< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

31/12/01

بسم الله الرحمن الرحیم

في أدلة منكر الضروري وما يلاحظ عليها

 كان الكلام في حديث الأمس في ركنية المعاد وهل هو ركن مستقل يوجب إنكاره الخروج عن الاسلام أم لا؟

 قلنا بأن المشهور ذهب الى أن الاسلام يتحقق بالنطق بالشهادتين فقط عدا السيد الخوئي الذي ذهب الى أن إنكار المعاد بمفرده موجب للخروج عن الاسلام وقد استدل لذلك بدليلين هما:

  الأول: ما أشار إليه (ره) في التنقيح حيث أفاد: أننا نجد في القرآن الكريم مقارناتٍ متعددة بين الإيمان بالله والإيمان بالمعاد, ففي الأعم الأغلب كلما ورد الإيمان بالله أقترن بالإيمان بالمعاد, فيقول (ره) في ذلك ما نصه: الاعتراف بالمعاد وذلك قد قرن الإيمان به بالإيمان بالله سبحانه وتعالى في غير واحدٍ من الموارد كما في قوله تعالى {يؤمنون بالله وباليوم الآخر} و{إن كنتم تؤمنون بالله وباليوم الآخر} و{إن كنّ يؤمنّ بالله واليوم الآخر} و{من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر} و{من آمن بالله واليوم الآخر} الى غير ذلك من الآيات, فلا مناص من أن هذا القرن في الآيات بين الإيمان بالله وبين الإيمان بالمعاد من اعتبار الإقرار بالمعاد على وجه الموضوعية لا الطريقية في تحقق الاسلام.

 ويمكن المناقشة في ذلك, فنقول: إن المقارنة بين الله والمعاد لم تكن هي الوحيدة في القرآن بل أن هناك مقارنات متعددة أخرى بين الله وبين موارد أخرى غير مورد المعاد مثل{يا أيها الذين آمنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزّل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبلُ ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيدا} و{ آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كلٌ آمنَ بالله وملائكته وكتبه ورسله} فلو قلنا أن مقارنة المعاد بالله تبعث على عدم تحقق الاسلام الا بالإيمان بالمعاد للزم أن يجري هذا الكلام في كل مقارن لله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم, ولا شك أن مثل هذا اللازم لا يقبله السيد الخوئي (ره).

 الثاني: ما استفاده (ره) من الآية {إني تركت ملة قومٍ لا يؤمنون بالله وبالآخرة هم كافرون}, فالآية قد ذكرت نقصين للقوم المذكورين في الآية هما:

 أولا: عدم إيمانهم بالله.

 ثانيا: عدم إيمانهم بالآخرة أو أنهم كافرون بالآخرة.

 ويفهم من ظاهر الآية أن هذين النقصين قد أخذ أحدهما في عرض الآخر لا في طوله, فيلزم من ذلك أن المعاد مأخوذ على نحو الموضوعية لا على نحو الطريقية؛ لأن الطريقية لا تكون الا على القول بأن المعاد مأخوذ بنحو الطولية الذي هو خلاف ظاهر الآية.

 ويمكن المناقشة في ذلك, فنقول: أننا تارة نقول أن عدم الإيمان بالله نقص, وعدم الإيمان بالمعاد نقص, وعدم الإيمان بالحج نقص, وهكذا في كل المسائل العقدية الأخرى.

 وأخرى نقول أن ذلك النقص هل يشكل ملاكاً مستقلاً لإخراج الانسان من الإيمان الى الكفر؟ فكلامنا ليس في مقام التوصيف والنعت بأنه نقص مستقل أو غير مستقل, بل كلامنا أن هذا النقص بمفرده هل يشكل ملاكاً تاما للإخراج عن دائرة الاسلام أم لا؟

 اتفقت كلمة الفقهاء على أن الملاك الوحيد الذي يؤدي الى الكفر هو إنكار التوحيد والرسالة ولم يعتبروا عدم الإيمان بالمعاد ركنا مستقلاً في الخروج عن الاسلام.

 وممن تعرض لهذا المعنى من الاعلام:

 صاحب كتاب تنقيح مباني العروة في الجزء الثاني من كتابه هذا ص190 حيث يقول: (بل المحقق للإسلام هو الاعتراف بالتوحيد ورسالة النبي من غير أن يظهر المعترف خلاف اعترافه الخ...).

 وكذلك السيد الشهيد الصدر(ره) في شرح العروة الوثقى المجلد الثالث ص369 بقوله:(وعليه فدخل الإيمان بالمعاد في الإسلام إنما هو باعتبار كونه من أوضح وأبده ما اشتملت عليه الرسالة وليس قيداً مستقلاً في الإسلام).

 وكذلك ما ذكره السيد الخميني في كتاب الطهارة المجلد الثالث ص328 بقوله: (ثم إن اندراج منكر المعاد ايضا في الكفار حقيقةً ودعوى كون الإسلام عبارة عن الاعتقاد بالأركان الأربعة والاعتقاد بالمعاد داخل في ماهيته لا يخلو من إشكالٍ بل منع لإطلاق الأدلة المتقدمة الشارحة لماهية الإسلام التي به حقنت الدماء وقوة احتمال أن يكون الارتكاز المدعى لأجل وضوح عدم الجمع بين الاعتقاد بالنبوة وإنكار المعاد الذي لأجل كمال بداهة كونه من الإسلام عُدّ من الأصول وإلا هو ليس من الأصول, فدعوى كون الإسلام هو الاعتقاد بالألوهية والتوحيد والنبوة غير بعيدة ).

فيما يتعلق بمنكر الضروري:

 هذه المسألة من المسائل المهمة التي تترتب عليها كثير من الآثار والنتائج, فلو ثبت أن مسألة من المسائل هي من ضرورات الدين فهل يعد إنكارها مخرج من الدين أم لا؟ ومن أوضح مصاديق هذه المسألة, مسألة الامامة, فلو ثبت أن الامامة من ضرورات الدين فهل يعد منكرها خارج عن الدين؟

 قبل الإجابة على ذلك لابد من بيان حقيقة لفظين قد يستعمل أحدهما مكان الآخر وقد لا يستعمل, وهما:

 1ـ الجحود: هو الإنكار بعد ثبوت العلم, ولغة: الإنكار بعد العلم بصحة الشيء, أي: إنكار ما في القلب إثباته وإثبات ما في القلب إنكاره.فالجحود لا يساوي الإنكار بل أخص منه.

 2ـ الإنكار: عدم الإيمان بالشيء, سواء كان بعد العلم بثبوت ذلك الشيء أم لم يكن, وهو أعم من الجحود كما اتضح.

 ولا يخفى أن كلامنا في منكر الضروري لا جاحده. فلو أن شخصاً أنكر ضرورياً من ضرورات الدين بقطع النظر عن السبب ـ فربما يكون السبب عدم وصول الدليل وربما يكون الغفلة وهكذا... ـ فهل يكون خارجا عن الدين أم لا؟

 قلنا سابقا أن منكر الإيمان بالتوحيد والرسالة خارج عن الدين بكل تأكيد, وتترتب عليه كل الاحكام المترتبة على الكافر, سواء في ذلك العالم والجاهل, القاصر والمقصر, مع الدليل وبدونه. هذا فيما يتعلق بالأصل الأول والثاني, أي: التوحيد والرسالة.

 أما فيما يختص ببقية الضرورات فنقول: لابد من تحرير محل النزاع في المراد من إنكار الضروري هنا, فإما أن يكون الإنكار للضروري هنا يؤدي الى إنكار أحد الأصلين السابقين ـ التوحيد والرسالة ـ فلا شك وريب بأن هذا الإنكار مخرج عن الاسلام, مؤدٍ الى الكفر, لكن لا بما هو مستقل, بل بما هو مستلزم لإنكار أحد الأصلين, وهذا البحث خارج عن محل كلامنا.

 وإما أن يكون الإنكار ناتج عن عدم الإيمان بأن هذه المسألة من الضرورات كمن ينكر حرمة بيع الربا ـ يقول بجوازه ـ, ولو علم بحرمته لما أنكره وقال بجوازه, فهل مثل هذا يحكم عليه بالكفر وانه خارج عن دائرة الاسلام أم لا؟

 في المسألة أقول ثلاث:

 الأول: أدعي الاجماع على أن الإنكار للضروري سبب مستقل للخروج عن الاسلام والدخول في دائرة الكفر ومن أبرز ما يترتب على هذا الرأي: أن الامامة عندما تكون احد ضروريات الدين فأن منكرها يكون خارجا عن الاسلام محكوم عليه بالكفر لا فرق في ذلك بين العالم والجاهل والقاصر والمقصر.

 الثاني: ما ذهب إليه مشهور المتأخرين من أن الإنكار مخرج عن الاسلام حينما يؤدي الى إنكار أحد الأصلين, وبينا سابقا أن هذا الكلام خارج عن محل بحثنا.

 الثالث: ما ذهب إليه الشيخ الانصاري من التفصيل فقال بكفر منكر الضرورة إذا كان جاهلا مقصرا, وليس كذلك لمن كان قاصرا. علما أن هذا التفصيل من مختصات الشيخ الانصاري ولم يقل به أحد غيره.

أدلة كفر منكر الضرورة

الإجماع

: ادعى مجموعة من الفقهاء الإجماع على كفر منكر الضروري وممن ادعى ذلك صاحب مفتاح الكرامة وصاحب الجواهر الذي يقول في المجلد السادس ص47 : (لكن قد يقال أن ذلك كله منافٍ لما عساه يظهر من الأصحاب كالمصنف ـ صاحب الشرائع ـ وغيره خصوصا من عبر بالإنكار منهم, وان كان الظاهر إرادته منه الجحود هنا من تسبيب إنكار الضروري الكفر لنفسه, حيث أناطوه به حتى نقل الخبر عن غير واحد منهم ظهور الإجماع عليه من غير إشارة منهم الى الاستلزام المذكور, بل ظاهر عطفهم إياه على السبب الأول للكفر عدمه, بل اقتصر بعضهم في ضابط أصل الكافر عليه, لاندراج الأول فيه عند التأمل, الى غير ذلك مما يشهد لكون مرادهم تسبيبه الكفر نفسه), فالظاهر من كلمات الأصحاب أن الإنكار سبب مستقل للخروج من الاسلام وهذا ما صرح به صاحب الشرائع وغيره, خصوصا من عبر بالإنكار منهم؛ لأن مرادهم من ذلك من لم يؤمن سواء كان عدم إيمانه عن جحود أم لا, فحاله في ذلك حال منكر التوحيد والرسالة.

 كلمات الفقهاء: وهي ليست من الأدلة بل نذكرها للاستئناس, ومن أبرزها:

 أولاً: ما ذكره صاحب الشرائع بقوله: (الكافر وضابطه من خرج عن الإسلام أو من انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورةً), ومعلوم أن العطف هنا يدل على المغايرة, إذ لو كان العطف هنا يرجع على الكافر لكان العطفُ عطف تفسير مع أن الأصل في العطف ما كان دال على المغايرة, فيظهر أن الجحود سبب مخرج للفرد من الاسلام الى الكفر, وهذا يكشف أن إنكار الضروري سبب مستقل باعث على الخروج من الاسلام.

 ثانياً: ما صرح به بعض الفقهاء من أن الإنكار للضروري مخرج عن الاسلام سواء كان ذلك الإنكار عن علم بأن هذا من الضرورات فأنكره ـ جحود ـ أم لم يكن, والفرق بينهما واضح, حيث أن الجحود بنفسه غير مخرج عن الاسلام بل بما هو مؤدٍ الى إنكار الرسالة, أما الثاني فهو سبب مستقل باعث للخروج من الاسلام الى الكفر.

 والفرق بين ما ذكره صاحب الشرائع وما ذكره بعض الاعلام واضح حيث أن صاحب الشرائع قيّد الإنكار المخرج عن الاسلام بالعلم, وهذا معناه أن الإنكار هنا ليس سبباً مستقلا يبعث على الكفر بل بما هو طريق مؤدٍ الى إنكار الرسالة, أما ما ذكره الاعلام فهو مطلق الإنكار, الذي لم يؤخذ فيه العلم, فيكون سبباً مستقلاً باعثاً على الخروج من الاسلام.

 ثالثا: أن الفقهاء قيدوا الإنكار المخرج للإسلام بقيد الضروري, وهذا القيد يكشف أن ما كان مستلزم لإنكار الرسالة غير مراد لهم؛ لاشتماله على الإنكار النظري الناتج عن الاجتهاد مثلاً, ولو فرضنا أن الإنكار المستلزم لإنكار الرسالة كان مرادا لهم لما كان عليهم أن يقيدوه بالضروري؛ لأن من الإنكار المستلزم ما هو نظريٌ, وبهذا يظهر أن الإنكار سبب مستقل للخروج عن الاسلام وإن لم يكن مستلزما لإنكار الرسالة.

 رابعا: ما ذكره الفقهاء من الإنكار المتعلق بالخوارج والنواصب وهم من في الحقيقة لا يعلمون بأن بغضهم لعلي(ع) إنكار للدين؛ بل يعتقدون أن بغضه ضرورة من ضرورات الدين؛ لأنهم كانوا يتقربون الى الله ببغض علي, بل بقتله, وبهذا يظهر أن الإنكار المخرج للدين غير مأخوذ فيه العلم بأن هذا الأمر أو ذاك من ضرورات الدين. بل هو سبب مستقل للخروج عن الدين سواء كان عن علم أم لم يكن.

 ولنا أن نلاحظ على الأدلة فنقول:

 أولاً: أن الإجماع غير تام؛ لأن الكثير من الفقهاء لم يتعرضوا لهذه المسألة فكيف يدعى الإجماع فيها, ولو سلمنا حصول الإجماع فهو مدركي مستند في حقيقته الى النصوص التي ذكرت في المقام. وما هو حجة من الإجماع هو التعبدي, الذي لم يحصل في المقام.

 ثانياً: أننا نسلم أن العطف يقتضي المغايرة, لكن لا يخفى أن العطف قد يتحقق بأقل وأدنى مغايرة أيضاً. وينبغي أن يعلم أن ضابطة الخروج عن الدين إنما تتحقق بالخروج عن الاسلام كليا, وكذلك بحصول الجحود لما يعلم أنه من ضرورات الدين.

 وعدم تقييد إنكار الضرورة بالعلم لا يكفي للقول بأن المنكِر لها خارج عن الدين سواء علم أم لم يعلم ـ عدا التوحيد والرسالة ـ لأن سبب عدم التقييد هو فرض أن الضرورة بديهية واضحة معلومة ابتداءً, فالقول بلزوم تقييدها بالعلم يلازم القول بنظريتها.

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo