< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

31/11/29

بسم الله الرحمن الرحیم

فيما يتعلق بالخمس من مباحث هامة

 بعد أن تحدثنا عن أنواع التشريعات وأهم الفروق بينها وما يترتب عليها من ثمرات, نريد اليوم الدخول في مبحث الخمس لنعرف من أي أنواع التشريعات هو, الا أننا قبل الشروع بذلك لابد من التعرض الى مجموعة من المباحث المتعلقة ببحث الخمس التي أشار إليها الاعلام بالإجمال تارة, وبالتفصيل أخرى ومن أهم تلك المباحث ما يلي:

 الأول: هل يعد الخمس من ضروريات الدين أم لا؟

 تعد هذه المسألة من المسائل السيالة في غير واحد من الأبواب الفقهية كباب الصلاة والصوم والحج والزكاة وغير ذلك.

 الثاني: هل أن منكر الضروري كافر أم لا؟ وهذه المسالة من المسائل السيالة أيضا في أغلب الأبواب الفقهية. ويترتب عليها كثير من الآثار والنتائج.

 الثالث: هل الخمس ملك لأشخاصٍ معينين أم لا؟ وما هي حقيقة اللام الموجودة في النص القائل (إنما شرّع الخمس لنا). وكيف ينسجم هذا النص مع النصوص الواردة عنهم (ع) القائلة بأن الدنيا وما فيها لنا, فما معنى أن يقول الامام (إنما شرّع الخمس لنا) في حين أن الدنيا وما فيها قد ثبتت لهم (ع).

 أما المبحث الأول: وهو أن الخمس ضرورة من ضرورات الدين وحاله في ذلك حال الصلاة والصيام والحج فهذا ما اتفقت عليه كلمة علماء المسلمين.

 فالسيد الخوئي(ره) في مستند العروة الوثقى يقول: (لا إشكال كما لا خلاف في وجوب الخمس في الشريعة الإسلامية, وقد نطق به الكتاب والسنة المتواترة بل قامت عليه الضرورة القطعية على حدٍ يندرج منكره في سلك الكافرين وقد اتفقت عليه كلمة علماء المسلمين قاطبة من الخاصة والعامة وإن وقع الخلاف في بعض الخصوصيات من حيث المورد والمصرف.... الخ).

 والشيخ اللنكراني(ره) في تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة يقول: (إن وجوب أصل الخمس إنما هو كالصلاة ونحوها في أنه من ضروريات الدين ومن المسلمات الإسلامية ولم يختلف فيه أحد من فقهاء الفريقين). فالمسألة تعد من الواضحات التي لم يقع فيها الاختلاف.

 أما المبحث الثاني: وهو هل منكر الخمس خارج عن دائرة الاسلام أم لا؟ القول الفصل بهذا الأمر يتوقف على بيان الضابطة والملاك الذي يتوقف عليه تحقق الاسلام؛ لأن كثيرا من المسائل الفقهية تترتب آثارها بعد فرض حصول الاسلام, كالطهارة والإرث والنكاح والأطعمة والأشربة والحدود والديات وغير ذلك.

 علما أننا هنا لا نريد أن نتكلم عن الثواب والعقاب في ذلك لأن هذا من المباحث الكلامية, وما نحن بصدده هو الحديث المتعلق بالبحث الفقهي.

 المتفق عليه بين جميع علماء المسلمين أن من نطق بالشهادتين إيمانا فهو مسلم وهذا لا يوجد فيه أي خلاف.

 والنصوص التي تكلمت عن أن الإسلام يتحقق بالشهادتين كثيرة فشهادة (أن لا إله إلا الله وأن محمداً(ص) هو خاتم الأنبياء والمرسلين), هي الشرط الرئيس لدخول الاسلام.

 علما أن الإيمان بالشهادة الثانية لابد وان يكون متضمنا للإيمان بما جاء به الرسول (ص) بنحو القضية الشرطية, أي: إني أؤمن بكل ما جاء به الخاتم (ص) وثبت عنه.

 الا أن الخلاف قد وقع في مسائل أخرى حيث أشترط البعض الإيمان بالمعاد شرط لتحقق الاسلام كالسيد الخوئي, وذهب البعض الآخر الى أن إنكار أي ضروري من ضروريات الاسلام مخرج عن الاسلام.

 ويظهر مما تقدم أن القدر المتيقن الذي يحصل به الدخول في الاسلام الإيمان بالشهادتين وإنكار أحدهما موجب للخروج عن دائرة الاسلام وتفصيل هذا الكلام نجده في مصباح الفقيه للهمداني المجلد السابع ص265 : (بالله الاستعانة الكفر لغة هو الجحد والإنكار ضد الإيمان فالشاك في الله تعالى أو في وحدانيته أو في رسالة الرسول صلى الله عليه وآله ما لم يجحد شيئا منها لا يكون كافرا لغة ولكن الظاهر صدقه عليه في عرف الشارع والمتشرعة كما يظهر ذلك بالتدبر...الخ الى أن يقول في ص269: فالمعتبر في الإسلام الذي به يخرج من حد الكفر وتترتب عليه الآثار العملية على ما يُستفاد من النصوص والفتاوى بعد التأمل والتدبر إنما هو الشهادة بالتوحيد والرسالة وتصديق الرسول في جميع أحكامه على سبيل الإجمال لا التفصيل المستلزم للتدين بالأحكام الضرورية الثابتة في الشريعة من وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج ونحوها من الضروريات التي لا تكاد يختفي شرعيتها على من تدين بهذا الدين فمثل هذه الأشياء وإن لم يكن الاعتراف بحقيتها تفصيلاً من مقومات الدين, لكن التدين بها وعدم إنكارها شرط في تحقق الإسلام, لا يحتاج إلى العلم التفصيلي, فإن إنكار مثل هذه الأمور المعروف ثبوتها في الشريعة يناقض الاعتراف الإجمالي بصدق النبي(ص) وحقية شريعته...الخ).

 وكذلك في كتاب الطهارة للسيد الخميني المجلد الثالث ص314 : (في تحصيل مفهوم الكفر والظاهر مقابلته مع الإسلام تقابل العدم والملكة والكافر وغير المسلم مساوقان الخ... الى أن يقول: وبالجملة لا إشكال بحسب ارتكاز المتشرعة أن الكافر من لم يكن مسلما وأنه يكفي فيه... الى أن يقول: ن المسلم بحسب ارتكاز المتشرعة هو المعتقد بالله تعالى، ووحدانيته، ورسالة رسول الله صلى الله عليه وآله ـ يؤمن بأن الاسلام لا يتحقق الا بتحقق هذه الأركان الثلاثةـ أو الشهادة بالثلاثة على احتمالين يأتي الكلام فيهما. وهذه الثلاثة مما لا شبهة ولا خلاف في اعتبارها في معنى الاسلام ويحتمل أن يكون الاعتقاد بالمعاد إجمالا أيضا مأخوذا فيه لدى المتشرعة على تأمل بأي وجهه).

 وهذا مختار السيد الشهيد (ره) في شرح العروة الوثقى المجلد الثالث ص367 : (وتفصيل الكلام أن من آمن بالمرسل والرسول والتزم إجمالاً بهذه الرسالة فهو مسلم حقيقةً ونريد بالتزامه الإجمالي بالرسالة إيمانه بأن كل ما يحتمل أو يظن أو يقطع باشتمال الرسالة عليه فهو حق وإن كانت الرسالة...الخ).

 والسؤال المطروح هنا: لو أن شخصا لم يكن مؤمناً أو منكراً للتوحيد والرسالة بل كان شاكاً في ذلك فهل يحكم بإسلامه أم كفره؟

 نقول أن الأمر متوقف على الضابطة والملاك المقررة في المبنى فإن كان أصحاب المبنى يعتقدون بأن شرط دخول الاسلام هو الإيمان بالشهادتين حينئذٍ يكون الشاك كافراً خارج عن دائرة الاسلام لأنه غير مؤمنٍ بهما, وهذا هو المرتكز في أذهان المتشرعة.

 وإن كان أصحاب المبنى يعتقدون أن دائرة الاسلام والدخول فيه تتحقق عند عدم إنكار الشهادتين فيكون الشاك حينئذٍ مسلماً لأنه شاكُ فيهما غير منكر لهما.

 ولذا المحقق الهمداني في مصباح الفقيه ص265 يقول: فالشاك في الله تعالى أو في وحدانيته أو في رسالة الرسول صلى الله عليه وآله ما لم يجحد شيئا منها لا يكون كافرا لغة ولكن الظاهر صدقه عليه في عرف الشارع والمتشرعة كما يظهر ذلك بالتدبر).

 وبهذا يظهر من الناحية الشرعية والمتشرعية أن حالة الشك تدخل ضمن دائرة الكفر لا الاسلام.

 ومن مهم المسائل التي ينبغي الاشارة إليها هي: هل يشترط في الإيمان بالإسلام الإيمان القلبي أم يكفي النطق بهما وإن لم يتحقق ذلك كما هو الحال في المنافقين؟

 المتفق عليه عند علماء المدرسة الامامية عدم اشتراط الإيمان القلبي, بل حتى لو علم بأن الشخص باطناً وقلبا غير معتقد بالإسلام فأن ذلك لا يخرجه عن الاسلام بل أن عنوان الاسلام يبقى صادقاً عليه, علما أن الكلام هذا مرتبط بهذه النشأة فقط دون غيرها, ومتعلق بالبحث الفقهي فحسب دون غيره.

 وهذا الأمر يشير إليه الهمداني بقوله في ص266 : (وهل يكفي الإقرار والتدين الصوري في ترتيب اثر الاسلام من جواز المخالطة والمناكحة والتوارث أم يعتبر مطابقته للاعتقاد فلو علم نفاقه وعدم اعتقاده حكم بكفره وأما لو لم يعلم بذلك حكم بإسلامه نظرا إلى ظاهر القول وجهان لا يخلو أولهما عن قوة كما يشهد لذلك أولاً...الخ الى أن يقول: والسيرة المستمرة من النبي الأكرم(ص) وباقي الأئمة (ع) كانت قائمة على أساس التعامل حتى مع من علم وثبت نفاقه...الخ), ولذا نحن حينما نرجع الى خطب الامام أمير المؤمنين في تعامله مع معاوية نجد بشكل صريح تطبيق حكم الاسلام عليه مع أنه دون أي شك رأس النفاق في ذلك الوقت. ولذا يقول (ع): (رسول الله حاربكم على تنزيله وأحاربكم على تأويله), أي: رسول الله حاربكم على الكفر الظاهر وأنا أحاربكم على الكفر الباطن الذي هو النفاق.

 ومن مهم المسائل التي ينبغي الاشارة إليها كذلك, هي: هل أن الإيمان بالمعاد ركن مقوم للاسلام أم لا؟ علما أن ظهور آثار هذه المسألة تكون في الابحاث الكلامية أكثر من غيرها, فلو أن شخصا آمن بالإسلام لكنه لم يصل بحسب البحث والاجتهاد الى وجود المعاد فهل هو مسلم حينئذٍ أم لا؟ فلو قال بأن الثواب والعقاب وانتقال الأرواح من بدن الى بدن يكون في هذه النشأة فقط دون غيرها, فلا توجد عندنا نشأةً أخرى تسمى الآخرة أو المعاد, أما معنى الموت باعتقاده فهو انتقال الروح من بدن الى بدن آخر.

 ولا يخفى أننا طرحنا هذه المسألة هنا لأنه يوجد عندنا بحث كلامي في أن المعاد هل هو جسماني أم روحاني؟ فلو أن شخصاً لم يصل به دليله الى القول بالمعاد الجسماني وقال بالمعاد الروحاني فهل هذا مسلم أم لا؟

 بينا فيما سبق أن من لم يعتقد بالشهادة الأولى والثانية فهو كافر سواء في ذلك العالم والجاهل, القاصر والمقصر, من بحث في الأدلة ومن لم يبحث, بل لو أن دليله أوصله الى أن الحقيقة غير قائمة على الشهادتين فلم يؤمن بهما فهو كافر أيضاً.

 أمك فيما يتعلق بركنية المعاد: فقد ذهب المشهور الى أن عدم الإيمان بالمعاد لا يؤدي الى الخروج عن الاسلام بخلاف السيد الخوئي الذي ذهب الى أن المعاد ركن مقوم للاسلام وعدم الإيمان به مخرج لصاحبه من الاسلام فنراه (ره) يقول في التنقيح المجلد الثالث ص59: (فمنها الاعتراف بوجوده جلت عظمته, ومنها الاعتراف بوحدانيته ومنها الاعتراف بنبوة النبي, اُعتبر في الشريعة المقدسة أمور على وجه الموضوعية في تحقق الإسلام, بمعنى أن إنكارها أو الجهل بها يقتضي الحكم بكفر جاهلها أو منكرها وإن لم يستحق العقاب يوم القيامة فهو كافر ولعله يوم القيامة من المستضعفين ومن المرجون لأمر الله ويدخل برحمة الله إلى جناته), وبهذا يظهر أن التناسخي على مبنى السيد الخوئي ليس بمسلم.

 ثم بعد ذلك يقوم (ره) بإقامة الدليل على ركنية المعاد عاتبا في ذلك على من أهملوه ومن لم يعتبروه كذلك فنراه يقول (ره): (إلا أنّا لا نرى لإهمال اعتباره وجهاً كيف وقد قرن الإيمان به بالإيمان بالله سبحانه وتعالى في غير واحد من الموارد {يؤمنون بالله وباليوم الآخر} و{إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} و{إن كنّ يؤمنّ بالله واليوم الآخر} و{من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر} و{من آمن بالله واليوم الآخر} إلى غير ذلك من الآيات ولا مناص معها من اعتبار الإقرار بالمعاد على وجه الموضوعية في تحقق الإسلام).

 الا أن الحقيقة أن كلامه (ره) غير تامٍ؛ لأننا تارة نقول أن الاسلام لا يتم الا بالإيمان بالمعاد, وأخرى نقول من لم يؤمن بالمعاد بمفرده مع إيمانه بالشهادتين وبقية الضرورات الدينية خارج عن الاسلام.

 ونحن حديثنا في المقام الثاني لا الأول, وما أتيت به في كلامك الذي ينطبق مع المقام الأول لا منكر وجاحد له, فلا أحد يشك بأن الإيمان بالمعاد كالإيمان بالصلاة والصوم والحج وغير ذلك من الضروريات التي لا يتم الاسلام الا بالإيمان بها, الا أن الكلام ليس في هذا المقام, بل في مقام أن من آمن بالشهادتين وغيرهما من الضرورات ولم يؤمن بالمعاد بمفرده هل هو خارج عن الاسلام أم لا؟ علما أن الآيات تتحدث عن المضمون الذي يفيده المقام الأول لا الثاني.

 فلابد لنا هنا من التمييز بين مقامين, الأول هو أن الاسلام قد اعتنى بالمعاد عناية فائقة, بل لعل الاعتناء به قد فاق بعض الضرورات الأخرى وذلك واضح من خلال الآيات التي شددت وركزت على هذه الضرورة, والثاني نريد أن نعرف أن من آمن برسالة الرسول وكل ما جاء فيها الا المعاد ولو من باب الاجتهاد فهل يخرج عن الاسلام أم لا؟

 تعرض المحقق الهمداني الى هذه المسألة فبعد ذهابه الى أن مسألة المعاد تختلف عن مسألة الايمان بالله ورسوله قال: (وفيه تأملٌ من استثناء صورة الشبهة وهو لا يناسب سببيته المستقلة), أي: لو كان سبباً مستقلاً لأخرج عدم المعتقد به من الاسلام سواء كان ذلك من شبهة أو من غير شبهة, الا أننا نرى أن وجود الشبهة لا تبعث بالفرد الى خروج من الاسلام.

 وبهذا يتحصل: أن المعاد ليس على حدّ الإيمان بالله والرسول في تحقق الإسلام, بل هو من الضرورات الدينية التي جاء بها الكتاب والسنة.

 ولنا أن نتساءل حينئذٍ هل منكر الضرورة خارج عن الاسلام أم لا؟

 يأتي بحث هذه المسألة في قادم الابحاث إنشاء الله.

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo