< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/01/27

بسم الله الرحمن الرحیم

في بيان مقتضي التعميم في الرواية ق

2

 كان الكلام في الشواهد الواردة في كلمات اللغويين التي يمكن استفادة التعميم منها, حيث قيل أن اللغة والوضع اللغوي قائل بعدم الاختصاص بغنائم دار الحرب في مادة غنم وغنمتم.

 وأشرنا الى هذه الشواهد وانتهى بنا المقام الى الشاهد الرابع وهو الشواهد الروائية, التي بينت أن من مصاديق الغنيمة والاغتنام مرتبطة بالأرباح والفوائد, علما أننا لا نوافق القول القائل أن الامام قد فسر الغنيمة بأرباح المكاسب أو الفوائد, والحق في ذلك أن الامام في مقام بيان المصداق. وهذا الأمر مما ينبغي الالتفات لأنهم (ع) في كثير من الموارد التي يتكلمون فيها ـ المتعلقة بالآيات المباركةـ إنما هم في بيان المصداق لا التفسير.

 والحاجة الى التفسير إنما يتم فيه الرجوع الى اللغوي لبيان المراد منه لا للامام.

  نعم, الامام (ع) يستطيع أن يوسع المراد من بعض المفاهيم والمفردات لتشمل بعض المصاديق غير المادية المأنوسة فمثلا قوله تعالى {ألم يعلم بأن الله يرى

} فالرؤية المتعارفة هي الرؤية البصرية كما يفيد اللغوي, لكنها غير مختصة بذلك بل تشمل مصاديق أخرى.

 والكلام في المقام هكذا فأننا عندما نقول أن الامام قال أن لفظ غنمتم شامل للفوائد وأرباح المكاسب, فهذا ليس من باب التفسير بل من باب بيان المصداق, أي: أن لفظ الغنيمة غير مختص بغنائم دار الحرب بل شامل لغير ذلك أيضاً.

 أما الشاهد الرابع وهي النصوص الروائية التي أشرنا إليها بالأمس والتي عبر عنها السيد البروجردي في تقريرات بحثه زبد المقال بقوله: فمنها: الطائفة المستفيضة بل المتواترة المفسرة ـ قلنا أنها مبينة للمصداق لا مفسرة كما يدعي البعض ـ لآية الاغتنام الدالة على شمول الغنيمة لمطلق الاستفادات وعدم اختصاصها بغنائم دار الحرب.

 ولا ينبغي أن يتبادر الى الذهن بان السيد البروجردي بصدد الاشارة الى مجموع الروايات الواردة في الفوائد وأرباح المكاسب لكي يشكل عليه بعدم وجود الاستفاضة والتواتر لقلة الروايات, بل انه في مقامٍ اعم من ذلك سواء كانت الروايات في مقام بيان الآية أو لم تكن.

 والشاهد على ذلك قوله (ره) : ومنها: ما ورد في بيان الحكم في الخصوص لا في تفسير الآية وهي كثيرة, الكاشف عن أن مراده عندما قال المستفيضة بل المتواترة ما ورد في تفسير الآية لا مطلق الروايات الواردة في المقام.

 وصل بنا المقام في حديث الأمس الى الرواية الثالثة التي نقلها الشيخ في التهذيب المجلد الرابع ص121 وهي: (علي ابن الحسن ابن فضّال عن الحسن ابن علي ابن يوسف عن محمد بن سنان عن عبد الصمد ابن بشير عن حكيم مؤذن بني عبس ـ الذي قلنا بأنه قد يكون بني عبس وقد يكون بني عيسى, وعلى كلا التقديرين فلا يصح ما ورد في وسائل الشيعة المصححة بني عيس, - عن أبي عبد الله الصادق× قال: قلت له: {وأعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول

} قال هي والله الإفادة يوماً بيوم), ولعلها من أوضح الروايات الدالة على وجوب الخمس في الفائدة والربح في المكاسب وغيرها.

 أما سند الرواية: فالظاهر من كلام السيد البروجردي عدم وجود الاشكال السندي في الرواية الا من جهة حكيم مؤذن بني عبس.

 أما حال هذا الرجل فهو ممن لم يرد في حقه توثيق كما يذكر ذلك صاحب تنقيح المقال في المجلد الثالث والعشرين ص445 في الترجمة 6851, أما في كتاب العدة فيقول عنه الشيخ: وظاهره كونه إماميا الا أن حاله مجهول.

 من هنا نجد أن السيد البروجردي حاول أن يوثق حكيم مؤذن بني عبس في زبدة المقال ص78 بقوله: (أن حكيماً راوي الرواية كان إمامياً ثقة) وعبارته هذه غير ظاهرة في التوثيق الصريح, وهذا يكشف عن أن هناك منهجا آخر يتبعه السيد البروجردي في التوثيق وهو: المنهج المبتني على البحث عن تاريخية الراوي لمعرفة أحواله, وهذا بخلاف المتعارف في المنهج الرجالي السائد الذي يبحث عن وجود التوثيق الصريح وعدمه.

 فيستدل رحمه الله على وثاقة حكيم بخصوصيتين هما:

 الأولى: كونه مؤذنا, والمؤذن ثقة؛ لعدم إمكان الاعتماد على المؤذن غير الثقة, وهذا بالاضافة الى كشفه عن الثقة يكشف عن العدالة أيضا؛ لأخذ عنوان المؤذنية فيه.

 بالاضافة الى بيان مسألة الخمس له من قبل أهل البيت (ع), وهذا لا يكون الا للمقربين والخواص من شيعتهم, فلو لم يكن ثقة لما بينها الامام له, فلذا نراه رحمه الله يقول: إن حكيماً راوي الرواية كان إمامياً ثقة فإن هذا الحكم إنما هو من مختصاتهم لا يظهرونه إلا لمواليهم...

 الثانية: بالاضافة الى اشتغاله بالأذان المستفاد من لقبه فأن هناك شعور يدل على المواظبة منه لأوقات الصلاة ومراقبته لها وهذا يكشف عن العدالة والتوثيق.

 المورد الثاني:

(عن محمد بن سنان) ولا تخفى كثرة الكلام الموجودة في محمد بن سنان عند الاعلام المعاصرين في عدم توثيقه, الا أن التحقيق عندنا يؤيد وثاقة هذا الرجل.

 المورد الثالث: علي بن محمد الزبير حيث يوجد في سند الرواية التي ينقلها الشيخ الى علي بن الحسن بن فضال وهو ما يشير إليه في المشيخة المجلد العاشر ص55 بقوله: وما ذكرته في هذا الكتاب عن علي ابن الحسن ابن فضّال, فقد أخبرني به أحمد ابن عبدون المعروف بابن الحاشر سماعاً منه وإجازةً عن علي ابن محمد ابن الزبير عن علي ابن الحسن ابن فضّال

 والمعنى المشار إليه قد صرح به في الاستبصار المجلد الثاني ص54 بقوله: قال: أخبرني أحمد ابن عبدون عن أبي الحسن علي ابن محمد ابن الزبير عن علي ابن الحسن ابن فضّال عن الحسن ابن علي ابن يوسف عن محمد ابن سنان عن عبد الصمد ابن بشير عن حكيم مؤذن بني عبس عن أبي عبد الله الصادق. هناك يصرح به.

 وهذا الرجل ـ علي بن محمد الزبير ـ عليه من الاعلام كثير من الكلام حول ثقته وعدمها, فالسيد الخوئي في معجم رجال الحديث المجلد الثاني عشر ص140 بعد أن ينقل الاشتراك في الاسم بين علي بن محمد بن الزبير المترجم له برقم 8416 وبين علي بن محمد بن الزبير القرشي المترجم له برقم 8417, يقول أنهما متحدان, ثم ينتقل الى بحث وثاقته وعدم وثاقته فيقول قد يقال أنه ثقة, ويستدل على ذلك بوجهين:

 الأول: كونه من مشايخ الإجازة, إجازة وسماعا, وهذه القاعدة لابد أن تنقح في محلها في أن مشايخ الإجازة هل تدل على الوثاقة أم لا؟ علما بأنه (ره) يصرح أن مشايخ الإجازة لا تدل على الوثاقة.

 الثاني: قول النجاشي فيه بأنه: كان علواً في الوقت, وعبارة النجاشي هذه قد قرأت قراءةٌ أخرى هي: غلواً, أي: كان مغاليا في زمانه.

 فلذا نجد السيد الخوئي يقول: أما كونه مغاليا فهذا دون شكٍ لا يدل على الوثاقة, وأما كونه عالياً أي كان رجلاً شاخصاً ومن المعاريف في زمانه, فلا يستفاد من ذلك الوثاقة.

 وبهذا يتبين أن الروايات التي فيها علي بن محمد بن الزبير سوف تكون عرضة للمشكل بسبب هذا الرجل.

 ويظهر من ذلك أن الرواية لا تصمد أمام الموازين الرجالية بسبب ما اشرنا إليه من اشكاليات تتعلق بحكيم مؤذن بني عبس ومحمد بن سنان وعلي بن محمد بن الزبير, فلا يمكن الاعتماد عليها.

 يبقى في السند عبد الصمد بن بشير وعلي بن يوسف وهما ثقتان دون شك.

 الرواية الرابعة: وهي الواردة في التهذيب المجلد الرابع ص141 حيث تقول (عن الإمام الجواد (ع) محمد ابن الحسن الصفار عن أحمد ابن محمد وعبد الله ابن محمد عن علي ابن مهزيار قال: كتب إليه أبو جعفر الجواد(ع) وقرأت أنا كتابه...).

 يعتبر سند هذه الرواية من الاسناد الاعلائية؛ لأن طريق الشيخ إلى محمد ابن الحسن الصفار صحيح بلا إشكال, وأما أحمد ابن محمد وعبد الله ابن محمد فهما أخوان ابنا عيسى ابن عبد الله الأشعري, بالاضافة الى أن أحمد ابن محمد ابن عيسى هو شيخ القميين كما هو معروف, وأما علي ابن مهزيار فلا يحتاج إلى تعريف لكونه ثقةً جليل القدر قد صدرت بحقه كثير من التوثيقات.

 أما المضمون فقد قالت الرواية: (قال: فأما الغنائم والفوائد فهي واجبةٌ عليهم في كل عامٍ قال الله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم

}), لابد أن نعرف العطف الموجود هنا أي عطفٍ هو؟ علما أن العطف المفيد في المقام هو التفسيري.

 وواضح أن الامام (ع) في مقام بيان استفادة وجوب الخمس في الفوائد والغنائم من الآية الكريمة.

 وقوله (ع): (والغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة...) فيه دلالة واضحة على أن العطف الموجود في الرواية عطف تفسير.

 ثم يشرع (ع) ببيان المراد من الغنائم والفوائد, ويذكر جملة من الموارد التي لا علاقة بها بغنائم دار الحرب.

 والحق أن هذه الرواية مبتلاة بكثير من الاشكاليات وهذا ما حدا بجملة من الاعلام الى الاعراض عنها بسبب ما يرون فيها من اضطرابٍ في المتن, وإجمال في الرواية, وإعراض الاصحاب عن جملة من فقراتها.

 من هنا فان الاستدلال بالرواية يتوقف على حصول الانسجام بين مقاطعها.

 لذا نجد السيد الخوئي يقول عن هذا الرواية في مستند العروة الوثقى ص200: (ولنأخذ في شرح بعض فقرات هذا الحديث الشريف المروي عن أبي جعفر الجواد(ع) ودفع ما أورد عليه من الإشكالات... ثم يقول في ص203 : فهذه الجملة لا توجب سقوط الرواية عن الحجية, ويقول أيضا في ص204 : ثمَّ ان عبارة الصحيحة هكذا: (مال يؤخذ) كما هو كذلك في التهذيب و الاستبصار فما في مصباح الفقيه من ضبط (يوجد) بدل (يؤخذ) غلط من النساخ. الى أن يقول في ص25: و منها قوله عليه السلام: فأما الغنائم و الفوائد. إلخ حيث أشكل عليه المحقق الهمداني قده بأنه يظهر منه ان الأرباح غير داخلة في الغنائم. و لأجله أسقط الخمس في الأول و أثبته في الثاني، فيظهر‌ التغاير من المقابلة و اختلافهما من حيث المصرف و ان خمس الأرباح يختص بالإمام (ع) و لأجله تصرف (ع) فيه رفعا و تخفيفا. إلى أن يقول: وعليه فيصح الاستدلال بها ولا يرد عليها شيء من الإشكالات حسبما عرفت).

 علما أننا سوف نتكلم عن هذه الرواية مفصلا في أرباح المكاسب, الا أننا لابد أن نشير الى أمر مهم مفاده: أن الائمة (ع) عندما يريدون أن يفسروا أو يبينوا آية من الآيات يتبعون أحد الطرق الآتية:

الأول:

بيان الآية وفقا لسياق الآيات المحيطة بها.

الثاني:

بيان الآية بعيدا عما يحيط بها من سياق, بحيث يكون المعنى المبين والمعطى غير معضودٍ منه, بل أنه ـ السياق ـ لا يساعد عليه.

الثالث

: بيان الآية عن طريق تقسيمها الى أقسام ثلاث: صدر وذيل ووسط, ويعطون لكل مقطع من هذه المقاطع أو الأقسام معنى يختلف عن المعنى في القسمين الآخرين وهكذا. بحيث أن الآية بمجموعها وقبل التقسيم لا تفيد ذلك المعنى الذي أفاده الامام عند التقسيم.

الرابع:

بيان الآية عن طريق أخذ مفردة من مفرداتها وإعطائها المعنى المراد من الامام, بحيث لو جعلنا المفردة تلك ضمن الآية لما أمكن استفادة ذلك المعنى منها. وهذا الأمر من اختصاص مدرسة أهل البيت (ع), لذا لم نجده عند المدارس الفكرية الأخرى من عرفاء ومتكلمين, أو أشاعرة ومعتزلة.

 من هنا نجده (ع) يعترض على من أراد تفسير القرآن بقوله: (ما ورثك الله من القرآن حرفاً كيف وصدر الآية في شيء وذيلها في شيء ووسطها في شيء).

 وهذا يكشف عن عدم جدوى البحث والنقاش مع المدرسة الاخرى وذلك فيما يتعلق بالبحث القرآني؛ لاختلاف المنهج في تفسير الآية وبيانها كما أوضحنا, علما أن هذا المنهج ـ التفسير والبيان بتقطيع الآيات ـ مستخدم كثيرا في استدلالات مباحث الامامة عندنا.

 والمنهج المذكور مما يمكن تطبيقه على رواياتهم, وذلك أننا نجد الاعلام يسقطون الاستدلال بالمقطع الذي لا ينسجم مع المقاطع السابقة واللاحقة للرواية الصحيحة السند وهذا مما لا محذور فيه بناءٍ على منهج التقطيع والتقسيم, أما بناء على الاستدلال بوحدة المقاطع فالحق معهم ولا يمكن الإسقاط حينئذٍ.

 هذه هي مجموع الشواهد التي استند إليها مشهور علماء الامامية المتقدمين منهم والمتأخرين لبيان شمول الآية للخمس في أرباح المكاسب. من هنا فأنهم قالوا بأن الآية شاملة لكل الفوائد والأرباح فضلا عن الخمس في غنائم دار الحرب.

 وممن صرح بهذا المعنى من الاعلام هم:

 أولاً: السيد الخوئي في المستند ص194 بقوله: ولعله, ومن ثَم, وكيفما كان فلا ينبغي التأمل في إطلاق الآية المباركة في حدّ ذاتها وشمولها لعامّة الأرباح والغنائم.

 ثانياً: السيد محمد هادي الميلاني في محاضرات في فقه الامامية كتاب الخمس ص10 بقوله: والحاصل أن مورد الآية وإن كان هو غنيمة دار الحرب لكنّ المدار على عموم الآية, حيث أن الموصول وصلته من القضايا العامة والمورد لا يخصص العام كما في كثيرٍ من الموارد...الخ

 ثالثاً: الشيخ فاضل اللنكراني في تفصيل الشريعة ص10 بقوله: ويدل على عموم الغنيمة في آية الخمس...الخ. فيشير إلى بعض الشواهد التي أشرنا إليها.

 رابعاً: الفقيه الهمداني في مصباح الفقيه المجلد الرابع عشر ص14بقوله: أقول: الظاهر أن هؤلاء الأعلام أرادوا بما ذكروه معنى الغنيمة التي يتعلق بها الخمس ويُنزل عليها إطلاق الآية, وإلا فهي بحسب الظاهر اسمٌ لكل ما استفيد فينبغي أن يحمل عليه إطلاقُ الآية إلا أن يدل دليل من نصٍ أو إجماعٍ على التخصيص ولم يرد مثل هذا التخصيص.

 خامساً: النراقي في مستند الشيعة في أحكام الشريعة المجلد العاشر ص9 بقوله: قال: اعلم أن الأصل وجوب الخمس في جميع ما يستفيده الإنسان ويكتسبه ويغنَمه للآية الشريفة والأخبار, أما الآية...الخ, فيشير إلى بعض الشواهد التي أشرنا اليها.

 سادساً: السيد الطباطبائي الموسوي في كتاب المدارك المجلد الخامس ص379 بقوله:

 قال: احتج الموجبون بقوله تعالى: { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} والغنيمة اسم للفائدة فكما يتناول هذا اللفظ غنيمة دار الحرب بإطلاقه يتناول غيرها من الفوائد.

 الى هنا تم تقرير بحث المقتضي في كلمات الاعلام لوجوب الخمس في أرباح المكاسب, ولنا هنا أن نتساءل: هل ما أُفيد من الاعلام تام أم لا؟

 تفصيل ذلك في البحث القادم إنشاء الله.

والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo