ونجاسة الآخر ولكن عندنا استصحاب نجاسة هذا الإناء وعندنا استصحاب نجاسة الإناء الثاني في حد نفسيهما لا يتعارضان بل يتعارضان مع وجود العلم بالطهارة ولكن جريانهما لا يؤدي إلى مخالفة التكليف الملزم، أجريت النجاسة في الطرفين تركت كليهما ولم أشرب منهما ولم أتوضأ منهما فلا يلزم منه الوقوع في مخالفة التكليف الواقعي، فإذاً نشترط أن يكون جريان الأصول موجباً لمخالفة التكليف الواقعي فلهذا تتعارض الأصول بعد التعارض يتنجز العلم الإجمالي، بخلاف الصورة التي ذكرناها، إذاً إذا تمت هذه الأركان الأربعة في مورد من موارد العلم الإجمالي نقول العلم الإجمالي منجز، وإذا انخرمت أحد هذه الأركان نقول هذا العلم الإجمالي غير منجز، هذه نقطة ثانية.

النقطة الثالثة التمهيدية: أن المانع من جريان الأصل هو العلم الإجمالي بالتكليف وليس التكليف في حد نفسه يعني بواقعيته، التكليف بواقعيته لا يمنع من جريان الأصل، لو شككت في حرمة التتن مثلاً وفي الواقع هو حرام وأنا لا أعلم به هنا أجري الأصل لا إشكال عندهم ما دام لم أعلم به هنا أجري الأصل فإن الأساس أن الأصل في مورد الشك في الحكم الشرعي الواقعي رفع ملا يعلمون، فإذاً هذه الجهة مهمة وهي أن التنجيز إنما يكون بالعلم بالتكليف وليس بالتكليف بواقعيته.

إذا اتضحت هذه الأمور الثلاثة الآن لما نريد أن نطبق على المقام نقول: عندنا أولاً وُجد سبب التكليف في الصبح تنجس أحد الطرفين وفي الظهر اضطر المكلف لهذا الطرف بعينه في العصر علم إجمالاً بنجاسة أحد الطرفين الآن في حالة الاضطرار فعلاً هل أركان العلم الإجمالي متحققة أو لا؟ نقول غير متحققة، الآن في حالة الاضطرار يعلم المكلف بجواز ارتكاب هذا الطرف قطعاً فهو إن كان في الواقع نجس، أنا لم أعلم إجمالا بعد ولو علمت ارتفع بالاضطرار وإن لم يكن في الواقع نجس فالأمر فيه واضح، ولكن هذا يحتاج إلى بيان يأتي إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo