< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

31/11/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الفرق بين روايات الشرط والمنع وكيفية الجمع بينهما

 لا بأس بالإشارة إلى أن البحث الذي عرضنا له بالأمس وإن كان كلامياً في كثيرٍ من أبعاده, إلا أننا نعتقد أن مثل هذه الأبحاث سواء الكلامية منها أو العقائدية والفلسفية والمعرفية ليست مبتدعة في الأبحاث الأصولية أو الفقهية, بل هي من قبيل مسألة الأمر بين الأمرين المرتبطة بعلم الكلام, وحجية الدليل العقلي المرتبطة بنظرية المعرفة المبحوث عنهما في علم الأصول.

 تطرقنا بالأمس الى النصوص التي بينت أن البغض والعداوة والنصب مانعة من الدخول إلى الجنة مهما بلغت عبادة الانسان من الكثرة في الصوم والصلاة وغيرهما من العبادات, ولذلك يقول الرسول(ص) في هذا الأمر(لو عبد الله عبادة سبعين نبي, ثم جاء يوم القيامة وهو جاحد لولاية علي أكبه الله على منخريه في نار جهنم) فالجاحد بولايتهم (ع) ممنوع من دخول الجنة.

 وهناك نصوص كثيرة أخرى تؤكد هذا المعنى منها ما ورد في كتاب جامع أحاديث الشيعة, المجلد الأول ص597 هي:

 الأولى:

(قال: قال أبو عبد الله يا ميسر أي البلدان أعظم حرمة؟ قال: فما كان منا أحدٌ يجيبه حتى كان الراد على نفسه فقال: مكة, فقال أي بقاعها أعظم حرمة, قال: فما كان منا أحدٌ يجيبه حتى كان الراد على نفسه فقال: ما بين الركن إلى الحجر, والله لو أن عبداً عبد الله ألف عامٍ حتى ينقطع علبائه هرماً ثم أتى ببغضنا أهل البيت لرد الله عليه عمله).

 الثانية: (عن أبي جعفر قال: قال رسول الله(ص) لو أن عبداً عبد الله ألف عامٍ ثم ذبح كما يذبح الكبش ثم أتى الله ببغضنا أهل البيت لرد الله عليه عمله). علماً أن القدر المتيقن بأهل البيت الوارد في لسان الروايات هم الخمسة أصحاب الكساء.

 الثالثة: (عن الباقر(ع) قال قلت له: لا يصعد عملهم إلى الله ولا يقبل منهم عملا, فقال لا, من مات وفي قلبه بغض لنا أهل البيت ومن تولى عدونا لم يقبل الله له عملا).

 الرابعة:

(قال جعفر ابن محمد في قوله «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم» يعني إذا أطاعوا الله وأطاعوا الرسول...إلى أن قال: عداوتنا تبطل أعمالهم). وهو معنى الحبط الوارد في الروايات.

 الخامسة: (والحجة بعدي على الناس أجمعين استوجب الجنة من تولاك واستوجب دخول النار من عاداك).

 السادسة: (نزل جبرائيل(ع) على النبي(ص) قال: يا محمد السلام يقرأك السلام ويقول خلقت السماوات السبع والأرضين السبع وما عليهن وما خلقت موضعاً أعظم من الركن والمقام ولو عبداً دعاني منذ خلقت السماوات والأرض ثم لقيني جاحداً لولاية علي لأكببته في سقر). ولا يخفى كما بينا أن الجاحد لا يستخدم في حق الجاهل بالأمر, بل للذي عرفه ثم أنكره.

 السابعة: (قال سمعت أبا الحسن(ع) يقول: إن لله في وقت كل صلاةٍ يصليها هذا الخلق لعنة, قال قلت جعلت فداك ولمَ قال بجحودهم حقنا وتكذيبهم إيانا الخ...), علماً أن التكذيب والجحود المؤدي لاستحقاق اللعن هنا هو ما كان عن حقدٍ وبغضاء, الذي يُكشف ويظهر بالاشمئزاز حين يذكر آل محمد (ع) وهذا ما أشارت إليه بعض الروايات, منها:

 أولا: (عن علي ابن الحسين(ع) قال: قام رسول الله(ص) فحمد الله وأثنا عليه ثم قال ما بال أقوام إذا ذكر عندهم آل إبراهيم وآل عمران فرحوا واستبشروا وإذا ذكر عندهم آل محمدٍ(ص) اشمأزت قلوبهم, والذي نفس محمد بيده لو أن عبداً جاء يوم القيامة بعمل سبعين وهو ممن يشمئز قلبه عند ذكر آل محمد ولقى الله بغير ولايتنا وولاية أهل البيت ما قبل الله منه عملا).

 ثانياً: ( وإذا ذكرتُ و أهل بيتي اشمأزت قلوبهم وكلحت وجوههم ، والذي بعثني بالحق نبيا لو أن رجلا لقي الله بعمل سبعين نبيا ثم لم يلقه بولاية أولي الأمر منا أهل البيت ما قبل الله منه صرفا ولا عدلا) أي لا يستطيعون أن يصرفوا عن أنفسهم العذاب.

 ولنا هنا أن نتساءل كيف لنا أن نجمع بين الروايات التي تقول أن الولاية شرطٌ لقبول الأعمال أو دخول الجنة مع ما تقدم من الروايات القائلة أن المانع من دخول الجنة أو قبول الأعمال هو الجحود والبغض؟ قبل أن نجيب على ذلك لا بد لنا أن نطالع الروايات التي قالت أن الولاية شرط لدخول الجنة وقبول الأعمال, علما أنها متواترة بالتواتر المعنوي ومن أبرز تلك الروايات هي:

 الأولى: (لو أن رجلاً قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته عليه ما كان له على الله حقٌ في ثوابه...الخ).

 الثانية: (عن الصادق(ع) من لم يأتي الله (عزّ وجلّ) يوم القيامة بما أنتم عليه لم تقبل منه حسنة).

 الثالثة: (وبعد تركهم الإمام الذي نصبه فلن يقبل الله لهم عملاً ولن يرفع لهم حسنة حتى يأتوا الله من حيث أمرهم ويتلوا الإمام الذي أمروا بولايته ويدخلوا من الباب الذي فتحه الله ورسوله لهم).

 الرابعة: ( قال لنا علي ابن الحسين أي البقاع أفضل فقلنا الله ورسوله وأبن رسوله أعلم, فقال: أفضل البقاع ما بين الركن والمقام, ولو أن رجلاً عمر ما عمر نوحٌ في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المقام أو المكان ثم لقى الله (عزّ وجلّ) بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئا).

 الخامسة: (لو أن عبداً عبد الله مائة عام ما بين الركن والمقام يصوم... الى أن يقول: حتى يسقط حاجباه على عينيه ويلتقي تراقيه هرما جاهلاً بحقنا لم يكن له ثواب).

 السادسة: (

لو أن عبداً صف قدميه في ذلك المقام وصام النهار ولم يعرف حقنا لم يقبل الله منه شيئا).

 بعد أن عرضنا لهذه الروايات التي تقول بشرط الولاية لقبول الأعمال, علينا الآن أن نعرف وجه الجمع بينها وبين الروايات القائلة بأن قبول الأعمال مشروط بعدم الجحود والبغضاء لهم (ع) نقول: يوجد هناك قانونان للدخول الى الجنة أو الشمول بالرحمة الإلهية هما:

 الأول: بمقتضى الوعد الإلهي, أي: أن الله سبحانه وتعالى وعد المطيع بدخول الجنة وهو سبحانه لا يخلف الميعاد «لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون», «وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا», «إن الله لا يخلف الميعاد» وهذا الوعد يوجِد حقاً للعبد على الله للوفاء بوعده, فمن هنا فالطبقة المشمولة بهذا الوعد سوف تدخل الجنة بحسب هذا القانون.

 وصريح الروايات تقول أن المشمولين بهذا القانون هم شيعة علي فحسب, الذين تتوافر فيهم شرائط الطاعة وعدم المعصية, أي: أن أعمالهم ذات قيمة عالية عند الله سبحانه وتعالى, ومن ابرز ما دل على هذا المعنى من الروايات هو:

 أولاً: ما ورد في أصول الكافي المجلد الرابع ص29: (علي ابن إبراهيم عن محمد ابن عيسى عن يونس عن يعقوب ابن شعيب قال: قلت لأبي عبد الله الصادق (ع) هل لأحدٍ على ما عمل ثوابٌ على الله موجَبٌ؟ قال: لا, إلا المؤمنين) فإذن الذين يدخلون بثوابهم, ويجب على الله الإيفاء لهم بوعده هم المؤمنون ـ بالمعنى الأخص للإيمان ـ.

 ولذا فأن هذا المعنى بشكل صريح كل من علق عليه ومنهم العلامة الشعراني في شرح الأصول للمازندراني قال: (دل على وجوب الثواب للمؤمنين على الله سبحانه, لا لغيرهم؛ وذلك لأن الله سبحانه وعد على العمل بشرائطه ثواباً) ولا يخفى أن من أهم تلك الشرائط هي ولاية أمير المؤمنين(ع).

 ثانيا:

مارد في جامع أحاديث الشيعة المجلد الأول ص609 : (قال سمعت الصادق(ع) يقول: الإسلام يحقن به الدم وتؤدى به الأمانة وتستحل به الفروج والثواب على الإيمان), فالحديث واضح في دلالة الثواب على الإيمان بالمعنى الأخص وهذا المعنى يشير إليه الامام أمير المؤمنين في نهج البلاغة الخطبة 216 فيقول: (فالحق أوسع الأشياء في التواصف وأضيقها في التناصف لا يجري لأحدٍ إلا جرى عليه ولا يجري عليه إلا جرى له ولو كان لأحدٍ أن يجري له ولا يجري عليه لكان ذلك خالصاً لله سبحانه وتعالى دون خلقه لقدرته على عباده ولعدله في كل ما جرت عليه صروف قضائه ولكنه سبحانه جعل حقه على العباد أن يطيعوه وجعل جزائهم عليه مضاعفة الثواب تفضل منه عليهم).

 إذن فالقانون الأول لا يشمل غير الموالين لأئمة أهل البيت (ع), وليس على الله أن يفي لهم بعهده لأنهم غير مشمولين بالوعد وان كانوا كثيري الطاعة لانخرام أحد الشروط التي على أساسها يتوقف الوفاء بالوعد, وبذلك لا يستحقون على الله دخول الجنة.

 فالروايات التي تكلمت بشرطية الولاية للقبول تشير بالحقيقة إلى هذا القانون وهو المشروط عدم عند عدم شرطه, فلا يستحق أحدٌ ثواباً وجنةً إلا إذا أتى بالعمل بشرطه وشروطه.

 الثاني: برحمة الله وعفوه فالعبد الذي لا يستحق دخول الجنة بعمله قد يدخلها بتفضل وإحسانٍ منه تعالى وهذا القانون شامل للجاهلين والمقصرين والذين لم تصلهم الحجة؛ وذلك لأن المنطق الإلهي هو منطق الرحمة والعفو والإحسان ولذا نجد القرآن الكريم دائماً ما يبدأ بآية «بسم الله الرحمن الرحيم» في بداية كل سورة منه إلا البراءة لنكتة في ذلك. لذلك نجد النصوص الواردة قد قسمت المسلمين الى أقسام ثلاث هي:

 أولاً: الموالي.

 ثانيا:

المنكر والجاحد.

 ثالثا: الضال والمتحير.

 ومن أبرز النصوص الدالة على هذا المعنى هي:

 أولاً: ما ورد في أصول الكافي المجلد الثاني ص427: (عن أبي جعفر قال: إن الله (عزّ وجلّ) نصب علياً علماً بينه وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا, ومن أنكره كان كافرا, ومن جهله كان ضالا) فليس كل من لم يوالي علياً وأهل بيته يدخل في قسم الإنكار والجحود والتكذيب والبغض والعداء. وهذا ما يوضحه قول أمير المؤمنين (ع) حينما يبين حكم هؤلاء, فيقول: (فهم المرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم( وهي إشارة إلى الآيات الواردة في سورة التوبة, وحيث أن رحمة الله سبقت غضبه, فهو أشفع الشافعين وأرحم الراحمين, حيث أخبرت الروايات أن أول من يشفع هو الرسول (ص), ثم يؤذن بالشفاعة للأنبياء والأولياء والأئمة والأوصياء والعلماء وحفاظ القرآن والمؤمنين...الخ الى أن يأتي النداء هل من شافعٍ؟ فلا من مجيب حينئذٍ يشفع أشفع الشافعين رب العالمين حيث تقول الرواية الواردة من المدرستين (يشفع ثم يشفع ثم يشفع) وفي أخرى (يشفع ثم يشفع ثم يشفع حتى يطمع في شفاعته إبليس) وفي أخرى (حتى يمد لها إبليس عنقه).

 ثانياً: الرواية القائلة: (سمعت أبا جعفر يقول: إن علياً بابٌ فتحه الله (عزّ وجلّ فمن دخله كان مؤمنا, ومن خرج منه ـ من تمت عليه الحجة كالنواصب والمعاندين ـ كان كافرا ومن لم يدخل فيه ولم يخرج منه كان في الطبقة الذين قال الله تبارك وتعالى لي فيهم المشيئة) ومنه قوله تعالى «وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم» وهذا المعنى يشير إليه الإمام الرضا (ع) بقوله: (

فيحاسبه بحسناته وسيئاته فإما إلى الجنة وإما إلى النار فهؤلاء موقوفون لأمر الله). أي مُرجون لأمر الله, لا أنهم يستحقون الجنة من باب الوعد الإلهي.

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo