< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

31/11/10

بسم الله الرحمن الرحیم

القول بضرورة الامامة السياسية وما يلاحظ عليه ق1

 قلنا بالأمس أن من الحقائق الثابتة في مدرسة أهل البيت أن الإمامة السياسية مجعولةٌ من قبل الله (سبحانه وتعالى) على حد النبوة والرسالة, فكما أن لا دور للأمة في تحقق النبوة, كذلك الأمر في الشأن السياسي والإمامة السياسية.

 فنستطيع القول بنحو الإجمال أن القدر المتيقن من الأدلة القرآنية والروائية التي عندنا تكشف لنا بأن الإمامة السياسية ثابتة بالأصل للنبي(ص)وبالتبع لخلفائه الاثني عشر الذين من بعده.

 الا أننا بينا بالأمس أن دور الأمة في تحقيق الإمامة السياسية منحصر بالفعل والفاعلية فقط, أي: أن الإمام إذا أراد أن يفعّل هذا الموقع والمنصب لابد من قبول الأمة ورضاها, ويتم ذلك من خلال البيعة, فالبيعة هي المقام الاثباتي لذلك الأمر الثبوتي المتمثل بالقبول والرضا لثبوت هذا الشأن للامام.

 ولذا نجد أن الإمام أمير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة يصر على أن هذا الشأن الذي هو فيه لم يكن لو لا مبايعة الأمة له بالاجماع دون إكراه أو جبر؛ ولا يريد الامام هنا القول بأنكم لو لم تبايعوا فأن هذا الشأن سوف يسقط عني ولا أكون لكم إماما, بل أن البيعة لي واجبة عليكم كوجوب الصلاة والصوم, وعدم مبايعتكم لي لا يلزم منها عدم ثبوت الامامة, بل هي ثابتة سواء حصلت البيعة أم لم تحصل. واللازم من عدم البيعة المخالفة والعصيان فقط؛ وذلك لأن الله أمر الأمة أن تبايع شخصاً معيناً هو أمير المؤمنين(ع).

 وهذا البحث وإن كان بحثا كلاميا الا انه يمكن أن نتصور له أكثر من بحث فقهي:

 الأول: هل الإمامة السياسية الثابتة لأئمة أهل البيت (ع) وصلت إلى حد الضرورة أم أنها قضية نظرية يجوز فيها الاجتهاد؟ يوجد في المسألة أقوال ثلاث هي:

أولاً:

أنها ضروريةٌ حدوثاً وبقاءً, أي: كما أنها كانت ضرورية في صدر الإسلام فهي ضرورية إلى يومنا هذا, كضرورة الصلاة التي لا يشك أحد بأنها جزء من أجزاء الدين, وأحد عناصره الأساسية المكونة له, فكذلك الإمامة السياسية هي جزء وركن مقومٌ في المعارف الدينية, ولم تكن في يوم من الأيام قضية نظرية اجتهادية؛ لذلك نرى عدم وقوع البحث فيها. ولا يخفى أن هذا القول ليس هو القول المشهور

 ثانياً:

يعتقد أصحاب هذا الرأي أن الإمامة السياسية لم تبلغ حد الضرورة في زمان النبي فضلاً عن الأزمنة الأخرى. ولا يترتب على هذا القول ما يترتب على منكر الضروري من الكفر والنجاسة.

 ثالثا:

يعتقد أصحاب هذا الرأي بالتفصيل بين الحدوث وبين البقاء, فيقولون: أن الإمامة السياسية لأئمة أهل البيت (ع) في صدر الإسلام بالنسبة إلى المحيطين برسول الله ـ الذين كانوا معه في المدينة ـ الواقفين على أحوال النبي وكلامه وسلوكه وتصرفاته, العالمين بحال الروايات التي صدرت عنه(ص) في أئمة أهل البيت كالذين سمعوا ووعوا أحاديث الثقلين وآية التطهير وغيرها من الروايات المتفق عليها, وأنه(ص) كان كثيراً ما يقف على باب فاطمة الزهراء(ع) ويقول: اللهم إن هؤلاء أهل بيتي {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا

}, وكذلك قوله في حديث الثقلين كما ينقل ذلك ابن حجر الهيتمي حيث يقول: ما من زمان ما من مكان ما من مناسبة إلا ورسول الله كان يؤكد على حديث الثقلين كتاب الله وعترتي الخ..., ثم يقول في خطبة الغدير كان الإعلان العام لحديث الثقلين, أما سبب اختلاف صيغ الحديث وروايته بصيغ متعددة فلأن رسول الله(ص) في مواضع وأمكنة وأزمنة متعددة كان يعبر بتعبيرات مختلفة, فتارة يقول إني تارك فيكم خليفتين وأخرى إني تارك فيكم الثقلين وهكذا...

 فالقول الأول:

وهو الذي يرى بأن الامامة السياسية ضرورة من ضرورات الدين حدوثاً وبقاءً هو المتعارف عند الاتجاه الأخباري في مدرسة أهل البيت (ع).

 فرتبوا عليه من أنكر ضروري من الضروريات فهو كافر, و لوجود الملازمة بين الكفر والنجاسة فحكموا بالنجاسة على كل مخالف.

 أما القول الثاني:

وهو الذي يرى أن الإمامة السياسية لم تبلغ حد الضرورة حدوثاً فضلاً عن البقاء, وهذا ما يمكن أن يستفاد من كلمات السيد الشهيد الصدر& في بحوث في شرح العروة الوثقى المطبوعة من المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر, المجلد الثالث في المسألة الثالثة نجاسة الكافر, تحت عنوان: غير الاثني عشرية من الشيعة إذا لم يكونوا ناصبين ومعادين لسائر الأئمة ولا سابين لهم طاهرون يقول: (كون المخالف منكراً للضروري بناءً على كفر منكر الضروري الخ...الى أن يقول (ره) ويرد عليه مضافاً إلى ما تقدم, أن بالضروري الذي ينكره المخالف إن كان هو نفس إمامة أهل البيت(ع) - السياسية- فمن الجلي أن هذه القضية لم تبلغ في وضوحها إلى درجة الضرورة, ولو سلم بلوغها حدوثا تلك الدرجة فلا شك في عدم استمرار موضوعها بتلك المثابة في مقام البقاء, لما اكتنفها من عوامل الغموض, والإبهام, والشبهة, والإشكالات, والوضع... الخ) فكثير هي العوامل التي أدت الى خروج هذه القضية من كونها ضرورة إلى كونها نظرية.

 أما القول الثالث: وهو القائل بالتفصيل بين الحدوث والبقاء, فأن هذا القول هو الصحيح في المسألة, وهو ما ذكره السيد الإمام الخميني في كتاب الطهارة المجلد الثالث ص329 بقوله: (ويمكن أن يقال: إن أصل الإمامة ـ السياسية ـ كان في الصدر الأول من ضروريات الإسلام ـ الضرورة هنا للذين كانوا مع الرسول والمحيطين به وليس لكل المسلمين ـ الى أن يقول: والطبقة الأولى المنكرين لإمامة المولى أمير المؤمنين ولنص رسول الله(ص) على خلافته ووزارته كانوا منكرين للضروري).

 وكم خلال هذه الأقسام الثلاثة يتضح أن الحكم بالكفر والنجاسة لمن لا يقبل الامامة السياسية للامام تابع للمبنى الذي يراه الفقيه في كون الامامة السياسية هل هي ضرورة من ضروريات الدين أم لا؟ ولنا أن نتساءل هنا أن منكر الامامة السياسية لو لم يكن كافر فهل هو منافق أم لا؟ هذا بحث سوف نقف عنده في مباحث أخرى إنشاء الله.

 ثم يقول السيد الامام (ره): (كانوا منكرين للضروري من غير شبهةٍ مقبولةٍ من نوعهم سيّما أصحاب الحل والعقد منهم), واضح أن الإمام يتكلم عن الطبقة المقربة جدا من رسول الله(ص), أي: المحيطين به دائماً, الا أن الشبهة قد حصلت للطبقات المتأخرة لشدة وثوقهم وإطمئنانهم بالطبقات الأولى؛ لأنهم أصحاب رسول الله, وحينما جاء النهج الأموي ووجد أن هذه الطبقة المحيطة برسول الله يقولون بثبوت الإمامة السياسية لهم(ع), أخذوا بجعل الهالة والقدسية لأصحاب رسول الله (ص) أولاً ثم وضعوا الأحاديث ودسوها من أجل أن يبينوا أن الامامة السياسية غير ثابتة لهم(ع), وبما أن الناس يثقون بأصحاب الرسول(ص) فقالوا أن الإمامة السياسية, غير ثابتة أيضاً لما وجدوا من الاحاديث الموضوعة على أصحاب الرسول, وبذلك لم تبقَ المسألة ضرورية, بل صارت نظرية الا ان انكارها لا يؤدي إلى الكفر..

 أما السيد الخوئي(ره) فيذهب الى أن المسألة من ضرورات المذهب وذلك كما نراه يقول في التنقيح ص86 في ذيل المسالة الثالثة: (أن أهل الخلاف منكرون لما ثبت بالضرورة من الدين وهو ولاية أمير المؤمنين (ع)... إلى أن يقول: نعم الولاية بمعنى الخلافة من ضروريات المذهب لا من ضروريات الدين) ولم يبين (ره) هل أنها ليست من ضروريات الدين حدوثاً وبقاءً أم بقاءً لا حدوثاً.

 وطرح المسألة هذه يمكن أن يستفاد منه: اتضاح القضية بصورة مفصلة, وكذلك معرفة أن مسألة الضرورة مسألةٌ قابلة للتغير بمرور الزمن وهذا الأمر ليس فقط في الأمور الفقهية بل في الأمور العقدية أيضاً.

 وكذلك

نجد أن الذين أنكروا إمامة أمير المؤمنين (ع) قد عُبر عنهم في كثيرٍ من الروايات بأنهم كفار ومرتدون, فلكي نعرف بصورة جيدة ما تريده هذه الروايات, لابد أن نعرف معنى الكفر الوارد فيها, حيث لا يخفى أن للكفر خمسة معانٍ قد وردت في كلمات أهل البيت (ع) هي:

 أولاً: من استعمالات الكفر في كلماتهم (ع) عدم الطاعة, وهذا الكفر ليس هو الكفر المقابل للإيمان والإسلام, بل هو الكفر المقابل للطاعة, (فمن أطاع فقد أسلم وآمن, ومن عصى فقد كفر) وهذا المعنى لا يخرج الانسان عن الإيمان فضلا عن الاسلام. فهنا قد يكون الانسان مؤمنا لكنه كافر بالكفر غير المقابل للاسلام, بل الكفر بمعنى العصيان المقابل للطاعة.

 والروايات في ذلك كثيرة, أشير إلى واحدة في المقام وهي ما ورد في أصول الكافي المجلد الرابع ص149: (عن أبي عبد الله الصادق(ص) قال: قلت له: أخبرني عن وجوه الكفر في كتاب الله (عزّ وجلّ) قال: الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه: فمنها كفر الجحود والجحود على وجهين والكفر بترك ما أمر الله وكفر البراءة, وكفر النعم... إلى أن يقول: والوجه الرابع من الكفر ترك ما أمر الله (عزّ وجلّ) به وهو قول الله (عزّ وجلّ) {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دمائكم

}... إلى أن تقول الآية المباركة: {تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وأن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض

}. وهذا المعنى يشير إليه السيد الخوئي بشكل صريح في الجزء الثالث من التنقيح ص63 يقول: إن للكفر مراتب عديدة:

منها:

ما يقابل الإسلام.

ومنها:

ما يقابل الإيمان.

ومنها:

ما يقابل المطيع لأنه كثيراً ما يطلق الكفر على العصيان.

 ومن هنا السيد الشهيد(ره) في شرح بحوث العروة المجلد الثالث ص397 يقول: أن الكفر فيها - أي في الروايات التي عبرت عن المنكر للإمامة بأنه كافر- يتعين حمله على ما لا يقابل الإسلام فيكون مساقها مساق ما طبق فيه عنوان الكفر على العاصي للإمام, كما في رواية...الخ) هذا فيما يتعلق بالكفر.

 أما ما يتعلق بالارتداد, فالمراد به: نقض العهد الذي أخذه رسول الله(ص) على الأمة في غدير خم, بالاطاعة لعلي (ع), والذي لم يلتزموا به؛ فلهذا يقول: ولعل ما ذكرناه - في مسألة الإمامة- هو سر ما ورد من ارتداد الناس بعد رسول الله إلا أربعة أو خمسة أو سبعة, أي: الذين وفوا بعهدهم مع رسول الله, لا أنه الآخرين قد خرجوا عن الإسلام, فيكون المراد من ارتداد الناس نكث عهد الولاية, لا الارتداد عن الإسلام وهو أقرب.

 تبقى هنا مسألة لا بد من الإشارة إليها وهي: هل أن هؤلاء في الدنيا كفار أم لا؟

 نقول: نعم هم كفار بمعنى العصيان لا بمعنى الاسلام والإيمان فإن ذلك لم يثبت, فما يقال عن هؤلاء بأنهم مسلمون غير مؤمنون كلام غير دقيق.

 ونريد أن نتساءل كذلك : هل أن من أنكر الامامة بشكل عام والسياسية بشكل خاص يدخل الجنة أم لا؟ هذه المسألة في الحقيقة قد وقع فيها البحث والتفصيل كثيرا بين علماء الكلام والفقه, إلا أننا على وجه الإجمال نقول أن المسألة فيها بحثان:

البحث الأول:

الدخول في النار, أو عدم الدخول.

البحث الثاني:

مع فرض الدخول في النار فهل هناك خلود في النار أم لا؟

 الناس في الحقيقة على ثلاثة أنحاء:

 الأول:

الجاحد والمعاند وهو: كل من عرف الحقيقة واستيقنها إلا أنه لم يؤمن بها على مستوى السلوك والعمل وهؤلاء هم الذين يعبر عنهم الله تعالى بقوله: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم

} و{شاقّوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى

}, أو كما يعبر عنهم الراغب في المفردات ص88 بقوله: : الجحود نفي ما في القلب إثباته وإثبات في القلب نفيه, فهؤلاء عرفوا باليقين والقطع أحقية أهل البيت بالإمامة سواء بمفهومها العام أو الامامة السياسية فقط, إلا أنهم جحدوا بذلك ولم يؤمنوا. فهذا النوع من الناس لا شك ولا ريب بأن مصيرهم النار يوم القيامة. أما الخلود فنترك البحث فيه الى مضانه.

 الثانية:

من بحث وتحرى بقدر المستطاع والممكن, إلا أنه لم يصل الى النتيجة التي تقول بثبوت الامامة إليهم (ع), فمثل هؤلاء لا شك أنهم لا يحاسبون بسبب عدم إيمانهم بالإمامة العامة أو السياسية, بل يدخلون الجنة إذا كانت بقية أعمالهم تساعد على ذلك.

 الثالث:يأتي الكلام عنه في البحث القادم بإذن الله.

والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo