< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/11/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

الوجه الثالث للمحقق النائيني (قده) في التعيين:

تقدم الكلام عندنا في أنه عند دوران الأمر بين التعيين والتخيير في القسم الثالث في مقام الجعل وُجد خلاف بين الأعلام تقدم الكلام حول ما أفاده المحقق صاحب الكفاية من جريان الاشتغال والقول بالتعيين، وتقدم أيضاً الوجه الأول مما أفاده المحقق النائيني من القول بالتعيين، وتقدم مناقشة السيد الخوئي له مبنية على مبناه في الواجب التخييري.

الوجه الثالث: هو أيضاً أفاده المحقق النائيني (قده) وأيضاً يستفيد منه التعيين، وحاصل ما أفاده: يقول: بأن الوجوب التخييري يحتاج إلى مئونة في مقام الثبوت وفي مقام الإثبات، على ذلك نشك في هذه المئونة فنجري الاشتغال مثلاً أو نجري الاستصحاب كما سنوضح فعلاً، المهم المراد إثبات التعيينية بواسطة وجود المئونة الزائدة.

بالنسبة إلى المئونة الزائدة في مقام الثبوت هو أنه يحتاج الحاكم في مقام الثبوت إلى ملاحظة العدل للواجب الآخر، بهذا البيان: أن الواجب أو المطلوب عندنا يدور أمره بين أن يكون (أ) وجوبه على نحو التعيين أو يكون وجوبه على نحو التخيير، إما يجب الصيام ستين يوماً في الكفارة أو الإطعام لستين مسكين، نلاحظ هنا في مقام الثبوت إذا كان الواجب تعييني يحتاج إلى ملاحظة هذا الواجب التعييني يعني إذا كان الواجب صيام ستين يوماً فنحتاج إلى ملاحظة هذا فقط، في الواجب التخييري نحتاج زيادة على ذلك إلى ملاحظة العدل ثبوتاً نلاحظ العدل نلاحظ الإطعام حتى فيما بعد نحكم، فإذاً في مرحلة الثبوت يحتاج الواجب أو الوجوب التخييري إلى ملاحظة مئونة زائدة وهي ملاحظة العدل الآخر للواجب المعلوم وجوبه، وفي مقام الإثبات أيضاً نحتاج إلى المئونة الزائدة لأنه في مقام الإثبات يأتي الدليل يقول: يجب إما الصيام وإما الإطعام، إذاً في مرحلة الثبوت توجد مئونة زائدة وفي مرحلة الإثبات أيضاً توجد مئونة زائدة، وما لم تقم حجة على المئونة الزائدة يحكم بعدمها.

فالنتيجة لما نحكم بعدم المئونة الزائدة يعني يتعين القول بالتعيين، هذا حاصل ما أفاده.

أورد عليه السيد الخوئي (ره) بإشكالين:

الإشكال الأول: إنّا لا نسلم ملاحظة المئونة الزائدة على نحو الإطلاق، أي في التخيير العقلي وفي التخيير الشرعي، لا نسلم ذلك، بمعنى أنه في التخيير العقلي لا نتصور مئونة زائدة لأن في التخيير العقلي إذا كان المحتمل هو التخيير العقلي أنه مخير بين الفردين ولكن تخييراً عقلياً، في التخيير العقلي نحتاج إلى ملاحظة الجامع وفي الوجوب التعييني نحتاج إلى ملاحظة الواجب بعينه، فإذاً في الواجب التخييري نحتاج إلى مؤونة شيء واحد وهو ملاحظة الجامع، وفي الواجب التعييني نحتاج إلى ملاحظة شيء واحد وهو خصوص هذا الواجب المعين، إذاً في الإثنين في الواجب التعيين وفي الواجب التخييري إذا كان التخيير عقلياً لا نحتاج إلا إلى شيء واحد فلا نحتاج إلى مئونة زائدة، نعم في الوجوب التخييري الشرعي هنا نحتاج إلى تصور المئونة الزائدة لأنه احتاج إلى تصور العدل، فعندنا في الوجوب التخييري الجامع في التخيير الشرعي هو عنوان أحدهما على حسب ما ذكرنا بأن السيد الخوئي يرى هذا العنوان الانتزاعي الجامع وهذا العنوان انتزاعي، ومن الواضح أنه نحتاج بالإضافة إلى ملاحظة هذا العنوان الانتزاعي الذي هو أحدهما ملاحظة نفس الشيئين، يعني أحد الشيئين هذا هو الجامع في التخيير الشرعي هذا الجامع يحتاج إلى ملاحظة الشيئين، يعني في المثال الذي ذكرناه الصيام أو الإطعام لا يكتفى بملاحظة الجامع وهو عنوان أحدهما بل لا بد من ملاحظة الشيئين بنفسهما، فإذاً في الوجوب التخييري إذا كان التخيير بنحو التخيير العقلي لا نسلم وجود مئونة زائدة وأما في الوجوب التخييري إذا كان التخيير شرعياً فنعم توجد ملاحظة ثانية.

فإذاً الإشكال من طرف السيد الخوئي على المحقق النائيني أن ما أفدته من حاجة الوجوب التخييري إلى مئونة زائدة هذا ليس على إطلاقه ليس على كل تقدير وإنما هو يتم في خصوص التخيير الشرعي دون التخيير العقلي والكلام الآن مطلق، هذا الإشكال الأول الذي أفاده السيد الخوئي (ره).

الإشكال الثاني: أن مرجع ما أفاده المحقق النائيني (قده) ليس هو إلى الاشتغال وإنما مرجعه إلى الاستصحاب، قال: لا بد من ملاحظة مئونة زائدة ولا بد أن تقوم الحجة عليها فما لم تقم الحجة فالأصل عدمها أو يُحكم بعدمها، هذا استصحاب عدم لحاظ العدل يرجع إلى هذا، عدم لحاظ العدل تريد أن تستفيد منه التعيين فيكون أصلاً مثبتاً، استصحاب عدم لحاظ العدل لازمه أن يكون الوجوب بنحو التعيين وهذا أصل مثبت وهو غير ثابت فما يترتب عليه غير صحيح، مضافاً إلى أن هذا الاستصحاب لو فرضنا أنه تام، استصحاب عدم ملاحظة العدل يعارضه استصحاب عدم ملاحظة العدل الأول الواجب الأول بخصوصه، عندنا الأمر يدور بين الوجوب التعيين لهذا الفرد أو أنه واجب تخييري، الوجوب التعييني معناه أنه لاحظته بخصوصه لحاظ أمر وجودي مسبوق بالعدم تستطيع أن تجري فيه استصحاب عدم ملاحظته بخصوصه، فإذا أنت تقول بجريان استصحاب عدم ملاحظة العدل فهو يتعارض مع استصحاب عدم ملاحظة هذا الواجب بعينه على نحو التعيين أن يلاحظ بخصوصه فيكون الأصلان متعارضين، هذا ما أفاده السيد الخوئي (ره) في الجواب ما يرد على المحقق النائيني في مقام الثبوت.

في مقام الإثبات المحقق النائيني قال: نحتاج في الوجوب التخييري إلى ملاحظة الزيادة في الثبوت، وفي الإثبات: الإثبات أن يقوم الدليل ويقول هذا أو ذاك الصيام أو الإطعام، هذه الزيادة والأصل عدمها أيضاً، هذا المعنى يتم إذا وُجد عندنا دليل لفظي دل على الوجوب فنشك هل هذا الوجوب تعييني أو وجوب تخييري؟ فنتمسك بإطلاق الدليل اللفظي، هو بنفسه ينفي التخييرية هكذا يفترض حتى نثبت كون الوجوب تعيينياً، ولكن كلامنا فعلاً مع عدم وجود دليل لفظي، الكلام الأساس في هذا البحث الآن في جريان الأصل أو عدم جريان الأصل نجري البراءة أو نجري الاشتغال أساساً متفرع على القول بعدم وجود الدليل اللفظي، أما إذا وجد الدليل اللفظي كالإطلاق بل لو وجد الأصل الموضوعي في المقام لا مورد لجريان البراءة أو جريان الاشتغال، فإذاً نحن هنا عندما نشك نعلم بوجوب أحدهما ونحتمل وجوب الآخر على نحو التخيير نحتمل أن يكون الآخر واجباً على نحو التخيير، هذا يكون مع عدم وجود دليل لفظي مطلق يمكن الاستفادة من إطلاقه وإلا خرج البحث عما هو عليه.

فعليه: في مقام الإثبات تقول تحتاج إلى مئونة زائدة وهو أن الدليل اللفظي يدل هذا أو ذاك، هذا يكون مع وجود الدليل اللفظي وليس بحثنا فعلاً فيه، هذا ما يرجع إلى الوجه الثالث للقول بالتعيين وهو الوجه الثاني الذي أفاده المحقق النائيني (قده).

هناك وجه رابع: أفاده بعضهم، أيضاً لبيان التعيين، حاصل هذا الوجه هو التمسك بأصالة عدم وجوب ما يحتمل وجوبه، لما نعيد أساس الصورة في هذه الصورة أنه نعلم بوجوب شيء بعينه ونحتمل وجوب آخر على نحو الواجب التخييري فنحن لا نعلم بوجوب الآخر ولا نعلم بمسقطيته على حسب ماتقدم لا نعلم بوجوب الواجب الآخر ولا نعلم بمسقطيته فنحتمل أنه واجب ونحتمل أنه مسقط، الآن هذا الوجه يقول بالنسبة إلى أحد الفردين بخصوصه هذا متعين ومعلوم الوجوب، وبالنسبة إلى الثاني الذي نحتمل وجوبه هنا نجري أصالة عدم عدم وجوبه فإذا أجرينا أصالة عدم وجوبه يتعين لدينا القول بالتعيين، هذا الواجب معين قطعاً وهذا الشيء الآخر مشكوك هل أنه واجب أو ليس بواجب؟ نحتمل وجوبه نجري فيه أصالة عدم وجوبه لما نجريها يثبت عندنا التعيين في الطرف الأول، هذا الوجه، النتيجة يثبت الوجوب التعييني.

هنا أيضاً أورد عليه السيد الخوئي (ره) بأنه هذا الأصل المذكور ما هو المراد منه؟ هل هو أصل عقلي براءة عقلية أو هو براءة شرعية أو هو استصحاب؟ لا يخلو الأمر من هذه الأمور الثلاثة، أما بالنسبة إلى البراءة العقلية فلا تجري في المقام لأن البراءة العقلية هي قبح العقاب بلا بيان فإذاً في المورد الذي نحتمل فيه العقوبة نقول: قبح العقاب بلا بيان، بالنسبة إلى العدل في حد نفسه لوحده لا نحتمل العقوبة على تركه، ترك العدل الطرف الثاني لا نحتمل العقوبة على تركه إذا لم نحتمل العقوبة على تركه لا تجري فيه البراءة العقلية لأن البراءة العقلية في المورد الذي يحتمل فيه العقوبة فإذا لا نحتمل العقوبة إذاً لا تجري القاعدة من الأساس، هذا إذا أردنا أن نجري البراءة في العدل، جريان البراءة في نفس الأول هذا أيضاً غير تام لأنه هذا واجب قطعاً ليس عندنا شك في وجوبه، وبالنسبة إلى الجامع أيضاً لا نحتمل نفيه لأنه تكون العقوبة قطعية، إذا أردنا أن ننفي من الجامع الجامعية بحيث أنه لا ينفي الفرد فهنا لا يأتي الكلام السابق فلا معنى للرجوع إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان، إذا أردنا أن نجريه في العدل لا نحتمل العقوبة وإذا أردنا أن نجريه في الجامع لنفي الإثنين فهنا العقوبة معلومة فلا تجري فيه القاعدة.

الاحتمال الثاني: أن يراد من الأصل هنا هو البراءة الشرعية أيضاً هذا الأصل لا يجري على التسلسل السابق، نريد أن نجري البراءة الشرعية من التكليف بالجامع التكليف بالجامع متحقق بحيث يشمل الأول والثاني فلا تجري فيه البراءة الشرعية، وتعلق البراءة الشرعية بخصوص ما يحتمل كونه عدلاً وكونه واجباً هنا أيضاً لا نحتمل وجوب العدل بخصوصه الثاني، وجوب العدل بخصوصه هذا غير محتمل حتى تجري فيه القاعدة، وفي العدل الأول لا تجري فيه البراءة لأنه قطعاً واجب، فبالنسبة إلى الأول لا تجري فيه لأنه معلوم الوجوب وبالنسبة إلى العدل الثاني لا تجري فيه بخصوصه يعني براءة عن وجوبه بالخصوص لا نحتمل أنه واجب بالخصوص وعن الجامع بحيث ينتفي كلاهما أيضاً هذا غير متصور، فعليه: إذا أردنا أن نجري البراءة هنا يعني نجري البراءة عن الإطلاق بالنسبة إلى الأول، يعني العدل الأول هل هو واجب تعييناً أو بنحو الإطلاق بشرط شيء أو بنحو الإطلاق وتقدم عندنا أذا كان بنحو الإطلاق لا تجري فيه البراءة بل تجري فيما فيه كلفة والإطلاق لا كلفة فيه، هذا الاحتمال الثاني مرتفع.

يبقى عندنا الاحتمال الثالث: المقصود من الأصل عدمه هنا هو استصحاب العدم، عدم وجوب ما يحتمل وجوبه، العدل، هذا الاستصحاب مبتلى بالمثبتية كما تقدم أيضاً في كلام المحقق النائيني، استصحاب عدم العدل لا يثبت التعيينية إلا باللازم، نريد نستصحب عدم وجوب العدل حتى يثبت أن الأول واجب بنحو التعيين هذا أصل مثبت وهو غير تام.

مضافاً إلى ذلك: لو فرضنا أنه ليس أصلاً مثبتاً يكون معارضاً، استصحاب عدم وجوب العدل معارض باستصحاب عدم وجوب الأول على نحو التعيين بخصوصه، لأن وجوبه على نحو التعيين أيضاً حادث مسبوق بالعدم فيمكن جريان أصالة عدم وجوبه بنحو التعيين لا أصل عدم وجوبه بالمرة لأنه هذا مسلم، أصل عدم وجوبه على نحو التعيين، هذا يعارض أصل عدم وجوب العدل الثاني، فيكون هذا الاستصحاب متعارض لو تم، أولاً إشكال المثبتية يأتي فيه وثانياً إشكال التعارض يجري فيه.

فعليه: إن الأصول الثلاثة المحتملة غير تامة فيكون هذا الوجه غير تام، إلى هنا اتضح بأن دوران الأمر بين التعيين والتخيير في الموارد الثلاثة هنا تجري البراءة عن التعيين، نشك هل هذا واجب بنحو التعيين أو هو مخير بين هذا وهذا؟ هنا لما شككنا نجري الأصالة عن التعيين، بالنسبة إلى العدل معناه أنه يجب هذا على نحو الإطلاق وإذا كان هذا واجب بنحو التعيين معناه وجوب هذا بشرط، بالنسبة إلى الإطلاق لا تأتي أصالة البراءة، بالنسبة إلى التعيين هنا يعني التقييد بشيء هنا نجري البراءة.

فالنتيجة أن ما أفاده السيد الخوئي (ره) هو القول بالتخيير، هذا تفصيل ما أفاده السيد الخوئي (ره) ويأتي إن شاء الله الكلام المتعلق به.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo