< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

31/11/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الاحكام الولائية وما يلاحظ عليها ق1

 انتهينا في حديث الأمس من التشريع الأول المتعلق بالله سبحانه وتعالى والثاني المتعلق برسوله الكريم(ص) والائمة(ع), وقلنا أنهما من الاحكام الثابتة والأساسية في الشريعة ولا يمكن لهما أن يتغيرا, وبيّنا الفرق بين التشريعين والأثر المترتب عليهما, الى أن وصل بنا الكلام الى النوع الثالث من التشريعات المعبر عنها بالأحكام الولائية أو الحكومتية, وقلنا أن هذا النوع من الاحكام صادر بعنوان الإمامة والقيادة لا التبليغ والتشريع, فمثلا: أننا نعلم أن صدور الأمر بوجوب الزكاة هو من الله تعالى, ونعلم أيضا أن مسألة وجوب الزكاة هي من المسائل الثابتة التي لا تتغير, الا أننا نريد هنا أن نتساءل أن الله سبحانه وتعالى هل يكتفي بتشريع الزكاة للمكلفين مفوضاً في ذلك الأمر إليهم في الاعطاء وعدمه, أي: هل أن الله بين الاحكام وما يترتب عليها وترك الأمر للمكلفين في بالامتثال وعدمه, أم أنه استخلف إماما وقائدا له صلاحية تطبيق تلك الاحكام والسعي الى تحقيقها؟

 نقول: تارة نفترض أن الله سبحانه وتعالى يبين الاحكام للعباد ويفوض الأمر إليهم في الفعل والترك, وأخرى نقول بالاضافة الى تشريع الاحكام وبيانها فإنه سبحانه ينصب إماماًً وقائدا يقوم بتطبيق هذه الاحكام ويطالب الناس بأدائها كما يريد.

 ويلزم من القول بالأمر الثاني أن ذلك الامام أو القائد يحتاج الى أوامر ونواهي ليستطيع من خلالها تطبيق تلك الاحكام, ولنا حينئذٍ أن نتساءل أن هذه الأوامر والنواهي التي تصدر من الامام باعتباره قائدا ومدبرا لأمور الأمة, هل هي جزء من الشريعة أم لا؟

 نقول: الأوامر الصادرة من الامام والتي تسمى بالولائية أو الحكومتية أو الامامة السياسية في الوقت الحاضر ليست جزءً من الشريعة, بل هي أوامر ونواهي لتدبير حياة الأمة فقط, ولهذا البحث أهمية كبرى تتبين ببيان النكات الآتية:

 الأولى: يرى البعض أن الاحكام الولائية أو الامامة السياسية لم تكن ثابتة للنبي(ص), بل أن غاية ما ثبت له(ص) هو بيان الاحكام وإبلاغ الرسالة, وما يلزم من هذا القول أن أمير المؤمنين(ع) لا إمامة سياسية له لأن ثبوت ذلك إنما يكون بعد فرض ثبوتها للرسول(ص).

 فلهذا يذهب البعض الى أن وظيفة الإسلام لا تتعدى مسألة بيانٍ لبعض الاحكام, فمن أراد من الناس أن يمتثل فله ذلك, ومن أراد أن يترك فله ذلك أيضاً, ولا توجد صلاحية وإرادة لتحقيق ذلك بالقوة والإكراه.

 من هنا ينبغي أن نعرف أن هذا الحكم الذي صدر من النبي هل هو من الاحكام الثابتة أم من الاحكام الولائية المتغيرة, وذلك:

 1ـ لأنها لو كانت من القسم الأول فهي جزء من الشريعة, ثابتة غير متغيرة الى قيام الساعة.

 2ـ وإن كانت من الاحكام الولائية حينئذٍ نعرف أنها ليست جزءً من الشريعة, متغيرة لا ثابتة, فقد تكون في زمانٍ لازمة الامتثال وفي زمانٍ آخر ليس كذلك؛ لعدم تحقق شرائطها وظروفها.

 وما يترتب على ذلك أننا حينما نعرف أنها من القسم الثاني فلا ينبغي لنا أن نمتثلها كامتثالنا الأحكام الثابتة, لأنها مشروطة ببعض الظروف والشرائط بخلاف الاحكام الثابتة.

 الثانية: ثبوت هذا الشأن للرسول(ص) يكشف عن ثبوته للائمة المعصومين(ع).

 من هنا قد يقال: أن الأئمة(ع) لم يكونوا حاكمين فلا معنى حينئذٍ لان نقول بصدور مثل هذه الاحكام منهم(ع).

 نقول: أهمية هذا البحث تظهر حينما يصدر من الامام حكما من الاحكام, فلا بد حينئذٍ من أن نعرف أن هذا الحكم هل هو من قبيل الاحكام الثابتة التي لا تتغير أم من الاحكام الولائية الحكومتية.

 وحقيقة هذا المعنى وارد في باب الخمس كما لايخفى, حيث ذهب جملة من الفقهاء الى انه ليس من القسم الأول من التشريعات, بل هو من لقسم الثالث, أي: من الاحكام الولائية؛ وذلك لتدبير شؤون الشيعة وإدارة أمورهم حينما كانت الزكوات تذهب الى السلطات الحاكمة بالظلم والجور.

 ولنا هنا أن نتساءل أن ذلك الحكم الولائي هل هو مختص بزمانهم أم أنه شامل للأزمنة التي بعدهم؟

 نقول: إن القائلين بأن الخمس حكم ولائي حكومتي, قالوا بتحليله في زمن الغيبة, لأنه ليس من الاحكام الثابتة في الشريعة وإلا لو كان الخمس كذلك لما قال الامام بتحليله, فتبين أنه من الاحكام الولائية المتغيرة. وهذا كله مترتب على القول بثبوت هذا الشأن للامام بعد ثبوته لرسول الله(ص).

 الثالثة: لو قلنا أن هذا الشأن ثابت للرسول والإمام فهل هو ثابت لمن يقوم بهذا المقام في عصر الغيبة أم لا؟ ولو كان كذلك فما هي صلاحيات وحدود ذلك؟

 ذهب بعض من الاعلام أن ذلك الشأن من مختصات النبي(ص) والامام(ع) وغير ثابتٍ لأي أحدٍ غيرهم في زمن الغيبة, أما ما يتعلق بهم فهو بيان الاحكام الشرعية لا غير, وقالوا أن قضايا الحدود والديات وغيرها ليس من مسؤولياتهم, بل هي من مختصات المعصوم(ع), والأمر نفسه في المخاصمات فالفقيه يبين الحق للمتخاصمين ولا يسعى الى تحقيق الحق بنفسه.

 وذهب البعض الآخر الى القول بأن كل ما ثبت للإمام من شأنٍ وصلاحيات ـ في الاحكام الولائية ـ فهو ثابت لمن يقوم مقامه في زمن الغيبة, فارتأى بعضهم ومنهم السيد محمد باقر الصدر أن الآية «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم» أن «أولي الأمر» كما هي شاملة للائمة هي شاملة لولي الأمر الجامع للشرائط, وهذا ما يعبر عنه بولاية الفقيه المطلقة.

 الرابعة: أن ولاية الفقيه ـ بقطع النظر عن حدودها وصلاحياتها ـ هل هي من الاحكام الثابتة التي تعد جزءً من الشريعة أم أنها من الاحكام الولائية التي صدرت من الائمة في زمن الغيبة؟ ومعرفة ذلك يترتب عليه كثير من الأمور منها:

 أنها لو كانت من الأمور الثابتة التي لا تتغير فلا يمكننا حينئذٍ أن نوسع أو نضيق دائرة ولاية الفقيه وحدودها, أما لو كانت من الاحكام الولائية فإن ذلك ممكن ولا باس به.

 وهذا ما وجدناه عند كثير من العلماء حيث أننا رأينا أن البعض اكتفى بتوضيح الاحكام وتقديم المشورات, بينما رأينا البعض الآخر قد أرخص دمه من أجل أن يقيم ويحقق كل أحكام الله التي أمرت بها الشريعة والتي يرونها ثابتة لهم كثبوتها للامام.

 من هنا تتبين أهمية هذه الابحاث والحاجة إليها, فلابد حينئذٍ أن يكون الفقه مواكبا للعصر ملبيا للحاجة معالجا للهموم والمشاكل, لا انه يبقى أسيرا بين صفحات الكتب والمصنفات. وهذا يفرض علينا أن نجيب على كثير من الاسئلة المتداولة قديما وحديثا, والتي من أبرزها:

 الأول: هل ثبتت الامامة السياسية للنبي وأمير المؤمنين(ع) أم لا؟ علما أن هذا الموضوع قد أشار إليه مصطفى عبد الرزاق في كتابه الحكم في الإسلام الذي أثبت فيه أن الامامة السياسية غير ثابتة للرسول(ص), وأن الاسلام عبارة عن مجموعة من الوصايا الأخلاقية التي لا علاقة لها بالحكم, وهذا الاتجاه لا زال قائما الى اليوم حيث نسمع من هنا وهناك أن أمير المؤمنين قد ثبتت له الإمامة الدينية والأخلاقية دون السياسية؛ لعدم ثبوتها لرسول الله(ص)؟

 وهذه القضية رغم كونها من المسائل الكلامية, إلا أنها ترتبط ببحثنا الفقهي ارتباطا وثيقا لما لها من آثار فقهية كبيرة, فلابد أن نعرف أن هذه التشريعات الصادرة منه(ص) هل صدرت بعنوان أنه مشرع فنعرف حينئذٍ أن الاحكام ثابتة غير متغيرة, أم بعنوان أنه حاكم وقائد فلا تكون كذلك, بل تكون من الاحكام المتغيرة, التابعة في تحققها لشرائط وظروف معينة.

 الثاني: هل يشترط في قائد الأمة وإمامها ـ في الإمامة السياسية التي تأخذ على عاتقها كثيراً من المسائل من قبيل: حماية الأمة من الأخطار الداخلية والخارجية وتلبية كل المتطلبات والاحتياجات الى غير ذلك من المسائل ـ أن يكون معصوما أم لا؟

 وهذا التساؤل هو تعبير آخر عن الإشكالية القائلة: إن الالتزام بعصمة القائد والولي يلزم منه عدم قيام دولة إسلامية في زمن الغيبة الصغرى؛ لعدم وجود الولي المعصوم, وهذا يخالف المباني المتفق عليها في مدرسة أهل البيت الساعية الى تحقيق ذلك.

 أما القول بعدم اشتراط العصمة في ذلك, فيلزم منه عدم الاعتراض على خلافة الشيخين؛ لأن من أهم الاعتراضات القائلة بعدم أحقيتهما بالحلافة كونهما غير معصومَين. إلا أن يقال أن الاعتراض عليهم لم يكن لهذا الأمر بل لكونهما غير عادلين, ولم يعملا من أجل مصالح الأمة وسعادتها.

 الثالث: هل للأمة دور في تعيين الولي والقائد الذي ثبت له شأن الإمامة السياسية من الله سبحانه وتعالى؟ إن لم يكن للأمة دور في ذلك, وأن الأمر منحصر بالتنصيب الإلهي, فلنا أن نتساءل حينئذٍ لماذا ترك الامام علي(ع) حقه بالخلافة واعتزل رغم أن تنصيبه قد حصل من الله عز وجل, فلماذا لم يقاتل من أجل إحقاق الحق والسعي الى إرجاعه ولو بحد السيف؟ فلم نراه(ع) يفعل ذلك أبداً, بل نراه قد أعتزل الأمة بعد رسول الله الى زمن ما بعد الخليفة الثالث حيث أجمعت كلمة المسلمين آنذاك على توليه الخلافة؟

 ولنا كذلك أن نتساءل أن الشأن الذي ثبت للمعصوم(ع) بالإمامة السياسية هل هو ثابت لمن يقوم مقامه من الفقهاء في زمن الغيبة الصغرى أم لا؟ ولو فرضنا ثبوت ذلك فهل هو ثابت للفقيه الذي يكون حاكما ومسيطرا على الدولة أم للفقيه الذي يستطيع أن يبين أحكامه الولائية حتى لو لم تكن الدولة خاضعة لسيطرته؟

 كل هذه الابحاث سنعرض لها تفصيلا في المباحث القادمة بإذن الله.

والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo