< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

31/11/18

بسم الله الرحمن الرحیم

في معنى الإيمان الوارد في كلمات أهل البيت(ع)

 بينا في حديث الأمس أن المراد من النصوص القائلة بأن قبول الأعمال مشروطٌ بولاية أئمة أهل البيت (ع) هما النحو الثالث والرابع من طبقات الناس, أما المراد من النصوص الأخرى التي تكلمت عن أن منكر الولاية يُكب على منخريه في نار جهنم, فهو النحو الأول, أي: النواصب الذين نصبوا العداء لأهل البيت (ع) وللإمام أمير المؤمنين على وجه الخصوص باعتبار أن ذلك كاشف عن النفاق (يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق), والمنافق كما هو معلوم «في الدرك الأسفل من النار». وهذا هو مقتضى الجمع بين الطوائف التي وردت في المقام.

 ولعل في كلمات العلامة المجلسي(ره) إشارة إلى النتائج التي توصلنا إليها, حيث يقول في المجلد الثامن ص363 باب من يخلد في النار ومن يخرج منها, في ذيل الحديث 41: (اعلم أن الذي يقتضيه الجمع بين الآيات والأخبار أن الكافر المنكر لضروري من ضروريات دين الاسلام مخلد في النار، لا يخفف عنه العذاب إلا المستضعف الناقص في عقله أو الذي لم يتم عليه الحجة ولم يقصر في الفحص والنظر، فإنه يحتمل أن يكون من المرجون لأمر الله كما سيأتي تحقيقه في كتاب الإيمان والكفر، وأما غير الشيعة الإمامية من المخالفين وسائر فرق الشيعة ممن لم ينكر شيئا من ضروريات دين الاسلام فهم فرقتان: إحداهما المتعصبون المعاندون منهم ممن قد تمت عليهم الحجة فهم في النار خالدون، والأخرى المستضعفون منهم وهم الضعفاء العقول مثل النساء العاجزات والبله وأمثالهم ومن لم يتم عليه الحجة ممن يموت في زمان الفترة، أو كان في موضع لم يأت إليه خبر الحجة فهم المرجون الى الله، إما يعذبهم وإما يتوب عليهم، فيرجى لهم النجاة من النار، وأما أصحاب الكبائر من الامامية فلا خلاف بين الامامية في أنهم لا يخلدون في النار، وأما أنهم الخ...). فالطبقات التي يشير إليها (ره) واضحة كما بينا وهي:

 الأولى: الضعيف فكرياً وعقائدياً وعقلياً بحيث لا يستطيع التمييز بين الحق والباطل.

 الثانية: من فحص وتحرى الا أن الحجة لم تتم عنده على أحقانية هذه الحقيقة.

 الثالثة: النواصب والمعاندون.

 بقي أن نشير وباختصار الى بحث من لم يعتقد بإمامة أهل البيت (ع), حيث بدأت هذه المسالة تأخذ حيزا واسعا في الوسط الاسلامي, فأخذ بعض علماء المدرسة الأخرى بالتشنيع على المدرسة الامامية لإعتقادها ـ المدرسة الامامية ـ بأن كل من خالف أهل البيت فهو مسلم لا مؤمن, فعلينا هنا أن نبين هذه الحقيقة ليرتفع الاشكال, وذلك يكون من خلال مراجعة الآيات والروايات لنرى هل أن هذا الأمر ثابت أم لا؟ علما أن البحث يتعلق بمن لم يؤمن بأهل البيت, فهل هو مؤمن أم لا؟ بغض النظر عن أن هؤلاء مقصرون أم معذورون.

 لكي يكون الجواب واضحاً لابد من الإشارة إلى مقدمة مفادها: أن للفظ الإسلام اطلاقات متعددة في الشريعة ـ فهمها يساعدنا على فهم المراد من الإيمان في المقام ـ الا أننا نشير الى اطلاقين فقط:

 الأول: الاسلام المقابل للإيمان: وهو الإقرار والاعتقاد بالقول والفعل للإسلام دون العقد القلبي على ذلك, وهذا ما يعبر عنه بالنفاق, أي الإعتقاد بالإسلام ظاهرا لا باطناً, وفرق هذا عن الكفر, أن الكفر هو عدم الإيمان والاعتقاد بالإسلام ظاهرا وباطنا, أما الإيمان فهو الاعتقاد بالإسلام قولا وفعلا وانعقاد القلب على ذلك أي من آمن بالإسلام ظاهرا وباطنا.ً

 من هنا فقد يطلق الإسلام قبال الإيمان وهذا هو الذي أشارت إليه الآية المباركة في سورة الحجرات «قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم», فعلى هذا الأساس فإن الإيمان يلازم الإسلام ولا عكس, أي: أن كل مؤمنٍ فهو مسلم, لا أن كل مسلم فهو مؤمن, وهذا من قبيل أن كل رسول نبي لا كل نبي رسول. فالنصوص التي تكلمت عن هذه القضية تكلمت عن هذا المضمون بالخصوص لا غير ومما جاء في ذلك:

 ما ورد في أصول الكافي باب الكفر والإيمان الحديث 1515: (عن الإمام الباقر(ع) قال: الإيمان ما استقر في القلب وأفضى به إلى الله عز وجل وصدقه العمل بالطاعة لله والتسليم لأمره والإسلام ما ظهر من قول أو فعل وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها وبه حقنت الدماء وعليه جرت المواريث وجاز النكاح واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج، فخرجوا بذلك من الكفر وأضيفوا إلى الإيمان، والإسلام لا يشرك الإيمان والإيمان يشرك الاسلام وهما في القول والفعل يجتمعان) لكنهما يفترقان في الاعتقاد كما يقول (ره): (كما صارت الكعبة في المسجد والمسجد ليس في الكعبة, وكذلك الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان وقد قال الله (عزّ وجلّ) «قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا» فقول الله (عزّ وجلّ) أصدق القول) ثم السائل يسأل: عن الثواب على ماذا يكون؟ (قال: الثواب على الإيمان) لا على الإسلام ؛لأنه ـ الثواب ـ مترتب على الإيمان لكن بشرطها وشروطها. وهذا المضمون نفسه أشار إليه الامام الصادق(ع) بقوله:(الإسلام يحقن به الدم وتؤدى به الأمانة, وتستحل به الفروج والثواب على الإيمان لا الثواب على الإسلام).

 ومما ينبغي أن يلاحظ أن هذه النصوص تتكلم عن كيفية تحقق الثواب ولا علاقة لها بمبحث الامامة.

 الثاني:

الاسلام الشامل لجميع مراتب الإيمان: هذا النوع من الاطلاق حينما يطلق فأنه يشمل جميع مراتب الإيمان ومما دل على هذا النوع من النصوص ما ورد في أصول الكافي ص117 عن أمير المؤمنين (ع) قال: ( لأنسبن الإسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلي ولا ينسبه أحد بعدي إلا بمثل ذلك, إن الإسلام هو التسليم والتسليم هو اليقين واليقين هو التصديق والتصديق هو الإقرار والإقرار هو العمل, والعمل هو الأداء إن المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه الخ...) وواضح أن عنوان الاسلام الموجود في الرواية هو الشامل لجميع مراتب الإيمان.

 وفي رواية أخرى له (ع) يقول: (قال رسول الله(ص) الإسلام عريان فلباسه الحياء وزينته الوفاء ومروءته العمل الصالح, وعماده الورع ولكل شيء أساس وأساس الإسلام حبنا أهل البيت).

 وحينما اتضح الفرق بين إطلاقي الاسلام وما يدلان عليه نأتي الى النصوص الواردة عن أهل البيت (ع) فنجد أن الإيمان كذلك فأحيانا يطلق ويراد به جميع مراتب الإيمان, وأخرى يطلق ويراد به مرتبة خاصة منه, فمن لم يؤمن بها فهو غير مؤمنٍ بهذه المرتبة فقط, لا انه غير مؤمنٍ مطلقا؛ لأن الإيمان متعدد المراتب والدرجات. وهذا المعنى ـ الاطلاق الدال على الإيمان بجميع الدرجات والمراتب ـ نجده في أصول الكافي الجزء الثالث ص70 ( سأل رجل أبا عبد الله الصادق(ع) عن الإسلام والإيمان ما الفرق بينهما فلم يجبه, ثم سأله فلم يجبه, ثم التقيا في الطريق وقد أزف من الرجل الرحيل فقال أبو عبد الله قد أزف منك الرحيل فقال نعم, فقال: فألقني في البيت, فلقيه فسأله عن الإسلام وعن الإيمان ما الفرق بينهما, فقال: الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم شهر رمضان فهذا هو الإسلام, قال: والإيمان معرفة هذا الأمر فإن أقر بها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلماً وكان ضالاً), هذا هو الاطلاق الأول من الإيمان.

 أما الإطلاق الثاني من الإيمان وهو الذي يراد به مرتبة خاصة فهو الذي نجده في قوله (ع): (قلت له جعلت فداك صف لي جعلت فداك حتى أفهمه فقال: الإيمان عملٌ كله والقول بعض ذلك العمل قلت صف لي جعلت فداك حتى أفهمه قال: الإيمان حالاتٌ ودرجاتٌ وطبقاتٌ ومنازل فمنه التام المنتهي تمامه ومنه الناقص البين نقصانه ومنه الراجح الزائدُ رجحانه, قلت: إن الإيمان ليتم وينقص ويزيد الخ...) فالإمام (ع) يبين أن الإيمان بعضه تام وبعضه ناقص؛ لأنه حسب تعبير الروايات على عشر درجات وبعضها على تسعة وأربعين درجة وبعضها على سبعين درجة على اختلاف الروايات.

 ومن خلال ما بينا من تفصيل, نقول: أننا نعتقد أن الإيمان بمعناه العام, والذي يكون بنحو القضية المهملة صادق على كل مسلمٍ من المسلمين, شريطة أن يكون معتقدا بذلك قلباً, أما من لم يعتقد بذلك قلباً وقال به ظاهرا فهو من المنافقين دون شكٍ أو ريب, وأما من يعتقد ببعضٍ دون بعض كمن لا يعتقد بالإمامة مثلا فهو مؤمن غير تام الإيمان.

 أما دليل الجمع بحمل الإيمان على النوع الأول أحيانا وعلى النوع الثاني أخرى فهو: القرآن الكريم, حيث نرى أن الله سبحانه وتعالى يقول: « وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى», وعندنا نصوص مستفيضة أن الاهتداء لا يكون إلا بولاية أهل البيت (ع) وأن المغفرة والتوبة لا تكون إلا بذلك, رغم ثبوت الإيمان لهؤلاء في مرتبةٍ متقدمة على الاهتداء. وهذا المعنى نجده قد ورد في بعض النصوص, منها: ما ورد في غاية المرام وحجة الخصام الجزء الثالث ص317 : (عن الباقر في قوله «وإني لغفار» قال ألا ترى كيف اشترط ولم تنفعه التوبة والإيمان والعمل الصالح حتى اهتدى ولو جهد أن يعمل بعمل ما قُبل منه حتى يهتدي, قال قلت إلى من جعلني الله فداك؟ قال: إلينا أهل البيت). ومنها: ما ورد عن الامام الباقر(ع) حيث يقول: (والله لو أنه تاب وآمن وعمل صالحاً ولم يهتدي إلى ولايتنا ومودتنا ومعرفة فضلنا ما أغنى عنه ذلك شيئا). ومنها: ما ورد عن الإمام أمير المؤمنين (ع) في الاحتجاج الجزء الأول ص368 : ( وأما قوله «وإني لغفار» فإن ذلك كله لا يغني إلا مع الاهتداء وليس كل من وقع عليه اسم الإيمان كان حقيقاً بالنجاة مما هلك به الغواة, ولو كان ذلك كذلك لنجت اليهود مع اعترافها بالتوحيد وإقرارها بالله ونجى سائر المقربين بالوحدانية من إبليس فمن دونه في الكفر وقد بين الله ذلك الخ...). فلهذا فقد ذهب جملة من أعلامنا الى أنه عندما يُوسم البعض بعدم الإيمان فالمراد بذلك الإيمان بالمعنى الأعم لا الأخص, وممن ذهب الى ذلك الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء في كتابه أصل الشيعة وأصولها حيث يقول: (ولكن الشيعة الإمامية زادوا ركناً خامساً وهو الاعتقاد بالإمامة فمن اعتقد بالإمامة بالمعنى الذي ذكرناه فهو عندهم مؤمن بالمعنى الأخص, وإذا اقتصر على تلك الأركان الأربعة فهو مسلم ومؤمن بالمعنى الأعم).

 وكذلك الشيخ المظفر في كتابه عقائد الإمامية يقول: (نعتقد أن الإمامة أصل من أصول الدين لا يتم الإيمان إلا بالاعتقاد بها) فهو (ره) ينفي تمامية الإيمان لمن لم يؤمن بالإمامة ولم ينفي الإيمان كله.

 عودا على بدأ :حيث كان البحث في التشريعات الصادرة من النبي(ص) وقلنا أنها على أنحاء متعددة هي:

 الأول: التشريعات التي تعد جزءً من الشريعة, أي: (حلال محمدٍ حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة). ولهذا النوع من التشريع خصوصيتان مهمتان هما:

 أولاً: أنها لا تتبدل بتبدل الزمان والمكان.

 ثانيا: أن عدم امتثال تلك الاحكام تعد مخالفة صريحة لله سبحانه وتعالى على وجه الخصوص لا للنبي, ويترتب عليها كثيرا من النتائج, كالعقاب الأخروي خصوصا عند القول بتجسد الأعمال فأن النحو الذي يكون عليه تجسد الزنا غير النحو الذي يكون عليه الكذب أو الغيبة وهكذا.

 الثاني: التشريعات الولائية أو التدبيرات السلطانية التي لا تعد جزءً من الشريعة.

 ولنا هنا أن نتساءل هل أن الخصائص الثابتة للنحو الأول من التشريع ثابتة للنحو الثاني أم لا؟ نقول على وجه الإجمال: أنها تتفق في بعض الوجوه, وتختلف في وجوه كثيرة, نشير إليها في قادم الابحاث إنشاء الله.

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo