< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/06/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

ما أفاده صاحب الكفاية (قده):تقدم الكلام عندنا فيما ذُكر من الوجه جريان البراءة العقلية بالنسبة إلى الأكثر عند دوران الأمر بين الأقل والأكثر، قلنا بأن الأقل واجب على كل تقدير ومنجز على كل تقدير سواء كان نفسياً أو غيرياً على الوجه الأول بالتوجيه الذي ذكرناه، أو كان استقلالياً أو ضمنياً على التوجيه الثاني، المهم أن الأقل متنجز على كل تقدير والأكثر مشكوك فيه فيكون مجرى للبراءة العقلية.

هنا ذُكر للمنع من هذا الانحلال عدة وجوه: من جملتها ما أفاده المحقق صاحب الكفاية:

يقول: بأن هذا الانحلال محال لأنه يستلزم منه الخلف أو يستلزم من وجوده عدمه، وما يستلزم منه الخلف أو يستلزم من وجوده عدمه فهو مستحيل.

بيان ذلك: أما بالنسبة إلى الأول وهو بيان الخلف، فيقول صاحب الكفاية هكذا: إن العلم بوجوب الأقل أو العلم بتنجز الأقل يتوقف على تنجزه على كل تقدير أو وجوبه على كل تقدير، والمقصود من كل تقدير يعني سواء كان الواجب في الواقع هو الأقل أو كان الواجب في الواقع هو الأكثر فهنا الأقل متنجز على كلا التقديرين.

فإذاً هذه النقطة الأولى في كلامه وهي أن التنجز أو العلم بتنجز الأقل يتوقف على تنجزه على كل تقدير، عليه: إذا أجرينا البراءة في الأكثر، يعني غير منجز في الأكثر يعني انحل في الأكثر، إذا أجرينا البراءة في الأكثر معناه أن الأقل ليس متنجزاً على كل تقدير فإذا لم يكن متنجزاً على كل تقدير لا يستلزم منه الانحلال ويكون القول بالانحلال خلف الفرض.

بيان ذلك أكثر: بعدما ذكرنا سابقاً أن الأقل منجز على كل تقدير أو واجب على كل تقدير، مقصودنا من ذلك أننا نقول عندنا علم إجمالي بوجوب نفسي يتعلق بهذا الواجب المركب وتردد الأمر أن هذا الواجب متعلق بالأقل أو متعلق بالأكثر، هذا العلم الإجمالي من لم يقل بالبراءة يقول هذا العلم منجز لأنه علم إجمالي بالتكليف وشك في المكلف به وهو وجوب الأقل أو وجوب الأكثر فهنا يتنجز التكليف، القائل بالانحلال يقول: صحيح عندنا علم إجمالي وتردد بين تعلقه بالأقل أو تعلقه بالأكثر ولكن صار عندنا علم تفصيلي بوجوب الأقل سواء كان لوجوبه أو كان لوجوبه الغيري على الوجه الأول أو سواء كان على وجوبه الاستقلالي أو وجوبه الضمني على التوجيه الثاني، المهم بالنسبة إلى الأقل الآن نعلم بوجوبه نعلم بتنجزه والأكثر نشك فيه، فصار عندي علم تفصيلي بالأقل وشك بدوي في الأكثر نجري فيه البراءة، هكذا صورنا الكلام سابقاً.

الآن صاحب الكفاية يقول من خلال هذا التوجيه: عرفنا بأن تنجز الأقل أو علمنا بوجوب الأقل توقف على التنجز على كل تقدير يعني التنجز على تقدير أن الواجب هو الأقل وعلى تقدير أن الواجب هو الكثر العلم بالأقل صار منجزاً.

إذا اتضحت هذه الجهة الآن نأتي ونقول: أنت تريد أن تقول بالانحلال يعني تريد أن تجري البراءة فيما زاد في الأكثر، لما تجري البراءة في الأكثر يعني لم يتنجز التكليف في الأكثر وإذا لم يتنجز التكليف في الأكثر معناه أن الانحلال المتوقف على تنجيز الأقل وتنجيز الأقل المتوقف على التنجيز على كل تقدير لم يتنجز على كل تقدير، لأنه على تقدير عدم تنجز الأكثر أنت قلت بتنجز الأقل معناه أنه لم يتنجز على كل تقدير وهذا خلف، هذا البيان للجهة الأولى.

وهنا قبل أن نبين الأمر الثاني نشير فقط إلى شيء، السيد الخوئي (ره) بين هذا الخلف لكن لا يخلو من تشويش أو نوع من عدم الدقة في البيان، لا بأس نقرأ عبارته ونعلق، يقول: ما ذكره صاحب الكفاية من استحالة انحلال العلم الإجمالي في المقام لاستلزامه الخلف وعدم نفسه، أما الأول الخلف: فلأن العلم بوجوب الأقل يتوقف على تنجز التكليف مطلقاً أي على تقديري تعلق التكليف بالأقل وتعلقه بالأكثر وهذا واضح ما فيه شيء، فلو كان وجوبه على كل تقدير مستلزماً لعدم تنجزه فيما إذا كان متعلقاً بالأكثر كان خلفاً، فأرجع الخلف إلى ما إذا كان متعلقاً بالأكثر فلو كان وجوب الأقل على كل تقدير مستلزماً لعدم تنجز الأكثر فيما إذا كان متعلقاً، فلو كان وجوبه على كل تقدير مستلزماً لعدم تنجزه فيما لو كان متعلقاً بالأكثر كان خلفاً، فجعل إذا كان مستلزماً لعدم تنجزه تنجز الأقل المفروض فيما إذا كان متعلقاً بالأكثر كان خلفاً، يعني جعل أنه إذا تقول بعدم تنجز الأقل إذا كان متعلقاً بالأكثر كان خلفاً، صاحب الكفاية لا يريد أن يبين أنه لعدم تنجز الأقل بل يريد أن يتمسك بهذه أنه أنتم تقولون تنجز الأقل وتنجز الأقل الذي أوجب الانحلال وتنجز الأقل يتوقف على تنجزه على كل تقدير وتنجزه على كل تقدير يخالف القول بجريان البراءة في الأكثر لماذا؟ لأن معناه أنه يتنجز لا على كل تقدير، إذا تقول يتنجز الأقل على كل تقدير يعني على تقدير تنجز الأكثر وعلى تقدير تنجز الأقل، فإذا أجريت البراءة في تنجز الأكثر معناه أن الأقل متنجزٌ مع عدم تنجز الأكثر، وهذا الخلف هنا، وليس الخلف كما قال: من أنه وكان وجوبه على تقدير مستلزماً لعدم تنجزه فيما إذا كان متعلقاً بالأكثر، يعني كأنه قال صاحب الكفاية يتنجز على كل تقدير ولا يتنجز إذا لم يتنجز على الأكثر وهذا خلف، لا ليس هو هذا مراده.

هذا بيان الأول وهو لزوم الخلف.

البيان الثاني: وهو أن يلزم من وجوده عدمه، يلزم من وجود الانحلال عدم الانحلال، لماذا؟ بهذا البيان: إذا كان تنجز الأقل على كل تقدير، تقدير توجه التكليف للأقل بخصوصه وتوجه التكليف للأكثر على كل تقدير يتنجز الأقل، إذا كان هذا التنجيز مستلزماً لعدم تنجز الأكثر لأنك كنت تريد جعل شك بدوي في الأكثر فتنجيز الأقل على كل تقدير يستلزم عدم تنجز الأكثر، ولزوم عدم تنجز الأقل مطلقاً يلزم عدم تنجز الأقل مطلقاً، لاحظوا أنه تنجز الأقل على كل تقدير يلزم منه عدم تنجز الأكثر، وعدم تنجز الأكثر يلزم منه أن لا يكون الأقل متنجزاً على كل تقدير مطلقاً وإذا لم يكن متنجزاً مطلقاً لزم من القول بتنجز الأقل عدم تنجز الأقل فيلزم من وجوده عدمه، هذا الإشكال الثاني لصاحب الكفاية.

النتيجة من هذا الكلام: هو استحالة هذا الانحلال يعني القول بانحلال العلم الإجمالي الدائر بين الأقل والأكثر باليقين بالأقل والشك في الأكثر يلزم منه الباطل فيكون باطلاً.

كلام صاحب الكفاية صار محل أخذ ورد بين الأعلام من جملتهم السيد الخوئي (ره) فإنه قال: بأن الجواب عن كلا الإشكالين بكلمة واحدة بتعبيره وهي ترفع هذا الإشكال، وهو أن الانحلال لا يتوقف على تنجز التكليف على كل تقدير، يعني على تقدير تعلقه بالأقل وعلى تقدير تعلقه بالأكثر، بل الانحلال وتنجز التكليف بالنسبة إلى الأكثر متنافيان، تقول انحلال وتقول الأكثر تنجز وهذا تنافي واضح لا غبار فيه، إذاً النقطة هي هذه: الانحلال مبني على العلم بوجوب ذات الأقل على كل تقدير أي على تقدير وجوب الأقل في الواقع بنحو الإطلاق أو بنحو التقييد، السيد الخوئي رفع كلمة التنجيز، يقول ارفع كلمة التنجيز وضع محل كلمة التنجيز العلم بالوجوب، بالنسبة إلى الأقل أنا أعلم بوجوب الأقل على كل تقدير، ما مقصودنا من على كل تقدير؟ المقصود أن الأقل تارة نلاحظه بنحو الإطلاق وتارة نلاحظه بنحو التقييد، عندنا الأقل ذات الأقل وهي التسعة أجزاء مثلاً، ذات الأقل تارة تكون واجبة بنحو الإطلاق أتيت بالأكثر أو لم تأتِ بالأكثر الأقل يكون واجباً، أو وجب الأكثر أو لم يجب الأكثر الأقل يكون واجباً، وتارة نلاحظ ذات الأقل واجب بقيد الأكثر بقيد الجزء الزائد، فعندي إذاً لحاظان، بالنسبة إلى الإطلاق لا تجري فيه أصالة البراءة، نفس الإطلاق ليس فيه كلفة لا تجري فيه البراءة، وبالنسبة إلى التقييد وهو التقييد بالأكثر هنا فيه كلفة وفيه شيء زائد تجري فيه البراءة فنجري البراءة عن القيد الزائد، هكذا صور الانحلال، وإذا صورنا الانحلال بهذا النحو نكون بالنسبة إلى الأقل نعلم بوجوبه سواء كان وجوباً مطلقاً أو كان وجوباً مقيداً نعلم بوجوبه، فنحن نعلم بوجوبه على كل تقدير، يعني نعلم بوجوبه سواء كان بدون وجوب الزائد أو مع وجوب الزائد، عليه: لا يلزم منه خلف الفرض ولا يلزم من وجوده عدمه، لأننا رفعنا التنجيز، يعني جهة الإشكال عند صاحب الكفاية أن تنجيز الأقل يتوقف على التنجيز على كل تقدير، على تقدير الأقل منجز هذا منجز وعلى تقدير الأكثر منجز هذا منجز، فهنا لما أتينا بكلمة منجز لزم منه الخلف أو لزم من وجوده عدمه، أما لو قلنا نرفع كلمة تنجز ونأتي بكلمة يجب، ذات الأقل نعلم بوجوبها سواءً كان الأكثر واجباً أو ليس بواجب، أو سواء كان الأقل واجب بنحو الإطلاق أو واجب بنحو التقييد، نحن نعلم بوجوبه بالنسبة إلى الأكثر نشك في وجوبه هنا نجري فيه البراءة.

لاحظوا العبارة يقول: إن الانحلال لا يتوقف على تنجز التكليف على تقديري تعلقه بالأقل وتعلقه بالأكثر بل الانحلال وتنجز التكليف بالنسبة إلى الأكثر متنافيان، تقول انحلال موجود وتقول تكليف بالأكثر منجز وهذا تنافي واضح، لا يجتمعان فكيف يكون متوقفاً عليه، بل الانحلال متوقف على العلم بوجوب ذات الأقل على كل تقدير أي على تقدير وجوب الأقل في الواقع بنحو الإطلاق وعلى تقدير وجوبه في الواقع بنحو التقييد فذات الأقل معلوم الوجوب إنما الشك في الإطلاق والتقييد وحيث إن الإطلاق لا يكون مجرى للأصل في نفسه على ما تقدم بيانه فيجري الأصل في التقييد بلا معارض، وينحل العلم الإجمالي لا محالة وهذا واضح لا غبار عليه فلا يكون مستلزماً للخلف ولا وجود الانحلال مستلزماً لعدمه، وإنما نشأت هذه المغالطة من أخذ التنجز على كل تقدير شرطاً للانحلال وهذا ليس مراد القائل بالبراءة، وللحديث تتمة إن شاء الله تعالى، والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo