< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/05/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال:

التنبيه التاسع:
لو شك في دخول طرف في محل الابتلاء:

قلنا إنه لو شك في اعتبار الدخول في محل الابتلاء بالنسبة إلى التكليف، يعني يشترط في التكليف أن يكون الطرف داخلاً في محل الابتلاء لو شككنا في ذلك أو شككنا من جهة الشبهة المفهومية، هل أنه يشمل المورد الفلاني أو لا من حيث الشبهة المفهومية؟ يعني هل أن المفهوم دائرته واسعة بحيث تشمل ما إذا كان موجودا في بلد بعيد ولكن ليس بالبعد الكثير أو لا يشمله من حيث المفهوم؟

قلنا بأن هناك قولين، القول الأول: هو قول الشيخ الأنصاري (قده) وتبعه أيضاً المحقق النائيني (قده) وهو التمسك بالإطلاق في الموردين، إذا شككنا في سعة الدائرة أو شككنا في أصله فهنا نتمسك بالإطلاق، باعتبار أنه نشك في التخصيص الأكثر في الواقع، إن كانت الدائرة واسعة فالتخصيص أكثر وإن كانت الدائرة ضيقة فالتخصيص أقل، فتمسك بالمخصص في خصوص المقدار المتيقن وما زاد عليه نتمسك بالإطلاق فنقول بعدم الاشتراط يعني التكليف لا يشترط فيه أن يكون داخلاً في محل الابتلاء، يعني هذا المشكوك في الخارج، هذا تقدم الكلام فيه.

أورد على الشيخ بأن هذا الكلام إنما يتم فيما إذا كان المخصص منفصلاً أما إذا كان متصلاً فلا.

توضيح ذلك: أن الإطلاق والعموم خصوصاً العموم الآن يكون ظاهراً في عمومه طبعاً الإطلاق أيضاً ظاهر في الإطلاق ولكن بما أن الإطلاق يتوقف على مقدمات الحكمة فبعضهم يرى بأن مقدمات الحكمة أُخذ فيها حتى لو كان الدليل منفصلاً كما هو المنسوب للشيخ أيضاً والمحقق النائيني ومثل المحقق صاحب الكفاية يقول لا، وقت الخطاب يعني إذا كانت المقدمات في مقام البيان وقت الخطاب هنا ينعقد الظهور في الإطلاق الشيخ يقول لا، أن يكون في المقام البيان حتى لو بعد ذلك، هذا للتوضيح، الآن نعود لأصل البحث، العموم يكون ظاهرا في العموم إذا لم توجد هناك قرينة متصلة ولم يوجد مخصص متصل والإطلاق خصوصاً على المبنى الثاني إذا لم يكن هناك مخصص او مقيد متصل أيضاً ينعقد في الإطلاق، فعليه: لو كان المخصص منفصلاً هنا في المخصص المنفصل إذا كانت الشبهة مفهومية نتمسك بالإطلاق فيما زاد على القدر المتيقن، يعني أن إجمال المخصص لا يسري إلى العام ففي المثال الذي ذكرناه سابقا عندما يقول أكرم الفقراء أو أكرم كل فقير هذا عام لا يوجد مخصص منفصل انعقد الظهور في العموم وبعد ذلك جاء مخصص منفصل وقال لا تكرم الفقير الفاسق هذا مخصص منفصل والفاسق الآن تردد عندنا الأمر هل هو خصوص مرتكب الكبيرة أو يشمل حتى مرتكب الصغيرة هنا بما أن المخصص منفصل هذا التردد بين الأقل والأكثر إجماله لا يسري إلى العام والعام ظهوره منعقد في العموم، الآن المخصص المنفصل يزاحم حجيته في خصوص المقدار المتيقن وهو مرتكب الكبيرة وبالنسبة إلى مرتكب الصغيرة لا يزاحم العام في حجيته فلهذا نتمسك بالعام في مرتكب الصغيرة، هذا في المخصص المنفصل واضح.

وبالنسبة إلى المخصص المتصل قالوا: لا، إجمال الخاص يسري إلى العام فيكون العام مجملاً أيضاً، فلو في المثال قال أكرم الفقراء إلا الفساق أو إلا الفاسق وتردد الآن الفاسق بين مرتكب الكبيرة ومرتكب الصغير هنا لم ينعقد ظهور في العموم من بادئ الأمر بما أن المخصص متصل لم ينعقد الظهور إلا فيما عدا الخاص، أساساً العموم حجة أو ظاهر فيما عدا الخاص ما عدا الخاص ما هو؟ مرتكب الكبيرة أو مرتكب الصغيرة نشك فالإجمال يسري إلى العام فلا نتمسك بالعام فيما عدا المقدار المتيقن، هكذا قالوا في مبحث العموم.

ما نحن فيه من هذا القبيل المشكل الذي يشكل على الشيخ يقول ما نحن فيه من هذا القبيل يعني المخصص بمثابة المخصص المتصل لأن المخصص في المقام هو الدليل العقلي المبتني على الاستهجان، يعني العقل يقول لا يصدر التكليف بالنسبة إلى ما هو خارج عن محل الابتلاء لأنه مستهجن، هذا المخصص بمثابة القرينة الحالية المحتفة بالكلام إذا كان هو قرينة حالية محتفة بالكلام فلم ينعقد الظهور في العموم وصار المخصص متصل والمخصص المتصل إذا كان مجملاً يسري إجماله إلى العام إذا سرى إجماله إلى العام لا يمكن التمسك بالعموم حينئذ فلا نقول إنه بالنسبة إلى مرتكب الكبيرة خارج من تحت العموم قطعاً وأما بالنسبة إلى مرتكب الصغيرة نشك فنتمسك بالعموم لا يقال هذا الكلام، هنا أيضاً نفس الكلام إذا شككنا في خروج فرد عن محل الابتلاء للشك في المفهوم لأجل الشبهة المفهومية هنا الإجمال يسري إلى العام فلا نتمسك بالعموم، هذا حاصل الإشكال الذي أورد على الشيخ.

المحقق العراقي (قده) والمحقق النائيني (قده) أجابا عن الإشكال بجواب مشترك وجواب مختص بالمحقق النائيني.

الجواب المشترك: أن ما نحن فيه ليس من قبيل المخصص المتصل وإنما هو من قبيل المخصص المنفصل لأنه أمر نظري هذا الدليل الذي استندنا إليه من الأمور النظرية التي تحتاج إلى إعمال فكر، فالأدلة اللبية نقول بشكل عام أو المحتفة بالكلام غير الدليل اللفظي تارة يكون من الوضوح بمكان بحيث يحتف بالكلام فيكون بمثابة القرينة المتصلة وتارة لم يكن واضحاً بذلك الوضوح فيكون بمثابة القرينة المنفصلة، وما نحن فيه نقول أُخذ في التكليف أن لا يخرج الطرف عن محل الابتلاء أو بعبارة أخرى نشترط في التكليف أن يكون المتعلق داخلاً في محل الابتلاء، هذا القيد قيد نظري ليس قيداً بمثابة الأمور البديهية والواضحة بل يحتاج إلى إعمال فكر وبما أنه كذلك فإذاً هو مثله مثل المخصص المنفصل، فإذا كان كذلك إذاً ينطبق عليه نفس القاعدة المقدار المتيقن خارج عن تحت العموم وما زاد عليه نتمسك بالعام في مورده.

هنا السيد الروحاني (قده) في المنتقى أشكل عليهما، يقول: إن المستند في الدليل العقلي في التخصيص هو الاستهجان الراجع إلى اللغوية، نقول بما أن هذا الأمر خارج عن القدرة العادية أو خارج عن محل الابتلاء الصحيح هو أن هذا الأمر خارج عن محل الابتلاء التكليف به يستلزم اللغوية، فالتكليف به يكون مستهجناً، هذا الاستهجان واضح تمام الوضوح عند العرف لا يتردد فيه العرف، بل هو واضح، إذا كان واضحاً فهو ليس من قبيل الأمور العقلية التي تحتاج إلى فكر وتأمل وإمعان نظر بل هو من الأمور البديهية الواضحة، إذا كان كذلك فهو بمثابة المخصص المتصل وليس بمثابة المخصص المنفصل.

هذا الإيراد من السيد الروحاني (قده) يمكن الجواب عنه ببداهة، نقول: لو كان هذا الاستهجان المذكور أو هذه الشرطية يعني شرطية الدخول في محل الابتلاء وشرطية عدم الخروج عن محل الابتلاء لو كانت من الوضوح بمكان لما وقع فيها الخلاف بين الأعلام أنفسهم، يعني الأمور العرفية الوضحة الاستهجان تكون عند الجميع واضحة بينما نحن على حسب ما مر علينا نلاحظ هناك كلام بين الأعلام هل الاستهجان موجود أو غير موجود وهل الاستهجان موجب لهذا الشرط أو غير موجب؟ هل هناك لغوية أو هناك ثمرات ترتفع اللغوية بها؟ هذه الأمور كلها مطروحة بينهم وليست من الأمور المسلمة عند الأصوليين أنفسهم، فإذا كانت كذلك فكيف تقول هي واضحة تمام الوضوح عند العرف، هذا كلام خلاف الوجدان، فنرجع إلى الكلام بأن ما أفاده المحقق النائيني والمحقق العراقي تام وأن هذه القرينة ليست من جملة القرائن الحافة بالكلام بنحو تكون بمثابة المخصص المتصل بل هي بمثابة المخصص المنفصل، وبالنسبة إلى المخصص المنفصل قلنا يتمسك بالعام فيه بلا إشكال، هذا الجواب المشترك.

الجواب المختص بالمحقق النائيني (قده) على أصل الإشكال، حاصله: يقول: إن المخصص المتصل إنما يسري إجماله إلى العام إذا كان تعلق بعنوان واقعي وهذا العنوان لا مراتب له مثل المثال الذي مثلنا به، يقول لا تكرم الفقير الفاسق وأكرم الفقراء إلا الفساق، عنوان الفاسق عنوان واقعي هو الذي خُصص وأخرج وهذا العنوان ليس له مراتب في نفسه ولكن يدور أمره هل الفاسق مرتكب الكبيرة بالخصوص؟ أو الفاسق هو مرتكب الذنب كبيرا أو صغيرا؟ هذه لا تكون مراتب فهذا العنوان إذا لم يكن ذا مراتب هنا يكون إجماله سارياً إلى إجمال العام فنأخذ بشكل عام هكذا، نقول: المخصص حتى ولو كان متصلاً إذا كان أمره متردداً بين الأقل والأكثر إذا كان مجملاً يسري إجماله إلى العام إذا كان العنوان عنواناً واقعيا ليس ذا مراتب، أما إذا كان العنوان الخارج من تحت العموم هو في نفسه ذو مراتب بحيث تكون عندنا مراتب متيقنة ومراتب غير متيقنة، في مثل هذا المورد نقتصر في التخصيص على خصوص المرتبة المتيقنة أما غيرها فلا، بعبارة أخرى لا يسري إجماله إلى العام بحيث نتمسك بالعموم، وما نحن فيه من هذا القبيل يعني العنوان الخارجي ذو مراتب وهو العنوان الخارج هو الأفراد الخارجة عن محل الابتلاء وهي في نفسها ذات مراتب يعني قطعا مثلا نفترض الإناء الموجود في الصين بالنسبة لنا خارج عن محل الابتلاء، والمكان الأقرب الموجود في الهند بالنسبة لنا خارج عن محل الابتلاء والمكان الأقرب أيضا خارج عن محل الابتلاء، فعندنا مراتب كلها داخلة في عنوان الخارج عن محل الابتلاء وعندنا مرتبة نشك الإناء الموجود في بلدة مجاورة لنا ليس في نفس بلدتنا وليس بعيدا جدا هل هذا يعتبر خارج عن محل الابتلاء أو لا؟ هذه مرتبة أخرى، بما أن هذا العنوان ذو مراتب فنحن نقتصر في التخصيص على المراتب المتيقنة وأما المرتبة غير المتيقنة المشكوكة نستطيع أن نتمسك بالعام يعني لا يسري الإجمال من الخاص إلى العام هذا ما أفاده المحقق النائيني.

المحقق العراقي هنا أورد عليه أيضاً: يقول: هذا الذي أفدته يصح في انحلال العلم الإجمالي ولا يصح في إجمال العام بمعنى أنه لو كان عندنا علم إجمالي وعندنا أطراف ذات مراتب وبعضها مشكوك وبعضها متيقن، بالنسبة إلى المتيقن خارج عن تحت العلم الإجمالي أو داخل تحته وبالنسبة إلى المشكوك يرجع إلى الشك البدوي فينحل العلم الإجمالي كما يُذكر في قضايا من انحلال العلم الإجمالي من هذا القبيل، عندي مثلاً علم إجمالي بوجود أحكام إلزامية في الشريعة المقدسة في بادئ الأمر هذا العلم الإجمالي منجز فكل ما أشك في اللزوم يفترض أن أحتاط ولكن وجدت عندنا أحكام إلزامية متيقنة موجودة في ضمن الروايات ما عدا ما في الروايات ينحل العلم الإجمالي وأستطيع أن أقول شك بدوي، فهذه المراتب المذكورة تفيدنا في انحلال العلم الإجمالي، أما في الإجمال إجمال العام لا تفيدنا المراتبية، بمعنى أنه يكفي في الإجمال أن يكون مقترنا بما يحتمل القرينية، نفس احتفاف العام بما يحتمل القرينية كافي لتحقق إجماله فعليه حتى لو كان ذا مراتب لا يفيد، الإجمال يسري يعني مجرد كونه ذا مراتب لا يفيدنا في رفع الإجمال بل الإجمال يسري لأن الإجمال يكفي في تحققه أن تكتنفه ليس فقط القرينية بل ما يحتمل كونه قرينة، فإذا كان هذا المقدار كافي فالإجمال يسري فيبقى الإشكال على ما هو عليه لو لم نقل بالجواب الأول، المحقق النائيني والعراقي أجابا بالأول والمحقق النائيني تنزلاً أجاب بالثاني وهو محل إشكال وإشكال المحقق العراقي وارد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo