< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/08/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

بيان المانع الرابع:

الكلام كان في الموانع من جريان البراءة عندما يدور الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين، وذكرنا موانع ثلاثة والجواب عنها، وبدأنا في المانع الرابع.

ولكن قبل أن نبدأ به نريد فقط أن نشير إلى شيء في المانع الثالث الذي ذكره المحقق النائيني (قده).

نقول: أيضاً يرد على ما أفاده المحقق النائيني أن هذا الكلام مقتضاه هو عدم جريان البراءة العقلية والبراءة الشرعية بينما أنت ترى جريان البراءة الشرعية في المقام وإن كنت لا ترى البراءة العقلية.

توضيح ذلك: هو قال: بأن العلم التفصيلي بوجوب الأقل في المقام إنما هو على نحو الإهمال بمعنى أنه أعلم بالجامع يعني أعلم بوجوب الأقل ولكن هل هو على نحو الإطلاق أو على نحو التقييد؟ أنا لا أعلم به هذا مراده من قوله على نحو الإهمال، الأقل تارة يكون بنحو الإطلاق يجب الأقل وجب الأكثر أو لم يجب، يجب الأقل في نفسه، وتارة نقول: يجب الأقل منضماً إلى الأكثر بما أنه داخل تحت الأكثر ومنضم إلى الأكثر، هو يقول هذا النحو من العلم بالأقل أحد الطرفين على نحو الإطلاق هو نفس العلم بالجامع ليس شيئاً آخر فعليه لا يوجب الانحلال.

نقول: هذه النكتة على فرض صحتها إذا غضضنا النظر عن الإشكالين السابقين ما أورده السيد الخوئي وما أوردناه، على فرض غض النظر عن ذلك، نقول: هذه النكتة عندما نسلم بها فهي تقتضي عدم جريان البراءة العقلية وعدم جريان البراءة الشرعية، لأن الانحلال يكون بعد جريانها في أحد الطرفين دون الآخر، بينما أنت لا ترى جريان البراءة العقلية ولكنك ترى جريان البراءة الشرعية، فالجواب الذي تجيب به هناك نجيب به هنا، الجواب الذي تجيب به في جريان البراءة الشرعية نحن نجيب به أيضاً في جريان البراءة العقلية، هذه تتمة أردنا إضافتها إلى ما ذكرناه سابقاً.

بيان المانع الرابع:

المانع الرابع ذكره الشيخ وأجاب عنه وذكره أيضاً صاحب الكفاية، وملخصه: أن هذا المانع يبتني على بيان أمرين:

الأمر الأول: أن الأحكام الشرعية عندنا نحن العدلية تابعة للملاكات الموجودة في متعلقاتها وهي المصالح والمفاسد كما هو معلوم بأننا نحن العدلية نرى بأن أي حكم يكون ناشئاً عن ملاك ولا يمكن أن يكون اعتباطاً لأن المولى حكيم وأفعاله عن أغراض وليست بلا غرض، فعندما يأمر الشارع بشيء على نحو الوجوب نقول: بأن هذا الفعل فيه مصلحة ملزمة اقتضت الوجوب، وعندما ينهى عن فعل بنحو التحريم نقول: في هذا الفعل مفسدة ملزمة اقتضت التحريم، وإن كان في الفعل توجد مصلحة لا بنحو اللزوم ليست ملزمة فهنا ينشأ الاستحباب، والعكس أيضاً يعني لو كان في الفعل مفسدة ليست ملزمة الشارع يقول بالكراهة، وإذا كان الفعل متساوي الطرفين من حيث المصلحة والمفسدة أو لا مصلحة ولا مفسدة فيه هنا الحكم بالإباحة، هذه مقدمة مسلمة في الجملة، يعني المشهور عند العدلية يرون ما ذكرناه أن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد في متعلقاتها.

هناك رأي في مقابل المشهور يرى بأن الأحكام تابعة للملاكات ولكن الملاكات ليس بالضرورة أن تكون بالمتعلقات بل في نفس الجعل من قبيل الأوامر الامتحانية فهي مصلحتها في الجعل وليست المصلحة والملاك في نفس المجعول، وهذا بحث آخر، الآن على حسب ما ذكرناه ورأي المشهور، المقدمة الأولى هي هذه أن الأحكام تابعة للملاكات وهي المصالح والمفاسد الواقعية.

المقدمة الثانية: أنه يجب تحصيل غرض المولى عقلاً بحكم العقل يعني كما أن العقل يحكم بلزوم تحصيل أوامر المولى وامتثال أوامر المولى وإطاعة أمر المولى أيضاً العقل يحكم بلزوم تحصيل غرض المولى.

هنا يمكن أن نضيف شيء وهو توضيح في الواقع ويمكن جعلها كمقدمة أخرى: أن المصالح والمفاسد الواقعية لا ندركها نحن إلا من طريق الشارع، الشارع إذا بين لنا ما هي المصلحة أو المفسدة الواقعية فتتضح وإذا لم يبين لنا ما هي لا نعرف، ولكن نعرف المصلحة والمفسدة إذا لم يصرح بها الشارع نعرفها من خلال نفس الأمر، بمعنى أنه إذا أمر بنحو الوجوب نحن نستكشف وجود مصلحة حتى لو لم نعرف ما هي المصلحة، لكن ندرك وجود مصلحة، وعندما ينهى ندرك وجود مفسدة، المهم إن معرفة المفسدة والمصلحة الواقعية لا تتم إلا من قبل المولى، يعني لا تضر عدم معرفتنا بها بنحو التفصيل.

إذا اتضحت هذه الأمور، النتيجة هي: أن الشارع أمر بفعل شيء ومنه نكتشف وجود الملاك، هنا في المقام أمر ولكن متعلف الأمر نحن نشك فيه، هل هو الأقل بخصوصه أو هو الأكثر؟ هذا الأمر بهذا المقدار يكشف وجود ملاك في المقام، يكشف عن وجود غرض للمولى في المقام حتى لو لم نعرفه كما قلنا، العقل يقول: يجب تحصيل غرض المولى كما تجب طاعته وامتثال أمر المولى أيضاً يجب تحصيل غرض المولى، إذا علم العبد أن المولى تعلق غرضه بشيء حتى لو لم يأمر يجب تحصيله، لو علم العبد بأن سيده تعلق غرضه بالماء للشرب هنا يجب على العبد تحصيل هذا الغرض وأن يأتي بالماء لرفع عطش سيده، المهم العقل يقول بلزوم تحصيل غرض المولى، غرض المولى موجود ولكن لا ندري هو في الأقل بخصوصه أو في الأكثر؟ لا ندري، مقتضى ضم هذه المقدمات أنه يجب الاحتياط ويجب الاتيان بالأكثر ولا تجري البراءة، والسبب واضح على هذا التقدير، إذا أتيت بالأقل هنا لم أحرز تحصيل غرض المولى وقلنا بأن العقل يلزم بتحصيل غرض المولى، إذا أتيت بالأكثر حققت غرض المولى قطعاً، فهنا بما أنه يجب تحصيل غرض المولى وغرض المولى موجود في أحد هذين الامتثال بأحدهما لا يوجب تحصيله والامتثال بالآخر يوجب تحصيله، فالعقل يقول: يجب عليك الإتيان بالأكثر لتحصيل غرض المولى، معنى ذلك أنه لا تجري البراءة في الأكثر لا مجال لها، هذا هو حاصل المانع.

هذا المانع أجاب عنه نفس الشيخ بجوابين:

الجواب الأول: يقول: بأن الكلام في جريان البراءة وعدم الجريان لا يختص بخصوص مبنى العدلية يعني لا يبتني على مذهب العدلية بل هذه الأصول عندما نبحثها نبحثها بنحو مطلق بمعنى أنه على الأعم من قول العدلية وغيرهم، هذا المانع يكون مبتنياً على خصوص رأي العدلية بينما نحن لا نبحث على خصوص مبنى العدلية، فإذاً هذا الجواب لا يتم.

طبعاً هذا الجواب من الشيخ غير تام، السبب لعله يكون واضحاً، هذا المستشكل فعلاً هو مستشكل على ما هو عليه من مبنى العدلية، بمعنى أن رأي الأشاعرة من عدم تبعية الأحكام للملاكات هذا رأي مخدوش في نفسه ولا نبني الكلام عليه، فالمستشكل يقول بما أننا نحن العدلية نرى بأن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد في متعلقاتها إذاً لا تجري البراءة ولا بد من جريان الاحتياط، أنت تقول له: هذا المانع يبتني على مبنى العدلية ونحن نبحث في الأعم هذا أشبه ما يكون بالجواب الجدلي، إذاً هذا الجواب من الشيخ (قده) لا يمكن الأخذ به، المهم في الجواب هو الجواب الثاني.

الجواب الثاني: يقول: بأن تحصيل الغرض مما لا يمكن أن نقطع به، يعني أنت أيها المستشكل تقول: إذا أتيت بالأقل لا أقطع بحصول الغرض واحتمال أن الأكثر هو الواجب ولكن إذا أتيت بالأكثر أحصل الواجب والغرض، الشيخ هنا يقول: تحصيل الغرض في المقام لا يمكن القطع بحصول الغرض على التقديرين، أما على التقدير الأول إذا أتيت بالأقل فواضح، إذا أتيت فنقول يمكن أن يكون غرض المولى موجوداً في الأكثر، أنت لم تأت بالأكثر وأتيت بالأقل فلم تحصل غرض المولى وهذا واضح، أما على التقدير الثاني عملت بالاحتياط وأتيت بالأكثر، يقول هنا لو أتيت بالأكثر لا أقطع ولا أجزم بحصول الغرض باعتبار أنه يمكن أن يكون الغرض موجود بالأكثر ولكن على وجه أن تأتي به على وجهه بنحو الوجوب وأنت لا تستطيع أن تأتي به على نحو الوجوب يعني هو الواجب.

بيان ذلك: هذه الجهة تبتني على القول بقصد الوجه، هل يشترط قصد الوجه في الإتيان بالعبادة أو لا؟ يعني آتي بالفعل بقصد الوجوب إذا كان واجباً أو آتي بالفعل بقصد الاستحباب إذا كان مستحباً أو لا؟ هذا بحث، الشيخ هنا الآن يبني الكلام على قصد الوجه قصد الأمر، إذا أتيتُ بالأكثر بالزائد إذا كان بقصد الأمر الجزمي أنه أتيت بالأكثر لوجوبه، هذا تشريع لأنه لا أعلم في الواقع بوجوب الأكثر وأتيت به بقصد الوجوب، هذا تشريع، ومع الإتيان بالفعل تشريعاً لا يتحقق الغرض لأنه في الواقع احتمال ليس الأكثر الواجب، وإذا أتيت بالفعل بقصد الأمر الاحتمالي يحتمل أن يتعلق الأمر بالأكثر فأنا آتي به بقصد الأمر الاحتمالي، هنا أيضاً لا أقطع بحصول الغرض لاحتمال مدخلية قصد الوجه في المقام، يعني أن الغرض لا يتحقق إلا بالإتيان بقصد الوجه، هذا محتمل، إذاً على كلا التقديرين لا يحصل عندي جزم بتحصيل الغرض فتحصيل الغرض الحكم العقلي يقول: يجب تحصيل الغرض إذا كان ممكناً وأما إذا لم يكن ممكناً فلا يجب تحصيل غرض المولى لأنه غير ممكن وخارج عن القدرة، عليه: نقول هذه المقدمة الآن لا بد أن نرفع اليد عنها وهي وجوب تحصيل الغرض لأنه غير ممكن، والذي يبقى عندنا هو أنه أحذر من العقاب يعني وُجد الأمر من قبل الشارع فعليّ أن آتي بالفعل الذي يرفع عني العقاب، هذا الذي يبقى، تحصيل المؤمّن وتحصيل المؤمّن يتم بالإتيان بالأقل وجريان البراءة عن الأكثر، يعني تحصيل المؤمن لما أنا أجريت البراءة العقلي عن الأكثر هنا وُجد عندي المؤمن، احتمال العقوبة فيه يكون مدفوعاً بهذا الأصل، فالنتيجة تكون جريان البراءة في الأكثر أن آتي بالأقل وأجري البراءة عن الأكثر، هذا تمام كلام الشيخ.

وبعبارة مختصرة نقول هكذا: أن المقدمة الثانية في المانع وهي لزوم تحصيل غرض المولى عقلاً صحيح في حال القدرة عليه وفي حال التمكن منه وفي المقام لا أتمكن منه، إما على الأقل لاحتمال أن الغرض موجود في الأكثر وإما على الأكثر لاحتمال أن الغرض لا يتم ولا يحصل إلا بالإتيان به على نحو بقصد الوجه وبدون قصد الوجه لا يمكن.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo