< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

31/11/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الاتجاهات الأساسية في القول بثبوت الامامة السياسة

 انتهينا في حديث الأمس الى أن ولاية الأمر شأن من شؤون النبوة وقلنا أنها تختلف اختلافا كبيرا عن شأن التشريع والتبليغ فلها كثير من المقتضيات والخصائص التي تميزها عن شأن التبليغ والتشريع, ولا يختلف أحد منا ومن المدرسة الأخرى في ثبوت هذا الشأن للرسول (ص), الا أن الفرق في كيفية ثبوت ذلك له (ص) فهل هو بالتنصيب والجعل كما نعتقد أم أنه بالانتخاب والشورى. فهم يعتقدون بضرورة وجود ولي الأمر سواءٌ كان براً أم فاجراً, وهذا ما تدل عليه كثير من النصوص الواردة عندهم

 أما كلمات فقهاء المذهب الامامي في هذا المجال فهي كثيرة منها ما ورد في كتاب الرسائل للسيد الخميني حيث يقول: ( إن لرسول الله(ص) في الأمة شؤوناً أحدها النبوة والرسالة أي تبليغ الأحكام الإلهية من الوضعية والتكليفية حتى أرش الخدش وثانيهما مقام السلطنة والرياسة والسياسة لأنه(ص) سلطانٌ من قبل الله تعالى والأمة رعيته وهو سائس البلاد ورئيس العباد وهذا المقام غير مقام الرسالة والتبليغ...الخ).

 ولا يخفى أن هذا الشأن من المباحث الرئيسة التي ينبغي أن يقع فيها البحث تفصيلاً وذلك للتمييز بين التشريعات التي صدرت من الرسول(ص) باعتبار انه مشرع ومبلغ, والتي صدرت منه بحيثية ولي الأمر.

 علما أن التشريعات التي صدرت منه باعتباره وليا للأمر كثيرة جدا من قبيل قاعدة لا ضرر ولا ضرار, حيث أنها قاعدة سيالة في جميع أبوب الفقه وعادة ما تكون مخصصة أو حاكمة أو واردة...الخ, فلابد من أن يُحدد فيها المبنى في أنها من الاحكام الثابتة أم الولائية قبل تطبيقها على كثيرٍ من الأبواب والمسائل الفقهية؛ وذلك لأنها لو كانت من الاحكام الولائية فلا يمكن تطبيقها على الاحكام الثابتة؛ لأن ذلك مشروط بكونها من نفس دائرة تلك الاحكام. والعمل بها حين كونها كذلك ـ ولائية ـ مشروط بظروف وشرائط معينةٍ خاصة.

 ففي المقام يقول السيد الخميني: (إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أن حديث نفي الضرر والضرار قد نقل عن مسند أحمد بن حنبل برواية عبادة بن الصامت في ضمن قضايا رسول الله صلى الله عليه وآله ولفظه : وقضى أن لا ضرر ولا ضرار ، وقد اتضح أن لفظة « قضى » أو « حكم » أو « أمر » ظاهرة في كون المقضي به من أحكام رسول الله بما انه سلطان أو قاض وليس من قبيل تبليغ أحكام الله وكشف مراده تعالى. والمقام ليس من قبيل القضاوة وفصل الخصومة كما هو واضح ، فيكون قوله : قضى أن لا ضرر ولا ضرار ظاهرا في انه من أحكامه بما انه سلطان وانه نهى عن الضرر والضرار بما انه سائس الأمة ورئيس الملة وسلطانهم وأميرهم ، فيكون مفاده انه حكم رسول الله وأمر بأن لا يضر أحد أحدا ولا يجعله في ضيق وحرج ومشقة فيجب على الأمة طاعة هذا النهي المولوي السلطاني بما أنها طاعة السلطان المفترض الطاعة), وبها يتضح أن هذه القاعدة ليس حكماً تشريعياً حتى تكون حاكمة أو مخصصة أو غير ذلك على بعض المسائل الفقهية الثابتة كالصيام والحج والصلاة وغيرها.

 ولابد لنا هنا من التطرق الى عدة مباحث:

ا

لأول:

أن لولاية الأمر شرائط وضوابط خاصة لتحققها, وأن تحققها غير ملازم لتحقق النبوة ولا تحقق النبوة ملازم لتحققها, حيث بينا فيما سبق أن ابراهيم كان نبيا ورسولا الا أنه لم يكن إماما الا في نهاية عمره. وبذلك تنحل عقدة تعدد الأنبياء في آنٍ واحد, حيث أن ولي الأمر لابد أن يكون أحدهما وذلك كما في عهد موسى وهارون.

 ولنا هنا أن نتساءل هل أنه بمجرد ثبوت الامامة وتحققها يتحقق شأن ولاية الأمر؟

 نقول: لا ملازمة بين تحقق منصب الامامة وتحقق هذا الشأن حيث من المعلوم أن أمير المؤمنين كان إماما في عهد الرسول الا أن هذا الشأن ثابت للرسول فقط وهو ولي أمر المسلمين جميعا في ذلك الوقت بما فيهم أمير المؤمنين(ع), والكلام هو الكلام بالنسبة للامامين الحسن والحسين(ع). فالولاية السياسية غير ملازمة في ثبوتها لتحقق منصب الامامة.

 أما الكلام في ثبوت هذا الشأن لفقهاء عصر الغيبة, فهناك شروط وضوابط على أساسها تثبت ولاية الأمر ـ للقائلين بثبوت ولاية الأمر ـ للفقيه مع فرض تعددهم في زمانٍ واحد, فيوجد في ذلك اتجاهات ثلاث نعرض لها بعد إتمام الكلام عن المباحث التي بدأنا التطرق لها.

 الثاني: بيان أهم خصائص التشريعات الولائية, وما هو وجه اختلافها عن الاحكام التشريعية؟

 الثالث: هل أن الاحكام الولائية مختصة بزمان صدورها أم أنها شاملة لعصر الامام المعصوم الذي يأتي بعد الامام الذي سبقه, أي: هل أن الاحكام الولائية التي صدرت من الرسول(ص) شاملة لعهد أمير المؤمنين أم أنها تنتهي بمجرد موت الرسول وانتقال الامامة؟ ونريد أن نتساءل كذلك هل أن الاحكام الولائية التي صدرت من الائمة زمن الحضور شاملة لعصر الغيبة أم لا؟

 الرابع: ما هي الوسيلة التي يمكننا من خلالها التمييز بين الحكم الثابت في الشريعة والحكم الولائي؟

 الخامس:

ما هو مقتضى الأدلة عند الشك في حقيقة الحكم في أنه ولائي أو ثابت أو ليس منهما, فبأيهم تحكم لنا الأدلة؟

 أما

ما يتعلق بالاتجاهات الثلاث فهي:

 الاتجاه الأول:

أن هذا الشأن ثابت لمن تسلط وصار حاكما على رقاب المسلمين ولو بحد السيف أو المؤامرة, وهذا ما أسس له الأمويون, علما أن هذا النهج لا زال قائما الى اليوم في بعض المجتمعات الاسلامية.

 أما شروط ذلك الحاكم فهي أن يشهد الشهادتين فحسب, سواء كان عادلا أو فاسقا, برا أو فاجرا, منافقا أو مؤمناً, كل ذلك غير مأخوذٍ بنظر الاعتبار, والمسقط له عن تلك الحكومة والأمارة هو التصريح بالكفر البواحً فقط.

 والقائلين عملياً بهذا الاتجاه كثيرون, وهناك من يصرح بذلك على مستوى القول أيضاً, كصالح العثيمين في شرح العقيدة الواسطية ص357 حيث يقول: (فأهل السنة يخالفون أهل البدع تماماً, فيرون الحج مع الأمير وان كان من أفسق عباد الله ) ويلاحظ أنه يقصد بأهل البدع هم أتباع آل البيت القائلين بضرورة العدالة والعصمة للامام (ع), وما قولهم هذا الا تصحيحا لسلوك أميرهم معاوية ابن أبي سفيان حيث كان يذهب الى بيت الله ثملا سكرانا.

 ثم يقول: (لأنهم يرون أن طاعة ولي الأمر واجبة وإن كان فاسقاً, بشرط أن لا يخرجه فسقه إلى الكفر البواح الذي عندنا فيه من الله برهان, فهذا لا طاعة له ويجب أن يزال عن تولي أمور المسلمين, لكن الفجور الذي دون الفسق مهما بلغ فإن الولاية لا تزول عنه بل هي ثابتة والطاعة لولي الأمر واجبة خلافاً للخوارج و الرافضة... الى أن يقول في ص659 فالأمير إذا كان يشرب الخمر مثلا, ويظلم الناس بأموالهم, نصلي خلفه الجماعة وتصح الصلاة, حتى إن أهل السنة والجماعة يرون صحة الجمعة خلف الأمير المبتدع إذا لم تصل بدعته إلى الكفر,...الخ), أما تعاملهم مع الأحاديث الواردة في البدعة كـ (كل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالة في النار) فيقولون: عقاب المبتدع متروك الى الله ولا يلزم من ذلك ترك طاعة الأمير لو كان مبتدعاً ويستدلون على لزوم الطاعة بآية الاطاعة وكذلك ببعض الروايات الواردة في البخاري أو غيره من الصحاح مثل: ( إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: أدوا إليهم حقهم, وسلوا الله حقكم).

الاتجاه الثاني:

أن الشأن السياسي ـ ولاية الأمر غير ثابت للرسول والإمام فضلا عن الفقهاء إلا بعد حصول البيعة من الأمة ورضاها بذلك.

 ويعتقد أصحاب هذا الاتجاه أن الأمة غير ملزمة بالبيعة, فحال البيعة في ذلك حال الاستطاعة بالنسبة للحج, فكما أن الاستطاعة غير واجبة التحصيل على الناس ولا يجب عليهم السعي لتحقيقها, فالبيعة كذلك, أي: إن السعي لتحصيل البيعة من الأمة غير واجب ولازم. فمتى الأمة شاءت المبايعة, لها أن تبايع, ومتى لم تشأ فلها ذلك أيضاً.

 وهذا ما يذهب إليه كثير من المسلمين حيث أنهم يعتقدون أن الثابت للنبي(ص) النبوة فقط, أما ولاية الأمر فغير ثابتة له(ص) ولا للائمة المعصومين (ع).

 لذا نجدهم يقولون أن النصوص التي صدرت من الرسول بحق أمير المومنين الدالة على خلافته من بعده إنما هي لبيان الأصلح والأفضل لقيادة الأمة, إلا أن ذلك مشروط بمبايعة الأمة وقبولها, فإن حصل ذلك فبها, وإن لم يحصل, بأن انتخبت الأمة شخصا آخر فذلك من حقها المشروع ممارسته.

 لهذا نجد البعض من المعاصرين ومن مختلف الاتجاهات يسعى بقوةٍ وجد للتأكيد على هذه النطرية والتأسيس لها؛ لكي يصحح بذلك خلافة الشيخين. وحين يُعترض عليهم بأن الأمة لم تبايع بأجمعها, أجابوا بأن وجود أهل الحل والعقد كافٍ في تحقق ذلك.

 وكذلك نجدهم يقولون أن البيعة قد حصلت من علي نفسه للخليفة الأول, فإن قيل لهم بأن ذلك كان تقية, قالوا: لا توجد النصوص الصريحة على ذلك, بل أنكم ابتدعتم القول بالتقية؛ لتتخلصوا بذلك من القول بصحة خلافة الشيخين؛ فقبولكم بمبايعة علي يلزم منه القول بصحة خلافة الأول والثاني وهذا ما لا تريدوه أن يحصل.

 من هنا ينبغي علينا أن نتوجه الى الخطر المحيط بنا, فهناك كثير من الاشكالات التي تثار هذه الأيام والتي تحتاج بواقعها الى إجابات مفصلة, مصحوبة بالحجة الدامغة والدليل القاطع.

 ومن أبرز هذه الاشكالات ما نسمعه اليوم من داخل وسطنا الشيعي بأن الامامة السياسية غير ثابتة لآل البيت (ع), فلذا يجب أن نكثف الجهود من أجل توضيح الحقيقة قبل أن تتكاثر على أبنائنا مثل هذه الاشكالات التي تأخذ حيزا واسعا من فكر مجتمعنا اليوم, لعدم القيام بمسؤولياتنا بالشكل الصحيح والمبتغى, ولعدم تحصنهم بسلاحٍ قوي يمنع من ورود هذه الشبهات إليهم.

الاتجاه الثالث:

يأتي الكلام عنه في قادم الابحاث إنشاء الله.

والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo