< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/01/22

بسم الله الرحمن الرحیم

فيما يريده اللغوي وبعض المفسرين من لفظ الغنيمة

 كان الكلام في حديث الأمس يدور حول الآية المباركة المتعلقة بفريضة الخمس فأشرنا في ذلك الى أهمية هذه الآية وعظمتها ووصل بنا المقام الى التساؤل القائل: إذا كنا لا نستطيع الاعتماد على القرآن مستقلا ـ بدون الرجوع الى الروايات ـ فما الداعي حينئذٍ في الرجوع إليه, ولماذا لا يكون الرجوع حينئذٍ مباشرة الى الروايات دون القرآن لتحقيق المراد وذلك كما يفعل الفقهاء؟

 أوضحنا في حديث الأمس أننا لا نتفق مع هذا المنهج وقلنا أننا في المعارف الدينية لابد لنا أولا من الرجوع الى القرآن؛ لأنه بيانٌ وتبيان لكل شيء, الا أن ذلك لا يعني الاستغناء عن سنة النبي والائمة المعصومين لفهم بعض المرادات من القرآن الكريم.

 من هنا فأن منهجنا في الابحاث الفقهية هو: الوقوف على الآيات التي عرضت للأبواب الفقهية لتأسيس القواعد والضوابط ثم نعود بعد ذلك الى الروايات لنرى أن الذي أسسنا له هل هو باقٍ على العموم أو الاطلاق أم أن هناك مخصص أو مقيد لذلك.

 وهذا المعنى قد أشار إليه جملة من علمائنا كالميرزا علي الإيرواني في حاشيته على المكاسب في تعليق له على احد الروايات بقوله: ( هذه الرواية مخدوشةٌ بالإرسال وعدم اعتناء أصحاب الجوامع بنقلها مع بُعد عدم إطلاعهم عليها, مع ما هي عليه في متنها من القلق والاضطراب وقد أشبهت في التشقيق والتقسيم كتب المصنفين...). فالاعتماد على الرواية دون أن تعتضد بمعضدٍ خارجي مشكلٌ فلذا نجده يقول: (والخروج بها عن عموم مثل {أوفوا بالعقود

} و{أحل الله البيع

} و{تجارةً عن تراضٍ

} أشكل ومقتضى هذه العمومات صحة كل معاملة حتى يقوم دليل على الفساد), ومهم كلامه (ره) انه يفترض وجود العموم مسبقا في التجارات والمكاسب, وهذا هو ما نشير إليه ونريده فأننا في بادئ الأمر ندعي وجود العموم الفوقاني, وحينما نواجه إشكالا من الاشكالات نرجع الى ذلك العموم لنرى هل انه مفيد للجواز أم لا؟

 وهذا الكلام يمكن سرايته في بحث الخمس فنقول هل يوجد عندنا عموم فوقاني دال على وجوب الخمس في كل فائدة وربح أم لا؟ فإن لم يوجد عندنا مثل هذا العموم لابد لنا حينئذٍ من الرجوع الى الروايات الخاصة لنرى إفادتها ذلك وعدمه.

 فالرجوع الى الآيات القرآنية أمر لابد منه؛ لأنه نافع في كثير من الاحيان لتأسيس القواعد الفقهية في جميع الأبواب لا الخمس فقط.

 أما البحث في آية الخمس فقد بينا في حديث الأمس أنه يوجد هناك أسلوبان هما التجزيئي والموضوعي, وبينا كذلك أن الذي نعتمده هو الأسلوب التركيبي وليس أحد الأسلوبين على وجه الخصوص.

 فقوله تعالى {وأعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه

} لابد فيه بناءً على الأسلوب التجزيئي أن نقف عند كل كلمةٍ كلمة لنعرف المراد منها. بخلاف الأسلوب الموضوعي فانه لا يتوقف على ذلك كما بينا في الأمس, بل انه يبحث عن الدلائل العامة للموضوع الذي يبحث عنه دون اللجوء الى فهم المفردات واحدةً واحدة.

 من هنا فأننا نعتقد أن فهم القرآن يتوقف على فهم مفردات القرآن فهما دقيقا؛ ليتسنى لنا بذلك فهم الموضوع الذي نبحث عنه ونريده, وبدون ذلك لا يمكن الوقوف على المعنى المراد؛ لأن كلا من كلمات القرآن وحروفه له معناه الخاص به, وهذا ما نراه في الأحرف المقطعة فلا شك وجودها في القرآن دال على وجود معانٍ لها ولم يكن ذلك عبثيا أو جزافي.

 من هنا فأن دخولنا في بحث الغنيمة سوف يتوقف على الاستعانة بالأسلوب الموضوعي, أما الأسلوب التجزيئي فأننا سوف نرجع إليه عند اقتضاء الضرورة لذلك, وهذا ما عبرنا عنه بالاسلوب التركيبي, المختار لدينا.

 فمفردة الغنيمة أو {غنمتم

} واضح بأنها قد اُخذت من مادة غنم والبحث في ذلك سوف يكون مبتنٍ على عدة أبحاث:

  البحث الأول: سوف نتعرض في كل مفردة قرآنية الى المراد منها لغويا لنرى الاستعمالات فيها بماذا تفيد, وذلك يتم قبل الذهاب الى الروايات العامة والخاصة ورأي المفسرين, فإن اتضح أن المعنى المراد منها عام فنرتب حينئذٍ آثار العموم عليها شريطة عدم دلالة الأدلة الخاصة على الخلاف, أما إذا كان معناها خاص ولسان الروايات قال بالعموم فلابد حينئذٍ أن نبحث عن النكتة في الروايات التي بسببها قيل بالعموم.

 فمن قال أن لفظ الغنيمة في الآية دال على غنائم دار الحرب فقط, فعليه أن يقيم الدليل على مدعاه سواء كان الدليل هو الاجماع أو الروايات الدالة على الخصوص أو الاستعانة بالسياق أو شأن النزول ومورده؛ لأنها بحسب الاستعمال اللغوي دالة على العموم, أي: مطلق الفائدة والربح.

 أما لو أريد بالغنائم معنى خاص, فعلى مدعي العموم أن يقيم الدليل على مدعاه بكون الآية شاملة للغنيمة التي هي أعم من غنائم دار الحرب.

 أما الدعوة القائلة بأن الآية لا تفيد الدلالة على العموم, فلنا أن نتساءل حينئذٍ قائلين: من أين أستفيد وجوب الخمس في التجارات أو في مطلق الفائدة؟

 نقول: أستفيد ذلك من التشريع الحاصل من عدل القرآن الذين هم الرسول والائمة المعصومون, علما أن هذا التشريع إذا كان مستندا الى آية الخمس فلابد لنا حينئذٍ من البحث عن تلك النكتة لمعرفتها.

 أما البحث الأول: اللغوي: فأننا سوف نعتمد على المصنفات المعتمدة والرئيسة في ذلك وهي:

 أولا: ما أفاده الراغب الأصفهاني في المفردات حيث يقول في مادة غنم: الغنم معروف. قال ( ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما ) والغنم إصابته والظفر به ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العدى وغيرهم ، قال : ( واعلموا أنما غنمتم من شئ - فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا ) والمغنم ما يغنم وجمعه مغانم ، قال : ( فعند الله مغانم كثيرة ).

 ثانيا:

ما أفاده ابن فارس صاحب كتاب معجم المقاييس في اللغة في مادة غنم بقوله: غنم الغين والنون والميم والنون أصل صحيح واحد يدل على إفادة شيء لم يملك من قبل ثم يختص به ما أخذ من مال المشركين بقهر وغلبة قال الله تعالى: { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول}, فالغنيمة معنى عام وعلى من يدعي الخصوص إقامة الدليل على ذلك.

 ولابد من الاشارة الى نكتة مهمة هنا أن قول اللغوي يسهل الأمر علينا أحياناً؛ لأنه لو كان يدعي الشمول والعموم في اللفظ فعلى مدعي الخصوص أن يقيم الدليل, أما العكس وهو أنه لو كان يدعي الخصوص في ذلك فعلى مدعي العموم إقامة الدليل.

 الا أنه قد يصعب المهمة في أحيانٍ أخرىً وذلك كما نرى في لفظ أهل البيت فأن اللغوي قائل بأن اللفظ دال على العموم, أي: شامل الى للنساء والأولاد والأقرباء, فعلى مدعي الخصوص في هذا اللفظ عليه إقامة الدليل.

 وبهذا تُعرف الأهمية الكبرى لقول اللغوي في الابحاث القرآنية والتفسيرية الا أن الملاحظ أن هناك إهمال كبير لذلك.

 ثالثا: ما أفاده ابن منظور في لسان العرب, الجزء العاشر ص133 حيث قال: وغنم الشيء غُنماً فاز به, وتغنمه واغتنمه عدّه غنمية وفي المحكم انتهز غنمه...الخ.

 رابعا: ما أفاده الطريحي في مجمع البحرين المجلد السادس ث129 بقوله: (وقوله تعالى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}, الغنيمة في الأصل هي الفائدة المكتسبة, ولكن اصطلح جماعة على أن ما أخذ من الكفار إن كان من غير قتال فهو فيء وإن كان مع القتال فهو غنيمة...), علما أن كلامه هنا بحسب الاصطلاح, أما بحسب الأصل فهي كل فائدة مكتسبة, وهو ما حدا ببعض الاعلام الى القول بوجوب الخمس في الهدية والهبة وغيرهما.

 أما البحث الثاني فهو: الشواهد الدالة على تأييد المعنى اللغوي وهي متعددة نشير إلى شاهدين منها:

 الأول: كلما ت بعض المفسرين الكبار المعتد بقولهم, حيث أنهم ذكروا أن الآية مستخدمة في الأصل اللغوي الدال على العموم الا أن هناك موانع تمنع من الالتزام به كالإجماع أو المورد أو السياق, فيتعين القول بالخصوص, ومن أبرز ما أفيد في ذلك:

 أولا: ما ورد في كتاب الجامع لأحكام القرآن للقرطبي المتوفى عام 671 للهجرة المجلد العاشر ص5 حيث يقول: قوله تعالى {وأعلموا أنما غنمتم من شيء}

الغنيمة في اللغة ما يناله الرجل أو الجماعة بسعي, ثم يقول: والمَغنم والغنيمة بمعنىً يقال غَنم القوم غُنما, وأعلم أن الاتفاق حاصلٌ على أن المراد بقوله {غنمتم من شيء

} مال الكفار إذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر, ولا تقتضي اللغة هذا التخصيص, ولكن عرف الشرع قيد اللفظ بهذا النوع...) فهو يرى أن اللغة دالة على العموم؛ لعدم اقتضاءها التخصيص, الا أن وجود الموانع يحول دون ذلك ومن ابرز تلك الموانع:

 1ـ الإجماع.

 2ـ

عرف الشرع: وهو العرف الذي قيد اللفظ بهذا النوع, وسمى الشرع الواصل من الكفار إلينا من الأموال باسمين: غنيمة وفيئاً. وهذا التفصيل نفسه أشار إليه الطريحي في مجمع البحرين.

 ثانيا:

ما ورد في تفسير الرازي الجزء السادس ص132 في ذيل آية الخمس حيث يقول: (المسألة الأولى الغُنم الفوز بالشيء, يقال: غنم يغَنم غنماً فهو غانمٌ, والغنيمة في الشريعة ما دخلت في أيدي المسلمين من أموال المشركين), فحملها على الخصوص متأتٍ من الشريعة لا من الأصل والاستعمال اللغوي.

 ولنا أن نشير الى نكتة هنا مفادها: أن الشارع عندما سمى الخمس في الآية بالغنيمة فقط لا يلزم منه عدم ثبوت الخمس في موارد أخرى بأدلة أخرى؛ لأن إثبات شيء لا يعني نفي ما عداه.

 ثالثاً: ما ورد في روح المعاني للآلوسي وذلك في ذيل آي الخمس أيضاً حيث يقول: وغَنم في الأصل من الغُنم بمعنى الربح.

 رابعا: ما ورد في تفسير المنار لمحمد عبده المجلد العاشر ص5 يقول: الغُنمُ بالضم والمَغنم والغنيمة في اللغة: ما يصيبه الإنسان ويناله ويظفر به من غير مشقة كذا في القاموس وهو قيد يشير إليه ذوق اللغة أو يشم منه ما يقاربه, ولكنه غير دقيق. فمن المعلوم بالبداهة أنه لا يسمى كل كسب أو ربح أو ظفر بمطلوب غنيمة. كما أن العرب أنفسهم قد سموا ما يؤخذ من الأعداء بالحرب غنيمة) أما ذهابه الى القول بعدم الدقة؛ فلأنه يعلم أن الغنيمة إذا أُريد منها الأعم فلا يمكن حينئذٍ حصرها بغنيمة دار الحرب فقط.

 خامساً: ما ورد في تفسير المراغي المجلد الرابع ص3 حيث يقول: الغُنم والمغنم والغنيمة ما يناله الإنسان ويظفر به بلا مقابلٍ مادي, هذه تسمى غنيمة.

 وهناك تفاسير أخرى أشارت الى المعنى المراد مثل تفسير طاهر ابن عاشور والقاسمي وغيرها.

 أما كلمات مفسري المدرسة الامامية فسوف أكتفي بالإشارة إليها فقط, وهي:

 أولا: ما ورد في كنز العرفان للسيوري, قال: الغنيمة في الأصل هي الفائدة المكتسبة... الخ.

 ثانياً: ما ورد في زبدة البيان للأردبيلي وذلك في ذيل آية الخمس حيث يقول: ثم إنه يُفهم من ظاهر الآية وجوب الخمس في كل غنيمة وهي في اللغة بل العرف أيضاً الفائدة...الخ.

 ثالثاً: ما ورد في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي في ذيل آية الخمس حيث يقول: وأن الحكم متعلق بما يسمى غنماً وغنيمةً سواءٌ كان غنيمة حربية مأخوذة من الكفار أو غيرها مما يطلق عليه الغنيمة لغةً كأرباح المكاسب والغوص والملاحة والمستخرج من الكنوز والمعادن وإن كان مورد نزول الآية هو غنيمة دار الحرب أو الغنيمة الحربية.

 الثاني: وهو ما استدل به السيد الخوئي(قد) حيث يقول: {أنما غنمتم من شيءٍ

} فـ (ما) في الآية موصولة فتشمل كل شيءٍ, و قوله{من شيء

} عام شامل لكل شيءٍ أيضا.

 وللكلام تتمة

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo