< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

31/12/02

بسم الله الرحمن الرحیم

في تعدد المراد من معنى الاسلام والإيمان, والكفر والشرك ق

1

 أشرنا بالأمس الى أن منكر الضروري يختلف عن منكر التوحيد والرسالة, حيث بينا أن من أنكر التوحيد والرسالة ولأي سبب كان فأنه يخرج من الاسلام الى الكفر وهذا المعنى يشير إليه الميرزا التبريزي في تنقيح العروة الوثقى الجزء الثاني ص191 بقوله: (وأما إنكار ضروري من الضروريات سواءٌ كان ذلك الضروري أمراً اعتقادياً كإنكار المعاد أو إنكار الكتاب المجيد أو وجود الملائكة فلا شبهة أنه يحكم بكفره لعدم اعترافه بالرسالة أو إظهاره أن اعترافه لم يكن على وجه التصديق وإن لم يكن إنكاره كذلك ـ مستلزم لإنكار التوحيد أو الرسالة ـ ), ولهذا فأن السيد الخوئي يضرب في التنقيح مثالاً لحرمة الربا فيفيد بأنه لم يكن من الضرورات في صدر الاسلام فهل من ينكره يكون خارجا عن الاسلام؟ علما أن حرمة الربا من مسلمات الشريعة فلهذا يقول: وقد يقع من غيره أيضاً ممن عاش في بلاد الكفر ونحوها, أي: قد يكون عندنا ضروري لكن من يعيش في تلك البلاد لا يرى ذلك, وهذا ما عبرنا عنه في سابق الابحاث أن الضرورة وعدمها من الأمور النسبية, أي: قد تكون في ظرفٍ وفي زمانٍ ضرورية وفي ظرف وزمانٍ آخر ليس كذلك.

 ويظهر مما بينا أن هناك فرق واضح بين إنكار التوحيد والرسالة وبين إنكار ضروري آخر, فالأول مخرج عن الاسلام لأي سبب كان فماذا عن الثاني فهل هو كذلك؟

 ولهذه القضية آثار كثيرة, ظهر بعضها بوضوح وجلاء كما في مسألة الامامة فنقول: لو سلمنا أن الامامة كانت من ضرورات في صدر الاسلام فهل هي ضرورية لكل المسلمين آنذاك عدا من كان محيطا بالرسول وقريبا منه, خصوصا إذا ما علمنا أن الاعلان عن هذه الضرورة حصل في غدير خم ولم يكن قبل ذلك إعلان عن الامامة؟ ولو سلمنا أنها ضرورية حدوثا فهل هي كذلك بقاءً؟

 نقول: أما حدوثا فلا شك أنها لم تكن ضرورية لجميع المسلمين بل للمحيطين بالرسول فقط أما بقاءً فكذلك ليست بضرورة وذلك لحصول الشبهات والتبليغ المضاد لها من الحكام والظالمين.

 عندئذٍ علينا أن نعرف مراد الروايات التي تقول بارتداد الناس عن الدين ما هو مرادها؟ فلابد أن نقول أن المراد بالارتداد في الروايات ليس المراد منه الارتداد عن الدين.

 ولا يخفى أن هذا ـ إنكار الضرورة ـ غير مختص بالمسائل الفقهية فحسب بل أنه يتحقق حتى بإنكار الأصول والفروع.

 ومن مهم الأدلة التي كشفت على أن منكر الضروري خارج عن الدين هي:

 أولا: النصوص الواردة بلسان (أدنى ما يكون به العبد مشركاً) والروايات في ذلك عديدة منها:

 ما ورد في أصول الكافي الجزء الرابع ص163 : (علي ابن إبراهيم, عن محمد ابن عيسى, عن يونس, عن بريد العِجلي, عن أبي جعفر الباقر(ع)قال: سألته عن أدنى ما يكون العبد به مشركا, قال: من قال للنواة أنها حصاة وللحصاة أنها نواة ثم دان به صار مشركا) وهذا يكشف بطريق الأولوية كفر من أنكر أي ضرورة من الضرورات. علما أن هذه الرواية قد قد عبر عنها الهمداني في مصباح الفقيه والسيد الخوئي في التنقيح والسيد السبزواري في مهذب الاحكام والسيد الحكيم في المستمسك بأنها صحيحة.

 وكذلك الرواية: (عنه ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي العباس قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن أدنى ما يكون به الانسان مشركا ، قال : فقال : من ابتدع رأيا فأحب عليه أو أبغض عليه).

 ولنا نحن أن نتساءل هل أن الرواية الواردة عن بريد العجلي صحيحة أم لا؟

 نقول أن في الرواية محمد ابن عيسى وهو أسم مشترك بين محمد ابن عيسى ابن سعد ومحمد ابن عيسى ابن عبد الله, والأول مجهول والثاني ثقة, فتبقى الرواية بين المجهول والثقة فتكون محل كلام, الا أنه كما ذكرنا فأن الاعلام قد عبروا عنها بالصحيحة.

 ثانيا: النصوص الواردة بلسان (من جحد الفرائض فهو كافر) ولا شك أن الفرائض كالصوم والصلاة والزكاة والحج من أوضح ضرورات الدين. ومن ابرز الروايات الواردة في المقام هي: ما ورد في أصول الكافي الجزء الثالثص89 : ( عن أحمد بن محمد عن محمد ابن إسماعيل عن محمد ابن الفُضيل عن أبي الصباح الكناني عن الباقر(ع)قال: قيل لأمير المؤمنين(ع) من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله(ص) كان مؤمنا؟ قال (ع) فأين فرائض الله وقال سمعته يقول: لو كان الإيمان كلاماً لم ينزل فيه صوم ولا صلاة ولا حلال ولا حرام, قال وقلت لأبي جعفر إن عندنا قوم يقولون إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله(ص) فهذا مؤمن, قال: (ع) فلمَ يضربون الحدود ولم تقطع أيديهم وما خلق الله (عزّ وجلّ) خلقاً أكرم على الله من المؤمن لأن الملائكة خدام المؤمنين إلى أن يقول: ثم قال: فما بال من جحد الفرائض كان كافرا). الا أننا نلاحظ في الرواية أن الامام يذكر حكم الجاحد الذي يؤدي جحوده الى إنكار التوحيد أو الرسالة, لا المنكر, والفرق بينهما كبير كما بينا.

 وهذه الرواية قد عبر عنها السيد الخوئي في التنقيح والهمداني في مصباح الفقيه والسيد الحكيم في المستمسك بأنها صحيحة السند.

 الا أننا نقول أن في الرواية محمد ابن الفضيل وهو مشترك بين محمد ابن القاسم ابن الفضيل الثقة وغيره غير الثقة فأي منهم المراد في الرواية؟.

 ثالثا: : النصوص الواردة بلسان (من ارتكب كبيرةً وزعم أنها حلالٌ أخرجه ذلك من الاسلام الى الكفر) والروايات في المقام كثيرة من أبرزها:

 ما ورد في وسائل الشيعة المجلد الأول ص33: ( عن عبد الله ابن سنان قال: سألت أبا عبد الله عن الرجل يرتكب الكبيرة فيموت هل يخرجه ذلك من الإسلام؟ وإن عُذب كان عذابه كعذاب المشركين أم له مدة وانقطاع فقال من ارتكب كبيرةً من الكبائر فزعم أنها حلالٌ أخرجه ذلك من الإسلام وعذب أشد العذاب وإن كان معترفاً أنه ذنبٌ ومات عليها أخرج من الإيمان ولم يخرجه من الإسلام وكان عذابه أهون من عذاب الأول) وواضح شمول الرواية للمقام لعدم تقييدها بالعلم و شمولها للضروري وغيره. وغير ذلك من الروايات كثير الا أن الوقت لا يسعف لذكرها جميعاً.

 ولنا هنا أن نتساءل هل أن هذه الروايات تفيدنا في المقام أم لا؟ وكيف يمكن لنا الجمع فيما وقع فيه التعارض؟

 نقول قبل الشروع بالجواب على ذلك لابد من معرفة المراد من المفردات التالية: الاسلام, الإيمان, الكفر, الشرك, الارتداد, التي وردت كثيرا في الآيات والروايات, أما ما ورد من ذلك في الآيات فهو:

 {ومن أصدق من الله قيلا وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون } فنجد القرآن الكريم قد جمع بين الإيمان و الشرك في الفرد الواحد, وهذا يكشف عن أن بعض الانسان الغالب في الوقت الذي يكون فيه مؤمنا هو مشرك أيضاً, وهذا المعنى قد عبر عنه الامام أمير المؤمنين (ع) بقوله: (الشرك في أمتي أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء). وكما لا يخفى فأن المفروض في أمة الرسول أنها مسلمة مؤمنة.

 أما لو الروايات التي تبين مصاديق الشرك فهي كثيرة, منها:

 ما ورد في تفسير العياشي المجلد الثاني ص372: (عن زرارة قال: سألت الباقر(ع) عن قول الله (عزّ وجلّ) {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} قال: من ذلك قول الرجل لا وحياتك).

 وكذلك الرواية: (قول الرجل لولا الله وأنت ما فعل بي كذا وكذا, ولولا الله وأنت ما صرف عني كذا وكذا وأشباه ذلك).

 وكذلك الرواية: (الرواية عن أبي عبد الله الصادق قال: {وما يؤمن أكثرهم إلا وهم مشركون} قال قول الرجل لولا فلان لهلكت, ولولا فلان لأصبتُ كذا وكذا, ولولا فلان لضاع عيالي, ألا ترى أنه قد جعل لله شريكاً في ملكه يرزقه ويدفع عنه, قال: قلت: فيقول لولا أن الله منّ عليّ بفلانٍ لهلكتُ قال نعم لا بأس بهذا).

 فلنا أن نتساءل هنا هل أن الشرك الوارد في هذه الروايات مخرج عن الاسلام؟! علماً أن الروايات قد بينت أن الشرك على درجاتٍ من قبيل: (إن الشرك على درجات, شرك عبادةٍ وشرك طاعةٍ...الخ) وكذلك (عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال شرك طاعة وليس بشرك عبادة والمعاصي التي تركبون مما أوجب الله عليها النار شرك طاعة أطاعوا الشيطان وأشركوا بالله في طاعته ، ولم يكن بشرك عبادة ، فيعبدون مع الله غيره), فمن قال أن هذا النوع من الشرك مخرج عن الاسلام الى الكفر وبهذا المعنى نجد الامام الرضا (ع) يقول: (شركٌ لا يبلغ به الكفر) ويظهر من هذا أن ليس كل شرك كفر, بل للشرك مراتب متعددة أعلاها هو المخرج من الاسلام الى الكفر؛ والا للزم أن يكون اغلب المؤمنين خارجين من دائرة الاسلام الى دائرة الكفر؛ لان شرك الطاعة موجود عند أغلبهم.

 ويتضح بذلك أن الطائفة الأولى من الروايات التي تعبر بلسان (أدنى ما يكون به العبد مشركاً) لا تكشف عن أن أهم مصاديقها هو منكر الضروري وذلك لأن الشرك مراتب ودرجات, فليس كل من صدق عليه الشرك فهو خارج عن الاسلام؛ لأن بعض الشرك غير مخرج عنه.

 ومن الشواهد على ذلك ما ورد في وسائل الشيعة ص92 : (وثمن الخمر والنبيذ والمسكر والربا بعد البينة فأما الرشا في الحكم فإن ذلك الكفر بالله العظيم جل اسمه) فيقول (ع) أن الرشا كفر, فيا ترى أي كفر هو المراد هنا, هل المخرج عن الاسلام أم مرتبة أخرى من الكفر؟ من الواضح أنه لا يوجد فقيهٌ يقول بأن المراد من الكفر هنا هو ما كان مخرج عن الاسلام, بل مرتبة أخرى منه.

 و ما ورد في المجلد الخامس والعشرين أيضاً ص320, الحديث الثاني عشر: (عن آبائه عن الصادق عن آبائه في وصية النبي(ص) لعليٍ(ع) قال يا علي شارب الخمر كعابد وثن, يا علي شارب الخمر لا يقبل الله صلاته أربعين يوما, فإن مات في الأربعين مات كافرا), فلاشك أن المراد من الكفر هنا ليس الكفر المخرج عن الاسلام.

 وما ورد في ص343 الحديث الرابع عشر: (عن الصادق عن آبائه في وصية النبي لعلي قال يا علي خلق الله (عزّ وجلّ) الجنة لبنتين لبنة من ذهب ولبنة من فضة...الخ إلى أن قال وعزتي وجلالي لا يدخلها مدمن خمرٍ ولا نمام ولا ديوث ولا شرطي - في الدولة الظالمة- ولا مخنث ولا نبّاش ولا عشّار ولا قاطع رحم ولا قدري, يا علي كفر بالله العظيم من هذه الأمة عشرة القتّات والساحر والديوث والناكح المرأة حراماً في دبرها وناكح البهيمة ومن نكح ذات محرمٍ والساعي في الفته وبائع السلاح من أهل الحرب ومانع الزكاة ومن وجد سعة فمات ولم يحج... إلى أن قال: يا علي تسعة أشياء تورث النسيان الخ...). فهل يا ترى يلتزم أحد من الفقهاء في أن الفئات العشر التي حكم عليها بالكفر في الرواية, بأن المراد من الكفر هو المخرج من الاسلام؟!.

 ولذا نجد السيد الخوئي(ره) في التنقيح المجلد الثالث ص61 هذه يقول: أما الطائفة الأولى فقد أسلفنا الجواب عنها سابقاً وقلنا أن للشرك مراتب متعددة, وهو غير مستلزم للكفر بجميع مراتبه وإلا لزم الحكم بكفر المرائي في عبادته بطريق أولى لأن الرياء شرك كما نطقت به الأخبار), فإذا كان الأمر كذلك فلابد من ضابطة يتم الاعتماد عليها لمعرفة الشرك أو الكفر المخرج عن الاسلام, والضابطة هي: أن مفردات الإسلام والإيمان والكفر والشرك والارتداد لها استعمالات متعددة فقد يكون لفظ الكافر بمعنىً يقابل الإسلام و بمعنىً آخر مقابلاً للإيمان بمرتبة من المراتب.

 فلو افترضنا أن للإسلام مراتب متعددة, فدون شكٍ أن الذي يقابله من الكفر يكون ذات مراتب متعددةٍ أيضاً.

 والأمر نفسه بالنسبة للإيمان فلو فرضناه ذات مراتب متعددة فالكفر الذي يقابله يكون ذات مراتب متعددة أيضاً.

 وبعبارة فلسفية أدق نقول: إذا كان الاسلام والإيمان مفهومان مشككان فالكفر والشرك مشككان أيضاً؛ حيث لا يعقل لأن يكون الاسلام والإيمان مشككان وما يقابلهما من الكفر والشرك متواطيان.

 وبهذا يتضح ليس كل كفر هو مخرج عن الاسلام, ومن هنا يلزم التدقيق والتأمل في مفردات الكفر والشرك والارتداد في الروايات ولابد أن يلاحظ فيهن المورد والمرتبة والمراد.

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo