< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/11/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

مناقشة ما أفاده المحقق العراقي (قده) في المقام:

تقدم الكلام عندنا في بيان إشكال المحقق العراقي (قده) وقال: بأنه هنا دوران الأمر يكون من باب دوران الأمر بين المتباينين وليس من باب دوران الأمر بين الأقل والأكثر، طبعاً الكلام كان فيما إذا كان القل والأكثر من قبيل الجنس والنوع أو من قبيل الطبيعي والفرد، فهنا من دوران الأمر بين المتباينين لأنه أعطى قاعدة للتفريق بين دوران الأمر بين الأقل والأكثر ودران الأمر بين المتباينين، وحاصل هذه القاعدة أن في دوران الأمر بين الأقل والأكثر يكون الأقل موجودا بذاته لا بحده في ضمن الأكثر، الأقل محفوظ بذاته في ضمن الأكثر، إذا كان كذلك فهو من دوران الأمر بين الأقل والأكثر كما يفترض في المور المشككة فإن درجة السواد الضعيفة تكون موجودة بذاتها في ضمن درجة السواد الشديدة وليس بحدها إذا كانت هي موجودة بدرجة 30 في المائة فهي موجودة والسواد الشديد مضافاً إلى 30 في المائة يأتي 70 في المائة على حسب درجة شدة السواد، ولما نريد أن نطبق هذه القاعدة على ما نحن فيه لا نراها تنطبق لأن نسبة الكلي إلى أفراده هي نسبة الآباء إلى الأولاد المتعددين وليست نسبة الأب الواحد للأولاد المتعددين، فعليه: في كل فرد توجد حصة من الطبيعي وليس هذا الطبيعي مشترك بين جميع هذه الحصص يعني بمعنى أنه مشترك بين هذه الحصص يعني هو شيء واحد وهي ترجع إليه، حصة الإنسانية الموجودة في زيد غير حصة الإنسانية الموجودة في عمرو وهكذا، إذاً الأقل في مثل ما نحن فيه لم يكن محفوظاً بذاته في ضمن الأكثر فيكون المقام من قبيل دوران الأمر بين المتباينين.

ثم أضاف شيئاً آخر: وهو ترتيب على ذاك، يقول: عندما يدور الأمر بين التعيين والتخيير في المقام مثلاً: نقول: يجب إما الصوم تعييناً أو الصوم تخييراً بينه وبين الإطعام، هنا دار الأمر بين التعيين والتخيير، مرجع هذا الدوران إلى حرمة ترك الصوم مطلقاً سواء أتينا بالإطعام أو لم نأت به، وذلك ما إذا كان تعييناً نتيجته هكذا: إذا كان يجب الصوم تعييناً معناه حرمة تركه مطلقاً سواء أتيت بالإطعام أو لم تأت بالإطعام، وإذا كان وجوب الصوم ليس تعييناً فيكون حرمته في ظرف عدم الإتيان بالآخر، فلما نأتي إلى الآخر نقول: يحرم ترك الإطعام فيما لو تُرك الصوم، إذاً عندنا رجع العلم الإجمالي إلى هذا يحرم ترك الصوم مطلقاً أتى بالإطعام أو لم يأت أو يحرم ترك الإطعام إن ترك الصوم، هذان التركان لا ينطبق كل منهما على الآخر، وإذا كان كذلك فلا يوجد عندنا قدر متيقن النتيجة هي الاشتغال وليست البراءة، هذا حاصل ما أفاده، فنتيجة ذلك حتى يخرج عن العهدة يأتي بالصيام لأنه إذا أتى بالصيام إن كان في الواقع تعييناً أتى به وإن كان تخييراً لا محذور في الإتيان به.

الشيخ الوحيد (حفظه الله) أورد على المحقق العراقي (قده) في المقام، يقول: إما بالنسبة إلى ما أفاده من أن نسبة الكلي إلى أفراده هي نسبة الآباء إلى الأبناء هذا كلام متين ولا نقاش فيه وهذا هو المعروف عند علماء المنطق، ولكن يقول: ينبغي لنا أن نفرق بين مقامين المقام الأول: مقام الجعل والإنشاء والمقام الثاني: مقام التحقق والوجود، نبدأ بهذا، ونجعل الأول مقام التحقق والوجود.

مقام التحقق والوجود: كلام المحقق العراقي (قده) وذكره لهذه النسبة كلام متين، بمعنى في مقام الوجود الخارجي الحيوانية الموجودة في الإنسان غير الحيوانية الموجودة في الفرس أو في غيره من سائر الحيوانات الأخرى، هذه حيوانية حصة من طبيعي الحيوان وهذه حيوانية أخرى حصة من طبيعي الحيوان، كذلك بالنسبة إلى النوع وأفراده، الإنسانية الموجودة في زيد في مقام التحقق والخارج غير الإنسانية الموجودة في عمرو وبقية أفراد الإنسان، هذه الإنسانية تختلف عن تلك، يعني مباينة لها في الوجود الخارجي، في الوجود الخارجي لا يمكن أن يقال حيوانية وناطقية في الإنسان هذا الوجود الخارجي هذا زيد الخارجي ليس عندك ما تشير إليه إلى أنه هذه حيوانية وهذه ناطقية مستحيل، إذاً كلامه في مقام التحقق والوجود الخارجي تام لا يوجد عندي قدر متيقن لا يوجد عندي حفظ للأقل في ضمن الأكثر.

ولكن المقام الثاني: مقام الجعل والإنشاء إنشاء الأحكام هنا في مرحلة التصور يمكن أن نتصور الحيوانية والإنسانية، كما نتصور الحيوانية والفرسية وهكذا، في مقام التصور يمكن وإذا كان يمكن في مقام التصور في مرحلة الجعل والإنشاء يدور مدار الغرض يعني غرض المنشئ غرض الحاكم، تارة يكون الغرض موجوداً في خصوص الإنسان فيقول: أطعم الإنسان، تارة يكون الغرض موجوداً في مطلق الحيوان فيقول: أطعم الحيوان، إذاً في هذا المقام مقام الجعل والإنشاء يمكن تصور شيئين حيوانية وإنسانية ونتصور أن الحيوانية التي هي قدر متيقن موجودة في ضمن الإنسان والفرس وغيره، إذاً في مقام الجعل والإنشاء يمكن هذا التفريق أطعم الحيوان الناطق، أطعم زيداً لخصوصية في زيد، يعني إذا كان غرض الحاكم والشارع في المقام يتعلق بالخصوصية ينشئ الحكم على طبق الخصوصية يعني أن يكون متعلق حكمه هي الخصوصية، وإذا كان غرضه موجوداً في ضمن المشترك الكلي يكون الكلي هو متعلق للحكم، فإذاً هذا يمكن.

على هذا نقول: ما أفاده من عدم الانحلال لكون الأمر مردداً بين حرمة ترك أحد الطرفين مطلقاً وحرمة ترك الطرف الآخر في ظرف ترك الطرف الأول ولا جامع بين التركين ويقول على حسب ما نقلناه في الملخص وذكرناه سابقاً مفصلاً، يقول: إن وجوب هذا بعينه أو مخيراً مرجعه وجوب الإتيان بهذه الحصة وحرمة تركها مطلقاً والإطلاق إشارة إلى أنه أتى بالآخر أو لم يأت بالآخر، ووجوب الحصة الأخرى على نحو التخيير مرجعها إلى هذا، حرمة ترك الإطعام مثلاً ترك الحصة الأخرى في ظرف ترك الحصة الأولى لا جامع بين التركين، أحد التركين لا ينطبق على الآخر وعدم وجود قدر متيقن.

هذه النقطة يرد عليها: عند الشيخ الوحيد (حفظه الله) يرد أن الميزان في الانحلال يتم بوجود قدر متيقن في البين، طبعاً نحن الآن للتوضيح فيما سبق بينّا أن الانحلال تارة لوجود قدر متيقن في موضع العلم الإجمالي وتارة يكون لجريان الأصل في أحد الطرفين بلا معارض، عندنا انحلال حقيقي وانحلال حكمي، الآن هنا الشيخ الوحيد يبين هذه الجهة، وكأنه ناظر فعلاً إلى الانحلال الحقيقي، يقول: الميزان في الانحلال يتم فيما إذا وجد قدر متيقن في البين، هذه الآن قاعدة نتمسك بها، بالنسبة إلى التروك المتصورة في المقام عندنا أربعة تروك، وذلك: الآن نفرض أن المثال هو ما تقدم، يجب إما الصوم تعييناً أو تخييراً بينه وبين الإطعام.

بعبارة أخرى: الصوم يجب مقطوع به نقطع بوجوب الصوم ولكن نشك هل يجب الإطعام معه أو لا؟ إن كان يجب الإطعام معه كان وجوب الصوم تعييناً وإن كان يجب الإطعام معه كان وجوب الصوم تخييراً وإذا لم يجب الإطعام معه يكون وجوب الصوم تعييناً، إذاً الآن لنعرف أن الصوم واجب على كل تقدير إن كان تعييناً أو كان تخييراً هو واجب على كل تقدير، بالنسبة إلى الإطعام واجب على تقدير دون تقدير، إن كان تخييراً يكون واجباً تخييراً وإلا ليس بواجب، وإن كان الصوم واجب تخييراً فالإطعام يجب تخييراً وإن كان الصوم واجباً تعييناً فالإطعام ليس بواجب، هذه النقطة أيضاً الآن عرفناها.

الآن نطبق: عندنا تروك أربعة متصورة في المقام:

الترك الأول: ترك الصوم مع ترك الإطعام.

الترك الثاني: ترك الصوم مع فعل الإطعام.

الترك الثالث: ترك الإطعام مع فعل الصوم.

الترك الرابع: ترك الإطعام مع ترك الصوم.

لا يقال: إن الصورة الرابعة متفقة مع الصورة الأولى، الأولى هي ترك الصوم مع ترك الإطعام والرابعة ترك الإطعام مع ترك الصوم، ليس هناك تداخل كما سيتضح، الآن نريد أن نحكم على الترك، لاحظنا وجود صورتين في ترك الصوم وصورتين في ترك الإطعام.

الصورة الأولى: ترك الصوم مع ترك الإطعام هذه الصورة مقطوعة الحرمة لأن الصوم إن كان واجباً تعيينياً فقد تركه وارتكب الحرام، وإن كان واجباً تخييرياً فقد تركه وترك عدله فيكون أيضاً ترك الصوم حراماً، إذا ترك الصوم في الصورة الأولى على التقديرين حرام فهي مقطوعة الحرمة.

الصورة الثانية: ترك الصوم مع فعل الإطعام، هنا ترك الصوم مشكوك الحرمة لأنه إن كان الصوم واجباً تعييناً فهنا ترك الصوم يحرم حتى لو أتى بالإطعام وإن كان الصوم واجباً تخييرياً فهذا الترك ليس بمحرم لأنه أنى بالعدل وهو الإطعام، إذا تكون الصورة ترك الصوم وفعل الإطعام مشكوكة الحرمة.

الصورة الثالثة: ترك الإطعام يعني التخييري، صببنا النظر على الذي يحتمل أن يكون واجباً تخييرياً، ترك الإطعام مع فعل الصوم هنا نقول مقطوع الجواز، إن كان الصوم واجباً تعيينياً أتى به، وإن كان الصوم واجباً تخييرياً أتى به فلما ترك الإطعام لم يضره شيء، فهذه مقطوعة الجواز.

الصورة الرابعة: ترك الإطعام مع ترك الصوم مقارناً لترك الصوم في ظرف ترك الصوم، نريد نوجه الحكم إلى ترك الإطعام لا بد من الانتباه لهذه الجهة، توجيه الحكم إلى ترك الإطعام، هنا في هذه الحالة ترك الإطعام مع ترك الصيام، ترك الإطعام مشكوك الحرمة لأن نظرنا إلى الإطعام، إن كان في الواقع الذي يجب هو الصوم فالإطعام خارج أساساً عن الحكم فترك الإطعام لم يسبب شيئاً، وإن كان في الواقع الإطعام واجباً تخييراً فبما أنه تركه وترك الصوم فهنا ارتكب الحرام إذا على أحد التقديرين وهو إذا كان الإطعام واجباً تخييرياً يكون ارتكب الحرام وعلى التقدير الآخر إذا كان الصوم واجباً تعيينياً فالإطعام تركه لا يضر شيئاً، فإذاً نركز على نقطة ترك الإطعام فهو محتمل الحرمة في هذه الصورة، إذاً صار عندنا أربعة تروك، أحد التروك الأربعة حرام قطعاً وأحد التروك الأربعة جائز قطعاً وهو ترك الإطعام مع فعل الصوم، إذاً صار في ضمن هذه التروك الأربعة عندنا قدر متيقن بالنسبة إلى الحرمة وعندنا قدر متيقن بالنسبة إلى الجواز، إذا وجد القدر المتيقن الآن نرجع إلى القاعدة الأولى، إذا وجد القدر المتيقن فهو موجب للانحلال، الميزان في الانحلال وجود قدر متيقن، وصار عندنا قدر متيقن مقطوع به بالنسبة للحرمة وعندنا قدر متيقن مقطوع به بالنسبة للجواز وعندنا اثنان مشكوكان، وهما ترك الصوم مع فعل الإطعام وترك الإطعام مع ترك الصيام، وبما أنه يحتمل الحرمة ومشكوك الحرمة فهنا يكون مجرى للبراءة.

فعندنا إذاً قدر متيقن هذا لا يمكن أن نجري فيه البراءة وعندنا تركان مشكوكان من ناحية الحرمة وعدم الحرمة فنجري فيهما البراءة.

فنتيجة الكلام: أن المسألة تخرج عن دوران الأمر بين المتباينين وتدخل في دوران الأمر بين الأقل والأكثر على خلاف ما أفاده المحقق العراقي (قده)، هذا بناءً على كلام المحقق العراقي، أما بناء على الذي ذكرناه سابقاً فقلنا هناك نرجعه إلى دوران الأمر بين المتباينين كما أوضحناه.

يبقى عندنا نقطة قبل أن ننهي هذا البحث: وهي ما أفاده المحقق السيد الروحاني (قده) في المنتقى وهذا إن شاء الله ما يأتي في الدرس الآتي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo