< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

31/12/14

بسم الله الرحمن الرحیم

في إفادة الطوائف الروائية الثلاث لكفر منكر الضرورة وعدم ذلك ق1

 أشرنا بالأمس الى ضرورة التفريق بين إسناد الفعل الى الفرد وبين اتصافه وتسميته به, وتطرقنا في ذلك الى مجموعة من الأمثلة التي يتضح الفرق من خلالها.

 ولابد من الالفات هنا الى أن مسألة إسناد الفعل أو التوصيف والتسمية جارٍ في المقام الذي نحن فيه, بمعنى: أن الكفر والشرك, والإسلام والإيمان الوارد في الآيات والروايات قد يكون أحيانا بمعنى إسناد الفعل وقد يكون أخرى بمعنى التوصيف والتسمية.

 أما التمييز بين أن هذا الكفر أو الشرك هل هو على نحو الاسناد أو التوصيف والتسمية فهو في الحقيقة تابع الى القرائن الموجودة في المورد أو المقام الذي هو فيه.

 من هنا نجد أن القرآن الكريم في آياتٍ عديدة يفرق ويميز بين الصالحين و الذين عملوا الصالحات وحقيقة هذا التفريق والتمييز يكشف عن حقيقة مفادها: كل صالحٍ لا يصدر منه الا الفعل الصالح ولا عكس, أي: ليس كل فعل صالح لا يصدر الا من صالح, فقد يكون الفعل صالحا صدر من غير صالح.

 والتفريق المزبور نجده جليا في آياته تعالى فنجد ابراهيم الخليل مع علو مقامه وجلالة قدره يقول{وألحقني بالصالحين} في حين نجد عندما يكون الكلام عن عموم الناس تقول الآية{الذين آمنوا وعملوا الصالحات} والأمر نفسه بالنسبة الى الصادقين والذين صدقوا فنرى الآيات تقول {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } و{ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا}, والمسألة هذه سيالة في كثير من الآيات والروايات فيلزم الالتفات إليها ليُؤمن الوقوع في الالتباس والخطأ.

 من هنا فإننا نعتقد أن الآيات والروايات التي تكلمت عن الكفر والشرك ونحو ذلك كان اللحاظ المأخوذ فيها هو إسناد الفعل لا التوصيف والتسمية.

 من بعد هذا البيان يحسن بنا الرجوع الى الطوائف الثلاث التي تكلمنا عنها في الابحاث القريبة الماضية لنقف عندها للمناقشة والملاحظة.

 الطائفة الأولى: وهي التي عبرت بلسان (أدنى ما يكون به العبد مشركا).

 لا يمكننا الجزم والقطع بأن كل ما ورد من لفظ الكفر والشرك في هذه الطائفة ملحوظ على نحو التسمية والتوصيف, فقد يكون كذلك, أي: لوحظ الكفر والشرك المخرجان عن الاسلام. وقد يكون الملحوظ هو إسناد الفعل وهو الذي يتعلق بالمراتب الأخرى للشرك والكفر التي لا تخرج عن الاسلام.

 والالتزام بأن كل ما ورد من الكفر والشرك في هذه الطائفة قد لوحظ فيه التسمية والتوصيف يوقعنا في محاذير لا يلتزم بها أحد من الفقهاء فلا أحد يستطيع القول بأن المرائي والمرتشي ومن قال لولا فلان لهلكت ونحو ذلك ممن جاء في الروايات كافر أو مشرك بالكفر والشرك المخرج عن الاسلام.

 من هنا نجد العلامة الطباطبائي عندما أتى الى هذه المسألة بينها بشكل واضح وصريح وذلك في المجلد الثاني ص202 في ذيل الآية{ولا تنكح المشركات حتى يؤمّن} يقول: (ومن المعلوم أنه ـ الشرك ـ ذو مراتب مختلفة بحسب الظهور والخفاء نظير الكفر والإيمان فالقول بتعدد الإله واتخاذ الأصنام والشفعاء شركٌ ظاهرٌ, وأخفى منه ما عليه أهل الكتاب من الكفر بالنبوة الى أن يقول: وأخفى منه القول باستقلال الأسباب والركون إليها وهو ايضا شرك - أي نظرية المفوضّة الذين قالوا أن الأسباب تحتاج الى الله حدوثاً لا بقاءًـ إلى أن ينتهي إلى ما لا ينجو منه إلا المخلَصون ـ أي حتى المخلصون يوجد عندهم نوع من الشرك ـ وهو الغفلة عن الله والالتفات إلى غير الله عزت ساحته فكل ذلك من الشرك )وهذا الذي كان يأنّ منه الأنبياء والأولياء, علما أن الذنب في هذه الموارد ليس هو الذنب الاصطلاحي بل هو الذنب الناشيء من الغفلة.

 وهذا المعنى نفسه جاء في كلمات السيد الخوئي في التنقيح المجلد الثالث ص61 يقول: (إن للشرك مراتب متعددة وهو غير مستلزم للكفر بجميع مراتبه, وإلا للزم الحكم بكفر المرائي في عبادته بطريقٍ أولى لأن شرك كما نطقت به الأخبار, بل هو أعظم من أن يقال للحصاة أنها نواة أو بالعكس, مع أنّا لا نقول بكفره لأن الشرك الموجب للكفر إنما هو خصوص الشرك في الأولوهية). وبهذا يتضح أن الطائفة الأولى من الروايات غير مفيدة لإثبات أن منكر الضرورة سبب مستقل للكفر.

 الطائفة الثانية: وهي التي عبر بلسان (من جحد الفرائض فهو كافر).

 ولابد من التمييز هنا بين الجحود والانكار الوارد في القرآن والروايات, فقد يستعمل الإنكار ويراد به الجحود وقد يستعمل ولا يراد به ذلك.

 فالفقيه الذي يقول بطهارة الكتابي وحلية بعض المسكرات مع فرض أنها محرمة واقعا فهو في الحقيقة منكر لها, الا أن ذلك لا يلزم منه الكفر, نعم, الجحود في هذا المورد مستلزم للكفر بدون شك.

 فالجحود كما يبينه الراغب هو: نفي ما في القلب إثباته وإثبات ما في القلب نفيه, أي: النفي بعد العلم بالثبوت, والإثبات بعد العلم بالانتفاء, وهو شامل للمسائل الضرورية والنظرية. علما أن الجحود ليس سببا مستقلا للكفر بل بما هو مؤدٍ الى إنكار التوحيد أو الرسالة؛ وبهذا يثبت أن من حصل له العلم بأن الرسول قد أوصى لعلي بالإمامة من بعده وجحد ذلك فهو خارج عن الدين لا لأن الجحود سبب مستقل لذلك, بل لأنه يؤول الى إنكار الرسالة المؤدي الى الكفر المخرج عن الدين.

 والآيات التي تحدثت عن هذه المسألة كثيرة, منها:

 أولا: قوله تعالى {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا}, أي: جحد الأمر بعد ثبوته له بالقطع واليقين.

 ثانياً: قوله تعالى {وأضله الله على علمٍ} أي: حصل له الضلال بعد ثبوت العلم, لا أن الضلال حصل من جهل أو غفلة أو شبهة.

 ثالثا: قوله تعالى {إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى }, علما أن المشاقة الحاصلة للرسول هنا لم تكن عن علم وتعمد, بل عن جهالة وعدم علم؛ لأن لو علم أنه من الرسول لما حصلت منه المشاقة.

 لذلك نجد أمير المؤمنين (ع) عندما وصف الخوارج قال: (من طلب الباطل فأصابه ليس كمن طلب الحق فأخطأه).

 فمعاوية الذي كان يعلم الحق وينكره من مصاديق (من طلب الباطل), أي: هو كافر خارج عن الاسلام بعد العلم بأحقية أمير المؤمنين, فهو مبطن للكفر مظهر للإسلام, لذا قال(ع) (قاتلكم على تنزيله وأقاتلكم على تأويله) فأمير المؤمنين(ع) لم يقاتله على التنزيل؛ لأنه يشهد الشهادتين, بل قاتله على التأويل.

 رابعا: قوله تعالى{إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى} و{أفأن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم}, والارتداد الموجود في الآيتين لم يكن عن جهل وضعف وعدم وصول الحجة, بل كان عن علم وحصول هدى.

  وبذلك يظهر أن روايات الطائفة الثانية لا تفيدنا في المقام كذلك وذلك:

 أولا: أن الاستدلال بها أعم من المدعى لأن المدعى كفر منكر الضرورة الا أن هذه الروايات تفيد بأن منكر الفرائض كافر سواء كانت من للضرورات أو النظريات.

 ثانيا: أنها مقيدة بالجحود دون الإنكار. من هنا حاول صاحب الجواهر أن يحمل الإنكار الموجود في الروايات الأخرى على الجحود.

 الطائفة الثالثة: وهي من أهم الطوائف التي أستدل بها في المقام والتي عبرت بلسان (من ارتكب كبيرةً وزعم أنها حلال) وهذه الطائفة من الروايات مبتنية على ركنين أساسيين هما:

 الأول: ارتكاب الكبيرة.

 الثاني: الزعم بأنها حلال.

 وهذا الركن ـ الثاني ـ يحتمل وجهين من الإنكار, الأول الاعتقاد بأنه حرام الا أن المخالفة تكون على مستوى التطبيق العملي بعدم الامتثال والعصيان, والثاني الاعتقاد بأن ارتكاب الكبيرة ليست بحرام أصلا, أي: أن الكبيرة جائزة ولا مانع من مخالفتها.

 والروايات في المقام قد عبرت عن المنكر بأنه خارج عن الاسلام, وهي كثيرة ومتعددة, منها:

 أولاً: ما ورد في وسائل الشيعة الجزء الأول ص33 : ( سألت أبا عبد الله الصادق عن الرجل يرتكب الكبيرة فيموت هل يخرجه ذلك من الإسلام وإن عذب كان عذابه كعذاب المشركين أم له مدةٌ وانقطاع فقال من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنها حلالٌ أخرجه ذلك من الإسلام وعذب أشد العذاب وإن كان معترفاً أنه ذنبٌ ومات عليها أخرجه من الإيمان ولم يخرجه من الإسلام).

 ثانياً: (عن مسعدة ابن صدقة فقيل له الإمام الصادق(ع), فقيل له أرأيت المرتكب للكبيرة يموت عليها أتخرجه من الإيمان وإن عذب بها فيكون عذابه كعذاب المشركين أو له انقطاع, قال: يخرج من الإسلام إذا زعم أنها حلال, ولذلك يعذب بأشد العذاب, وإن كان معترفاً بأنها كبيرة وأنها عليه حرامٌ وأنه يعذب عليها, وأنها غير حلال, فإنه معذب عليها وهو أهون عذاباً من الأول ويخرجه من الإيمان ولا يخرجه من الإسلام).

 وهذه الطائفة يوجد لها من المؤيدات الروائية كثير نحو روايات وجوب القتل لمن أفطر في شهر رمضان إن كان معتقداً بعدم وجوب الإثم, أما من أفطر وهو معتقد بوجود الحرمة فيعزر فإن لم يرجع قتل. والأمر نفسه بالنسبة لشارب الخمر وتارك الصلاة وبقية الكبائر.

 ثالثاً: ما ورد في الكافي المجلد الثاني عشر بحسب هذه الطبعة الحديثة ص678, يعني الحديث 12241 بعبارة أخرى هذه الطبعات المتعارفة فروع الكافي المجلد السادس ص398 الرواية هذه (عن أبي عبد الله الصادق(ع) قال: من شرب النبيذ على أنه حلالٌ خُلّد في النار ومن شربه على أنه حرام عُذّب في النار) طيب من الفرق بينهما؟ إشارة إلى هذه النكتة وهو أنه ينكر الحرام ويجعله حلالاً. هذا مورد.

 رابعاً: (سئل أبو جعفر(ع) عن رجل شهد عليه شهود أنه أفطر من شهر رمضان ثلاثة أيام قال يسأل هل عليك في إفطارك في شهر رمضان إثم فإن قال لا فإن على الإمام أن يقتله, وإن قال نعم فإن على الإمام أن ينهكه ضرباً) ويتضح من كلام الامام بقوله يسأل أن يريد تطبيق قاعدة: من ارتكب كبيرةً وزعم أنها حلال أخرجه من الإسلام.

 الا أن الملاحظ في روايات هذه الطائفة وجود إطلاق من جهتين:

 الأول: أن الكبيرة الموجودة في لسان هذه الروايات شاملة للضرورية والنظرية, وغير مختصة بالضرورية فقط.

 الثاني: ما أخذ في لسان الروايات في الكبيرة هو ما كان معلوم الجزئية من الدين وغير معلوم الجزئية.

 وبهذا يظهر أن روايات الطائفة الثالثة غير مفيدة لإثبات كفر منكر الضرورة, لأنها مطلقة من حيث الضروري والنظري وكذلك من حيث من علم بها ومن لم يعلم.

 ولنا أن نتساءل هنا هل يمكن الالتزام بجهتي الإطلاق الموجود في هذه النصوص أم لا؟ خصوصا إذا ما علمنا أن اللوازم التي تترتب على ذلك هي: أن الفقيه لو حكم بحلية أمر هو حرام في الواقع فهل يكون مشمولاً للكفر الثابت بإطلاق هذه الروايات أم لا؟

 فلو أن فقيها حكم بأن شرب هذا النوع من المسكر حلال وأفتى آخر بحرمته لأنه من الكبائر, فلا شك أن الذي أفتى بالجواز سوف يكون من مرتكبي الكبائر الخارج عن الاسلام بنظر من أفتى بالحرمة.

 من هنا صار الفقهاء بصدد البحث عن المخرج الذي يستطيعون به الخلاص من إطلاق هذه الروايات, ولو فرضنا أنها غير مفيدة للإطلاق فهل تنفعنا في المقام أم لا؟

 تفصيل ذلك في قادم الابحاث إنشاء الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo