< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

31/11/15

بسم الله الرحمن الرحیم

القول بضرورة الامامة السياسية وما يلاحظ عليه ق

2

 نزولاً عند رغبة بعض الإخوة الذين طلبوا بيان المسألة المرتبطة بالإيمان بالإمامة السياسية ارتأينا أن ندخل البحث بنوع من التفصيل.

 قلنا في درس الأمس بأنه توجد مجموعة من الأبحاث مرتبطة ببحث الإمامة التي تعتقدها مدرسة أهل البيت.

 الأول:

أن الإمامة التي تعتقدها مدرسة أهل البيت فيها اتجاهات من حيث كونها ضرورة من ضروريات الدين أم لا؟ والاتجاهات على وجه الاجمال هي:

 أولاً: يعتقد هذا الاتجاه بأن الامامة من الضرورات الدينية حدوثا وبقاءًً.

 ثانياً: يعتقد هذا الاتجاه بأن الامامة ليس من الضرورات الدينية حدوثاً وبقاءً.

 ثالثاً: يعتقد هذا الاتجاه بأن الامامة من الضرورات الدينية في صدر الإسلام بالنسبة لمن كان يحيطُ بالرسول الأعظم(ص), لا لجميع المسلمين, أي: ليست من الضرورات بالنسبة إلى من اجتمعوا في غدير خم مثلاً.

 ولعل في كلمات الإمام أمير المؤمنين (ع) تصريح بهذا المعنى حيث نرى الإمام(ع) في الخطبة 149 يقول: (حتى إذا قبض الله رسوله(ص) رجع قومٌ على الأعقاب {فإذا مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم

}). فعبر (ع) برجع قوم على الأعقاب ولم يقل رجع جميع المسلمين (وغالتهم السبُل واتكلوا على الولائج ووصلوا غير الرحم, وهجروا السبب الذي اُمروا بمودته ونقلوا البناء عن رص أساسه فبنوه في غير موضوعه).

 فكانوا يعلمون أن هذا البناء والأساس لابد أن يبنى في موضعه, لكنهم بنوه في غير موضعه عن علمٍ ومعرفةٍ بذلك, ثم الإمام(ع) يبيّن خصائص الذين فعلوا ذلك, فقال: (معادن كل خطيئة وأبواب كل ضاربٍ في غمرة قد ماروا في الحيرة وذهلوا في السكرة على سنةٍ من آل فرعون من منقطع إلى الدنيا راكٍ أو مفارق للدين مباين) وواضح أن هذه الأوصاف لا تصدق على ضعاف الفكر والعقل أو من لم يعلم أو من كان جهلهم جهل قصوري ونحو ذلك من الأمور.

 الثاني: إطلاق بعض النصوص نعت الكفر والارتداد على من لم يؤمن بالإمامة السياسية, وبينا المراد منهما.

 الثالث:

وهو الذي يحتاج الى شيء من التفصيل, حيث كنا نتكلم بالأمس عن ذلك من بعده الفقهي فقط, أما اليوم نريد أن نتكلم بصورةٍ أعم عن ذلك, فنقول: ما هو حال الذين لم يؤمنوا بالإمامة السياسية لأهل البيت في الآخرة؟

 لابد وقبل الاجابة على هذا التساؤل من بيان مجموعة من العناوين, كالإسلام والإيمان والكفر والارتداد حيث أن لها أحكامها الخاصة بها فقهيا فتترتب عليها آثار من قبيل الطهارة وصحة الزواج أو النجاسة وعدم استحقاق الإرث وغير ذلك من المسائل الفقهية المترتبة.

 ولنا هنا أن نتساءل هل لهذه الاحكام مدخلية في عالم الثواب والعقاب أو الجنة والنار أم لا؟

 لعل البعض يتصور أن الجنة والنار مرتبطان بما ذكرنا من عناوين, أي: إذا كان الانسان مؤمناً فيدخل الجنة, أما إذا لم يكن كذلك فيدخل النار, وكذلك إذا كان الانسان مسلماً يدخل الجنة أما إذا كان كافراً يدخل النار, الا أن الحقيقة أن الأمر ليس كذلك, فلا علاقة أو ملازمة لهذه العناوين بالدخول إلى الجنة أو النار, فقد يكون الانسان مسلماً مؤمناً ويدخل النار, وقد يكون كافراً ـ بحسب الاصطلاح الفقهي ـ ويدخل الجنة.

 من هنا فقد يكون الانسان من الموالين لأهل البيت ومحبيهم لكنه من مرتكبي الكبائر من المحرمات ومات من غير توبةٍ فهل مثل هذا يدخل الجنة أم النار؟ وقع الخلاف بين الاعلام في ذلك فقال صاحب البحار في المجلد الثامن كتاب العدل والمعاد باب من يخلد في النار ومن يخرج منها: (وأما أصحاب الكبائر من الإمامية فلا خلاف بين الإمامية في أنهم لا يخلدون في النار). والتحقيق: أن كل موحدٍ يوم القيامة لا يخلد في النار, مسلماً كان أو غير مسلم, الا من أشرك بالله فلا يُغفر له {إن الله لا يغفر أن يشرك به

}. فلا ملازمة بين الإيمان أو الاسلام ودخول الجنة وهذا ما يشير إليه (ره) بقوله: (وأما أنهم هل يدخلون النار أم لا؟ فالأخبار مختلفة فيهم اختلافا كثيرا ، ومقتضى الجمع بينها أنه يحتمل دخولهم النار وأنهم غير داخلين في الأخبار التي وردت أن الشيعة والمؤمن لا يدخل النار ، لأنه قد ورد في أخبار أخر أن الشيعة من شايع عليا في أعماله ، وأن الإيمان مركب من القول والعمل ، لكن الأخبار الكثيرة دلت على أن الشفاعة تلحقهم قبل دخول النار).

 أما السيد الخوئي (ره) في التنقيح المجلد الثالث ص58 بعد أن يذكر كلام صاحب العروة القائل: (والمراد بالكافر من كان منكراً للألوهية أو التوحيد أو الرسالة أو ضرورياً من ضروريات الدين, يقول: قد اعتبر في الشريعة المقدسة أمور على وجه الموضوعية في تحقق الإسلام ، بمعنى أن إنكارها أو الجهل بها يقتضي الحكم بكفر جاهلها أو منكرها وإن لم يستحق بذلك العقاب لاستناد جهله إلى قصوره وكونه من المستضعفين). فعدم وجود الملازمة بين الكفر والعذاب واضح كذلك في كلامه (ره).

 من هنا يتبين عدم وجود الملازمة بين الإيمان ودخول الجنة, وكذلك بين الكفر ودخول النار, وهذا يكشف لنا أن العناوين الفقهية ليست هي الضابطة المقننة لدخول الجنة أو النار.

 فلا ينبغي الوقوع في الخلط, بأننا حينما نقول بأن هذا مؤمن بالاصطلاح الفقهي فهو يدخل الجنة, وعندما نقول هذا كافر بالاصطلاح الفقهي فهو يدخل النار.

 بعد هذا البيان لابد أن نتساءل هل يمكن للمسلمين الذين لم يؤمنوا بإمامة أهل البيت(ع) النجاة من النار أم لا؟ نقول إن المسلمين بالنسبة الى ذلك على عدة أنحاء:

 الأول: من قاتل الائمة وحاربهم ونصب لهم العداوة والحقد والبغضاء, هؤلاء دون شك من المخلدين في النار وهم من أوضح مصاديق عنوان الناصب.

 الثاني: من اتضحت لهم الحقيقة بالقطع واليقين بثبوت الامامة لأهل البيت لكنهم جحدوا وعاندوا, فهؤلاء من مصاديق الآية الكريمة{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} و{شاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى

}, فهم من أهل النار كذلك ما لم يتوبوا ويؤوبوا الى رشدهم, لأنهم خالفوا الرسول (ص) ولم يؤمنوا بكلام الله تعالى القائل {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا

}.

 وهذا النحو ينطبق على كثير من الصحابة الذين كانوا مع الرسول (ص) في كثير من الفترات, فهم يعرفون تماما ما بينه رسول الله (ص) من حقٍ لأهل البيت خصوصا ما يتعلق بمسألة الامامة الا أنهم تنكروا لذلك فيما بعد وجحدوا, فهل يا ترى هؤلاء من المؤمنين برسول الله أم من النافقين؟ وقع الخلاف بين أعلامنا في هذه القضية, فذهب المشهور الى نفاقهم, وذهب جمع آخر ومنهم السيد الخوئي الى أن مخالفتهم للرسول ليس بسبب النفاق, بل بسبب حب الدنيا والجاه والسلطة.

 الثالث:

من لم يعرف ولم تصل إليه الحجة, بأن الائمة الاثني عشر خلفاء الله, وولاة الأمر بعد الرسول, وأنهم أئمة مفترضوا الطاعة, وهؤلاء ما عُبر عنهم في النصوص بالمستضعفين, بمعنى: عدم وصول الحجة إليهم, لا بمعنى: الاستضعاف الفكري وعدم التمييز بين الحق والباطل.

 و هذا النحو هو الذي تشير إليه النصوص الواردة في الكافي المجلد الثامن ص125 قال: (وسألت عن الضعفاء فالضعيف من لم يرفع إليه الحجة, ولم يعرف الاختلاف فإذا عرف وجود الاختلاف فليس بضعيف).

 الرابع: من أحب أهل البيت (ع)؛ لعلمه أن المقصود بالقربى في قوله تعالى {لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى

} الائمة الاثني عشر أو الخمسة أصحاب الكساء على الأقل, وهذا النحو من الناس ينقسم الى طبقاتٍ ثلاث هي:

 الأولى:

من سمع القول بإمامتهم, دون أن يعرف أيَ دليلٍ لإثبات ذلك (ع).

 الثانية: من سمع القول والأدلة على إمامتهم, لكنه لم يستطع التمييز بين صحيح الأدلة وفاسدها؛ لأنه لم يبلغ من الناحية الفكرية الى المستوى الذي يستطيع معه التمييز بين الحق والباطل, وهؤلاء هم المعبر عنهم بالنصوص بضعاف العقول أو البله.

 الثالثة: من سمع وميّز وقام بالبحث والفحص عن الحق والحقيقة لكنه لم يستطع الوصول إليها إما لصعوبتها أو لتشابه الأدلة عليه أو لوجود الموانع أو لأي سببٍ كان.

 أشارت النصوص الى أن النحو الثالث والرابع بطبقاته الثلاث من الناجين يوم القيامة إن كانت أعمالهم حسنة, ولا يوجد عندهم من السيئات ما يكون سببا لدخول النار, أي: أنهم لا يحاسبون لعدم اعتقادهم بإمامة أهل البيت (ع), ومن النصوص الدالة على ذلك:

 الرواية الأولى: ما ورد في أصول الكافي, الجزء الرابع ص181 قال: >سألت الباقر (ع) عن الدين الذي لا يسع العباد جهلة, فقال: الدين واسع ولكن الخوارج ضيقوا على أنفسهم من جهلهم, قلت: جعلت فداك فأحدثك بديني الذي أنا عليه, فقال: بلى, قلت: أشهد أن لا إله ألله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله والإقرار بما جاء من عند الله وأتولاكم وأبرء من عدوكم ومن ركب رقابكم وتأمر عليكم وظلمكم حقكم, فقال: ما جهلت شيئاً, هو والله الذي نحن عليه, فقلت فهل سلم أو يسلم أحد لا يعرف هذا الأمر فقال: لا إلا المستضعفين, قلت: من هم؟ قال: نسائكم وأولادكم ـ وهذا كما هو واضح من الطبقة الثانية من النحو الرابع الذي بيناه ـ ثم قال (ع) أرأيت أم أيمن فإني أشهد أنها من أهل الجنة وما كانت تعرف ما أنتم عليه).

 الرواية الثانية:

ما وردة في تفسير القمي المجلد الثاني ص260 (عن الإمام الباقر قال: قلت له جعلت فداك ما حال الموحدين المقرين بنبوة محمد(ص) من المسلمين المذنبين الذين يموتون وليس لهم إمام ولا يعرفون ولايتكم فقال: أما هؤلاء فإنهم في حفرهم لا يخرجون منها فمن كان له عمل صالح ولم يظهر منه عداوةٌ فإنه يخد له خداً إلى الجنة التي خلقها الله, حتى يلقى الله فيحاسبه بحسناته وسيئاته فإما إلى الجنة وإما الى النار... الى أن يقول: وكذلك يفعل بالمستضعفين والبله والأطفال وأولاد المسلمين الذين لم يبلغوا الحلم, وأما النصّاب من أهل القبلة ـ النحو الأول والثاني ـ فإنه يخد لهم خداً إلى النار التي خلقها الله فيدخل عليهم اللهب والشرر والدخان وفورة الحميم الى يوم القيامة ثم بعد ذلك مصيرهم الى الجحيم).

الرواية الثالثة:

ما ورد في تفسير العياشي الجزء الأول ص433, (عن أبي عبد الله الصادق(ص) قال: المستضعفين من الرجال والنساء لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلا, قال لا يستطيعون سبيل أهل الحق فيدخلون فيه, ولا يستطيعون حيلة أهل النصب فينصبون, قال: هؤلاء يدخلون الجنة بأعمال حسنة وباجتناب المحارم التي نهى الله عنها, ولا ينالون منازل الأبرار) لأن الجنة لها درجات مختلفة ومتعددة بحسب كمال الانسان وأعماله, فالموالين لا ينالون منازل الأولياء, والأولياء لا ينالون منازل الأنبياء, والأنبياء من غير أولي العزم لا ينالون منازل الأنبياء من أولي العزم.

 الرواية الرابعة:

ما ورد في الخصال للشيخ الصدوق ص407 (عن أبي عبد الله عن أبيه عن جده عن علي(ع) قال: للجنة ثمانية أبواب ـ المراد بالأبواب درجات الجنة وطبقاتها ـ بابٌ يدخل منه النبيون والصديقون وباب يدخل منه الشهداء والصالحون وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبونا على اختلاف مراتبهم المهم محل الشاهد وباب يدخل منه سائر المسلمين ممن شهد أن لا إله إلا الله ولم يكن في قلبه مقدار ذرة من بغضنا أهل البيت).

 وبهذا يتبين: أن المسلمين جميعاً يدخلون إلى الجنة بشرط الاستضعاف الذي أشير إليه سواء الفكري منه أو عدم وصول الحجة, وهذا هو الجاهل القاصر بمعانيه المتعددة.

والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo