< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/06/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - قاعدة لا ضرر ولا ضرار:

الإشكال على النحو الثاني:

كان الكلام فيما اختاره الشيخ الأنصاري (ره) ونسبه إلى فهم العلماء واختاره المحقق النائيني والسيد الخوئي (قدهم)، وهو أن مفاد لا ضرر هو نفي الحكم الضرري، وقلنا بأنه يمكن أن يبين ذلك بأنحاء ثلاثة، النحو الأول قلنا لا عبارة به لكن المهم في المقام النحو الثاني والنحو الثالث.

النحو الثاني كان أن يكون المراد الضرر هو سبب الضرر الذي هو الحكم، فيكون إطلاق الضرر عليه مسامحة حيث أطلق المسبَّب وأريد السبب، لأن الحكم الشرعي بأمر مثلاً بلزوم المعاملة الغبنية ينشأ منه الضرر على المشتري مثلاً، أو الحكم بوجوب الغسل يلزم منه الضرر على الشخص غير القادر أو ضعيف البنية وفي وقت بارد والماء بارد، فهنا أطلق المسبَّب أي الضرر وأريد منه السبب وهو الحكم واستعمال المسبب وإرادة السبب واستعمال المسبب في السبب أمر شائع في اللغة ومستعمل لا إشكال فيه، تقول: أحرقه بالنار مع أنه هو ألقاه في النار، الإلقاء سبب والإحراق هو المسبب فأطلق المسبب على السبب فقال أحرقه بالنار لمن ألقاه في النار، فهذا الاستعمال لا إشكال فيه، هذا النحو الذي يستفاد من كلمات الشيخ الأنصاري (ره).

والنحو الثالث: أيضاً هو المهم في المقام أن يكون المراد نفي نفس الضرر حقيقة، يقول: لا ضرر، وينفي الضرر حقيقية ولكن المقصود الأصلي الإخبار عن اللازم الإخبار عن نفي السبب، السبب كما قلنا سبب الضرر هو الحكم، فينفي الضرر حقيقة ولكن المقصود الأصلي هو ليس نفي الضرر وإنما المقصود الأصلي الإخبار عن نفي سببه أي الحكم الشرعي، وهذا أيضاً مستعمل في اللغة وفي العرف أيضاً، أنت عندما تعلم بأن مثلاً العدو غير قادر على الإتيان، يعني ليست عنده العدة التي يهجم بها مثلاً، فأنت تخبر قومك تقول: إنه سوف لن يكون هجوماً أو سوف لن يطرقنا العدو، تنفي مجيء العدو، والنفي لمجيء العدو هذا نفي حقيقي ولكن المقصود الأصلي هو الإخبار بأنه غير قادر على المجيء، مثلاً بعد أن تعلم عن نفسك بأنك مهيئ عدة وعدداً فهنا تعلم بأنه الآن علم العدو بقدرتك فلا يأتي، أنت تقول لن يأتي، فتنفي الإتيان ولكن المقصود أنه غير قادر على المجيء.

والتفريق بينهما نقطة مهمة، في النحو الثاني قلنا إنه نفى المسبب وأراد السبب، يعني استعمل المسبب في السبب فهناك يكون تجوز، في الثالث نفي للمسبب حقيقة ولكن مقصودك الأصلي هو نفي اللازم نفي الحكم في المقام، مثل مثالنا تقول: لن يأتي العدو، هنا تنفي مجيء العدو ولكن مقصودك الأصلي عدم قدرته على المجيء أساساً، هو غير قادر لأن يأتي، هذا نحو.

الكلام فعلاً كان في النحوين الثاني والثالث، أما النحو الأول وهو حذف المضاف وحذف كلمة قلنا إنه وإن كان مستعملاً ولكنه مستعمل بحيث لا يتبدل الكلام، (واسأل القرية التي كنا فيها) هنا أنت تقول واسأل أهل القرية، يعني بمقتضى دلالة الاقتضاء نقول بأن الكلام لا يتم (اسأل القرية) اسأل الجدران والشوارع غير ممكن فإذاً لا بد من تقدير واسأل أهل القرية، ففقط تصرفت في كلمة أهل، لم تُذكر في الكلام فقدرتها، يعني تصرفت في الحذف، القرية على ما هي عليه، هنا تقول لا ضرر لا حكم ضرر بتقدير كلمة حكم، لا معنى له، متى يكون له معنى إذا قلت: لا حكم ضرري، ضرري غير ضرر، فذا كان مجرد الحذف فتأتي بالكلمة المحذوفة ويتم الكلام، هنا تأتي بالكلمة المحذوفة ولا يتم الكلام إلا أن تتصرف بكلمة ضرر، فهذا الحو الأول لا حاجة للبحث فيه، فالبحث يكون في النحو الثاني والثالث.

وحاصل المراد من الحديث: أن الحديث دال على نفي جعل الحكم الضرري، يعني كل حكم ينشأ منه الضرر فهو منتفٍ، ينشأ الضرر من نفس الحكم كما قلنا كأن ينشأ الضرر من الحكم بنفس اللزوم، نفس اللزوم حكم وضعي، الحكم بلزوم المعاملة ينشأ منه الضرر فينتفي، أو يكون الضرر ناشئاً من متعلق الحكم كالوضوء، وجوب الوضوء الحكم هو الوجوب ومتعلقه الوضوء، الوضوء هو الضرري ليس الحكم، متعلق الوضوء هو الضرري، إذاً الضرر ينشأ من متعلق الحكم أيضاً منفي لأنه من توابع الحكم، الوضوء إنما أتى به لأنه واجب فلأن الحكم بالوجوب تعلق به لذلك أتى بالوضوء، إذاً الوضوء متعلق للحكم ينشأ منه الضرر أيضاً منفي.

فالحاصل: أن كل حكم ينشأ من نفسه الضرر أو ينشأ من متعلقه الضرر منتفٍ بمقتضى لا ضرر على طبق هذا المعنى الذي أفاده الشيخ.

هنا الآن فعلاً إذا تلاحظون إلى الآن لم نلاحظ دليلاً، يعني الشيخ عندما تعرض للكلام لم يذكر بهذا النحو، فقط قلنا إنه يمكن أن يبين هذا الوجه بنحوين، لكن ما هو الدليل؟

الدليل: أن النفي هنا (لا ضرر) صادر من الشارع، والشارع بما هو شارع عندما ينفي شيء يعني مع ملاحظة ما يصدر منه من أحكام، لا ينفي الأمر التكويني الخارجي، الشارع بما هو شارع لا شأن له بالأمور التكوينية وإنما بالأمور الشرعية بما هو شارع، إذاً عندما يقول: لا ضرر، وهو شارع إذاً ينفي ما يتعلق به ما من شأنه أن يجعله، وما من شأنه أن يجعله هي الأحكام، فالشارع بما هو شارع ينفي الذي من شأنه أن يجعله وهي الأحكام فيكون النفي هنا للحكم فبما هو شارع عندما قال: لا ضرر نستفيد من ذلك أنه ينفي الحكم ولا ينفي الموضوع كما سيأتي من كلمات المحقق الآخوند (ره) ولا ينفي شيئاً آخر، الضرر التكويني الخارجي لا ينفيه، وإنما يقول: الحكم، مثل نظائره، (لا ربا بين الوالد وولده) هنا الشارع نفي الربا، الربا الواقعي وهو الزيادة في المال أعطيته مائة وأعطاني مائة وخمسين أو اشترط عليه أن يرجعه مائة وخمسين، هذه الزيادة متحققة، لكن الشارع ينفي الحكم بما هو شارع، يقول: لا ربا بين الوالد وولده، يعني الحكم المتعلق بالربا في المعاملات الأخرى هذا الحكم منتفٍ إذا كانت المعاملة بين الوالد وولده، (لا شك لكثير الشك) هو في الواقع شاك بين الثلاث والأربع ولكن هناك حكم للشاك بين الثلاث والأربع أنه يبني على الأربع ويتم صلاته ويأتي بركعة احتياطاً، هذا الحكم هو الذي ينفيه الشارع، ولا ينفي الشك الوجداني، الشارع بما هو شارع عندما يقول: لا شك لكثير الشك يعني الحكم المترتب على الشك بالنسبة إلى عامة الناس وعادة الناس لا يترتب على كثير الشك وهكذا.

إذاً الدليل نستطيع أن نقول دليل الشيخ هو هذا: بما أن الشارع هو الذي نفى الضرر وقال: لا ضرر فبما هو شارع إنما ينفي الأحكام المرتبطة به، يعني التي هو يجعلها الآن ينفيها، هذا ملخص الدليل.

وبعد ذكر هذا النحو أورد على هذا النحو بوجهين:

الوجه الأول: أورده المحقق النائيني (قده) على نفسه، ثم دفعه، حاصله: إن إطلاق المسبَّب وإرادة السبب وإن كان أمراً مستعملاً في اللغة العربية ولا نناقش في ذلك، ولكنه مستعمل في خصوص المسببات التوليدية، ومقصودنا من المسببات التوليدية هي التي لا يتخلل بين السبب والمسبب واسطة اختيارية، النار والاحتراق لا توجد هناك واسطة، يعني بمجرد وقوعه في النار يحترق، الاحتراق نسميه مسبَّب توليدي يتولد عن النار، هذا نسمي النار سبب توليدي والاحتراق مسبَّب توليدي، الضابطة فيه أنه لا يتخلل بين السبب والمسبب واسطة اختيارية، المستعمل استعمال المسبب وإرادة السبب يكون في خصوص المسببات التوليدية كما قلنا مثل الإلقاء في النار والاحتراق، الإلقاء يتحقق منه الاحتراق، بعد الإلقاء ما عندي واسطة اختيارية، يعني الأمر خرج عن يدي، يعني بمجرد الإلقاء الآن ليس الأمر بيدي، يعني الإلقاء تسبب منه الاحتراق، الاحتراق بالنار مسبب توليدي عن الإلقاء، القتل مسبب توليدي عن رمي الرصاصة، ولهذا نطلق على الإلقاء إحراق، نقول: أحرقه، أو نطلق على رمي الرصاصة قتله، لأن الآن بعد تحقق الرمي الآن يتحقق هذا الرمي سبب توليدي للقتل، فالقتل مسبب توليدي.

فإذاً الإشكال هنا، يوقل: إطلاق المسبب وإرادة السبب من المسبب هذا في المسببات التوليدية تامٌ، مثل المثالين المذكورين فلهذا نقول لمن ألقى الثوب في النار: أحرق الثوب، أما في المعدّات يعني في المقدمات الإعدادية لم يُتعارف استعمال المسبَّب في السبب، المقدمات الإعدادية المقصود منها التي يتخلل بينها الإرادة الاختيارية، مثلاً: بيع السكين، البائع باع السكين لشخص بمجرد بيعه للسكين لا يترتب عليه القتل، متى يترتب عليه القتل؟ هو المشتري أخذ السكين وبإرادته ومحض اختياره قتل الآخر بالسكين، إذاً بين القتل وبين البيع يتخلل فاصلة وهي إرادة الفاعل، بين الإلقاء والإحراق لا توجد الإرادة، الإرادة قبل الإلقاء فقبله عنده إرادة اختيارية، يمكنه أن يلقي الثوب في النار أو لا، ولكن بعد الإلقاء إلى الاحتراق لا توجد فاصلة اختيارية فلهذا سميناه مسبب توليدي، وهنا بين إعطاء البائع للمشتري السكين وبين تحقق القتل بالسكين توجد فاصلة اختيارية وهي إرادة الشخص المشتري نفسه، وإرادته واختياره هذا تخلل بين البيع وبين القتل.

إذاً هذا نسميه من المقدمات الإعدادية، بيع السكين مقدمة إعدادية للقتل، لا يترتب عليها القتل والذبح، وإنما القتل والذبح بإرادة الآخذ المشتري.

ملخص ما قلناه: أنه هذا المستشكل يقول: نحن لا ننكر إطلاق المسبب في السبب أو إطلاق المسبب وإرادة السبب، استعمال المسبب في السبب ولكن ذلك مخصوص في خصوص المسببات التوليدية، وما نحن فيه ليس من المسببات التوليدية وإنما هو من المسببات الإعدادية، يعني نفس الحكم أمر إعدادي يعني نسبة الحكم إلى الضرر ليست نسبة السبب التوليدي للمسبب، صدر الحكم من الشارع بوجوب الوضوء، الآن بين الإتيان بالوضوء وبين الضرر يتحقق الضرر، هنا مسبب توليدي لكن بين الحكم وبين الضرر يوجد هناك فاصلة اختيارية، يعني باختيار المكلف أن يتوضأ أو أن لا يتوضأ، فهذا نسميه سبب إعدادي من المقدمات الإعدادية، فإذاً ما نحن فيه لا تكون نسبة الحكم إلى الضرر نسبة السبب التوليدي للمسبب بل هي نسبة المعد لأنه يتخلل بين الحكم وفعل ا يوجب الضرر واسطة أي إرادة المكلف فالحكم بوجوب الوضوء لا يتسبب منه الضرر، وإنما الضرر بفعل الوضوء نفسه وفعل الوضوء بإرادة المكلف واختياره، فعليه: لا يصح إطلاق الضرر وإرادة الحكم، يعني إطلاق المسبب وإرادة السبب الذي هو الحكم، هذا غير صحيح، فإذا غير صحيح لا نقول في لا ضرر هو نفي للحكم، هذا حاصل الإشكال.

أجاب عنه المحقق النائيني (قده) بأن إرادة المكلف وإن تخللت بين الحكم وفعل ما يوجب الضرر، هذا صحيح، إلا أن إرادة المكلف مقهورة لإرادة المولى سبحانه وتعالى إذ أمر بالإتيان وبالامتثال، إرادة المكلف المؤمن المطيع مقهورة لإرادة المولى، غير العاصي فلا كلام لنا مع العاصي الآن، الله سبحانه وتعالى عندما أوجب الوضوء لو كان هذا الوضوء واجباً حتى لو كان ضررياً فإرادة العبد المكلف تذوب أمام هذه الإرادة، فإذاً هذه الإرادة الموجودة عند المكلف التي تخللت بين الحكم وبين الضرر لا اعتداد بها، كأنها غير موجودة لأنها إرادة مقهورة لإرادة المولى، وبعبارة أخرى: متى ما كان السبب أقوى من المباشر صحت النسبة إلى السبب فلهذا مثلاً: يقال عن السلطان قتل زيداً إذا أمر الجندي بقتله، هو لم يباشر القتل، أمر الجندي اقتله فقام الجندي وقتل زيداً، الآن يصح لك أن تقول: السلطان قتل زيداً، لماذا يصح مع أنه لم يباشر القتل؟ لأن إرادة الجندي مقهورة لإرادة السلطان، لا تقاوم إرادة السلطان، ولهذا عندنا في الآية الشريفة في قضية فرعون (يستحيي نساءهم) (يذبح أبناءهم) النسبة لفرعون وفرعون لم يقم بالذبح بل قام به جنوده، فرعون أمر، وبين أمره وتحقق الذبح توجد فاصلة وهي إرادة الجندي ولكن إرادة الجندي بما أنها مقهورة لإرادة فرعون نسب الذبح لفرعون (يذبّح أبناءهم ويستحيي نساءهم) وكلامنا في المجاز، استعمال المسبب وإرادة السبب أمر مجازي، ولم ننكر المجازية.

فالإشكال يقول: بأن استعمال المسبب وإرادة السبب هذا الاستعمال وإن كان مجازياً فهو شائع، ولكن المستشكل يقول: بأن هذا الاستعمال مختص بخصوص المسببات التوليدية وهي التي لا يكون بين السبب والمسبب إرادة اختيارية تفصل بينهما، أما في المقدمات الإعدادية فلا يصح استعمال المسبب في السبب، هذا المستشكل يقول: إن ما نحن فيه من قبيل الثاني.

المحقق النائيني (قده) يقول: نعم، ما نحن فيه وإن وجدت إرادة للمكلف تكون متخللة بين أمر الشارع حكم الشارع وجعل الشارع وبين الضرر إلا أن هذه الإرادة المتخللة مقهورة لإرادة المولى، بما أن العبد يؤمن ويطيع لله سبحانه وتعالى، فعندما أمره بالفعل فإرادته تنتفي، حتى لو لم يرد في الواقع، نهى عن شرب الخمر حتى لو يريد شرب الخمر إرادته تنتفي فلا يريد الآن شرب الخمر، هنا لما أمره بالوضوء على حسب الفرض والوضوء ينشأ منه الضرر إرادة الفاعل نفسه المكلف نفسه تنتفي، فإرادته مقهورة فعليه ونحن أيدنا هذا بالاستشهاد، أيدنا كلام المحقق النائيني بالاستشهاد بالآية (يذبح أبناءهم) نسب الذبح إلى فرعون مع أنه لم يباشر الذبح، لماذا؟ لأن السبب أقوى من المباشر، إرادة الجندي مقهورة أمام إرادة فرعون فلهذا نسب الذبح إلى فرعون نفسه.

فعليه: هنا أيضاً نفس الكلام، عندما أمر الشارع بالوضوء فأمره بالوضوء وإرادته للوضوء أقوى من إرادة المكلف للوضوء وعدم الوضوء، فعليه: لا تعتبر هذه الإرادة ولا تحسب، فيُنسب الضرر على الحكم، فحاصل الإشكال يريد أن لا يُنسب الضرر إلى الحكم وجواب المحقق النائيني يقول: الحكم الشرعي هو من قبيل العلة التامة لحصول الضرر للمتضرر في مقام الامتثال، أو يمكن أن نقول بأن الأمر الشرعي هو الجزء الأخير للإرادة والتحرك نحو العمل فيصح بهذا اللحاظ إطلاق الضرر على الحكم الذي ينشأ من امتثاله الضرر، فينفى الحكم بلسان نفي الضرر.

هذا الإشكال الأول وجوابه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo