< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

31/10/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الروايات الدالة على التشريع النبوي ق1

  كان كلامنا بالأمس يتعلق بأنحاء التشريعات الصادرة من النبي(ص) والأئمة (ع), وقلنا أنها يمكن تقسيمها إلى عدّة أقسام:

 الأول:

التشريعات الثابتة الصادرة من الله, المبيَّنة عن طريق القرآن الكريم أو عن طريق السنة بواسطة الرسول الأكرم(ص) والائمة (ع), وأغلب التشريعات الصادرة من هذا القسم.

 الثاني: التشريعات الصادرة من الرسول(ص) والتي تكون أحياناً مبيِّنة للقسم الأول, وهذا النوع من التشريع ثابت لا يتغير, وهو على حد تعبير أحد الروايات(حلال محمد حلالٌ إلى يوم القيامة, وحرام محمد حرامٌ إلى يوم القيامة), علماً أن لنا فهماً خاصاً لمثل هذه الروايات سوف نبينه في محله إنشاء الله.

 حينئذٍ نتساءل هل ثبت للرسول مساحة معينة ـ في بعضٍ من الموضوعات ـ يستطيع أن يشرع فيها دون دخالة الله والوحي في ذلك, أي: هل ثبت الحق للرسول بأنه حينما يريد أن يزيد فله ذلك وانه إن لم يرد ذلك فله أيضاً؟

 مثل هذه الابحاث موجودة في نصوصنا بشكل تفصيلي لكن آثارها لم تنعكس على الدائرة الكلامية والفقهية والأصولية بتاتاً, علماً أن الآثار المترتبة على التشريعين مختلفة جداً.

 وينبغي الاشارة هنا الى نكتة مهمة ـ مرتبطة بالبحث الكلامي ـ تتعلق بمعرفة المعصوم عليه السلام كقوله: (عارفا بحقنا) فلا يخفى أن تلك المعرفة على نحوين:

  1ـ ما يتعلق منها بالحد الأدنى من الإيمان, أي: من لم يؤمن بذلك الحد من المعرفة فهو خارج عن مدرسة أهل البيت, ولا يعد من اتباعهم, وذلك كمن يعتقد بعدم عصمتهم, أو أنكر واحدا منهم, حتى لو كان ذلك قائما على الاجتهاد, فكونه قد اجتهد فاخطأ لا يبقيه ضمن دائرة ومدرسة أهل البيت.

 2ـ ما يتعلق منها بكمال الإيمان, أي: من لم يؤمن بهذا الحد من المعرفة فانه لا يخرج عن دائرة أهل البيت ومدرستهم, وذلك كمن لا يعتقد بعصمتهم في الموضوعات أو الذي لا يعتقد بولا يتهم التكوينية والى غير ذلك من المسائل.

 بعد بيان هذه النكتة نقول أن تشريع الاحكام بالنسبة لهم ـ الولاية التشريعية ـ مرتبط بالنحو الأول من المعرفة لا الثاني, والروايات واضحة في هذا المجال, ومن ذلك ما يتعلق بزيارة الامام الحسين (ع) حيث تقول الرواية الواردة في البحار المجلد 101 ص4 : (عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر قال: من لم يأتِ قبر الحسين× من شيعتنا كان منتقص الإيمان< فالرواية واضحة الدلالة بأن الذي لم يأتِ الزيارة ناقص الإيمان, غير خارج عن دائرة التشيع ومدرسة أهل البيت.

  وكذلك

ما ورد

عن الامام الصادق حيث يقول: ( من لم يأتِ قبر الحسين حتى يموت كان منتقص الدين منتقص الإيمان وإن أدخل الجنة كان دون المؤمنين في الجنة< ودلالتها على المضمون الذي بيناه واضح, علما أن الأثر المترتب على ذلك هو درجات الجنان؛ لأنها مرتبطة بكمال الدين, لا بأصل الإيمان فقد يدخل الانسان الجنة إلا انه لا يكون «في معقد صدق عند مليك مقتدر», ولا يكون من مصاديق قوله «فأدخلي في عبادي وأدخلي جنتي».

 وكذلك ما ورد عنه (ع) قال: ( ... من أهل الجنة ومن لم يكن للحسين زائراً كان ناقص الإيمان) ومؤداها عين مؤدى الروايتين السابقتين.

 وبذلك يتبين أن القسم الثاني من التشريعات بالاضافة الى بعده الفقهي يوجد له بعد كلامي أيضاً, وهذا يكشف عن أن الآثار المترتبة على ذلك لا تنحصر بالبعد الفقهي فحسب, بل تتسع للبعد الكلامي أيضاً وهو ما يرتبط بعالم الآخرة.

 ولكي تكون الإجابة واضحة عما تساءلنا عنه ـ من وجود مساحة للرسول يستطيع من خلالها التشريع ـ لا بد من بيان معاني التفويض حتى نعرف الدائرة التي سمح بها له (ص) في عالم التشريع, فنقول أن للتفويض معانٍ متعددة:

 منها: التفويض الحاصل للرسول على نحو الاستقلال ومن دون إذن الله, وهذا النحو من التفويض لا إشكال في سقمه وعقمه؛ لأنه باطل عقلاً ساقط نقلاً.

 ومنها: أن يكون التفويض بإذنٍ من الله وقبول منه وهذا مما لا اشكال فيه, وهو ما يحقق لنا الامكان في ذلك, فلا نحتاج حينئذٍ الا للوقوع.

 وهذا النوع من التفويض يشير اليه العلامة المجلسي في البحار المجلد 25 ص 348 بقوله: (التفويض في أمر الدين ـ قبال التفويض في أمر التكوين ـ وهذا أيضاً يحتمل وجهين:

 أحدهما: أن يكون الله تعالى فوّض إلى النبي والأئمة عموما أن يُحلوا ما شاؤوا ويحرموا ما شاؤوا من غير وحي وإلهامٍ أو يغيّروا ما أوحيّ إليهم بآرائهم, وهذا باطل لا يقول به عاقل, فإن النبي كان ينتظر الوحي أياماً كثيرة لجواب سائل ولا يجبه من عنده وقد قال الله تعالى: «وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحى».

 ثانيهما: أنه تعالى لما أكمل نبيه بحيث لم يكن يختار من الأمور شيئاً إلا ما يوافق الحق والصواب, ولا يحل بباله ما يخالف مشيته تعالى في كل باب فّوض إليه تعيين بعض الأمور كالزيادة في الصلاة وتعيين النوافل والصوم ... إلى أن يقول: ولا فساد في ذلك عقلاً...) فكلامه(ره) في حيثية الامكان واضح, وأنه لا وجود لأي محذورٍ عقلي في ذلك.

 أما فيما يتعلق بالوقوع ـ وقوع التشريع من الرسول ـ فأشير الى بعض المصادر و الروايات التي دلت على ذلك, ففي بصائر الدرجات المجلد الثاني, فيما يتعلق بالتفويض :

 الرواية الأولى: (إن الله خلق محمداً عبداً فأدبه حتى إذا بلغ أربعين سنة أوحى إليه وفوّض إليه الأشياء) والتفويض هنا مختص بعالم التشريع بقرينة قوله بعد ذلك (فقال الإمام) التي يرتب عليها «ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» المختصة بعالم التشريع.

 الرواية الثانية:(عن زرارة أنه سمع أبا عبد الله وأبا جعفر يقولان: أن الله فوّض إلى نبيه أمر خلقه لينظر كيف طاعتهم).

 الرواية الثالثة: (عن زرارة عن أبي جعفر الباقر (ع) قال: وضع رسول الله دية العين ودية النفس ودية الأنف, وحرم النبيذ وكل مسكرٍ فقال له رجل: فوضع هذا رسول الله من غير أن يكون جاء فيه ـ أي من الوحي ـ شيء قال: نعم, ليعلم من يطع الرسول ومَن يعصيه).

 الرواية الرابعة: (عن ابن سنان عن إسحاق ابن عمار عن أبي عبد الله الصادق(ع) إن الله أدب نبيه(ص) على أدبه فلما انتهى به إلى ما أراد قال «إنك لعلى خلق عظيم» ففوّض إليه دينه فقال: «ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا

» وأن الله فرض في القرآن ولم يقسم للجدّ شيئا وان رسول الله أطعمه السدس فأجاز الله له ذلك وإن الله حرم الخمر بعينها وحرم رسول الله كل مسكرٍ فأجاز الله له ذلك وذلك قول الله عزّ وجلّ «هذا عطاؤنا فأمنن أو أمسك بغير حساب

».

 الرواية الخامسة: (عن إسحاق ابن عمار إن الله أدب نبيه حتى إذا أقامه على ما أراد قال له وأمر بالمعروف واعرض عن الجاهلين«خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين» فلما فعل ذلك رسول الله زكاه الله فقال: «إنك لعلى خلق عظيم» فلما زكاه فوض إليه دينه فقال ما آتاكم فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا فحرم الله الخمر وحرم رسول الله كل مسكرٍ فأجاز الله ذلك كله, وان الله أنزل الصلاة وإن رسول الله وقت أوقاتها فأجاز الله له ذلك).

 الرواية الخامسة: قال: >حدثنا بعض أصحابه عن محمد بن الحسن عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن إسماعيل بن عبد العزيز قال لي جعفر بن محمد إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يفوض إليه إن الله تبارك وتعالى فوض إلى سليمان ملكه فقال هذا عطاؤنا...الى أن قال: فقال رجل إنما كان رسول الله مفوّضَاً إليه في الزرع والضرع قال فلوا جعفر(ع) عنه عنقه مغضبا, فقال في كل شيء والله في كل شيء).

 الرواية السادسة: ( عن أبي عبد الله الصادق) عن عبد الله بن سنان قال: قلت له: كيف كان يصنع أمير المؤمنين بشارب الخمر, قال: كان يحده, قلت: فإن عاد, قال: كان يحده, قلت: فإن عاد, قال: كان يحده, ثلاث مرات فإن عاد كان يقتله, قلت: فكيف يصنع بشارب المسكر, قال: كان يحده, قلت: فإن عاد, قال: كان يحده, قلت: فإن عاد, قال: كان يحده, قلت: فإن عاد, قال: كان يقتله, قلت: فمن شرب الخمر كمن شرب المسكر؟ قال: سواء, فاستعظمت ذلك, فقال: لا تستعظم ذلك أن الله لما أدب نبيه إئتدب ففوض إليه وإن الله حرم مكة, وأن رسول الله حرم المدينة, فأجاز له ذلك, وإن الله حرم الخمر وإن رسول الله حرم كل مسكرٍ, فأجاز الله ذلك, وإن الله فرض فرائض من الصلب وإن رسول الله أطعم الجدّ فأجاز الله له ذلك, ثم قال حرف وما حرف «من يطع الرسول فقد أطاع الله».

 الروايات السابعة: ما ورد في فروع الكافي المجلد الثالث ص273 الحديث 7: (عن ابن أبي عمير عن علي ابن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر ابن أذينة عن زرارة عن الباقر قال: عشر ركعات ركعتان من الظهر وركعتان من العصر وركعتا الصبح وركعتا المغرب وركعتا العشاء الآخرة, لا يجوز الوهم فيهنّ ومن وهم في شيء منهنّ استقبل الصلاة استقبالاً وهي الصلاة التي فرضها الله (عزّ وجلّ) على المؤمنين في القرآن «إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا»وفوّض إلى محمد فزاد النبي في الصلاة سبع ركعات وهي سنة ليس فيها قراءة إنما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء فالوهم ـ الشامل للشك ـ إنما يكون فيهنّ فزاد رسول الله في صلاة المقيم غير المسافر ركعتين في الظهر والعصر والعشاء الآخرة, وركعة في المغرب للمقيم وللمسافر).

 ولا بد من التنبيه هنا الى أن إطلاق لفظ (السنة) الوارد في الروايات قد استعمل بثلاث استعمالات هي:

 الأول:

تطلق السنة ويراد بها السنة الشريفة في قبال الكتاب الكريم, وهذا ما أصر عليه الأمويون ومن تبعهم بأن الوارد في حديث الثقلين هو: (كتاب الله وسنة نبيه).

 الثاني:

تطلق السنة ويراد بها المستحب في قبال الواجب.

 الثالث: تطلق السنة ويراد منها التشريع النبوي في قبال التشريع الإلهي, فيطلق على التشريع الإلهي فريضة ويطلق على التشريع النبوي سنة.

  الرواية الثامنة: ما ورد في فروع الكافي أيضا, الجزء الثالث ص487 (عن أبي جعفر الباقر(ع) قال: لما عُرج برسول الله نزل بالصلاة عشر ركعات, فلما ولد الحسن والحسين زاد رسول الله سبع ركعات شكراً لله فأجاز الله له ذلك وترك الفجر لم يزد فيها لضيق وقتها لأنه تحضرها ملائكة الليل وملائكة النهار فلما أمره الله بالتقصير في السفر وضع عن أمته ستة ركعات وترك المغرب لم ينقص منها شيئا وإنما يجب السهو فيما زاد عن رسول الله, فمن شك في أصل الفرض في الركعتين الأولتين استقبل...الخ).

 الرواية التاسعة: ما ورد في فروع الكافي أيضا, ففي الجزء الثالث ص271 (عن فضل بن شاذان عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة قال: سألت الباقر عمّا فرض الله (عزّ وجلّ) من الصلاة فقال خمس صلوات في الليل والنهار فقلت: هل سماهنّ... الى أن يقول: قال: ونزلت هذه الآية يوم الجمعة ورسول الله في سفره فقنت فيها رسول الله وتركها على حالها في السفر والحضر وأضاف للمقيم ركعتين وإنّما وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبي يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الإمام, فمن صلى يوم الجمعة في غير جماعةٍ فليصلها أربع ركعات كصلاة الظهر...الخ ).

 الرواية العاشرة: ما ورد في فروع الكافي أيضا, ففي الجزء الثالث ص272 (عن زرارة عن الباقر فرض الله على العباد من الصلاة عشر ركعات وفيهنّ القراءة وليس فيهنّ وهم - أي السهو- فزاد رسول الله سبعاً وفيهنّ الوهم وليس فيهنّ قراءة).

 وغير ذلك الكثير من الروايات التي تدل على المقام, نكتفي بالاشارة الى مصادرها الرئيسية, فمنها:

 ما ورد في أصول الكافي الجزء الأول ص266 الحديث4.

 ما ورد في فروع الكافي الجزء الخامس ص9 الحديث1.

 ما ورد في فروع الكافي الجزء الرابع ص379 الحديث 7.

 فتبين مما تقدم من الروايات الدالة بتواترها المعنوي أو استفاضتها المورثة للاطمئنان على أن هذا المقام قد أعطي للنبي(ص). لكننا نتساءل حينئذٍ أن ذلك المقام المعطى له هل هو من مختصاته (ص) أم أن ما ثبت له يمكن أن يثبت للائمة الذين من بعده؟

 هذا ما سنبحثه في قادم الابحاث إنشاء الله.

والحمد لله رب العالمين

.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo