< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

31/12/13

بسم الله الرحمن الرحیم

في تعدد المراد من معنى الاسلام والإيمان, والكفر والشرك ق2

 كان الكلام في ما سبق من حديث الأمس يدور حول منكر الضروري وخروجه عن الاسلام وقد ذكرنا الأقوال والأدلة وما يلاحظ عليها في ذلك ووصل بنا المقام الى بيان حقيقة الضابطة التي يتم الاعتماد عليها لمعرفة المراد من الكفر والشرك والارتداد الوارد في النصوص.

 فقلنا ليس كل كفر المراد به الخروج عن الاسلام لأن اللازم من ذلك خروج الكثير من الاسلام وذلك كما في النصوص التي عبرت عن المرائي والمرتشي والعاصي ومنكر النعمة وتارك الفريضة ومن لم يحج مع الاستطاعة وغير ذلك الكثير بالكافر, فلا يمكن الالتزام من أي فقيه بأن الكفر المذكور في الموارد المزبورة هو المقابل للاسلام المخرج عن الدين.

 الا أننا نرى وللأسف الشديد أن بعض الفقهاء يرون أن لفظ الكفر أو الشرك الوارد في النصوص هو ما كان مخرج عن الدين, وحينما نلتزم أن المراد منهما هو ذلك فهذا معناه أننا حينما نضم الآية الكريمة {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك} الى الآية {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} أن اغلب المؤمنين لا ينالون المغفرة والعفو وهذا مما لا يلتزم به من أحد من الفقهاء.

 وكذلك يلزم كفر قول بعضنا لبعض لو لا فلان لهلكت ـ حينما نحمل الشرك على الشرك الحقيقي ـ الوارد في الروايات كما اشرنا سابقا.

 ولذا نجد السيد الخوئي(ره) قد أشار الى هذه القضية في التنقيح الجزء الثالث ص63 بقوله: (إن الكفر المترتب على ارتكاب الكبيرة بزعم حليتها ليس هو الكفر المقابل للاسلام الذي هو المقصود بالبحث في المقام وذلك لأن للكفر مراتب عديدة) فقد يطلق الكفر ويراد به التوصيف وقد يطلق أخرى ويراد به التسمية وهذا ما لم يتعرض له الفقهاء للتفريق والتمييز بينهما, علما أن المراد بالكفر المخرج عن الاسلام هو ما كان على نحو التسمية لا التوصيف. والتمييز بين هذين الأمرين مما يترتب عليه كثير من النتائج والثمرات غير المختصة بباب الفقه فقط بل حتى في باب التوحيد فمثلاً حينما نأتي الى قوله {أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون} فلا يمكننا أن ندعوا الله بقولنا يا زارع لأن لفظ الزارع الوارد في الآية وارد على نحو التوصيف لا الاسم, والأمر نفسه بالنسبة الى الآية {إن الله لا يستحيّ}, لذا يوجد بحث كلامي مفاده أن أسماء الله توقيفية دون صفاته, فلا يمكن جعل الصفة أسما له جل شأنه.

 من هنا فلابد من التمييز في لفظ الكفر والشرك والارتداد الوارد في النصوص المحكوم به على البعض هل أنه وارد على نحو الاسمية أو التوصيف؛ لأن الأثر المترتب عليهما كبير جداً.

 ثم يقول (ره): للكفر مراتب عديدة منها: ما يقابل الإسلام ويحكم عليه بنجاسه وهدر دمه وماله وعرضه.

 ومنها: ما يقابل الإيمان, ويحكم بطهارته واحترام ماله, أي: مسلم لكنه ليس بمؤمن.

 ومنها: ما يقابل المطيع, أي: مسلم عاصي. فيقال أن العاصي كافر وقد ورد {إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا}.

 وبهذا يظهر أن هناك إطلاقات متعددة للاسلام والإيمان والكفر والشرك. وبذلك نعرف أن من لم يؤمن بولاية أهل البيت فهو غير مؤمن بمعنى, ومؤمن بمعنى آخر.

 ونجد كذلك تعدد الاطلاقات للفظ الاسلام في الآيات بشكل واضح, منها: الاسلام الظاهري كما في قوله تعالى {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم}, أي أقر بالشهادتين الا انه قلباً وباطناً لم يؤمن بذلك.

 ومنها: الاسلام بمعنى تحري الرشد كما في قوله تعالى{فمن أسلم فأولئك تحرّوا رشدا} فمن لم يدخل في الاسلام فغير متحرٍ للرشد كما تبين الآية الكريمة.

 ومنها: الاسلام الذي يترتب عليه الهداية كما في قوله {فإن أسلموا فقد اهتدوا} وهو غير الاسلام الظاهري دون أي شك.

 ومنها: الاسلام الذي لا يتحقق الا بولاية أهل البيت كما في قوله تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} حيث من شرائط الاسلام المذكور في هذه الآية هو الإيمان بولاية أهل البيت(ع).

 ويلزم من ذلك عدم جواز حمل كل الكفر الوارد في القرآن على الكفر المخرج للدين وذلك لأن الكفر مقابل للاسلام والإسلام ذات مراتب متعددة فالكفر مثله, فقد يكون إطلاق هذا اللفظ في قبال المرحلة الأولى من الاسلام الذي يلزم منه الخروج عن الاسلام, وقد يكون في قبال أحد المراحل المتعددة الأخرى التي لا يلزم منها الخروج عن الاسلام, وعليه فلابد من التمعن والتدقيق في معرفة المراد من الكفر الوارد في الآيات والنصوص في قبال أي مرحلة هو من مراحل الاسلام.

 وتعدد الدرجات والمراحل لمفردة الاسلام قد أشارت إليه كثير من الروايات, منها:

 أولاً: ما ورد في أصول الكافي الجزء الثالث ص74 : (عن الباقر(ع) عن أبي جعفر(ع)قال: والإسلام ما ظهر من قولٍ أو فعلٍ وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها, وبها حقنت الدماء وعليه جرت عليه المواريث وجاز النكاح واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج فخرجوا بذلك من الكفر وأضيفوا الى الايمان الخ...). والإسلام المذكور في الرواية قد يكون متضمن لمعنى الإيمان وقد لا يكون, فإن كان متضمناً فهو درجة من الاسلام, وإن لم يكن متضمناً فهو درجة أخرى من الاسلام أقل من الدرجة المتضمنة للإيمان.

 ثانيا: ما ورد في أصول الكافي الجزء الثالث أيضاً ص118 الحديث 1537: (عن الإمام الصادق(ع) قال: قال رسول الله الإسلام عريان فلباسه الحياء وزينته الوفاء ومروءته العمل الصالح وعماده الورع ولكل شيء أساس وأساس الإسلام حبنا أهل البيت). ولا يخفى أن الاسلام المذكور في هذه الرواية يختلف اختلافا كبيرا عن الاسلام المذكور في الرواية السابقة.

 ثالثاً: ما ورد عن رسول الله (ص) قوله (عن الإمام الجواد قال: قال: أمير المؤمنين, قال رسول الله إن الله خلق الإسلام فجعل له عرصةٌ وجعل له نوراً وجعل له حصناً وجعل له ناصراً فأما عرصته فالقرآن وأما نوره فالحكمة, وأما حصنه فالمعروف وأما أنصاره فأنا وأهل بيتي وشيعته) وهذا معنى آخر للاسلام يختلف عن سابقيه أيضاً.

 رابعاً: ما ورد عن أمير المؤمنين (ع) في بيان الاسلام بقوله: (لأنسبنّ الإسلام نسبةً لم ينسبه أحد قبلي ولا ينسبه أحدٌ بعدي إلا بمثل ذلك إن الإسلام هو التسليم, والتسليم هو اليقين, واليقين هو التصديق, والتصديق هو الإقرار, والإقرار هو العمل, والعمل هو الأداء, إن المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه ولكن أتاه من ربه فأخذه, إن المؤمن). وهذا النوع من الإسلام لا يتأتى الا بالوصول الى أعلى مراتب اليقين وهو من أعلى مراتب الاسلام ومراحله.

 من هنا لا ينبغي أن نحمل مفردة الاسلام الواردة في الروايات على معنى واستعمال واحد بل لابد من معرفة المعنى المراد من الاسلام وأي مرحلة ودرجة هي المرادة في النص والرواية.

 وهذا المعنى يشير إليه السيد العلامة الطباطبائي بشكل عميق ودقيق عندما يبين ـ في بحثٍ له ـ مراتب الاسلام في القرآن وذلك في ذيل الآية 130-134 من سورة البقرة حيث يقول: (أن الإسلام والتسليم والاستسلام بمعنىً واحد الى أن يقول: وله مراتب بحسب ترتب الواردات بمراتبها:

 الأولى: القبول لظواهر الأوامر والنواهي بتلقي الشهادتين لساناً سواءً وافقه القلب أو خالفه...الخ)

  الثانية: ما يلي الإيمان بالمرتبة الأولى وهو التسليم والانقياد القلبي لجل الاعتقادات الحقة التفصيلية وما يتبعها من الأعمال الصالحة... الخ).

  الثالثة: ما يلي الايمان بالمرتبة الثانية فإن النفس إذا أنست بالإيمان المذكور وتخلقت بأخلاقه تمكنت منها وانقادت لها سائر القوى البهيمية...الخ, وهكذا يوجد مرحلة رابعة وهي ما يلي المرحلة الثالثة بالإيمان, وكذلك خامسة وهي ما يلي الرابعة بالإيمان.

 من هنا نفهم أن المراد بالإسلام الذي أمر به ابراهيم (ع) في الخطاب القائل{ قال له أسلم قال أسلمت لرب العالمين} هو أعلى مراتب الاسلام.

 من هنا ينبغي لنا الالتفات الى أن الآيات والروايات التي يرد فيها لفظ الكفر والشرك والإسلام والإيمان أي مرتبة ودرجة منها هو المراد ولا يجوز سوقها وحملها دون معرفة دقيقة.

 وكذلك لا بد أن نعرف تلك المفردات هل وردت على نحو التسمية مع التوصيف أم التوصيف دون التسمية, والضابطة في معرفة ذلك هي: كلما صحت التسمية صح التوصيف, أي حينما تكون التسمية صحيحة فهي تسلتزم التوصيف فعندما نقول يا عادل يا مؤمن ياقائم على نحو التسمية فلا بأس بوصفه ومناداته بها.

 وليس دائما إذا صح التوصيف صحت التسمية, أي قد يكون التوصيف صحيحا الا أن ذلك لا يستلزم صحة التسمية وخير دليل على ذلك الآية الكريمة {ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآيةٍ من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير, فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله, وأبرأ الأكمه والأبرص, وأحيي الموتى بإذن الله, وأنبأكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم, إن في ذلك لآيةٍ لكم إن كنتم مؤمنين} فأنها قد ذكرت عدة توصيفات للنبي عيسى (ع) وهي الخلق والإحياء والإخبار عن الغيب, فكلها أمكن الاتصاف بها, الا أن من الواضح أنه لا يتسمى بها فلا نناديه يا محيي ويا خالق وهكذا. وكذلك الأمر بالنسبة لله سبحانه وتعالى فقد يصح التوصيف له دون التسمية كما في قوله تعالى{أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون}. فلا يجوز أن نناديه يازارع رغم أن التوصيف قد ثبت له.

 من هنا نعرف أن الروايات والنصوص التي وردت عن أهل البيت التي تفيد بأنهم لا يعلمون الغيب تريد أن تنفي حصول ذلك على نحو التسمية لا على نحو التوصيف؛ لأن التسمية بذلك من مختصاته عز وجل.

 من البيان المتقدم يلزم أن نعرف أن الاحكام المترتبة على الكفر والشرك والإسلام والإيمان هل رتبت على التسمية أم على التوصيف؟

 يأتي تفصيل ذلك في قادم الابحاث.

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo