< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/05/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات الاشتغال:

تكملة التنبيه العاشر:

كان الكلام فيما إذا كان أحد أطراف الشبهة متقدماً من حيث الرتبة على الطرف الآخر فالأصل الجاري فيه يكون متقدماً رتبة على الأصل الجاري في الطرف الآخر، هنا قلنا لا يتعارضان وإنما يجري الأصل في الطرف الذي هو متقدم وبالتالي ينتفي موضوع الآخر، كما هو الحال ما لو شك في الطهارة والنجاسة بين الماء والتراب، فقلنا هنا إذا حكمنا بطهارة الماء ينتفي موضوع التيمم أساساً، وهذا تقدم الكلام فيه.

الآن نريد أن نشير إلى شيء: وهو أنه قلنا في حالة التعارض وعدم منجزية العلم الإجمالي هل هنا يترك كلا الأمرين؟ يعني لا يتوضأ ولا يتيمم، أو يجمع بينهما؟ قلنا إنه يجمع بينهما لأدراك الواقع، والمانع المتصور هو أن هذا تشريع وقلنا هذا ليس بتشريع لأنه لم يقصد الإسناد إلى الشارع أن هذا هو المطلوب الشرعي، وإنما أتى به رجاءً واحتياطاً، وهذا لا يعتبر تشريعاً، والمانع الآخر أنه يتنجس بدنه بالماء وقلنا بأن التنجس يبتني على ما يأتي إن شاء الله في التنبيه الآتي أن ملاقي أحد أطراف الشبهة هل يوجب التنجيس أو لا؟ هناك كلام يأتي فيه إن شاء الله، والذي نريد أن نشير إليه هنا أنه في مثل هذا المورد الكلام ليس في التكليف أو الإثم وعدم الإثم وإنما الإجزاء وعدم الإجزاء، بمعنى أن الوضوء بالماء النجس في نفسه لا يعد حراماً ولكن ليس بصحيح، يعني لا يمكن الاكتفاء به للصلاة، فمن هذه الجهة لا يمنع أن نقول قصد القربة أو لم يقصد وكيف يجمع قصد القربة معه، لأنه هنا أتى به لأجل إدراك الواقع لعل الوضوء هو المطلوب الواقعي ولعل التيمم هو المطلوب الواقعي، فهذه النية لا محذور فيها، والإجزاء وعدم الإجزاء عندما يجمع بينهما يعني قطعاً حقق المطلوب الواقعي فإن كان المطلوب هو الوضوء فقد حقق الواقع وإن كان المطلوب هو التيمم في الواقع فقد أتى به أيضاً.

لكن هنا صورة أخرى: لو علم مثلاً بغصبية إما الماء أو التراب، هناك علم بالنجاسة وقلنا ليس هناك جهة تكليف من حرمة وعدم حرمة، أما هنا فقد علم إما أن الماء مغصوب أو أن التراب مغصوب، هنا الشبهة حرمة تكليفية لا يجوز له التصرف في المال المغصوب، هنا لا يمكن له الجمع بين الطرفين بخلاف النجاسة نقول له توضأ وتيمم يمكن، أما هنا لا نقول له توضأ وتيمم لأن الوضوء والتيمم هنا يعني عندما يجمع بينهما يقتضي المخالفة القطعية وارتكاب الحرام الواقعي، إن كان الماء هو المغصوب فاستعمل الماء المغصوب وإن كان التراب هو المغصوب فقد استعمل التراب المغصوب، على هذا لا يمكن الجمع بينهما، أيضاً لا يمكن تركهما لأنه يلزم منه المخالفة الواقعية، فعليه: هنا يكون مخيراً بين الوضوء وبين التيمم، تقول: بأنهما ليسا في عرض واحد التيمم عند عدم القدرة على الوضوء ليس في عرض واحد، نقول هنا نعم، بين الوضوء والتيمم ليست هناك عرضية ولكن الكلام الآن في الأصلين، الأصلان هنا متعارضان في عرض واحد، أشك في حلية التصرف في الماء وعدم الحلية هناك أيضاً أشك في حلية التصرف في التراب وعدم الحلية، هنا في عرض واحد يعني هذا له أثر وهذا له أثر في عرض واحد، هناك صورنا أن أصالة الطهارة في التراب لا أثر لها غير التيمم، إلا إذا قلنا بالسجود أيضاً قلنا نفس الكلام، فهنا من باب أنه كيف هنا قلنا إذا كان للتراب أثر غير التيمم كالسجود مثلاً عليه يتعارض الأصلان هنا أيضاً نفس الكلام يتعارض الأصلان فهما في عرض واحد، ولكن الفرق أن هناك يمكن الجمع بدون أن يستلزم معصية لأن الوضوء بالنجس في الواقع ليس بمعصية والتيمم بالتراب النجس في نفسه ليس بمعصية، هنا التصرف في المغصوب معصية فإذا قلنا بالجمع يلزم منه ارتكاب المعصية ومخالفة الواقع قطعاً، وتركهما معاً يلزم منه مخالفة الواقع قطعاً، فعليه: يكون المكلف مخيراً بين الوضوء وبين التيمم، يعني إذا أتى بالوضوء هنا عنده احتمال الموافقة واحتمال المخالفة، إذا كان أتى بالتيمم احتمال الموافقة واحتمال المخالفة ولا طريق عنده إلا هذا، فلهذا في مثل هذا المورد يكون دوران الأمر بين محذورين وعند الأمر بين محذورين هو مخير بينهما، هذا فرع.

فرع آخر يأتي هنا: وهو أنه لو علم إما أن أحدهما مغصوب أو الآخر نجس، هذا نتصوره بصورتين:

يعلم إما أن الماء مغصوب أو التراب نجس والصورة الثانية: يعلم بأن إما الماء نجس أو التراب مغصوب، أحدهما يتعلق به الغصب والآخر تتعلق به النجاسة، يعلم بأحدهما ولا يعلم بأن هذا مغصوب وهذا نجس، إما هذا مغصوب وذاك لا شيء فيه أو ذاك نجس وهذا لا شيء فيه، إما الماء مغصوب والتراب لا شيء فيه أو أن التراب نجس والماء لا شيء فيه، فهنا يحتمل كلا الأمرين.

هنا أيضاً لا يمكن الجمع بينهما، يعني إذا يتوضأ ويتيمم تكون هناك مخالفة قطعية، وإذا ترك الوضوء والتيمم أيضاً تكون هناك مخالفة قطعية، فإذاً هنا هل نقول بالتخيير بين الوضوء والتيمم أو لا؟ هنا نلاحظ جهة الغصبية، إذا فرضنا أنه إما الماء مغصوب أو التراب نجس استعمال الماء هنا يحتمل الموافقة القطعية لأنه يحتمل ليس فيه شيء والآخر نجس ولكن مع ذلك يحتمل أنه ارتكب المغصوب، أما إذا تيمم التيمم المتعلق بالتراب احتمال النجاسة فيه، إذا تيمم فهو يحتمل الموافقة ولكن لا يحتمل الإثم، في الماء المغصوب بما أنه يحتمل أن يكون مغصوباً فهو يحتمل الموافقة القطعية لأنه ليس بمغصوب وذاك نجس ويحتمل أنه في الواقع مغصوب فيكون مأثوم، فإذاً عندنا هنا جانب احتمال الموافقة واحتمال الإثم، وهناك عندنا احتمال الموافقة وليس عندنا احتمال الإثم، عليه: العقل يقول له هذ مقدم على ذاك، أنت لا يمكنك الجمع ولا يمكنك الترك وهذا لا يحتمل فيه الإثم وذاك يحتمل فيه الإثم فاترك ما يحتمل فيه الإثم فيتيمم، أما لو انعكس الأمر إما الماء نجس وإما التراب مغصوب هنا الوضوء يحتمل الموافقة ولا يحتمل الإثم والتيمم يحتمل الموافقة ويحتمل الإثم فلهذا العقل يقول له أنت لا يمكنك الجمع بينهما ولا تركهما فتوضأ من هذا الإناء.

هذه كلها فروع تكون في الواقع أجنبية عن أساس التنبيه، لأن أساس التنبيه هو فيما إذا كان في طوله، والآن الفروض التي فرضناها مؤخراً تكون الأصول في عرض واحد ولهذا نتصور التعارض والتساقط إلى آخره، أما أساس التنبيه هو أن يكون هذا في طول هذا فالمتقدم رتبة يجري ولا تصل النوبة إلى الآخر، هذا تمام الكلام في التنبيه العاشر.

التنبيه الحادي عشر:

وهو من التنبيهات المهمة في الاشتغال ودوران الأمر بين المتباينين، وقع الكلام الطويل بين الأعلام فيه.

وهو ملاقي أحد أطراف الشبهة، نحن الآن نتصور في الشبهة المحصورة عند الملاقاة صور، عندنا إناءان أحدهما طاهر والآخر نجس يعني أعلم بنجاسة أحد الإناءين، هنا بحسب الكلام السابق قلنا بأنه العلم الإجمالي منجز ويجب تركهما معاً، الآن الكلام هنا في سريان النجاسة منهما إلى الغير، نتصور صور:

الصورة الأولى: أن الملاقي لاقى هذا الإناء ولاقى هذا الإناء، عندنا (أ) و (ب)، (ج) لاقى (أ) ولاقى (ب) هنا قطعاً يتنجس ما عندنا شبهة في ذلك، وهذا خارج عن محل بحثنا في الملاقي لأحد أطراف الشبهة.

الصورة الثانية: عندي إناء (ج) لاقى الإناء (أ) والإناء (د) لاقى الإناء (ب)، لما ألاحظ الآن الإناءين الثانيين (ج-د) ألاحظ أنه وجد عندي علم إجمالي جديد بنجاسة أحد الإناءين إما (ج) وإما (د)، كان عندي علم إجمالي أول بنجاسة (أ) أو (ب) أحدهما وقعت فيه النجاسة الإناء (ج) لاقى الإناء (أ) والإناء (د) لاقى الإناء (ب) الآن صار عندي علم إجمالي إما هذا نجس وإما هذا نجس، لأنه أحدهما لاقى النجس الواقعي ولا أعلم، فصار عندي علم إجمالي آخر، هذا أيضاً خارج عن محل كلامنا.

الصورة الثالثة: الكلام هنا فيما إذا (ج) لاقى (أ) فقط، طرف ثالث لاقى أحد الطرفين، هل هنا أتعامل مع الطرف الثالث معاملة ما لاقاه فيتشكل عندي علم إجمالي وهو نجاسة إما هذان الإناءان وإما هذا، كما أنه كان عندي إما نجاسة (أ) أو نجاسة (ب)، الآن هل أقول إما نجاسة (أ-ج) أو (ب)، أو أقول: لا، الملاقي وهو (ج) لم أحرز أنه لاقى النجس، هو لاقى فقط (أ) وأنا لا أعلم أنه هل هو النجس أو ليس هو النجس، هنا بما أني لا أحرز أقول بأنه (ج) باقي على الطهارة، كان طاهراً وأشك في ملاقاته للنجاسة أستصحب طهارته، فأبقى على الحكم بطهارته، هل هذا الاحتمال أو هذا الاحتمال هنا محل البحث.

قبل الدخول في محل البحث هنا تمهيد لا بأس به ذكره السيد الخوئي (ره).

تمهيد:

وهو أن تنجيز العلم الإجمالي متوقف على تساقط الأصول على القول بالاقتضاء وهو الذي مرَّ أكثر من مرة، وهو تنجيز العلم الإجمالي بعد أن تقول أصالة الطهارة هنا وأصالة الطهارة هناك يتعارضان فيسقطان بعد ذلك العلم الإجمالي يكون منجزاً، هذا أمر واضح مفروغ عنه، هنا يقول إنه عندنا صور:

صورة أولى: أن يعلم بالتكليف الفعلي بين الطرفين كما لو علم بوجوب إما صلاة الظهر أو صلاة الجمعة في يوم الجمعة، هنا عندي علم فعلي بالتكليف وهو بالوجوب هذا العلم الفعلي بالتكليف، هو تقدم الكلام عندنا هو أحد أركان منجزية العلم الإجمالي هو أن أعلم بالتكليف الفعلي عبر عن التكليف بالجامع، المهم التكليف الفعلي محرز، فالصورة أن يعلم بوجود التكليف الفعلي بين الطرفين مثل هذا المثال.

صورة ثانية: أن يعلم بالموضوع التام للحكم كما في الشبهة الموضوعية، كما لو علمت بخمرية أحد المائعين، الخمر موضوع تام للنجاسة وللحكم بالحرمة، هناك في الفرض الأول علمت بالتكليف الفعلي، في الفرض الثاني علمت بالموضوع الفعلي للتكليف، الموضوع قطعاً موجود علمت بخمرية أحد هذين الإناءين، في الصورتين الأولى والثانية العلم الإجمالي يكون منجزاً وهذا الأمر فيه واضح، لأنه إذا قلت نجري أصالة البراءة عن صلاة الظهر وأصالة البراءة عن صلاة الجمعة في الفرض الأول يكون مخالفاً للعلم القطعي بوجود التكليف الفعلي ويلزم منه المعصية، إذا قلت أجري هذا دون ذاك، أصالة البراءة في الظهر ولا أجري أصالة البراءة في الجمعة يكون هذا ترجيح بلا مرجح، أجري في أحدهما المردد قلنا سابقاً المردد لا وجود له ولا ماهية، فالنتيجة إذاً لا بد أن نقول بالتنجيز، ونفس الكلام يأتي عند الكلام في الموضوع التام، نفس الكلام بحذافيره، ففي هاتين الصورتين الأمر واضح وليسا هما محل البحث في المقام.

صورة ثالثة: وهي أن يعلم بجزء الموضوع ولا يعلم بتمام الموضوع كالصورة الثانية، يعلم بجزء الموضوع، مثاله: أن يعلم إما أن هذا البدن بدن إنسان أو بدن حيوان مأكول اللحم ومذكى، بدن الإنسان إذا مسه الإنسان بعد برده وقبل غسله يجب عليه الغسل، وبدن الحيوان المذكى إذا مسه لا يجب عليه الغسل، الآن هنا الموضوع التام هو مس بدن ميت الإنسان، هذا موضوع تام للحكم بوجوب الغسل، فإذا علم هذا إنسان ميت ومسه يجب عليه الغسل، فإذاً الموضوع التام فيه مس بدن ميت الإنسان، هنا في المقام لم يعلم هل هذا بدن ميت إنسان أو هو بدن حيوان مأكول اللحم؟ فهو علم بجزء الموضوع، وجزء الموضوع علم ببدن ميت إنسان، والموضوع التام قلنا علم بمس بدن ميت إنسان، فإذا مس هذا الذي هو مردد بين الأمرين هنا لم يحرز تمام الموضوع، إذا لم يحرز تمام الموضوع هل نقول عليه غسل أو لا نقول عليه غسل؟ نقول: نشك في مسه لبدن ميت الإنسان والأصل عدمه، هذه المسألة من حيث الكبرى مسلَّمة ولكن من حيث الصغرى وقعت موقع البحث بينهم، يأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo