< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/01/26

بسم الله الرحمن الرحیم

في بيان مقتضي التعميم في الرواية ق1

 كان كلامنا في الأمس متعلقا بآية الخمس وقلنا أن البحث فيها ضروري لبيان ضابطة مفادها: البحث عن وجود الأصل القرآني الدال على ثبوت الخمس في كل فائدة وعدمه, فإن ثبت عندنا مثل هذا العموم والاطلاق فأننا حينئذٍ حين الشك في مورد من الموارد يكون العموم والشمول هو الثابت دون العكس.

 وقلنا فيما سبق أن خريطة البحث عندنا تبحث عن وجود المقتضي في الآية للعموم والشمول بقطع النظر عن القرائن الداخلية والخارجية كالإجماع والسياق والروايات.

 وعند تمامية الكلام المقتضي ننتقل حينها الى مرحلة أخرى هي: إمكان وجود المانع القاضي بعدم جواز التمسك بالعموم أو الاطلاق وعدمه.

 من هنا فأننا بصدد بيان المقتضي وذلك عن طريق ما قرره المشهور من علماء مدرسة أهل البيت (ع), حيث أنهم يرون أن الآية دالة على العموم لتشمل كل فائدة بما في ذلك أرباح المكاسب التي هي الأهم في المقام.

 أما الابحاث المتعلقة بالمقتضي فهي:

 الأول: هو أن الغَنم أو الغُنم أو الغنيمة أو الاغتنام وما شابه ذلك بحسب الوضع اللغوي بقطع النظر عن الاستخدام العرفي أو الشرعي والمتشرعي هل يدل على العموم أم لا؟

 بينا في حديث الأمس مجموعة من كلمات اللغويين في ذلك وقد اتضح من خلال كلماتهم أنها تدل على العموم والشمول حيث صرحوا بأن لفظ الغنيمة في الآية بدوا وبقطع النظر عن الموانع تدل على أنها غير مختصة بغنائم دار الحرب. وقد ذكرنا لذلك شاهدين:

 أولاً: ما فهمه جملة من أعلام مفسري المدرستين.

 ثانياً: الموجود في كلمات السيد الخوئي في مستند العروة الوثقى كتاب الخمس ص194 حيث يقول: (قال تعالى {وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ} فان (الغنيمة) بهذه الهيئة و ان أمكن ان يقال، بل قيل باختصاصها بغنائم دار الحرب أما لغة أو اصطلاحا- و ان كان لم يظهر له اي وجه. الا ان كلمة (غنم) بالصيغة الواردة في الآية المباركة ترادف ربح و استفاد و ما شاكل ذلك فتعم مطلق الفائدة، و لم يتوهم احد اختصاصها بدار الحرب.). فالآية الكريمة بينت متعلق الغنيمة بعبارة (من شيء) ولا يخفى أن الشيء مفهوم عام يقبل الصدق على كثيرين, فلذا نراه رحمه الله يقول: ( و لعل في التعبير بالشي‌ء- الذي فيه من السعة و الشمول ما ترى- ايعازا الى هذا التعميم و ان الخمس ثابت في مطلق ما صدق عليه الشي‌ء من الربح و ان كان يسيرا جدا كالدرهم غير المناسب لغنائم دار الحرب كما لا يخفى). ثم يذكر (ره) مجموعة من الشواهد لما يذهب إليه.

 وممن يذهب الى ما ذهب إليه السيد الخوئي الشيخ فاضل اللنكراني(ره) ولعله قد أخذ هذا المعنى من كلمات السيد الخوئي (قد).

 ثالثا:

يحاول البعض من الفقهاء أن يشير الى الشاهد الذي ذُكر في كلمات بعض الاعلام والذي مفاده: معرفة وضع اللفظ بمعرفة ضده, شريطة أن يكون للضد ضدٌ واحد لا ضدين, أي كالنقيضين وذلك كما في الوجود والعدم, لأننا نعلم أن الأضداد على قسمين بعضها ما له ضد واحد وبعضها ما له ضدين, والذي يفيدنا في المقام ما له ضد واحد, وحينئذٍ وعندما يكون الضد الذي له ضد واحد عام نستكشف أن الضد المقابل له عام أيضاً وهذا من قبيل ما قيل في الفلسفة: أن الوجود مشترك معنوي بدليل أن نقيضه (العدم) هو ذات معنى واحد ومشترك معنوي لا لفظي, وإلا لو كان الوجود مشتركا لفظيا للزم ارتفاع النقيضين وهو باطل. فكما لا ميز بين الأعدام كما يقول الحكيم السبزواري فكذلك الوجود.

 فالقاعدة المزبورة أراد بعض الاعلام تطبيقها على القاعدة القائلة: (من له الغُنم فعليه الغرم), أي بما أن الغرم معنى عام فلابد أن يكون ضده كذلك الذي هو الغنم. فلما كان الغرم شامل لكل خسارة حينها يكون الغنم شامل لكل فائدة.

 وينبغي الالفات الى أن جذور هذه القاعدة وأصولها قد ورد في كلمات علماء مدرسة أهل السنة, وأنها مستفادة من رواية صحيحة عندهم ولا يوجد في مصنفاتنا سند صحيح لتلك لرواية المفيدة لهذه القاعدة.

 علما أن هذه الرواية ـ الدالة القاعدة المزبورة ـ قدت وردت في صحيح ابن حبان المجلد الثالث عشر ص258 الحديث5934 عن أبي هريرة قال: ( قال رسول الله(ص) لا يغلق الرهن له غُنمه وعليه غُرمه) ومن هذه الرواية اُستفيدت القاعدة القائلة: من له الغُنم فعليه الغرم

 والقاعدة قد استدل بها من أعلامنا الشيخ فاضل اللنكراني في كتابه تفصيل الشريعة في تحرير الوسيلة كتاب الخمس ص11 فبعد أن يذكر الشواهد يقول: (و بالجملة: التأمّل في خصوصيّات الآية من التصدّر بقوله «وَ اعْلَمُوا» مخاطباً للجميع و التأكيد بقوله «أَنَّمٰا» و جعل البيان ل‌ «ما» الموصولة مطلق ما يغتنمه الرجل من الشي‌ء، و التعبير بصيغة الماضي، و الرواية في الركاز يعطي عدم الاختصاص بغنائم دار الحرب، كما لا يخفى.

 مضافاً إلى أنّ الظاهر مقابلة الغنم للغرم، و قد اشتهر أنّ من كان له الغنم كان عليه الغرم.

 و الظاهر أنّ المراد بالغرم ما يتحمّله الإنسان من الضرر و الخسارة من دون أن يستفيد شيئاً، و من هذا التعبير يظهر بوضوح أنّه لا اختصاص لكلمة الغنم أو الغنيمة أو شبههما بالغنائم الحربيّة).

 رابعا: قول المعصوم وتحديده للمراد: وهو من الأدلة الرئيسية المثبتة للعموم لا من المؤيدات التي نحن بصددها, والأمر هذا غير مختص بما نحن فيه, بل هو شامل لكل الموارد التي يقع فيها البحث والاختلاف, فقول المعصوم في تحديد المراد أو المصداق هو القول الفصل القاطع للنزاع, الذي يمتنع معه القول باحتمالية غيره وإن أمكن انطباق المعنى أو القاعدة عليه؛ حيث أن صدق المفهوم على المعنى شيءٌ وكون المعنى المراد منه هو ذلك الشيء شيءٌ آخر. فمثلا أن لفظ أهل البيت في الآية الكريمة عام ينطبق على كل أزواج الرسول وأبناءه, الا أن المعصوم قد بين لنا أن اللفظ وإن كان عاما الا أن المراد منه هم الخمسة أصحاب الكساء فقط, فقول المعصوم حينئذٍ يمنع دخول غير هؤلاء الخمسة في الآية وإن أمكن انطباق اللفظ عليهم في اللغة أو العرف أو الاستعمال.

 وفي المقام الكلام هو الكلام فأن قول المعصوم في المراد من لفظ الغنيمة في الآية هو القول الفصل الذي يمتنع معه الأخذ بأقوال الآخرين, والتي لا يمكن أن تكون مزاحمة لقوله (ع). من هنا فأن بعض الاعلام حاول أن يستفيد من النصوص الواردة عنهم (ع) لإثبات التعميم في الآية الكريمة. ومن ابرز ما أستشهد به لذلك من الروايات:

 أولاً: ما ورد في وسائل الشيعة المجلد التاسع ص484 الحديث 12545 ( محمد بن الحسن الصفار في ( بصائر الدرجات ) : عن عمران بن موسى ، عن موسى بن جعفر قال : قرأت عليه آية الخمس فقال : ما كان لله فهو لرسوله ، وما كان لرسوله فهو لنا ، ثم قال : والله لقد يسر الله على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم ، جعلوا لربهم واحدا وأكلوا أربعة أحلاء ثم قال : هذا من حديثنا صعب مستصعب لا يعمل به ولا يصبر عليه إلا ممتحن قلبه للإيمان).

 ويوجد في هذه الرواية ابو محمد وهو مجهول الحال, وكذلك عمران بن موسى وهو مردد بين عمران بن موسى الأشعري المسكوت عنه وبين عمران بن موسى الزيتوني الثقة, من هنا فقد وقع البحث بين الاعلام أن عمران بن موسى الأشعري والزيتوني هل هما شخص واحد أم متعدد فإن كان متعدد فلا يوجد في الرواية ما هو مميز لذلك فتبقى الرواية مجهولة الحال, أما إذا كان واحدا فتكون الرواية حينئذٍ تامة موثقة ليس فيها أي محذور الا من جهة ابو محمد.

 وقد تحدث السيد الخوئي عمران بن موسى في معجم رجال الحديث المجلد الثالث عشر ص149 قائلا: (عمران ابن موسى الأشعري, قال النجاشي: عمران بن موسى الأشعري روى عن الحسن بن موسى الخشاب وروى أحمد بن محمد بن يحيى عن أبيه عنه.

 أقول ـ والكلام للسيد الخوئي رحمه الله ـ إنه عمران بن موسى بن الحسن بن عامر بن عبد الله بن سعد الأشعري القمي, والظاهر اتحاده مع عمران بن موسى الزيتوني الآتي, وهو الذي يأتي عن كامل الزيارات روايته عن الحسن بن موسى الخشاب, فهو ثقة على كل حال,... ثم يقول بعد ذلك: قال النجاشي : عمران بن موسى الزيتوني قمي, ثقة, له كتاب نوادر كبير... الى أن يقول: وقد كثر في إسناد الروايات عمران بن موسى الأشعري بلا تقييد بالأشعري أو الزيتوني, وهذا يؤيد الاتحاد, وعلى الجملة لا ينبغي الاشكال في أن عمران بن موسى واحد قمي أشعري زيتوني).

 ثانياً: ما ورد في الخصال الجزء الأول ص312: (حدثنا فلان حدثنا أبو حامد حدثنا أبو زيد قال حدثنا محمد ابن أحمد ابن صالح التميمي عن أبيه قال حدثنا فلان عن أبيه عن جعفر ابن محمد عن أبيه عن جده عن علي ابن أبي طالب(ع) عن النبي أنه قال في وصيته له يا علي أن عبد المطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام, حرم نساء الآباء على الأبناء فأنزل الله (عزّ وجلّ) {ولا تنكحوا ما نكح آبائكم من النساء

} ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وتصدق به, فأنزل الله (عزّ وجلّ) {وأعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه

}) والواضح من الرواية أن الغنائم غير مختصة بدار الحرب لأنها عللت إخراج وجوب خمس الكنز بآية الغنائم وهذا يكشف عن العموم والشمول في الآية, وعدم اختصاصها بغنائم دار الحرب.

 الا أن ما يمكن ملاحظته على الآية هو اشتمالها على عدة مجاهيل غير معلومي الحال, وهذا يلازم عدم إمكان توثيق الرواية, لا القول بضعفها سنداً أو أنها مكذوبة أو موضوعة, بل لا يوجد دليل في مقام الإثبات على تصحيح الرواية أو توثيقها.

 ثالثا:

ما ورد في وسائل الشيعة الجزء التاسع ص546 : (وباسناده عن علي ابن الحسن ابن فضّال عن الحسن ابن علي ابن يوسف عن محمد بن سنان عن عبد الصمد ابن بشير عن حكيم ـ مؤذن بني عيسى أو بني عبس على الاختلاف الموجود, وما ورد في هذه النسخة من قوله حكيم مؤذن بني عيس ليس بصحيح - عن أبي عبد الله الصادق, قال: قلت له {وأعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول

} قال:

هي والله الإفادة يوماً بيومٍ إلا أنّ أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلٍ ليزكوا).

 والرواية هذه غير خالية من الاشكال, ففيها إشكال في السند من جهتين يتعلق أحدهما بمحمد بن سنان والآخر بحكيم مؤذن بني عيسى, أما مضمونها فخال من المحذور والإشكال؛ لذا نجد السيد البروجردي في زبدة المقال ص78 يقول: (وأما الروايات فمنها الطائفة المستفيضة بل المتواترة, المفسرة لآية الاغتنام الدالة على شمول الغنيمة لمطلق الاستفادات وعدم اختصاصها بغنائم دار الحرب كما زعمته العامة مثل ما رواه الشيخ في التهذيب كما قلنا, بإسناده عن حكيم مؤذن بني عيسى عن أبي عبد الله الصادق).

 وتفصيل الكلام عن هذه الرواية في البحث القادم إنشاء الله.

والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo