< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

31/12/22

بسم الله الرحمن الرحیم

في الأصول المقومة للمذهب الشيعي

 بعد أن تحدثنا مفصلا فيما سبق من الابحاث عن الملاك الذي يتحقق به الاسلام, لابد لنا أن نتحدث في بيان الضابطة والملاك التي يتحقق بهما التشيع وذلك لما لهذه المسألة من ثمرات ونتائج مختلفة ومتعددة منها ما يكون على الصعيد الفقهي والآخر على الصعيد الكلامي.

  أما المسائل المتعلقة بالصعيد الفقهي, فهي:

  أولاً: الرأي الامامي القائل بأن غير الامامي محكوم بالنجاسة.

 ثانياً: الرأي الامامي القائل بعدم جواز إعطاء الحقوق الشرعية ( الخمس) الى غير الامامي وغير الموالي لأهل البيت(ع), أما ما يتعلق بالزكاة فله حكم آخر يبحث في مظانه.

 ولا يخفى أن مرادنا من الولاء هنا ما كان بالمعنى الأخص, أي: المعتقد بأحقيتهم بالخلافة والامامة لا الامامة بالمعنى الأعم التي يراد منها المحبة؛ لأن ذلك من ضروريات الدين ومنكرها خارج عن الاسلام.

 ثالثاً: ما يتعلق بمسألة النكاح حيث أن هناك بحث بين الاعلام في جواز وعدم جواز الزواج منهم أو التزويج لهم.

 رابعاً: فيما يتعلق بمسألة الذابح للهدي, حيث يشترط بعض الاعلام من المدرسة الامامية أن يكون الذابح للهدي شيعياً.

 أما المسائل المتعلقة بالصعيد الكلامي, فهي:

 أولاً: أن الامامي حاصل على الثواب ودخول الجنة بالوعد الإلهي بخلاف غير الامامي فهو حاصل عليهما بالتفضل والإحسان الإلهيين.

 ثانياً: أن شفاعة الائمة (ع) مختصة بشيعتهم, وغير شاملة لغيرهم وما دل على ذلك من الروايات كثير, فمنها: ما ورد في تفسير القمي(عن الإمام السجاد(ع) ويلك ما من أحدٍ من الأولين والآخرين إلا وهو محتاج إلى شفاعة محمد يوم القيامة ) فتحدث السيد الطباطبائي عن هذه الرواية مفصلاً في تفسير الميزان المجلد الاول ص178 مفيدا أن شفاعة النبي (ص) هل هي مختصة بأمته فقط أم أنها شاملة لجميع البشر؟ فمن الروايات ما اثبت عدم استغناء أحدٍ عن شفاعته (ص): ( إن لرسول الله الشفاعة في أمته ولنا شفاعة في شيعتنا) الا أن الذي يلاحظ على الرواية أن المراد من الشيعي الوارد فيها غير محدد ومعلوم من هو.

 وما ورد في هذا المعنى من الروايات كثير أشار إليه العلامة الطباطبائي في ص345 تحت عنوان شفاعة أهل البيت (ع).

 ثالثاً: ما أشار إليه السيد الخوئي بقوله: (و منها: ما يقابل الايمان و يحكم بطهارته و احترام دمه و ماله و عرضه كما يجوز مناكحته و توريثه إلا ان اللّٰه سبحانه يعامل معه معاملة الكفر في الآخرة و قد كنا سمينا هذه الطائفة في بعض أبحاثنا بمسلم الدنيا و كافر الآخرة), الا آننا فی الحقيقة لا نرى صحة ما ذهب اليه (ره) وذلك لأن عنوان الكفر والاسلام من العناوين المرتبطة بالدنيا فقط, أما الآخرة فلا يوجد فيها مثل هذه العناوين, بل أن الموجود فيها ثواب وعقاب فقط.

  هذه أهم المسائل التي تترتب على الدخول في دائرة التشيع أو المذهب الجعفري الاثني عشري.

 ولنا الآن أن نعود بالتساؤل الى المحور الرئيس لهذا البحث وهو: ما هي الأسس والضوابط التي على أساسها يمكن للإنسان الدخول في التشيع؟

 نقول أن الضابطة والملاك في تحقق التشيع هو الاعتقاد بما يلي:

 الأصل الاول: الاعتقاد والايمان بأن أئمة أهل البيت إثنا عشر إماما فقط دون زيادة أو نقيصة.

 الأصل الثاني: الاعتقاد بعصمة الائمة الاثني عشر(ع) مضافة الى الاعتقاد بعصمة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام.

 الأصل الثالث: الاعتقاد بوجود وحياة الامام الثاني عشر (ع) الآن الى أن يأذن الله له بالظهور.

 فهذه الأمور الثلاث هي المدار والملاك في الخروج وعدم الخروج عن مذهب أهل البيت (ع) وهي موضع وفاقٍ بين أعلام الطائفة.

 الا أن ما يجب الالفات إليه هنا هو: لو أن شخصا علم بثبوت أحد الاصول المزبورة من الرسول(ص) وأنكرها فهو حينئذٍ خارج عن الدين ومحكوم عليه بالكفر؛ لأنه كذب بذلك الرسول (ص) وأنكر رسالته.

 وتظهر ثمرة الإيمان بالأصول الثلاثة المزبورة فيما لو تم الإيمان بعصمتهم (ع) لا على نحو الاطلاق, أي: في الجملة, وذلك كما في:

 أولا: القول بأنهم معصومون في بيان الحلال والحرام فقط, أما العصمة في الموضوعات وعدم السهو وقبل تولي الامامة, فهي غير ثابتة.

 ثانياً: القول بأنهم لا يعلمون الغيب الا في الموارد التي يعلمهم الله إياها, فهم لا يعلمون بما كان ويكون وما هو كائن.

 ثالثاً: القول بعدم ثبوت الولاية التكوينية للائمة(ع) على حد ثبوتها للأنبياء السابقين (ع).

 رابعاً: القول بعدم ثبوت وساطة الفيض لهم (ع).

 فهل يا ترى إنكار مثل هذه الأمور مخرج للفرد عن المذهب أم لا؟

 نشير الى بعض الموراد في المقام التي يتبين من خلالها الجواب:

 الاول: ما ذكره صاحب البحار في المجلد الخامس والعشرين ص374 تحت عنوان باب نفي الغلو في النبي والائمة بقوله: (وأما التفويض فيطلق على معان بعضها منفي عنهم عليهم السلام وبعضها مثبت لهم، فالأول التفويض في الخلق والرزق والتربية والإماتة والإحياء، فإن قوما قالوا: إن الله تعالى خلقهم وفوض إليهم أمر الخلق فهم يخلقون ويرزقون ويميتون ويحيون، و هذا الكلام يحتمل وجهين: أحدهما أن يقال: إنهم يفعلون جميع ذلك بقدرتهم وإرادتهم وهم الفاعلون حقيقة، وهذا كفر صريح دلت على استحالته الأدلة العقلية والنقلية، ولا يستريب عاقل في كفر من قال به. وثانيهما: أن الله تعالى يفعل ذلك مقارنا لإرادتهم كشق القمر وإحياء الموتى وقلب العصا حية وغير ذلك من المعجزات، فإن جميع ذلك إنما تحصل بقدرته تعالى مقارنا لإرادتهم لظهور صدقهم، فلا يأبى العقل عن أن يكون الله تعالى خلقهم وأكملهم وألهمهم ما يصلح في نظام العالم، ثم خلق كل شئ مقارنا لإرادتهم ومشيتهم. وهذا وإن كان العقل لا يعارضه كفاحا لكن الأخبار السالفة تمنع من القول به فيما عدا المعجزات ظاهرا بل صراحا، مع أن القول به قول بما لا يعلم إذ لم يرد ذلك في الأخبار المعتبرة فيما نعلم). هذا هو رأيه رحمه الله في المسألة وهو في غاية الوضوح على أن حتى هذا القدر القليل غير ثابت لهم لعدم دلالة النصوص على ذلك.

 الثاني: ما أفاده الشيخ المفيد في أوائل المقالات ص21 بقوله: (إن الأئمة من آل محمد (ص) قد كانوا يعرفون ضمائر بعض العباد ويعرفون ما يكون قبل كونه، وليس ذلك بواجب في صفاتهم ولا شرطا في إمامتهم، وإنما أكرمهم الله تعالى به وأعلمهم إياه للطف في طاعتهم و التمسك بإمامتهم، وليس ذلك بواجب عقلا ولكنه وجب لهم من جهة السماع. فأما إطلاق القول عليهم بأنهم يعلمون الغيب فهو منكر بين الفساد ، لأن الوصف بذلك إنما يستحقه من علم الأشياء بنفسه لا بعلم مستفاد، وهذا لا يكون إلا لله - عز وجل - ، وعلى قولي هذا جماعة أهل الإمامة إلا من شذ عنهم من المفوضة ومن انتمى إليهم من الغلاة).

 وهو واضح المراد أيضا حيث أنه عبر بأن الائمة يعلمون بعض ضمائر العباد لا كلها, ثم بعد ذلك يصرح أن هذا العلم ليس بواجب في صفاتهم ولا شرطا في إمامتهم, فهل يا ترى أن منكر ذلك بناء على ما أفاده المجلسي والمفيد يكون خارجا عن المذهب!! مع العلم أن الشيخ المفيد من المؤسسين لأصول مذهبنا.

 ثم انه رحمه الله ينعت القول القائل بعلم الغيب لهم أنه واضح الفساد ولا يقول به الا المفوضة والغلاة.

 الا أنني في الحقيقة لا أرى ما يراه الشيخ المفيد رحمه الله؛ لأنني أعتقد أنهم يعلمون ما كان ويكون وما هو كائن وقد أوضحت ذلك مفصلا في كتاب علم الامام مستدلا عليه بالأدلة التالية:

 الاول: أن القرآن فيه تبيان كل شيء, والثابت أنهم (ع) قرناء له لا يفارقونه ولا يفارقهم, واللازم لذلك أنهم يعلمون كل شيء؛ لأن القول بخلاف ذلك يلزم منه مفارقة القرآن لهم وهو مما لم يقل به أحد.

 الثاني: أنهم ورثة الرسول (ص) والرسول كما هو الثابت يعلم ما كان ويكون وما هو كائن فالأئمة مثله؛ لأن ما ثبت للموروث ثابت للوارث.

 الثالث: الأدلة الخاصة وهي الروايات الواردة عنهم (ع) ومن أهمها:

 أولا: ما ورد عن الرسول (ص) حيث يقول: (عن الباقر (ع) قال: قال: رسول الله ما من أرض مخصبةٍ ولا مجدبةٍ ولا فئة تضل مئة وتهدي مئة إلا أنا أعلمها, وقد علمتها أهل بيتي يعلم كبيرهم صغيرهم إلى أن تقوم الساعة).

 ثانياً: ما ورد عن أمير المؤمنين (ع) حيث قال: (لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت ولكن أخاف أن تكفروا فيّ برسول الله والذي بعثه بالحق واصطفاه على الخلق ما أنطق إلا صادقا وقد عهد إليّ ذلك كله وبمهلك ومنجى من ينجو وما أبقى شيئاً يمر على رأسي إلا أفرغه في أذني وأفضى به إليّ) وكذلك قوله (ع) (فاسألوني قبل أن تفقدوني. فو الذي نفسي بيده لا تسألوني عن شئ فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة إلا أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها ، ومناخ ركابها ومحط رحالها ، ومن يقتل من أهلها قتلا ، ويموت منهم موتا. ولو قد فقدتموني ونزلت بكم كرائه الأمور وحوازب الخطوب لأطرق كثير من السائلين وفشل كثير من المسؤولين).

 ثالثا: ما ورد عن الامام الصادق (ع) حيث قال: (يا مفضل من زعم أن الإمام من آل محمد(ص) يعزب عنه شيء من الأمر المحتوم فقد كفر بما نزل على محمدٍ(ص) ـ والمراد بالكفر هنا ليس المخرج عن الاسلام, بل مرتبة أخرى من مراتبه ـ وإنا لنشهد أعمالكم ـ والشهادة على الأعمال هنا هو بدليل قوله تعالى: {وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} ولاشك أن الرؤية الإلهية هنا هي بمعنى العلم الكامل والإحاطة الوجودية الشاملة ـ ولا يخفى علينا شيء من أمركم الى أن يقول والله لقد أعطينا علم الأولين والآخرين... ثم قال: علم النبي جميع علم النبيين وعلم ما كان وعلم ما هو كائن إلى يوم القيامة).

 ولي أن أشير الى أنني قد جمعت الكثير من الروايات الواردة في موضوع علم الامام التي تتكلم عن أبواب عدة من أهمها:

 أنهم (ع) محيطون بعلم السماوات والأرض ولا يحجب عنهم شيء من ذلك.

 أنهم (ع) قد أعطوا علم ما كان وما يكون وما هو كائن الى يوم القيامة.

 أنهم (ع) حائزون على الكتب التي فيها أسماء الملوك الذين يملكون.

 أنهم (ع) يملكون كتاباً فيه أسماء شيعتهم وأسماء آبائهم.

 أنهم (ع) يملكون صحيفةً فيها أسماء أهل الجنة والنار.

 أنهم (ع) يعرفون ما في الضمير وحديث النفوس.

 أنهم (ع) يخبرون شيعتهم بأفعالهم وأفعال غيرهم.

 أنهم (ع) يعرفون القادم على أبوابهم قبل الاستئذان.

 وغير ذلك الكثير, من هنا فأنني لا أقبل بما يراه الشيخ المفيد, الا أن ذلك لا يلازم خروجي أو خروجه من المذهب كما أوضحنا.

 ولا يخفى أن مثل هذه المسائل تعد من كمال الايمان ـ فالإيمان له مراتب متعدد عندما يؤمن بها الفرد يكون قد بلغ بذلك كمال الايمان ـ لا من أصوله.

 الا أننا نريد أن نتساءل هنا: هل أن الايمان والاعتقاد بتنصيب الرسول لعلي بالخلافة وعدمه له دخل في دخول الانسان وخروجه عن المذهب أم لا؟

 والصحيح في الجواب هو: أن ذلك مبتنٍ على أن الاعتقاد بالتنصيب هل هو أصل من أصول التشيع والمذهب أم لا, فإن كان من الأصول التي يتقوم بها التشيع فيكون حينئذٍ منكرها خارج عن المذهب سواء في ذلك العالم و الجاهل أو القاصر والمقصر.

 أما إذا لم يكن من الأصول المقومة للمذهب فلا يعد منكر ذلك خارج عن التشيع والمذهب.

 والمسألة هذه ترتبط بالمباحث الفقهية ارتباطا وثيقا, بل هي من صميم المسائل الفقهية وإن كان الظاهر منها هو البعد الكلامي, فمن أبرز ما يترتب عليها من المباحث الفقهية هو: فيما لو أتى شخص محتاج ومستحق للخمس وكان لا يؤمن بخلافة أمير المؤمنين(ع) أو كان شاكاً بها, فهل يا ترى يجوز إعطاءه من ذلك الحق أم لا؟!

 للكلام تتمة.

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo