< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

31/11/24

بسم الله الرحمن الرحیم

في أهم كلمات الاعلام المتعلقة بالتشريعات الولائية

 تحدثنا في محاضرة الأمس عن الفوارق الحاصلة بين التشريعين من النوع الأول والثاني, وقلنا بوجود أربعة فروق جرى الحديث عنها بالتفصيل.

 نريد اليوم أن نذكر كلمات بعض الاعلام التي تشير بنحو ما الى ما أشرنا إليه بالأمس من فروق, وممن ذكر ذلك السيد الحائري في كتابه المرجعية والقيادة وهي نظرية في ولاية الفقيه لكنها تختلف عما ذكره السيد الخميني في الرسائل, لأن السيد الحائري يعتقد أن ولاية الفقيه في منطقة الفراغ فقط بخلاف السيد الخميني الذي يرى أنها عامة, وعلى كل حال يقول السيد الحائري في ص131: (

دائرة ملئ منطقة الفراغ وليس الولاية العامة إذ يقال: أن في الفقه الإسلامي قسماً ثابتاً وهي ما عُبر عنه بالأثر الشريف حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة وهناك قسم غير ثابت بل متغير حسب الظروف والحاجات... الخ), وهذا واضح الإشارة إلى الفرق الأول الذي أشرنا إليه بالأمس.

 ولا يخفى أن التشريعات الولائية التي تصدر من ولي الأمر لا تُعارض في حقيقتها التشريعات من النوع الأول؛ لأنه يلزم من ذلك نقض الغرض.

 وفي مورد آخر يقول السيد الحائري في ص138: (ووضع أهدافاً لولي الأمر وكلفته بتحقيقها والسعي من أجل الاقتراب نحوها فإذا لم تتحقق هذه الأهداف بالأحكام الأولية كان للولي أن يحقق ذلك بالأحكام المتحركة) وينقل بعد ذلك رواية في ص147 تقول: (عن أحمد ابن إسحاق عن أبي الحسن قال سألته وقلت من أعامل وعن من آخذ وقول من أقبل؟ فقال: العمري ثقتي فما أدى إليك عني فعني يؤدي وما قال عني فعني يقول فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون), وجملة من الأعلام يستندون إلى هذه الرواية لإثبات ولاية الفقيه في زمن الغيبة.

 إلا أن السيد الحائري يرى أن هذه الرواية غير تامة الدلالة لإثبات ولاية الفقيه, لكنه يشير إلى نكتة تنفعنا في المقام وهي الفرق بين مقام الفتوى ومقام الولاية, وهذا الذي أشرنا إليه بالأمس بشكل واضح, فقلنا أن مقام الفتوى شيء ومقام الولاية شيء آخر, فيقول في ذلك: ( إذ مقام الفتوى هو مقام الإيضاح عن حكم الله, أما مقام الولاية فهو مقام يمنح صاحبه بما هو ولي للأمر حق إنشاء الأمر والنهي). وهذا من أهم الفروق التي أشرنا إليها وهو أن النوع الأول من التشريعات هو إخبار هن واقع نفس أمري, أما النوع الثاني فهو إنشاء محض, وبينا الثمرة المترتبة على ذلك.

 ولابد من الإشارة هنا الى نكتة مفادها: يعتقد البعض أن (أولي الأمر) الوارد في الآية الشريفة شامل لغير الأئمة (ع) فيستدلون بهذه الآية لإثبات الولاية للفقيه ووجوب طاعته.

 الا أن الحق ليس كذلك؛ لأن الآيات التي تتكلم عن أهل البيت على نحوين:

 1ـ أنها شاملة لغيرهم (ع) كما في الآية «فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون», فمن أبرز مصاديق أهل الذكر في الآية هم المعصومون (ع) الا أنها غير مختصة بهم.

 2ـ أنها مختصة بهم (ع) كما في الآية «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت» فهذه لا تشمل أحدا غيرهم (ع).

  من خلال بيان هذين النحوين من الآيات نتساءل حينئذٍ هل أن آية الاطاعة من النحو الأول أم من الثاني؟

 نقول: أننا نعتقد أنها من النحو الثاني. بخلاف مشهور فقهائنا فأنهم يعتقدون أنها من النحو الأول وممن ذهب الى ذلك السيد الشهيد الصدر وبعض تلامذته كالسيد الحائري.

 ومن الموارد التي تؤيد ما أشرنا إليه بالأمس ما ذهب إليه السيد الحائري عندما أجاب على سؤال وجه إليه من مجلة رسالة الثقلين وذلك في سنة 1376, ومفاد السؤال هو: هل الأحكام الصادرة عن ولي الأمر هي أحكام دين أم مجرد إعمال ولاية, وهل هي جزء من الشريعة أم لا؟ فإن كانت مجرد إعمال ولايةٍ فإننا لسنا بحاجة إلى كل هذا التفسير لأن عقلاء العالم أجمع يمتلكون هذه الصلاحية أيضاً. وإذا كانت أحكام دينٍ فلازمه أن الأديان ستتعدد بتعدد ولاة الأمور على مر الزمان؟

 السيد الحائري في مقام الجواب يقول: حكم الدين هو «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم» فأوجب إطاعة ولي الأمر.

 ولا ينبغي أن يغفل أن مصاديق الأمر الديني ليست جزءً من الدين, وهي غير الأمر الديني فمثلا أن الشارع قال النفقة واجبة على الزوجة فهنا الأمر الديني الثابت الذي هو وجوب النفقة يختلف عن مصاديق النفقة المتعددة والمتغيرة من زمان الى زمان.

 فلذا نجد السيد الحائري يقول: أن حكم الدين هو وجوب إطاعة ولي الأمر, والأحكام الصادرة عن ولي الأمر هي مصاديق لهذه الكبرى, ومن الواضح أن المصاديق لا يمكن أن تكون جزءً من الدين كما هو واضح.

 ويقول كذلك في كتابه ولاية الأمر في عصر الغيبة: (أن يفترض أن الحكم الولائي لا واقع يهدف تنجيزه ـ أي ليس له واقعٌ ـ من قبيل ما لو رأى الحاكم ضرورة تحديد الأسعار).

البحث الثاني:

الذي لابد أن نشير إليه هو: ما علينا أن نفعل حينما يرد حكمان من الائمة (ع) قد وقع فيهما التعارض؟ وهذا المعنى تشير إليه الرواية الواردة في أصول الكافي ص341: (عن المعلى ابن خنيس قال: قلت لأبي عبد الله إذا جاء حديث عن أولكم وحديث عن آخركم بأيهما نأخذ, فقال: خذوا به حتى يبلغكم عن الحي فإن بلغكم عن الحي فخذوا بقوله, قال ثم قال أبو عبد الله الصادق إنا والله لا ندخلكم إلا فيما يسعكم). وفي رواية أخرى (خذوا بالأحدث).

 لذا السيد الشهيد(ره) كما في تقريرات السيد الحائري في المجلد الخامس القسم الثاني ص698 يقول: (الصحيح هو أنهما لو دلتا على الترجيح بالأحدثية؛ وذلك لأن الترجيح بالأحدثية حكم تعبدي على خلاف الارتكاز يجب الاقتصار فيه على مورده فإن كلمات الأئمة جميعاً تنظر إلى وقت واحد لأن أحكام الله ليس فيها متقدم ومتأخر الى أن يقول: أن الترجيح بالأحدثية على خلاف الموازين والارتكازات العرفية الخ..., ثم يقول في ص700 : أن هذه الروايات مسوقة مساق روايات أخرى واردة بصدد لزوم العمل على التقية, والاسم في ترك التقية, من قبيل ما ورد عن الإمام الباقر(ع) قال لي يا زياد ماذا تقول لو أفتينا رجلاً مما يتولانا بشيء من التقية...).

 الا أن الذي نعتقده هو أننا إذا حملنا هذه النصوص على التشريعات التبليغية فسوف نواجه مشكلة معقدة غير قابلة للحل, أما إذا حملناها على التشريعات الولائية فنأخذ حينئذٍ باللاحق دون السابق ولا نواجه أي اشكالية مما ذكر؛ لأنها سوف تكون موافقة للضرورة والمصلحة في ذلك الزمان, ولا نضطر حينها للقول بأنها خلاف الموازين والارتكازات العرفية أو أنها صدرت تقيةً. وهذا واحد من أهم ثمرات التفريق بين التشريعات الصادرة.

البحث الثالث:

ما هي العناوين والمفردات التي على أساسها نستطيع القول أن هذا حكم تبليغي وهذا حكم ولائي, أي: كيف يمكننا التمييز بين الحكم من النوع الأول والحكم من النوع الثاني؟

 ذُكرت ضوابط وأسس متعددة لمعرفة ذلك, منها ما يرتئيه السيد الخميني من أنه استقرأ الروايات فوجد أن الأعم الأغلب في لسان التشريعات الولائيةً هو قول أن رسول الله أمر بذا و قضى بذا وحكم بذا, ومن الواضح أنه ذلك لا يكون فيما إذا كان التشريع والأمر من سبحانه وتعالى.

 فلذا يقول السيد الخميني: قد وجدنا بالتتبع أن التعبير في كلمات النبي والإمام أمير المؤمنين كثير ما يكون بلفظ أمر وقضى, الا أن الأمر ليس كذلك بالنسبة للائمة الذين من بعد أمير المؤمنين (ع)؛ لأن الحكومة ليس بأيديهم, فلا معنى حينئذٍ لأن يقولوا أمرنا أو قضينا, بل أننا نراهم يقولون في بعض الموارد أن الأمر لو كان بأيدينا لفعلنا كذا وكذا, ولا شك أن متعلق الفعل هنا هو الحكم الولائي لا التبليغي؛ لأن الحكم التبليغي ثابت سواء كان الأمر بيدهم أم لم يكن وهذا المعنى يشير إليه السيد الخميني في الرسائل ص51 بقوله: (كل ما ورد من رسول الله(ص) وأمير المؤمنين بلفظ قضى أو حكم أو أمر وأمثالها ليس المراد منه بيان الحكم الشرعي, ولو أريد منه ذلك لا يكون إلا مجازا أو إرشادا الى حكم, فإن الظاهر من تلك الألفاظ هو أنه قضى أو أمر أو حكم من حيث أنه سلطان وأمير وحاكم شرعي لا من حيث أنه مبلغٌ للحرام والحلال لما عرفت أن الأحكام الإلهية ليست أحكام رسول الله (ص) وأنه لا يكون ذا أمر ونهي وحكم وقضاء بالنسبة إليها ـ الأحكام الثابتة الإلهيةـ حقيقة, بل هو مبيّنٌ ومبلغ, وأما بالنسبة إلى الأحكام الصادرة عنه في مقام أو في مقام السلطنة والرياسة يكون قاضياً وحاكماً وآمراً وناهياً حقيقة...الخ الى أن يقول: ولذا قل ما ترى ورود تلك التعبيرات بالنسبة إلى سائر الأئمة حيث لم تكن لهم الرياسة والسلطنة الظاهرية ولا القضاء والحكم بحسب الظاهر وإن أطلق نادراً يكون بحسب الواقع الخ...).

البحث الرابع:

هل توجد هناك تطبيقات واضحة في حياة رسول الله(ص) يقول فيها بأن هذا الحكم من التشريع الولائي وليس من التشريع التبليغي أو التبييني؟

 هذا ما سنعرض له مفصلا غداً

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo