< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/02/03

بسم الله الرحمن الرحیم

في المراد من الغنيمة وإفادة قول اللغوي فيها

 كان الكلام فيما سبق من الابحاث حول ما يعتقده المشهور في آية الخمس وقلنا بأنهم يرونها شاملة لغنائم دار الحرب وأرباح المكاسب والتجارات.

 ولا يخفى أن وجود الأصل القرآني لوجوب الخمس في أرباح المكاسب يشكل أهمية عالية باعتبار أن كثيرا من الموراد التي يتعلق فيها الخمس في الوقت الحاضر تعود ملكيتها والانتفاع بها الى الدولة الحاكمة وذلك كما في غنائم دار الحرب أو الكنوز أو المعادن مثلا, ولم يعود من تلك الموارد الى الفقيه الا الخمس في أرباح المكاسب والتجارات.

 من هنا يطرح السؤال التالي: هل يوجد للخمس في أرباح المكاسب أصل قرآني أم لا؟

 قلنا فيما مضى من الابحاث أن مشهور الفقهاء من الامامية يعتقدون أن آية الخمس كما هي شاملة للخمس في غنائم دار الحرب هي شاملة للخمس في أرباح المكاسب. وقد استندوا في ذلك على مادة الغنيمة فقالوا: أن الغنيمة والغنم ونحو ذلك يستعملان من الناحية اللغوية في غنائم دار الحرب وغيرها من الفوائد الأخرى, فساقوا الى ذلك المدعى كثيراً من الشواهد والمؤيدات تمت الاشارة إليها مفصلا فيما سبق, الا أننا نذكرها هنا على وجه الاجمال:

 أولاً: ما ذكره جملة من أعلام المفسرين.

 ثانياً: ما ذكره السيد الخوئي+ في مسألة ما الموصولة {ومن شيءٍ

} الواردة حيث قال: أنها دالة على العموم والإطلاق.

 ثالثاً: الاستشهاد بقاعدة(من له الغنم عليه الغرم).

 رابعاً: النصوص الواردة عن أهل البيت (ع) التي أشير فيها الى مصداق الغنيمة في الآية الكريمة وهي من قبيل: الإفادة يوماً بيوم بغض النظر عن نوع الفائدة ونوعها.

 وحين يثبت دعوى القول بأن الآية الكريمة شاملة للخمس في أرباح المكاسب, فأننا سوف نواجه أشكالاً آخر مفاده: أن ثبوت الخمس في أرباح المكاسب يستدعي أن يكون هذا الفرض جزءً ثابتاً من الشريعة حاله في ذلك حال الزكاة والصوم والصلاة, الملازم لثبوته في القرآن الكريم وكلمات الرسول والائمة الذين كانوا قبل عهد الصادقين, الا أننا لم نر لذلك أثراً, بل الملاحظ ظهور ذلك في زمن الائمة المتأخرين (ع).

 والحق في الجواب: أن الاشكال المزبور غير واردٍ وليس بصحيح؛ وذلك لأننا بينا أن الخمس في أرباح المكاسب داخل تحت عموم مادة الغنيمة في الآية الكريمة الدال على وجوب الخمس في كل فائدةٍ.

 إن تمت هذه الدعوى وهذا البيان بأن الآية فيها إطلاقٌ وشمولٌ يشمل أرباح المكاسب أيضاً فلا تكون الدعوى القائلة بأن الخمس في أرباح المكاسب لا أساس قرآني لها صحيحة وتامة.

 من هنا فأننا نجد الاعلام حاولوا وبطرق متعددة الاجابة على الاشكال المزبور, فأفاد السيد الخوئي في مستند العروة الوثقى ص196 قائلا: (وان تعجب فعجب انه لم يوجد لهذا القسم من الخمس عين و لا أثر في صدر الإسلام إلى عهد الصادقين عليهما السلام حيث ان الروايات القليلة الواردة في المقام كلها برزت و صدرت منذ هذا العصر، اما قبله فلم يكن منه اسم و لا رسم بتاتا حسبما عرفت.

 و الجواب: اما بناء على ما سلكناه من تدريجية الاحكام و جواز تأخير التبليغ عن عصر التشريع بإيداع بيانه من النبي الى الامام ليظهره في ظرفه المناسب له حسب المصالح الوقتية الباعثة على ذلك، بل قد يظهر من بعض النصوص ان جملة من الاحكام لم تنشر لحد الان و انها مودعة عند ولي العصر عجل اللّه تعالى فرجه و هو المأمور بتبليغها متى ما ظهر و ملأ الأرض قسطا و عدلا. فالأمر على هذا المبنى- الحاسم لمادة الإشكال- ظاهر لا سترة عليه).

 ويظهر مما تقدم أن ثبوت الأصل القرآني للخمس في أرباح المكاسب وأن شمول الآية له يسقط الاشكال المذكور عن الاعتبار, الا أن ذلك سوف يفتح الباب أمامنا لإشكال آخر مفاده: أننا لم نعهد من الرسول (ص) وأمير المؤمنين وبقية الخلفاء أنهم دعوا أو جبوا خمس أرباح المكاسب كما نراهم يفعلون ذلك في فريضة الزكاة, وهذا المعنى يشير إليه السيد الخوئي في مستند العروة الوثقى ص195 بقوله: (و حاصله ان الآية لو كانت مطلقة و كان هذا النوع من الخمس ثابتا في الشريعة المقدسة فلما ذا لم يعهد أخذه من صاحب الشرع حيث لم ينقل لا في كتب الحديث و لا التاريخ ان النبي الأعظم صلى اللّه عليه و آله أو أحدا من المتصدين بعده حتى وصيه المعظم في زمن خلافته الظاهرية تصدى لأخذ الأخماس من الأرباح و التجارات كما كانوا يبعثون العمال لجباية الزكوات، بل قد جعل سهم خاص للعاملين عليها فإنه لو كان ذلك متداولا كالزكاة لنقل إلينا بطبيعة الحال).

 فالقضية غير خالية من بعض الاثارات والاشكالات سواء على القول بالشمول أو عدمه.

 وبيان القول المختار في المسألة يتوقف على تحرير محل النزاع فيها, حيث صور الاعلام أن الغنيمة لها استعمالان:

 الأول: غنائم دار الحرب المأخوذة من العدو.

 الثاني: مطلق الفوائد الشاملة لغير غنائم دار الحرب.

 الا أن الحق وكما نعتقد أن هذا التقسيم ـ الثنائي ـ غير دقيق, فالفوائد التي يحصل عليها الانسان على أنحاء ثلاث هي:

 الأول:

غنائم دار الحرب الحاصلة من القتال والمحاربة مع العدو.

 الثاني: الفوائد التي يحصل عليها الانسان من دون مشقةٍ وجهدٍ وكسبٍ, ومن غير ترقبٍ وانتظار.

 الثالث:

ما يحصل عليه الانسان من أرباح المكاسب والتجارات.

 من هنا فأن الكلام في الآية الكريمة لابد أن يلاحظ فيه شموله وعدم شموله للنحوين الأخيرين, أو أنه شامل لأحدهما دون الآخر, أما النحو الاول فهو القدر المتيقن من الثبوت في الآية.

 فحينما نأتي الى لفظ الغنيمة الوارد في الآية لابد من البحث عن بيانٍ لغوي لها, ولا نكتفي بإفادته للشمول في النحو الاول والثاني, بل لا بد أن تكون إفادته شاملة للنحو الاول والثاني والثالث معاً.

 أما فيما يخص قول اللغوي فيوجد فيه بحثان من حيث حجية قوله وعدم ذلك:

 الأول:

الاستناد الى قول اللغوي ـ المتخصص ـ لمعرفة الاستعمال الحقيقي من المجازي في اللفظ الموضوع الى المعنى, أي: هل أن هذا اللفظ مستخدم في هذا المعنى على نحو الحقيقة أم المجاز.

 الثاني: الاستناد الى قول اللغوي المتخصص لمعرفة أن هذا اللفظ هل يمكن استعماله في هذا المورد وهذا المصداق أم لا؟ بغض النظر عن حقيقة ذلك الاستعمال حقيقيا كان أم مجازياً, بقرينةٍ كان أو بدون قرينة.

 كما لو رجعنا إليه لنعرف أن مادة الصعيد مستخدمة في حصةٍ خاصة من التراب أم أنه مستعمل في مطلق وجه الأرض.

 وفي المقام كذلك فلو أننا أردنا أن نعرف أن مادة غنم هل هي مستخدمة في النحو الاول من أنحاء الغنيمة أم أنها شاملة للنحوين الآخرين أو أحدهما.

 والثابت لدينا ـ كما بينا ذلك في أبحاث علم الاصول ـ أن قول اللغوي المتخصص حجة في القسم الثاني ـ بيان مورد الاستعمال ـ لا الاول ـ كون الاستعمال حقيقي أو مجازي ـ ويترتب على ذلك أن مادة غنم لو كانت مستخدمة في مصاديق الأنحاء الثلاثة لمعنى الفائدة فأن لفظ {غنمتم

} في الآية الكريمة سوف يكون دال على الاطلاق والشمول ما لم تكن هناك قرينة دالة على التخصيص والتقييد.

 أما إذا ثبت أن الاستعمال حاصل في موارد النحو الاول, أو الاول والثاني فقط, فلا يمكننا حينئذٍ التمسك بالإطلاق ومقدمات الحكمة لإثبات العموم والشمول في النحو الثاني والثالث أو الثالث فقط.

 ولنا أن نرجع هنا الى اللغويين لنرى إفادتهم في المقام, ومن ابرز الموراد التي يمكن الرجوع إليها هي:

 المورد الأول: كتاب العين لأبي عبد الرحمن بن احمد الفراهيدي المتوفى سنة 175 للهجرة, يقول: ( باب الغين والنون والميم معهما, والغُنمُ الفوزُ بالشيء من غير مشقةٍ, ـ وقوله الفوزُ من غير مشقة يلازم خروج النحو الاول من الفائدة؛ لأنه حاصل بمشقة دون شك, لأن لازم الحرب الجهد والتعب والمشقة, فهذا يلازم خروج مورد الآية من الآية, فكيف يمكن الخروج من هذا الاشكالية؟ هذا ما سنعرض له مفصلا في قادم الابحاث انشاء الله ـ .) والواضح من قوله أن استعمال الغنيمة غير شامل لموارد النحو الثالث بكل تأكيد.

 المورد الثاني:

كتاب تهذيب اللغة لأبي منصور بن أحمد الأزهري المتوفى سنة 370 للهجرة يقول في الجزء السابع ض141 : (وقال الليث: الغُنم الفوزُ بالشيء من غير مشقةٍ) وواضح من قوله أيضا أن الاستعمال في لفظ الغنيمة غير شامل للنحو الثالث.

 المورد الثالث:

لسان العرب لأبن منظور حيث يقول في المجلد العاشر ص133: ( مادّة غَنم, قال: والغُنمُ الفوزُ بالشيء من غير مشقةٍ), والكلام فيه كالكلام في سابقيه.

 المورد الرابع: كتاب تاج العروس للزبيدي حيث يقول في الجزء الثالث والثلاثون ص188: ( والغُنم الفوزُ بالشيء بلا مشقةٍ).

المورد الخامس:

كتاب القاموس المحيط للفيروز آبادي حيث يقول: (والفوزُ بالشيء بالضم, غنم بالكسر, غُنْماً بالضم وبالفتح وبالتحريك وغنيمةً وغنماناً بالضم والفوزُ بالشيء هو الفوزُ بالشيء بلا مشقةٍ).

المورد السادس

كتاب المعجم الوسيط, حيث يقول: ( الغُنم هو الفوز بالشيء من غير مشقة).

 وبهذا يتضح أن هؤلاء المدققين والمحققين قد اتفقت كلمتهم على أن الغنيمة هي ما يحصل من دون مشقةٍ وفي تعبير آخر لهم بلا مشقة. وهذا يكشف عن عدم شمولها لغوياً للنحو الثالث من أنحاء الفائدة.

 تتمة البحث في غدٍ

والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo