< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/02/04

بسم الله الرحمن الرحیم

في حجية قول اللغوي, وما استفاده أعلام المفسرين من لفظ الغنيمة

 تحدثنا فيما مضى من حديث الأمس عن حجية قول اللغوي وذكرنا أن الرجوع إليه يكون في موردين:

 الاول: :

الاستناد الى المتخصص منهم لمعرفة الاستعمال الحقيقي من المجازي في اللفظ الموضوع الى المعنى.

 الثاني: : الاستناد الى المتخصص منهم لمعرفة أن هذا اللفظ هل يمكن استعماله في هذا المورد وهذا المصداق أم لا؟ بغض النظر عن حقيقة ذلك الاستعمال حقيقيا كان أم مجازياً, بقرينةٍ كان أو بدون قرينة.

 وما نريد قوله اليوم عدم حجية قول اللغوي في الموردين وذلك فيما إذا كان قوله مبتنٍ على النظر والاجتهاد لعدم الفرق حينئذٍ بين قوله وقول الفقيه.

 علما أننا أشرنا في حديث الأمس بأننا نرى أن قول اللغوي الحجة هو في المورد الثاني لا الاول أي حينما يبين لنا موارد الاستعمال ومصاديقه فمثلا حينما نشك أن كلمة الصعيد مستخدمة في التراب أو في مطلق وجه الأرض عندئذ نرجع الى قول اللغوي لنعرف حقيقة الأمر منه وإنها في أي الموارد تم استخدامها.

 وما في المقام من هذا القبيل فأن الشك في استخدام مادة الغنيمة وأنها مستخدمة في النحو الأول أو الثاني أو الثالث أو في جميعها يجعلنا نعتمد قول اللغوي في معرفة موارد الاستعمال.

 وهذا المعنى قد أشار إليه السيد الشهيد في حجية قول اللغوي, ففي تقريرات السيد محمود الهاشمي الجزء الرابع ص295 يقول: لابد من البحث في مقامين:

الأول:

حجية قول اللغوي في إثبات موارد الاستعمال.

الثاني:

حجية قول اللغوي في تعيين المعنى الحقيقي والمجازي.

 ثم يورد إشكالاً على المقام الاول مفاده: (أن تعيين اللغوي لموارد الاستعمال لا يجر فائدة بالنسبة للفقيه, الا انه يجيب على ذلك بما نصه: كلا, هناك ثمراتٌ عديدة يمكن تصويرها في المقام لو كان قوله حجة منها: أن اللفظ إذا لم يكن يحتمل فيه تعدد المعنى ـ أي أن المعنى واحد كما في الفائدة, الا أن الشك متعلق بسعة المعنى وحدوده, فهنا إن بنينا على حجية قول اللغوي يمكن الاستناد الى قوله, وإن لم نبني على حجية قول اللغوي لا يمكن الاستناد إليه..

 وهذا المعنى يشير اليه السيد الحائري في تقريراته من الجزء الثاني القسم الثانيص256 بقوله: يستظهر من عبارة البعض عدم فائدة حجية قول اللغوي في موارد الاستعمال, والجواب:

كلا, فإنه لو ثبتت حجية قول اللغوي في موارد الاستعمال فإنها تكون مورد فائدة كثيرة...., فيشرع بذكر موارد الفائدة.

 والتفصيل المزبور ـ المذكور من السيد الشهيد ـ يظهر من كلمات صاحب الكفاية أيضاً في ص287 بقوله: لا يُقال على هذا لا فائدة في الرجوع إلى اللغة, فإنّه يقال: مع هذا لا تكاد تخفى الفائدة في المراجعة إليها - إلى اللغة- فإنّه ربما يوجب القطع بالمعنى وحينما يحصل القطع بالمعنى لا تبقى خصوصية لقول اللغوي - وربما يوجب القطع بأن اللفظ في المورد ظاهرٌ في معنىً وإن لم يقطع بأنه حقيقة فيه أو مجاز كما اتفق كثيراً وهو يكفي في الفتوى.

 ويظهر ذلك أيضا من كلمات السيد الروحاني في منتقى الاصول الجزء الرابع ص233 بقوله: (ونتيجة البحث أنّه لا دليل لدينا على اعتبار قول اللغوي ولكن هذا الأمر -عدم حجية قول اللغوي- لا يوجب لغوية الرجوع إلى كتب اللغة, إذ قد يحصل القطع بالموضوع له منها أحياناً كما قد يحصل معرفة ظهور الكلام في معنىً, وإن لم يعرف أنه حقيقة أو مجاز فيه). فيذهب رحمه الله الى أن المهم هو ظهور اللفظ في المعنى بقطع النظر عن حقيقة الاستعمال في ذلك في أن يكون على نحو الحقيقة أو المجاز, وذلك غير مؤثر في فتوى الفقيه, نعم هو مؤثر في قول اللغوي؛ فيلزم حينئذٍ البحث عن أن هذا الظهور هل هو ظهور حقيقي أم بالقرائن اللفظية منها والموردية أو غير ذلك من القرائن.

  فيكفي الفقيه عند الوصول الى مفردةٍ أن يفتي بإفادتها العموم وعدم ذلك حتى مع عدم استطاعته تمييز الاستعمال في تلك المفردة في كونها على نحو الحقيقة أو المجاز. حيث أن ذلك يكفي فيه الرجوع الى كتب اللغة.

 وبالعودة الى محل البحث نقول: لا نشك حين الرجوع الى اللغة بأن مادة الغنيمة كما أنها مستعملة في النحو الاول من الفوائد مستعملة في غيره, الا أننا نشك هل أنها شاملة للنحو الثالث من الفوائد أم أنها مختصة بالنحو الثاني فقط؛ لوجود قرينة بلا مشقةٍ.

 علما أن الاعلام تصوروا أن نفي الاختصاص بالنحو الاول كافٍ لتحقق الشمول لجميع الأنحاء, الا أنه لا ملازمة في ذلك؛ وهو إنما يصح فيما لو كان عندنا من الانحاء اثنين لا ثلاث, ونحن بينا فيما سبق أن أنحاء الفائدة ثلاث لا إثنين.

 نعم, لو كان قيد بلا مشقة غير موجود في كلمات اللغويين لكان ما قرروه صحيحاً؛ إذ بهذا القيد يخرج النحو الثالث عن صدق استعمال الغنيمة فيه.

 ولعل هذا ثابت في الذوق اللغوي حيث لا يعبر عن الربح بالغنيمة لوجود الفرق الملحوظ لغة وعرفا بين الربح والغنيمة, لاحتمال الخسارة أمام الربح دون الغنيمة, فالذي لا يحصل على الغنيمة لا يقول خسرتها.

 وهذا المعنى قد التفت اليه بعض المفسرين ومنهم صاحب تفسير المنار فنجده عندما يصل الى كلمات صاحب القاموس يشير الى هذه النكتة فيقول: (من غير مشقةٍ كذا في القاموس, ثم يقول: وهو قيد يشير إليه ذوق اللغة).

 والتمييز بين الربح والغنيمة قد أشار اليه الراغب أيضاً بقوله: ربح الربح الزيادة الحاصلة في المبايعة, أما عن غنم فيقول: غنم الغنم معروف والغُنم إصابته, لا المعاملة عليه, تحصيله, والغُنم إصابته والظفر به, ثم استعمل في كل مظفورٍ به) والواضح من قوله انه لا يذهب الى القول بالترادف بين الربح والغنيمة.

 فما قيل من ترادف بين الربح والغنيمة خلاف الذوق اللغوي.

 فلا يصح حينئذٍ قول السيد الخوئي رحمه الله القائل بالترادف بين الربح والغنيمة كما نراه يقول: إلا أن كلمة غنم بالصيغة الواردة في الآية المباركة ترادف ربح.

 علما أن الاطمئنان لم يحصل لي حين مراجعة كلمات اللغويين باستعمال لفظ الغنيمة في النحو الثالث, ومع عدم إحراز ذلك لا يمكننا التمسك بالاطلاق حينئذٍ للقول بشموله.

 ولنا هنا أن نجيب على الاشكال الذي أشرنا اليه بالأمس والذي مفاده: أن قيد بلا مشقة يخرج مورد الآية عن الشمول بلفظ الغنيمة, فنقول في مقام الجواب: أن الغاية الأولى للذاهب الى الحرب هي الغلبة والنصر دون ترقب حصول الغنائم, فإن حصلت فحصولها دون شك لا عن مشقة وترقب وانتظار.

 وبهذا يظهر أن لفظ الغنيمة لا تقتضي الإطلاق لتشمل أرباح المكاسب.

 علما أننا سوف نشير الى بعض الشواهد لا حقا التي تفيد عدم صحة وجود المقتضي للتعميم, وهو بخلاف الشواهد التي تكلمنا عنها فيما سبق, التي تفيد تمامية المقتضي للتعميم والتي هي عبارة عن:

أولا:

ما فهمه جملة من أعلام من أعلام المسرين.

 ولنا أن نلاحظ على ذلك ملاحظتين, هما:

 الأولى: لو سلمنا وجود الفهم الموجود في كلمات المفسرين, الا أنه دون شك مبتنٍ على النظر والاجتهاد, وهو ليس من قبيل قول اللغوي الحجة غير المبتني على النظر والاجتهاد.

 الثانيةً: أن النظر والاجتهاد هذا, إن لم يكن معارضا بما هو أقوى منه فهو ـ المعارض ـ ليس بأقل منه بكل تأكيد.

 ولا يخفى, أن هناك من أعلام الفريقين من يقول باختصاص مادة الغنيمة الواردة في الآية الكريمة بغنائم دار الحرب فقط, وغير شاملة للنحو الثاني والثالث من أنحاء الفائدة, وقولهم هذا إنما هو حجة عليهم لا غير.

 وممن ذكر هذا المعنى من الاعلام كثير, نشير إليهم على نحو الاجمال:

 الأول: ابن كثير في تفسيره ص203 في ذيل آية الغنائم حيث يقول: يبين تعالى تفصيل ما شرّعه مخصِصاً لهذه الأمة الشريفة من بين سائر الأمم المتقدمة بإحلال الغنائم والغنيمة هي المال المأخوذ من الكفار بإيجاف الخيل والركاب...الخ.

 فلم يذكر الا مصداقا واحداً للغنيمة وهو الذي يتعلق بدار الحرب فقط.

 الثاني: البيضاوي في تفسيره المجلد الثالث ص60 في تفسير آية الغنائم يقول: أي الذي أخذتموه من الكفار قهراً. ولم يذكر مصداقا آخر لذلك.

 الثالث: الطبري في تفسيره في الجزء الحادي عشر ص185 حيث يقول: الغنيمة ما أصاب المسلمون عنوة بقتال...الخ.

 الرابع: ابن عاشور التونسي في تفسيره التحرير والتنوير في الجزء التاسع ص101 حيث يقول: أن المراد بقوله (ما غنمتم): ما حصلتم من الغنائم من متاع الجيش.

 الخامس: الفاضل الكاظمي في كتابه مسالك الإفهام الجزء الثاني ص76 حيث يقول: ظاهر الغنيمة ما أخذت من دار الحرب ويؤيده الآيات السابقة واللاحقة وعلى ذلك حملها أكثر المفسرين, والظاهر من أصحابنا أنهم يحملونها على الفائدة مطلقا وعلى ذلك حملها أكثر المفسرين.

 وللكلام تتمة

والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo