< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

31/11/05

بسم الله الرحمن الرحیم

في تعيين المراد من معنى الامامة الوارد في الآية الكريمة

 انتهينا بالأمس من الاحتمالات الأربع الواردة في معنى الامامة وقلنا أن الاحتمال الأول والثاني لا يمكن أن يفيدا في المقام, بخلاف الاحتمال الثالث الذي تؤيده الشواهد والقرائن القرآنية, والرابع المؤيد بالشواهد والقرائن الروائية أيضاً.

 أما الاحتمال الرابع الذي يرى أن الامامة الورادة في الآية الكريمة هي الامامة السياسية فقد ذكرنا له مجموعة من الشواهد على ذلك, وهناك شواهد أخرى لا بأس بذكرها, هي: في نفس الرواية التي عرضنا لها بالأمس هناك عبارات للامام يقول فيها: ( الإمام أمين الله في خلقه, وحجته على عباده, وخليفته في بلاده) فلا يراد من الخلافة إلا الشأن السياسي, حيث لا معنى للخلافة بمعنى بيان الاحكام والتشريعات.

 ثم يقول(ع): (والداعي إلى الله والذابُ عن حرم الله... الى أن يقول والإمام المطهر من الذنوب والمبرأ عن العيوب المخصوص بالعلم الموسوم بالحلم) مبيناً حال الامام الذي تؤول إليه إمامة الأمة والصفات التي ينبغي أن يكون عليها الى أن يقول: (نظام الدين وعز المسلمين وغيض المنافقين وبوار الكافرين) ولا يكون الامام كذلك الا حينما يكون ندا عنيدا وسدا منيعا مغيضاً للظالمين والمنافقين.

 وشواهد أخرى كثيرة في هذه الرواية وغيرها تدل على المدعى الا أننا نكتفي بهذا القدر من الروايات. ولنا هنا أن نتساءل أي الاحتمالين أرجح لإفادة المطلوب, الثالث أم الرابع؟

 لا يخفى على المتتبع, تجلي ظاهرة المنهج في فهم النص القرآني, فما ذكره العلامة الطباطبائي قائم على منهج تفسير القرآن بالقرآن وما اشرنا إليه في الاحتمال الرابع قائم على الاستعانة بالروايات لفهم النص القرآني.

 فالمنهج الأول الذي اعتمد عليه العلامة الطباطبائي ـ تفسير القرآن بالقرآن ـ ليس منهجا جديداً كما أشرنا الى ذلك في كتاب أصول التفسير.

 لذا نجد السيد الطباطبائي(ره) يشير إلى هذا الأصل بشكلٍ صريح في ذيل الآية السادسة والسابعة من سورة آل عمران ص86 حيث يقول: (فالحق أن الطريق إلى فهم القرآن غير مسدود وأن البيان الإلهي والذكر الحكيم بنفسه هو الطريق الهادي إلى نفسه فكيف يتصور أن يكون الكتاب الذي عرّفه الله تعالى بأنه هُدى وأنه نور وأنه تبيان يكون مفتقراً إلى هادٍ غيره...الخ).

 فلكي يفهم المراد من الامام في الآية لابد أن يذهب الى آيات أخر, باحثاً عن تحقيق المطلوب غير مستعينٍ بأي رواية من الروايات التي يمكنها تحقيق ذلك؛ لأن ذلك ليس من منهجه(ره).

 وقد يثار هنا أن المسار الذي سار عليه السيد الطباطبائي في منهجه هو عين منهج حسبنا كتاب الله؟ و الجواب على ذلك مبتنٍ في الحقيقة على أصلين هما:

 الأول: أن السيد العلامة يعتقد أن كل ما نحتاج إليه من أصول المعارف والاعتقادات موجودة في القرآن الكريم.

 الثاني: أن تلك المعارف والاعتقادات لا يمكن معرفتها بمعزل عن آل البيت (ع), وذلك يتم من خلال قراءة الرواية قراءة دقيقة, وفهمها فهماً عميقاً, ومعرفة مراد الامام منها, ثم يجعلها نورا يهتدى به لجمع القرائن من القرائن الكريم للمعنى الذي تحدثت عنه الرواية.

  وبهذا يتضح الفارق بين منهجه (ره) ومنهج حسبنا كتاب الله .

 نعم, قد نجده (ره) أحيانا غير موفقٍ لجمع القرائن؛ لعدم الإحاطة التامة بكل المعارف والعلوم فُيتهم حينئذٍ بالذوقية والاستحسان لما أفاده من قرائن.

 أما المنهج الثاني: فهو أننا تارة نأتي الى الآية ونجدها واضحة المراد والدلالة؛ للقرائن السابقة واللاحقة. وهنا نتمسك بمراد الآية ؛ لأنه نص واضح في بيان المراد كآية: «يا نساء النبي لستُنّ كأحد من النساء», وهنا لو جاءت روايات مفادها خلاف مفاد الآية فأننا نضرب بها عرض الجدار لان العمل بها يكون اجتهاد في قبال النص.

 وأخرى نجد الآية قد وقع فيها الخلاف كآية: «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا» فلا نعلم من المراد من أهل البيت في الآية؟ فقائل يقول أن أهل البيت في الآية شامل لنساء النبي(ص) وذلك:

 1ـ لدلالة السياق.

  أما ما يقال بأن تغيير الضمير في الآية مخرج للنساء عن المراد مردود؛ لأن غاية ما يدل عليه تغيير الضمير هو إدخال البعض تحت ذلك المفهوم, وهم علي والحسن والحسين (ع).

 2ـ لأنكم من المؤمنين بنظرية تفسير القرآن بالقرآن, والآية «وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب* قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً أن هذا لشيء عجيب* قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت» بعد إضافتها الى آية التطهير تدل على أن المراد بأهل البيت هم الأزواج, ولم يستعمل مثل ذلك في الأولاد.

 في مقام الجواب على ذلك نقول: أن كل موردٍ لا يؤمن فيه اللبس, ولا يتضح منه المراد, وإن كان يوجد عليه دلائل سياقية أو قرائن كقرائن تفسير القرآن بالقرآن, لا يمكن الأخذ به, بل المتعين هو الرجوع الى المفسر الحقيقي للقرآن وهو رسول الله(ص) لنعرف المراد منه (ص) «لتبين للناس ما نزّل إليهم» ونحن مأمورون باتباعه والاخذ عنه «وما آتاكم الرسول فخذوه». وحين يبين الرسول لنا المراد فلا تصل حينئذٍ النوبة الى السياق أو تفسير القرآن بالقرآن ومن فعل ذلك فقد اجتهد في قبال النص.

 هذا هو منهجنا المبين بشكل مفصل في (تفسير اللباب) حيث بيّنا هناك أننا حينما نواجه أي آية من الآيات, لا بد أن نعرف حينئذٍ, هل أنها نصٌ في المراد أم لا؟ فإن كانت كذلك فبها, وإن لم تكن كذلك, فلابد من الرجوع حينئذٍ الى الرسول الله (ص) ليبين لنا المراد منها غير آخذين بنظر الاعتبار ما يدل عليه السياق وتفسير القرآن بالقرآن؛ وحينما يتعارض قوله (ص) مع السياق ومنهج تفسير القرآن بالقرآن يقدم قوله؛ لأن قوله نص في المراد وهما ظاهر,ٌ و معلوم أن النص مقدم على الظاهر, وإن لم يمكن الرجوع الى الرسول أو لم نجد نصا في ذلك, نرجع حينئذٍ الى السياق ليدلنا على المراد دون الأخذ بمنهج تفسير القرآن بالقرآن, فإن وقع التعارض بينهما يقدم السياق حينئذٍ؛ لأنه قرينة متصلة على المراد بخلاف معارضه فأنه قرينة منفصلة, ولا يخفى أن القرينة المتصلة مقدمة على المنفصلة حين التعارض؛ لأنها شارحة مبينة للكلام, وإن لم يمكن استفادة ذلك من السياق أيضاً, نلجأ الى أصل تفسير القرآن بالقرآن, ومع عدم إمكان الاستفادة من ذلك نحتج حينئذٍ بقول اللغوي لمعرفة ذلك.

 ويمكن تلخيص هذا المنهج بما يلي:

 1ـ الاعتماد على الرسول لتفسير المراد وبيانه وهو مقدم على قسيميه عند التعارض لأنه نصٌ وهما ظاهرٌ.

 2ـ الاعتماد على السياق ـ في فرض عدم وجود النص ـ لمعرفة المراد ويقدم عند تعارضه مع أصل تفسير القرآن بالقرآن؛ لأنه قرينة متصلة بخلاف أصل تفسير القرآن بالقرآن.

 3ـ الاعتماد على أصل تفسير القرآن بالقرآن لمعرفة المراد في فرض عدم وجود السياق.

 4ـ الاعتماد على قول اللغوي عند عدم وجود الأصل السابق.

 وهذا المعنى يتضح حينما نعود الى آية المباهلة فأننا لو لا بيان رسول الله(ص) للمراد من النساء لما أمكننا القول بأن المراد بها فاطمة الزهراء(ع) حصراً.

 ومن خلال ما تقدم من بيانٍ وتفصيل, يتضح أن المنهج الثاني أتم وأكمل من الأول, فيُرجح الأخذ بالاحتمال الثالث دون الرابع, فيكون معنى الامامة في الآية حينئذٍ هي الامامة السياسية.

 ولنا الآن أن نشير الى ابرز مصاديق التشريعات الولائية الواردة في الآيات, فمن أهمها:

 الأولى: «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم» استند الرسول (ص) على هذه الآية لإثبات ولاية أمير المؤمنين(ع) وذلك في غدير خم, حيث قال: (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم, قالوا بلى يا رسول الله قال: من كنت مولاه هذا علي مولاه) فأراد أن يجعل ولاية أمير المؤمنين من مصاديق (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم). ولذا نجد أن هناك إصراراً كبيراً لدى أصحاب النهج الأموي والسلفي على أن هذا المقطع (أولى بالمؤمنين من أنفسهم) غير موجود في صدر حديث الغدير؛ لمعرفتهم أن ثبوت ذلك يمنع من تأويل معنى الولاية ـ من كنت مولاه فهذا علي مولاه ـ الوارد في كلامه(ص).

 الثانية: «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم» وتوجد هنا نكتتان لابد من بيانهما:

 الأولى: أن تعدد الإطاعة في الآية كاشف عن تعدد معناها والمراد منها؛ وإلا لو كانت بمعنى واحد للزم التأكيد, وهو خلاف الأصل؛ لأن الأصل هو التأسيس.

 الثانية: أن الإطاعة شاملة للتشريعات المرتبطة بالشأن السياسي, وغير مختصة بالتشريعات التي هي جزء من الشريعة. ونحن بينا في ما سبق من الابحاث أن الآية«أطيعوا الرسول» دالة على لزوم الاطاعة للاحكام الصادرة من الرسول بعنوان التشريع أو التبليغ, ولنا هنا أن نوسع تلك الدائرة لنقول أنها شاملة أيضاً للأحكام المرتبطة بالشأن السياسي كذلك, بدليل العطف الموجود في الآية, حيث أنها عطفت إطاعة أولي الأمر على إطاعة الرسول فقالت: «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر».

 ولنا أن نتساءل هنا فتقول: أي أمرٍ هذا الذي تجب إطاعة أولي الأمر فيه؟ فقد يطلق الأمر ويراد به الأمر التكويني وذلك كما في: «فيها يفرق كل أمرٍ حكيم» و«إنا أنزلناه في ليلة القدر» و «إنا أنزلناه في ليلة القدر» فهل الأمر الموجود في الآية «أولي الأمر» هو من قبيل الأمر الموجود في الآيات السابقة الذكر أم يختلف؟ نقول إذا كان المنهج في التفسير هو: تفسير القرآن بالقرآن فلابد حينئذٍ من الرجوع الى الآيات الأخر لمعرفة المراد.

 إلا أننا بينا أن منهجنا في ذلك هو: الرجوع الى أهل بيت العصمة والطهارة لمعرفة المراد,

 ونراهم (ع) في المقام قد بينوا لنا المراد من الأمر حيث أفادوا أن من أوضح مصاديق ذلك هو الأمر السياسي والشواهد على ذلك كثيرة من أبرزها: (لن يفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة) و(فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة) و(ولعلّي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمره) و(إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله) و(إن علياً لما مضى لسبيله ولاّني المسلمون الأمر من بعده) ويتبين بذلك أن طاعتهم (ع) في الأمر السياسي على حد طاعة رسول الله في ذلك.

 ولنا هنا أن نتساءل هل أن آية (أولي الأمر) مختصة بأهل البيت(ع) أم شاملة لغيرهم؟

 يوجد هناك اتجاهان في هذه المسألة يأتي البحث عنهما في قادم الابحاث إنشاء الله.

 الى هنا تبين أن الشأن السياسي سواءٌ كان بالوراثة أم بالأصالة, فهو ثابت للنبي والأئمة المعصومين وما يدل على ذلك من الأدلة القرآنية والرواِئية كثير: كقوله تعالى: «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها» الدالة على الأمر بأخذ الزكاة من الناس لا تشريعها.

 وللكلام تتمة.

والحمد لله رب العالمين

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo