< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

31/12/23

بسم الله الرحمن الرحیم

فيما يتحقق به الخروج عن المذهب الامامي

 تكلمنا في حديث الأمس عن مسألة إنكار خلافة أمير المؤمنين(ع) وقلنا هل أن منكرها خارج عن المذهب أم لا؟ بل هل هو خارج عن الدين أم لا؟

 ويمكن أن يكون هناك صورتين للجواب:

 الأولى: قول يرى أن هذه المسألة كانت من ضرورات الدين, وهذا ما اشرنا إليه في سابق الابحاث وقلنا أن المسألة محل خلاف في ذلك.

 الثانية: يذهب أصحاب هذا الاتجاه الى أن المسألة المذكورة كانت من ضرورات الدين في صدر الاسلام ولمن كان قريب ومحيط برسول الله(ص)؛ لأن النبي قد بين هذه المسألة بصورة ينعدم فيها الشك بحصول اليقين وهذا ما أشرنا إليه فيما سبق من الابحاث حيث قلنا هناك أن هذه المسألة ضرورة من ضرورات الدين حدوثا لا بقاءً؛ لأن المسألة واضحة تفيد اليقين بالنسبة الى المحيطين به (ص), بخلاف الأجيال المتأخرة عنه؛ وذلك لحصول التحريف والتزييف من قبل الحكومات المناهضة لآل البيت (ع) وهذا المعنى قد أشار إليه السيد الخميني (ره) في كتاب الطهارة المجلد الثالث ص329 بقوله: (و يمكن أن يقال: إن أصل الإمامة كان في الصدر الأول من ضروريات الإسلام، و الطبقة الأولى المنكرين لامامة المولى أمير المؤمنين صلوات اللّٰه و سلامه عليه و لنص رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله على خلافته و وزارته كانوا منكرين للضروري من غير شبهة مقبولة من نوعهم...).

 ولنا ان نتساءل حينئذٍ هل من أنكر الضرورة حينئذٍ كافر خارج عن الاسلام أم لا؟

 في مقام الجواب نقول: أن المسألة مبتنية على أن إنكار الضروري هل هو سبب مستقل للكفر والخروج عن الدين أم لا, فإن قلنا بالأول حكم على هؤلاء بالكفر والخروج عن الدين وإن قلنا بالثاني فحينئذٍ نتساءل هل أن إنكارهم يؤدي الى إنكار رسالة الرسول أم لا فإن كان الاول فهم دون شكل كفار خارجون الدين وعلى الثاني لا يحكم عليهم بذلك.

 الا أننا ينبغي أن نلفت النظر الى مسألة مهمة في المقام تتعلق بالصورة الأولى مفادها: أن الانكار قد يكون من قبيل: أن الشخص يقر ويعترف بأن الخلافة لعلي قد ثبتت عن طريق الرسول(ص) الا أنه لا يؤمن بذلك ومثل هذا كفره وعدم كفره مبتنٍ على أن إنكار الامامة هل هو سبب مستقل للخروج عن الاسلام أم لا وهذا ما تم تفصيل في سابق, وأخرى أن الفرد يقر ويعترف بأن أمير المؤمنين(ع) هو الأحق بالخلافة والامامة بعد الرسول(ص) وغير منكر لذلك, الا أن النفس الأمارة بالسوء قد رادوته وزاولته فدفعت به الى غصب ذلك الحق وإقصاء من هم أحق به, فهل يصدق على مثل هذا أنه منكر للضرورة وهل إنكاره مخرج عن الدين أم لا؟ اتجاهان في المقام:

 الاول: يذهب الى أن غصب الخلافة كاشف عن عدم الإيمان برسول الله (ص) وهذا يكشف بدوره عن نفاق هذه الزمرة الغاصبة.

 الثاني: أن غصب الخلافة لا يكشف عن عدم الإيمان, وإنما يكشف عن حب الجاه والمقام والفسق والفجور الذي عليه هؤلاء. وهذا من قبيل قوله (ص): ( يا علي لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق) والحديث متفق عليه عند كل المسلمين عدا الأمويين, فهنا لو وجدنا شخصا يبغض عليا (ع) فلا شك ولا ريب في نفاقه وعدم إيمانه.

 ولنا حينئذٍ أن نتساءل: أن غصب الخلافة هل فيه كشف إنيٌ على عدم إيمان هؤلاء أم لا؟ رأيان في المسألة:

 الاول: أن الغصب كاشف إني على أن الغاصبين منافقون, وأنهم لم يؤمنوا بالرسول (ص) ويشهد على ذلك: حرق الباب, وإقصاء علي وإرادة إذلاله, فهذه الأمور كلها تكشف عن عدم إيمان هؤلاء بالرسول.

 الثاني: أن الغصب لا يكشف إناً عن نفاقهم, والثابت فقط هو فسقهم وعصيانهم وأنهم في الدرك الأسفل من النار.

 ففي كتاب فقه الشيعة يقول السيد الخوئي (ره): (وأما لو أريد من الخوارج مطلق من خرج على الامام (ع) طمعاً للرئاسة ـ والكلام يشمل حتى الذين خرجوا على علي بالحرب ـ و الوصول إلى الأغراض الدنيويّة من المال و الجاه، مع الاعتقاد بإمامته، و الاعتراف بسيادته- كما في خروج الحر على الحسين عليه السّلام- فيشكل اندراجه في عنوان الناصب، إذ المراد بالنصب نصب العداوة و البغضاء، و هذا ليس من مصاديقه. و من هنا يحكم بإسلام الأوّلين الغاصبين لحق أمير المؤمنين عليه السّلام إسلاما ظاهريا لعدم نصبهم- ظاهرا- عداوة أهل البيت، و إنما نازعوهم في تحصيل المقام، و الرئاسة العامة، مع الاعتراف بما لهم من الشأن و المنزلة، و هذا و إن كان أشد من الكفر و الإلحاد حقيقة إلّا أنه لا ينافي الإسلام الظاهري، و لا يوجب النجاسة المصطلحة). وكلامه (ره) واضح في أن غصبهم الخلافة غير کاشف عن ثبوت نفاقهم. وعدم ثبوت نفاقهم لا يدل بالملازمة على ثبوت إيمانهم كما لا يخفى.

 أما الرأي الاول والذي يذهب الى أن غصب الخلافة كاشف عن النفاق وهو رأي كثير من الفقهاء والذي يشير إليه السيد القمي في مباني منهاج الصالحين بعد أن يذكر رأي السيد الخوئي بقوله: (فانا نسأل من سيدنا الاستاد اي عداوة أعظم من الهجوم إلى دار الصديقة و احراق بابها و ضرب الطاهرة الزكية و اسقاط ما في بطنها و هتك حرمة مولى الثقلين و أخذه كالأسير المأخوذ من الترك و الديلم و سوقه إلى المسجد لأخذ البيعة منه جبرا و تهديده بالقتل و انكار كونه أخا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله.). وهذا الرأي صريح في أن من غصب الخلافة من المنافقين.

 والظاهر من كلمات الشيخ المفيد أنه يوافق الرأي الذي يذهب إليه السيد الخوئي وذلك كما نرى في المسائل العكبرية في جوابه عن زواج أم كلثوم من عمر بن الخطاب يقول: (إن المناكح على ظاهر الاسلام دون حقائق الإيمان. والرجل المذكور ، وإن كان بجحده النص ودفعه الحق قد خرج عن الإيمان، فلم يخرج عن الاسلام لإقراره بالله ورسوله صلى الله عليه وآله واعترافه بالصلاة والصيام والزكاة والحج. وإذا كان مسلما بما ذكرناه جازت مناكحته من حكم الشريعة. وليس يمتنع كراهة مناكحة من يجوز مناكحته ، للاجماع علي جواز مناكحة الفاسقين من أهل القبلة لفسقهم), فلو كان يعتقد بنفاقهم لعبر بقوله وإذا كان كافرا, الا انه لم يعبر بذلك, بل قال وإذا كان مسلماً.

 أما ما يتعلق بالصورة الثانية: أي حينما تحولت مسألة الامامة والخلافة من ضرورة دينية في عهد الرسول الى ضرورة مذهبية في عصرنا الحاضر بسبب التحريف والتزييف الذي حصل من الحكام الغاصبين والإعلام الموجه لقلب الحقائق, فهل إنكار الضرورة المذهبية حينئذٍ مخرج عن المذهب أم لا؟

 نقول في مقام الجواب لابد أن ننقح أن الاعتقاد بالإمامة السياسية هل هو من المقومات للمذهب بحيث يعد منكرها خارج عنه, أم لا. فإن ثبت أنه من مقومات المذهب فالمنكر لها يكون خارج عن المذهب دون شك, وإن لم يثبت ذلك فلا يعد منكرها خارج عن المذهب.

 والأمر نفسه بالنسبة الى الرجعة, فلو قال قائل بأنها من ضرورات المذهب فهل يكون منكرها حينئذٍ خارج عن المذهب أم لا؟

 نقول إن كانت الرجعة من مقومات المذهب فلا شك أن منكرها خارج عن المذهب, أما إذا قلنا أنها ليس كذلك فلا يكون منكرها خارج عن المذهب رغم كونها من ضرورات المذهب.

 ولنا هنا أن نشير الى نكتة مفادها : أننا قلنا فيما سبق أن الضرورة أمر نسبي يختلف أمر الاعتقاد بها من زمانٍ الى آخر فقد تكون في زمانٍ ما ضرورة, وقد تكون في آخر ليس كذلك, فالمنكر لها على أنها ليست من الضرورات المذهبية كمن يعتقد بعدم ضرورة السجود على التربة أو عدم الإيمان والاعتقاد بحياة الامام الثاني عشر, يحكم عليه بالخروج عن المذهب فيما لو كان الذي تم إنكاره من مقومات المذهب, ولا يحكم عليه بالخروج عنه فيما لو كان الذي تم إنكاره ليس بضروريٍ, أو ضروريٌ الا انه غير مقوم للمذهب.

 هذا تمام الكلام في منكر الضروري.

 ولنا أن نذكر أن المبحث القادم والذي سنشرع به بعد التعطيلات أنشاء الله مرتبط بملكية الامام (ع) للخمس وسوف نتطرق في ذلك الى معنى ملكية الخمس الحاصلة لهم (ع) وكيفية انسجامهما مع ملكهم لعالم الامكان بالاضافة الى تفاصيل أخرى...

 أما الآن ونزولا لما طلب بعض الأخوة مني فلي أن أشير الى بعض الملاحظات التي تتعلق بالتبليغ, وهي:

 الملاحظة الأولى: نصيحتي لكل أبنائي وأخوتي المبلغين أن يستغنوا قدر الامكان عن أخذ الأجرة على التبليغ, أما مع الاضطرار فلا بأس بذلك شريطة إن يكون دون معاملة؛ لأن ذلك مما يترتب عليه الأثر الكبير على النفس والمجتمع والأخلاق, وهذا ما تدلل عليه الكثير من الآيات من قبيل قوله تعالى: {قل ما أسألكم عليه من أجر} والمقصود بالأجر هنا هو المادي بكل تأكيد؛ لأن الأجر المعنوي محفوظ عند الله بلا شك, فنراه يقول {وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين} علما أن قوله تعالى {وما أسألكم عليه من أجر} قد تكرر لمرات عديدة في القرآن الكريم على لسان الانبياء وذلك يكشف أن المصلحين يكونون أكثر تأثيرا في الواقع عند عدم تعاطيهم للمال في ذلك؛ لان تعاطي المال على تبليغ الرسالات أو الإصلاح يبعث في النفوس النفور والابتعاد عنها وعن الداعين لها.

 والنقطة الأخرى المهمة في المقام هي أن لا يكون الداعي لشيءٍ غير ملتزم بأداءه؛ فأن ذلك يبعث على عدم التأثير في المجتمع, فلا بد أن يكون الداعي للصدق صادقا والداعي للشجاعة شجاعا وإلا لما أمكن التأثير؛ لأن الدعوة للعمل بالفعل خير من الدعوة له بالقول.

 و لا ينبغي الإغفال عن التوكل على الله في كل عمل يراد الدعوة إليه فإن ذلك هو المفتاح الرئيس للتوفيق والهداية.

 الملاحظة الثانية: لابد من التركيز على الجانب العقائدي لأننا نرى في هذه الأيام أن المعركة مع الخصوم قائمة على هذا الجانب فأننا نرى وعلى وجه الخصوص أن المنهج الأموي والتيمي يسعى جاهدا الى تفريغ الواقع الشيعي من بعده العقائدي وذلك بشتى طرق التحريف والتزييف وإلقاء الشبهات؛ لأنهم يعلمون بأن ذلك سوف يحقق لهم سقوط الكثير من الشعائر الملازمة في وجودها على البعد العقدي, من هنا ينبغي على المبلغ أن يتوجه الى الأمور التالية:

 أولا: أن يكون الطرح منسجما مع فهم العامة من الناس, ولا ينبغي طرح المسائل التي ترتبط بالمباحث الفلسفية أو العرفانية أو العقائدية العالية التي يصعب على المتلقي فهمها وتعقلها, بل لا بد من مراعاة استعداد المتلقي على الصعيد الذهني والعقلي كمراعاة إمام الجماعة لأضعف المأمومين, وهذا الأمر قد عرضت في كتاب علم ص457 فذكرت القواعد العامة التي ينبغي مراعاتها بالنسبة للمتكلم, علما أن هذه القواعد مأخوذة من الائمة(ع) فنرى أمير المؤمنين(ع) يقول: (أتحبون أن يُكذَب الله ورسوله حدثوا الناس بما يعرفون وأمسكوا عما ينكرون, لماذا تحملوهم ما لا يطيقون ومن كسر مؤمناً فعليه جبر), أي لابد من الامساك عما هو غير مفهوم بالنسبة لهم.

 وكذلك ورد عن إمامنا الصادق (ع): (رحم الله عبداً استجر مودة الناس إلى نفسه وإلينا بأن يظهر لهم ما يعرفون ويكف عنهم ما ينكرون). وكذلك ((لا تحدث الناس بما لا يعرفون).

 ومما ورد عنهم (ع) أيضا (ليس هذا الأمر ـ أمر الولاية ـ معرفته وولايته فقط حتى تستره عمّن ليس من أهله وبحسبكم أن تقولوا ما قلنا وتصمتوا عما صمتنا فإنكم إذا قلتم ما نقول وسلّمتم لنا فيما سكتنا عنه فقد آمنتم بمثل ما آمنا به), وكذلك ورد عنهم (خالطوا الناس بما يعرفون ودعوهم عمّا ينكرون ولا تحملوهم على أنفسكم وعلينا إن أمرنا صعب مستصعب) وهذا هو معنى قوله (ع) أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم.

 والملاحظة الأخرى التي ينبغي الالتفات إليها هي: أن الرسالة التي تُوجه الى المخالف لابد أن يراعى فيها إمكان إثباتها, أما الأمور التي يصعب فيها تحصيل ذلك فلا ينبغي طرحها لأنها ستكون ذات مردود سلبي على السامع.

 وكذلك لابد للخطيب أن يكون دقيقا في النقل؛ لأن عدم ذلك سوف يوجد المسوغ للأعداء لرمي المذهب بشتى النعوت والاتهمامات.

 ولنا أن نختم حديثنا بكلام يخص المقام للمحقق الطوسي حيث يقول: (على المتكلم أن يراعي أصلين: أن يتكلم بما يفهمه العامة وأن لا يعترض عليه الخاصة), أي أن لا يأتي بكلام مؤثر في استدرار عواطف العامة الا أنه يكون موردا لاعتراض الخاصة.

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo