< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

31/12/16

بسم الله الرحمن الرحیم

في إفادة الطوائف الروائية الثلاث لكفر منكر الضرورة وعدم ذلك ق3

 بينا في حديث الأمس الجوابين اللذين أفيدا للتخلص من الاطلاق الوارد في روايات الطائفة الثالثة, وأشرنا في ذلك الى أهم الملاحظات والمناقشات التي ترد على ذلك, ووصل بنا المقام الى:

  الجواب الثالث: ما أفاده المحقق الهمداني في مصباح الفقيه المجلد السابع ص266 بقوله : ( فنقول ما يمكن أن يستدل به للقول بالسببية أمور:

 منها: أن الاسلام عرفا وشرعا عبارة عن التدين بهذا الدين الخاص الذي يراد منه...

 ومنها: الأخبار الدالة على سببية إنكار حكم من الاحكام الشرعية للكفر. الى أن يقول: وصحيحة عبد الله بن سنان: عن الرجل يرتكب الكبيرة من الكبائر فيموت هل يخرجه ذلك من الإسلام الخ... الى أن يقول (ره) ويتوجه على الاستدلال بمثل الروايات أن استحلال الحرام أو عكسه موجب للكفر من غير فرق بين كونه ضروريا أو غيره, بل بعضها صريح في الاطلاق, وحيث لا يمكن الالتزام بإطلاقها يتعين حملها على إرادة ما إذا كان عالما بكون ما استحله حراما في الشريعة, فيكون نفي الإثم عن نفسه واستحلاله منافيا للتدين بهذا الدين, ومناقضا للتصديق بما جاء به سيد المرسلين, فيكون كافرا, سواء كان الحكم في حد ذاته ضروريا أم لم يكن.) ولم يذكر (قدس) النكتة التي بسببها لا يمكن الالتزام بالاطلاق بخلاف السيد الخوئي والسيد الحكيم اللذان بينا النكتة في ذلك كما أوضحنا في درس الأمس.

  نعم, قد يدعى وجود نكتة عدم التمسك بالاطلاق في كلامه وهذا ما يساعد عليه العرف ومناسبات الحكم والموضوع وهي قوله استحلال الحرام أو عكسه. الا أن الرواية تقول: من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنها حلال أخرجه ذلك من الاسلام. فالواضح منها أنها تتكلم عن الشق الأول فقط وهو استحلال الحرام.

 الا أن يدعى أن مناسبات الحكم والموضوع تفيد أن قوله استحلال الحرام أو عكسه هو من باب المثال لا الحصر.

 ولنا أن نذكر مرة أخرى أن المراد من الضروري ما كان واضحا ولا يحتاج الى إثباته أي تأمل وهذا المعنى يشير إليه السيد البجنوردي في القواعد الفقهية ص367 بقوله: (ما ثبت أنه من الدين ضرورة والمراد بثبوته من الدين أنه لا يحتاج إثبات أنه من الدين إلى نظر واستدلال, بل يعرف كونه من الدين كل أحد الا أن يكون جديد الاسلام بحيث لا علم ولا اطلاع له على أحكام الاسلام ولا عقائده الخ...).

 نعود الى الجواب الثالث الذي أفاده المحقق الهمداني فأنه يلتزم بوجود الاطلاق في الرواية وحيث أنه لا يمكن الالتزام به فذهب الى تقييدها بالعلم بخلاف السيد الحكيم والسيد الخوئي اللذان ذهبا لتقييدها إما بالضرورة وإما بالعلم لدوران الأمر بينهما فلذلك نجد السيد الحكيم في مستمسك العروة الوثقى ص379 يقول: (وأما النصوص فهي ما بين مشتمل على الجحود المحتمل الاختصاص بصورة العلم، و مطلق لا يمكن الأخذ بإطلاقه، لعمومه للضروري و غيره، و تخصيصه بالضروري ليس بأولى من تخصيصه بصورة العلم، بل لعل الثاني أولى بقرينة ما اشتمل منها على التعبير بالجحود المختص بالعلم)

 أما السيد الخوئي فيقول في التنقيح ص62: (فالأخذ بإطلاق الصحيحة غير ممكن فلا مناص من تقييدها بأحد أمرين: فإما أن نقيدها بالضروري بأن يكون ارتكاب الكبيرة موجبا للارتداد في خصوص ما إذا كان الحكم ضروريا, وأما أن نقيدها بالعلم بأن يقال أن ارتكاب الكبيرة مع البناء على حليتها مع العلم بأنها محرمة يوجب الكفر الى أن يقول: وحيث أن الرواية غير مقيدة بشيء, وترجيح احد التقييدين على الآخر من غير مرجح فلا محالة تصبح الرواية في حكم المجمل وتسقط عن الاعتبار).

 الا أن الفقيه الهمداني لا يقبل القول القائل بعدم وجود المرجح لأحد القيدين, بل أنه يذهب الى أن روايات الطائفة الثانية التي لسانها: من جحد فهو كافر مقيدة لروايات الطائفة الثالثة, فتحمل روايات الطائفة الثالثة على الثانية؛ لأنها ـ الثالثة ـ مطلقة لا يمكن الالتزام بها, فيكون النفي والانكار مختص بمن علم أنها من الشريعة وأنكرها, وهذا بدوره يؤدي الى إنكار الرسالة المؤدي الى الخروج عن الاسلام.

 وبهذا يتبين اختلاف هذا الجواب الذي يعتقده المحقق الهمداني عن الجواب الثاني الذي نسبه إليه بعض الاعلام.

 وتمامية ما أفاده المحقق الهمداني وعدمه يتوقف على بيان نكتة مفادها:

 أن لسان الطائفة الثالثة يقول من أرتكب الكبيرة وزعم أنها حلال فهو خارج عن الاسلام فنجد أن الخروج عن الاسلام مترتب على خصوصيتين هما:

 أولا: ارتكاب الكبيرة.

 ثانيا: الزعم بأنها حلال.

  والملاحظ أن كلام المحقق الهمداني إنما يتم حينما يمكن إلغاء الخصوصية الأولى؛ لأن كل ما أفيد من الاعلام أنهم رتبوا الخروج عن الاسلام على الخصوصية الثانية دون الالتفات الى الأولى, أي: لكي يتحقق الكفر هل لابد أن ترتكب الكبيرة التي تم إنكارها أم يكتفى بالإنكار فقط؟

 الواضح من كلام كل الاعلام أن الكفر إنما يترتب بمجرد الإنكار ولا يتوقف تحققه على الارتكاب, لكن الملاحظ في هذه النصوص هو أن توقف الخروج عن الاسلام على كلا الخوصيتين أي: بالإنكار الذي يتحقق بزعم حليتها وبالارتكاب للكبيرة.

 فلكي يصح كلام المحقق الهمداني لابد من إلغاء الخصوصية الأولى التي لم تؤخذ بنظر الاعتبار عند كل الفقهاء.

 وبهذا يتضح أن لسان الطائفة الثالثة غير مفيدٍ في المقام؛ لأن المدعى كفر من زعم أن الحلال حرام والحرام حلال والمستدل به من زعم وارتكب, فالمدعى شيء والمستدل به شيء آخر.

 الجواب الرابع: وهو ما نعتقده أن روايات الطائفة الثالثة لا إطلاق فيها؛ لأن الاطلاق إنما يتصور فيما إذا كان الامام في مقام بيان حال المنكر للضرورة, وفي المقام ليس كذلك؛ لأن الامام في مقام بيان حكمه في الدنيا والآخرة؛ فلذا نجده في بداية الرواية يقول: عن الرجل يرتكب الكبيرة وهذا شاهد واضح على أن المراد في الرواية هو إيضاح حكم المنكر للضرورة لا حاله لكي يبحث عن القيد في الرواية, من هنا نجد أن الاعلام يذهبون الى عدم الأخذ بالاطلاقات الواردة في الآيات القرآنية وذلك لأنها في مقام بيان الحكم لا الحال, أي في مقام بيان أصل التشريع لا في مقام بيان الشرائط والقيود.

 فلذا نجد الامام يقول: (عن الرجل يرتكب الكبيرة من الكبائر فيموت, فهل يخرجه ذلك من الإسلام وإن عذب كان عذابه كعذاب المشركين أم له مدة وانقطاع فقال: من ارتكب كبيرة من الكبائر وزعم أنها حلال أخرجه ذلك عن الاسلام وعذب أشد العذاب, وأن كان معترفا أنه أذنب ومات عليه أخرجه من الايمان ولم يخرجه من الاسلام وكان عذابه أهون من العذاب الأول...) فالواضح أن الامام في مقام بيان حكم منكر الكبيرة وليس في مقام بيان حاله.

 وبهذا يظهر أن الطائفة الثالثة غريبة عن المقام ولا يمكن الاستدلال بها.

 ومنه يتضح عدم تمامية استدلال المشهور بالطوائف الثلاث بالاضافة الى عدم تمامية الاجماع الذي تكلمنا عنه فيما سبق والذي يقول عنه السيد البجنوردي في القواعد الفقهية ص369: (وأما الإجماع الذي ادعوه في المقام فلا صغرى له ولا كبرى, أما الصغرى فلكثرة القائلين بالخلاف من الذين هم العظماء من وأما الكبرى فلأن إجماعهم ليس من الإجماع المصطلح - الإجماع التعبدي- الذي نقول بحجيته الذي كاشف قطعي عن رأي المعصوم لاحتمال أنهم بل المظنون اعتمادهم واتكائهم على مثل هذه الروايات.)

 من هنا يتبين أن إنكار الضرورة ليس سببا مستقلا للخروج عن الاسلام فضلا عن إنكار النظري. وهذا المعنى ذهب إليه جملة من الاعلام كالمقدس الاردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان الجزء الثالث ص199 حيث يقول: ( والظاهر أن المراد بالضروري الذي يكفر منكره : الذي ثبت عنده يقيناً كونه من الدين ولو كان بالبرهان ولم يكن مجمعاً عليه, إذ الظاهر دليل كفره هو إنكار الشريعة وإنكار صدق النبي(ص) في ذلك الأمر مع ثبوته يقينا عنده الخ...). من هنا فأن المؤمن والمعتقد بالدين المنكر لأحد ضروراته لعدم ثبوتها عنده لا يكون ذلك سببا مستقلا لكفره وخروجه عن الدين. وهذا يثبت لنا بطريق الأولوية عدم الكفر والخروج عن الاسلام لمنكر ضرورة المذهب ولعل هذا ظاهر من كلمات أعلامنا المعاصرين كالسيد الحكيم والسيد الخوئي والسيد الصدر وكذلك هذا المعنى نجده في كلمات السيد الخوانساري في حاشيته على اللمعة ص23-24 من الطبعة الحجرية يقول: (أو بعض ما علم بثبوته من الدين أي صدقه وحقيته فيشمل من كان كفره باعتبار إثبات ما علم من الدين ضرورة نفيه كركعة زائدة في أحد الصلوات إما يزيد وإما ينقص, إذا ثبت من الدين لا مطلقاً الخ...).

 بقي أن نشير الى مسألة مهمة مفادها: أن كل الكلام السابق كان يتعلق بمنكر الضرورة العملية ـ كالصلاة والصوم وغير ذلك ـ لا الاعتقادية, ولنا أن نتساءل حينئذٍ ما هو حكم منكر الضرورة العقدية؟

 بينا في ما سبق أن منكر الضرورة أذا كان مؤدٍ الى إنكار التوحيد والرسالة فهو خارج عن الدين بلا شك وريب.

 ونقول هنا: إن قلنا بأن إنكار الضرورة سبب مستقل للخروج عن الدين فسيكون منكر الضرورة العقدية كافر خارج عن الاسلام؛ لعدم الفرق بين الضرورة العملية والعقدية.

 أما إن قلنا أن إنكار الضرورة ليس سببا مستقلا للكفر والخروج عن الاسلام, فهل حال منكر الضرورة العقدية العالم بجزئيتها من الاسلام حال منكر الضرورة العملية التي كذلك, أم أن هناك تفصيل في المقام؟

 تفصيل ذلك يأتي في قادم الابحاث إنشاء الله

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo