< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/01/20

بسم الله الرحمن الرحیم

خصائص آية الخمس

 بعد أن أتممنا الكلام المتعلق ببحث الضروري ومنكره نشرع اليوم في مبحث فريضة الخمس التي تعتبر من أهم الفرائض المالية, علما أن ما يترتب على هذه الفريضة من الآثار والنتائج المهمة كثيرٌ, من ابرزها: أن هذه الفريضة تعتبر المنبع الوحيد لإدارة المؤسسات الدينية ( الحوزة العلمية), ولا يوجد هناك منبع آخر غيرها, وهي من أعطت الاستقلالية الكاملة لتلك المؤسسة على مر التاريخ, فلم يكن قوام الحوزة قائما على شيءٍ غير الخمس.

 فلو استقرأنا المؤسسة الدينية عند المذهب الامامي لوجدناها مستقلة غير مرتبطة بالدولة أو مؤسساتها, وهذا ما يجعلها غير متأثرة بالواقع السياسي الذي تراه الدولة الحاكمة حينها, بخلاف ذلك في المذاهب الأخرى فأننا نرى المؤسسة الدينية تابعة وخاضعة الى الدولة الحاكمة حينئذٍ ومتأثرة بسياساتها.

 ولابد لنا في هذه الفريضة أن نتعرض لمباحث عدة, أهمها:

الأول:

لا يخفى أن هذه الفريضة أصلها قرآني لا روائي, علما أن كون الشيء له أصل قرآني يجعله من المسائل المسلمة التي لا غبار عليها, وغير مثارٍ لكثير من الشبهات التي يتشدق بها الآخرون من الفريق الآخر, حيث أننا نرى في هذه الآيام أن البعض من الفريق الآخر يحاول التشكيك والتضعيف في كثير من المعارف؛ متمسكين بدعوى عدم وجود الأصل القرآني لها, وهذا ما جعل البعض يثير مثل هذه الأمور في مسألة الامامة؛ لأنهم يرون أن الامامة لا أصل قرآني لها, وقد عرفوا أن القدسية التي يتمتع بها القرآن لا يوجد مثلها في الروايات, فالشيء الذي لم يرد له أصل في القرآن يكون من الصعب إثباته حتى لو كان واردا في الروايات.

 ونرى كذلك في أيامنا هذه أن البعض بدأ يشن حملاتٍ بغيضة مسمومة على فريضة الخمس سعيا منهم الى التشكيك ومحاولة زلزلة الأركان التي تقوم عليها هذه الفريضة؛ لعلمهم بأن هذه الفريضة هي المقوم والمغذي الرئيسي للحوزة العلمية وثبات مدرسة أهل البيت وانتشار آثاره.

 ولم تكن محاولات التشكيك وإثارة الشبهات متوقفة عند ذلك فحسب, بل نجد الأمر قد تجاوز ذلك الى القضايا المرتبطة بالشعائر الحسينية أيضاً. من هنا يلزم المبلغ أن يكون متسلحا بالسلاح الذي يتم فيه صد هجمات الأعداء ورد كيدهم.

 أما الأصل القرآني لفريضة الخمس فهو: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

}, وقبل الدخول في تفاصيل هذه الآية وبيان الخصائص التي تتمتع بها لابد من الإشارة الى بعض النكات التي تحتويها الآية, ومن أبرزها:

 أولا: أن هذه الآية هي الوحيدة من بين آيات الاحكام الموجودة في القرآن التي عبرت بـ {وَاعْلَمُوا

}, أي أن هناك أمر بتحصيل العلم فيما يتعلق بهذه الفريضة, وهذا مما لا نجده في بقية آيات الاحكام, نعم يمكن أن يكون ذلك حاصل في الآيات المرتبطة بالعقائد أو مسائل التوحيد والايمان كآيات {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} المتعلقة بمسألة التوحيد و{وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} المتعلقة بمسألة المعاد و{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} المتعلقة بمسألة العلم الإلهي.

 ثانياً: نعلم جميعا بان كل ما في عالم الامكان هو ملك لله سبحانه تعالى, الا أننا نرى أنه سبحانه ينسب ملكية تلك الأموال التي تحصل من تلك الفريضة الى نفسه فيقول: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}, وهذا ما لم يحصل في بقية الفرائض, ففي الزكاة مثلا نراه يقول جل شأنه {يؤتون الزكاة

} و{آتوا الزكاة

} ولم ينسب ما يتحصل من ذلك من أموال الى نفسه. وهذا يكشف الأهمية الكبرى لتلك الفريضة فكونها منسوبة إليه تعالى يجعل من العقاب المترتب عليها بالعصيان وعدم الامتثال أشد وآكد من غيره.

 ثالثاً:

أن قوله تعالى في ذيل آية الخمس {إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا

} يكشف الأهمية والعظمة الكبيرتين لهذه الفريضة حيث أن التعليل المذكور لم يذكر الا لموارد خاصة لها الأهمية العليا من قبيل {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم, فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر

}, أي: أن من أهم تجليات الإيمان بالله هو طاعة الله والرسول وأولي الأمر في هذه الآية, أما في آية الخمس فيتجلى الإيمان بالامتثال والإطاعة المتعلقة بهذه الفريضة المهمة.

  من هنا فينبغي الالفات الى بعض النكات المتعلقة بالآية والتي أفادها بعض المفسرين حيث أنهم قد بينوا أن الخصائص التي تتمتع بها آية الخمس تجعل منها غير مقيدة بزمان ومكان محددين, بل تكون شاملة لكل زمان ومكان, أي: أن لسانها مثبت للنحو الاول من أنحاء التشريع الذي هو جزء من الشريعة, لهذا فأننا نجد السيد الطباطبائي حينما يأتي الى هذا المعنى في الميزان الجزء التاسع ص91 يقول: ( وظاهر الآية أنها مشتملة على تشريع مؤبد كما هو ظاهر التشريعات القرآنية، وأن الحكم متعلق بما يسمى غنما وغنيمة سواء كان غنيمة حربية مأخوذة من الكفار أو غيرها مما يطلق عليه الغنيمة لغة كأرباح المكاسب والغوص والملاحة والمستخرج من الكنوز والمعادن، وإن كان مورد نزول الآية هو غنيمة الحرب فليس للمورد أن يخصص.) فالنحو الاول من أنحاء تشريع الخمس ثابت لا يتغير كما يرى رحمه الله.

 علما أننا نتكلم هنا عن ثبوت أصل وجوب الخمس لا عن موارده, فينبغي التفريق في ذلك لكي لا يقع الخلط بينهما.

 أما ما يتعلق بالآية من خصائص فهي:

 الأولى:

أن الآية الكريمة قد عرضت الى بيان الموارد التي يتعلق بها الخمس ولم ترجئ البيان في ذلك الى الرسول (ص) أو الائمة (ع), بل تصدت لذلك بنفسها فبينت أن الخمس واجب في الغنيمة. وحينئذٍ ينبغي علينا أن نرجع الى الآيات والروايات والعرف العام والخاص الشرعي منه والمتشرعي لنعرف تفصيلا معنى الغنيمة وما هو المراد من مصاديقها.

 والأمر خلافه في فريضة الزكاة حيث أن الشارع بين أن الزكاة واجبة في المال, أما بيان مصاديق المال وتفاصيله فقد أوكل الى النبي (ص).

 من هنا فأننا نعتقد أن مصاديق المال الذي يجب فيه الزكاة قد يتغير من زمان الى آخر فقد تكون مصاديقه في زمن الرسول شيء وفي زمن الامام الصادق والهادي وزماننا الحاضر شيء آخر, وهذا من قبيل مسألة وجوب النفقة فأن مصاديقها قد تتغير من زمانٍ الى آخر بحسب الزمان والمكان, أي: خاضعة في ذلك الى البيئة والأعراف الاجتماعية.

الثانية:

أن الآية الكريمة قد بيت لنا مالك الخمس فقالت {أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى

}, والملاحظ أن اللام قد تكررت في موارد ثلاث هي الله والرسول وذي القربى وليس كذلك في اليتامى والمساكين وأبن السبيل, وهذا يكشف عن وجود نكتة رئيسة في ذلك, لا أنه حصل صدفة وجزافا, وهذا يجعلنا نبحث عن السر في ذلك ولماذا تكررت اللام في بعض الموارد دون بعضها الآخر.

 ومما ينبغي الالفات إليه أن المسألة في المقام ليست أقل أهمية في البحث من المسائل الأخرى ك (تنقض اليقين بالشك) و(رفع عن أمتي ما لا يعلمون) وغيرهما من المسائل التي يستغرق فيها الاعلام كثير من الوقت ربما يصل أحيانا الى 6 سنوات أو أكثر.

 من هنا فلابد لنا من تفصيل الكلام في هذه المسألة لنرى: أن هذه اللام هل هي لام الملكية أم الحق أم الاختصاص؟ ولو كانت للملكية, فهل هي ثابتة للحق سبحانه بنحو الملكية الاعتبارية أم الحقيقية, والأمر نفسه بالنسبة للرسول(ص), كما لابد لنا أن نبين المصداق الحقيقي لذوي القربى وما المراد منه, وهل أنه قد استعمل في القرآن بمعنى واحد أم بمعانٍ متعددة كما في لفظ أهل البيت فأننا نراه قد استعمل في القرآن باستعمالات متعددة فتارة يكون بمعنى ذرية الانسان وأخرى يكون بمعنى زوجات الرسول كما في قوله تعالى{قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب, قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد

}, وثالثة قد استخدم وأريد منه مجموعة خاصة كما في آية التطهير القائلة {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا

} فباتفاق المسلمين أن المراد من لفظ أهل البيت فيها هم علي وفاطمة والحسن والحسين.

 من بعد ذلك سوف ننتقل الى بحث أساسي مفاده: أن أموال الخمس الى من تكون في عصر الغيبة, فهل هي للامام الثاني عشر أم لمن يقوم مقامه أم أن هناك تفصيل آخر.

 والبحث في هذه المسائل سوف لا يكون بحثا تقليديا كما أعتاده الاعلام, بل سوف تكون لنا طريقتنا الخاصة فيه, أي: نبحث عن الجذور والأصول القرآنية لكل ما ورد عندنا في الروايات المتعلق بمسألة الخمس وما يرتبط به من مسائل أخرى, وهذا ما سيتبين مفصلا في قادم الابحاث إنشاء الله.

 الثالث: أن الآية قد بينت الموارد التي يُصرف إليها الخمس وهي {اليتامى والمساكين وابن السبيل

}, وذلك مستفادٌ من عدم تكرار اللام الموجودة في الموراد الثلاثة الأولى ـ الدالة فيها على الملكيةـ في الموارد الثلاثة الثانية, فيتعين كون هذه الموارد هي المستحقة للخمس لا المالكة له.

 وهناك مباحث أخرى سوف نعرض لها وهي إمكان استفادة البسط من الآية وعدمه, وكذلك إمكان استفادة التسوية من الآية وعدمها.

 أما البحث الأهم الذي لا بد من إعطاءه كثيرا من العناية والاهتمام هو البحث في آيات الاحكام ولا يخفى أن آية الخمس تعد من أهم تلك الآيات.

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo