< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/02/05

بسم الله الرحمن الرحیم

فيما استدل به الاعلام من الروايات لإثبات الخمس في أرباح المكاسب

 كان الكلام في الشواهد التي ساقها الاعلام لبيان التعميم في مادة الغنيمة في الآية الكريمة وذكرنا الشاهد الاول على ذلك وما يلاحظ عليه.

 الشاهد الثاني: ما أفاده السيد الخوئي في مستند العروة الوثقى ص194 بقوله: و لعل في التعبير بالشي‌ء- الذي فيه من السعة و الشمول ما ترى- ايعازا الى هذا التعميم و ان الخمس ثابت في مطلق ما صدق عليه الشي‌ء من الربح و ان كان يسيرا جدا كالدرهم غير المناسب لغنائم دار الحرب كما لا يخفى.

 لا شک أن كلمة الشيء من أوسع المفاهيم وأشملها الا أن إفادتها ذلك يستدعي الرجوع الى قوله تعالى {وأعلموا أنما

}, وما الموصولة في الآية مبهمة يتعين مرادها من صلتها كما هو معلوم, والصلة في الآية هو {غنمتم

}, وقوله {من شيء

} هو بيان لغنمتم لا لـ ما الموصولة, فيكون المعنى المراد كل شيءٍ غنمتموه فلله خمسه, وهذا يلازم عدم إمكان الاستناد الى لفظ شيء لإثبات العموم والشمول منه, بل لابد من الرجوع الى لفظ غنمتم لمعرفة المراد منه فهل هو يفيد النحو الاول فقط ليجب الخمس فيه, أم أنه شامل للنحو الثاني والثالث أو أحدهما.

 ويتعين هذا الأمر بقول اللغوي فلابد من الرجوع إليه لمعرفة المراد من مادة الغنيمة وهل هي مختصة بالنحو الاول أو شاملة للنحو الثاني دون الثالث أو شاملة للأنحاء الثلاثة وحينها تكون مفيدة في المقام, الا أن الواضح أنها غير شاملة للنحو الثالث قطعاً.

 ومن كتب في إعراب القرآن أشار الى هذا المعنى فمحيي الدين درويش في كتابه إعراب القرآن الكريم يقول:

(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) أن وما في حيزها سدت مسد مفعولي اعلموا وما موصولة ولذلك نصبت في الرسم من، ولكن ثبت وصلها في خط بعض المصاحف وثبت فصلها في بعضها الآخر، وهي اسم أن، وجملة غنمتم صلة ومن شيء في محل نصب حال من عائد الموصول المقدر والمعنى: ما غنمتموه كائنا من شيء أي قليلا كان أو كثيرا. (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) الفاء رابطة لما في الموصول من رائحة الشرط وفتحت همزة «أن» لأنها وما في حيزها خبر مبتدأ محذوف تقديره فحكمه أن لله خمسه، والجار والمجرور خبر أن المقدم وخمسه اسمها المؤخر والتقدير: فإن خمسه لله، ويجوز أن تكون أن وما في حيزها مبتدأ خبره محذوف تقديره فحق أو فواجب أن لله خمسه، وللرسول وما بعده عطف... ).

 فهذه القرينة ايضا غير دالة على المراد وهو إثبات التعميم في مادة غنمتم لتشمل النحو الثالث من أنحاء الفائدة.

  الشاهد الثالث: وهي الروايات التي استدل بها الاعلام لإثبات العموم في الآية, علما أنهم لم يستندوا في ذلك الى أقول المفسرين أو فهم الاصحاب أو الى قاعدة الغنم والغرم.

 أما الروايات فهي من قبيل ما عبر عنها السيد البروجردي في ص78 بقوله: (الطائفة المستفيضة بل المتواترة), وقلنا فيما سبق عدم وجود الا ثلاثة أو أربع روايات في المقام وهي إما دالة مضمونا ساقطة عن الاعتبار سندا وإما أنها غير دالة على المراد أصلاً.

 وبينا كذلك أن تعبيره بالتواتر ليس صحيحا الا إذا كان له مراد آخر بأن يكون نظره غير متجهٍ الى روايات الخمس في خصوص بيان الحكم, بل الى الروايات التي هي بصدد تفسير الآية المباركة.

 أما الروايات فهي:

 الرواية الأولى: الواردة في بصائر الدرجات الجزء الأول ص77 : (حدثنا أبو محمد عن عمران بن موسى عن موسى ابن جعفر عن علي ابن أسباط عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر× قال: قرأت عليه آية الخمس فقال: ما كان لله فهو لرسوله وما كان لرسوله (ص) فهو لنا ثم قال: لقد يسّر الله على المؤمنين أنّه رزقهم خمسة دراهم وجعلوا لربهم واحداً وأكلوا أربعةً حلالا).

 والاستدلال بالرواية لإثبات التعميم كما يرون هو بقوله (ع): ثم قال لقد يسّر الله على المؤمنين أنّه رزقهم خمسة دراهم, أي: أن الامام بصدد بيان تفسير الغنيمة وجعلها عامة في كل رزق وقوله رزقهم خمسة دراهم هو من باب المثال لا الحصر, فتكون شاملة لأرباح المكاسب أيضاً لصدق الغنيمة عليه والرزق عليه.

 الا أننا لابد أن نشير الى أن الامام(ع) قد بين أكثر من أمر في هذا النص:

 الأول: ما كان خمسه لله فهو لرسوله وما كان لرسوله فهو لهم عليهم السلام وهذا المدلول عليه بقوله (ع): ما كان لله فهو لرسوله وما كان لرسوله فهو لنا وهو ما دلت عليه الآية بقولها: {فإن لله خمسه وللرسول

}.

 الثاني: عدم وجود الظهور الدال على تفسيره الغنيمة الا من قوله: لقد يسّر الله على المؤمنين؛ لأنه نسب تيسير الرزق الى الله سبحانه وتعالى, فقد يكون في المقام إشعار بأن الامام في مقام البيان والتفسير للمراد من الغنيمة في الآية الكريمة, الا أن الحق أن النص الآخر المعطوف على قوله: ثم قال: لقد يسّر الله على المؤمنين أنّه رزقهم خمسة دراهم وجعلوا لربهم واحدا وأكلوا أربعةً حلالا, والذي هو: ثم قال: هذا من حديثنا صعب مستصعب لا يعمل به ولا يصبر عليه إلا ممتحن قلبه للإيمان, يسقط ذلك الإشعار لأن قوله هذا ليس تفسيرا للآية لكون مضمونه غير موجودٍ في الآية أصلاً.

 مضافا الى ذلك: أن الرواية مخدوشة السند بأبي محمد المجهول الحال وعمران بن موسى الذي لم تتضح حقيقته فهل هو الزيتوني أو الأشعري.

الرواية الثانية:

الواردة في الخصال الجزء الاولص312 : (عن علي ابن أبي طالب عن النبي(ص) أنه قال في وصيته له: يا علي إنّ عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام, حرم نساء الآباء على الأبناء فأنزل الله (عزّ وجلّ) {ولا تنحكوا ما نكح آبائكم من النساء

}, ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وتصدق به فأنزل الله (عزّ وجلّ) {وأعلموا أنما غنمتم

} ولما حفر زمزم سماها سقاية الحاج فأنزل الله (عزّ وجلّ) {أجعلتم سقاية الحاج

} وسن في القتل مئة من الإبل فأجرى الله (عزّ وجلّ) ذلك في الإسلام ولم يكن للطواف عددٌ عند قريش فسن فيهم عبد المطلب سبعة أشواط فأجرى الله ذلك في الإسلام, يا علي إن عبد المطلب كان... إلى أن يقول: ويقول أنا على دين أبي إبراهيم)

 فاستدل القائلون بالتعميم بقوله (ص): ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وتصدق به فأنزل الله (عزّ وجلّ) {وأعلموا أنما غنمتم

} فمن خلال ثبوت الخمس في الكنز قالوا بالتعميم ليشمل أرباح المكاسب.

 الا أننا يمكن أن نلاحظ فنقول: أن الآية في مقام بيان أصل التشريع, أي أنها تبين الحادثة أو الوقت الذي تم فيه تشريع الخمس, لا في مقام بيان ما يتعلق به الخمس, ويدل على ذلك:

 أولاً: أن الأمور الأربعة الأخرى المذكورة في الرواية قد ذُكرت لبيان أصل تشريعها لا لبيان خصوصياتها.

 ثانياً: لو كانت الرواية تفيد ضرورة إتباع عبد المطلب فيما فعل لكان الواجب علينا أن نتصدق في الكنز, الا أن ذلك ليس بصحيح لثبوت الخمس فيه لا الصدقة, وهذا شاهد واضح على أن الرواية في مقام بيان أصل التشريع لا بيان الخصوصيات.

 ثالثاً: لو تنزلنا عن الايرادين السابقين فإن الرواية غاية ما تفيده في ثبوت الخمس هو النحو الأول والثاني لا الثالث.

 ومضافا الى ما تقدم فأن الرواية مبتلاة بمشاكل سندية عديدة لا يمكن غض الطرف عنها وهي بطبيعة الحال تبعث على سقوط الرواية عن الاعتبار.

 الرواية الثالثة: ما ورد في تهذيب الاحكام الجزء الرابع ص121: (علي ابن الحسن ابن فضّال عن الحسن ابن علي ابن يوسف... إلى أن قال عن حكيم مؤذن بني عبس أو بني عيسى -على الخلاف- عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: قلت له: {واعلموا أنما غنمتم من شيء

} يعني المؤذن بني عبس يقول, قال: قلت له {واعلموا أنما غنمتم من شيء

} قال: هي والله الإفادة يوماً بيومٍ).

 وهذه الرواية فيها مشاكل ثلاث كما أشرنا فيما سبق وهي:

 أولا: ما يتعلق بمحمد بن سنان حيث يرى الاصحاب فيه عدم الثقة وإن لم يكن كذلك عندنا.

 ثانياً: أبو الزبير الواقع في طريق سند الشيخ الى علي بن الحسن بن فضال.

 ثالثاً: لو غضضنا النظر عن المشكلتين السابقتين فأننا سوف نصطدم بحكيم مؤذن بني عبس أو عيسى, الذي حاول فيه السيد البروجردي التصحيح والتوثيق بهذين البيانين:

 الأول: حيث قال فيه: أن حكيماً راوي الرواية كان إمامياً ثقةً فإن هذا الحكم إنّما هو من مختصاتهم, لا يظهرونه إلا لمواليهم.

 ولنا أن نلاحظ على ذلك:

 أولاً: أن القول بأن ما حصل لحكيم مؤذن بني عيسى أو عبس هو من مختصاتهم أول الكلام ويحتاج في إثابته الى دليل.

 ثانياً: نقول لا ملازمة بين نقلهم الأمور الخاصة و القول بالتوثيق بالمعنى المصطلح وإلا للزم أن نقلهم لذلك طريقا للتوثيق, وهذا لا يمكن القول به لاحتمال أن النقل كان عن طريق سماع الامام في مجلس عام أو من أحد مقربي الامام, ولو سلمنا أن الناقل كان من الموالين فكذلك لا ملازمة بين أن يكون الناقل مواليا وبين أن يكون ثقة بالمعنى المصطلح, أي: ليس دائما إذا كان الناقل مواليا فهو ثقة بالمصطلح الرجالي.

 الثاني: أنه مؤذن والمؤذن لا يكون الا ثقة.

 ولنا أن نلاحظ على ذلك: أن هذا من غريب القول؛ لعدم وجود الملازمة بين الأذان والثقة بالمعنى المصطلح, لإمكان ثبوت الصفة له حتى مع انقطاعه عن الأذان.

 أما مضمونا فقد حاول البعض القول بسقوطها كالسيد الهاشمي في كتاب الخمس الجزء الأول ص17, حيث يقول: إلا أن الإنصاف عدم دلالتها على ذلك أيضاً باعتبار أن السائل لم يذكر سؤاله عن الآية, وإنما قرأها لتذكير الإمام بموضوع الخمس الذي كان لهم وقد منعوه عنهم ففي هذا السياق ذكر الإمام :هي والله الإفادة يوماً بيوم..., ولا يعلم أن الضمير راجع إلى لفظ الغنيمة, خصوصاً وأنّه ليس في الآية سوى مادة الاغتنام لا لفظة الغنيمة لكي برجع إليها ضمير...), مضافاً الى إمكان القول: بأن الضمير في قوله (هي والله) يعود إلى الآية, فالآية بصدد بيان هذا المعنى.

 الا أن الحق أن الآية لا تسقط مضمونا بما ذكره السيد الهاشمي, وسقوطها من حيث السند أوضح.

الرواية الرابعة:

الواردة في تهذيب الاحكام ص141, وهي من أهم الروايات التي استدل بها الاعلام, وهي من حيث السند لا غبار عليها بل سندها أعلائي, الا أن المشكلة فيها يكمن في المضمون كما يرى الاعلام, فقيل فيها الكثير ومن أبرز ما قيل:

 أولاً: ما أفاده الاردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ص315-316 حيث يقول: وهذه مكاتبةٌ طويلةٌ وفيها أحكامٌ كثيرةٌ مخالفةٌ للمذهب, مع اضطرابٍ وقصورٍ عن دلالتها على مذهبه... الى أن يقول: وبالجملة هذا الخبر مضطربٌ بحيث لا يمكن الاستدلال به على شيءٍ.

 ثانيا: ما أفاده السيد العاملي في مدارك الأحكام المجلد الخامس ص383 حيث يقول: وأما رواية علي ابن مهزيار فهي معتبرة السند لكنها متروكةُ الظاهر.

 ثالثا:

ما أفاده صاحب الحدائق في المجلد الثاني ص359 يقول: أقول: جميع ما تكلّفه في دفع هذه الإشكالات -الإشكالات الواردة على الرواية- مبنيٌ على ما زعمه من اختصاص خمس الأرباح به دون شركائه وبالجملة فالحق ما ذكره جملة من الأصحاب من أنّ الرواية في غاية الإشكال ونهاية الإعضال وأجوبته مع كونها تكلّفات ظاهرة مدخولة بما ذكرناه هنا وسيأتي بحثه.

 رابعاً: ما أفاده السيد محمد هادي الميلاني في كتاب الخمس ص53 حيث يقول: والحاصل: أن الصحيحة بعد أن لم يعتمد عليها أصحابنا من السلف والخلف, فظاهرها غير مرادٍ, مضافاً إلى ما في متنها من أنحاء الاضطراب المانع من الوثوق بصدورها من المعصوم.

 خامسا: ما أفاده الشيخ اللنكراني في كتاب الخمس ص117 حيث يقول: والتحقيق أن في الرواية إشكالاً يوجب رد علمها إلى أهلها ولا يمكن التفصي عنه بوجهٍ من الوجوه..., إلى أن يقول: فما أفاده بعض الأعلام -إشارة إلى السيد الخوئي في المستند- من أن الرواية ظاهرة الدلالة غير ظاهرٍ كما لا يخفى.

 سادساً: ما أفاده السيد الروحاني في كتاب الخمس من كتابه المرتقى إلى الفقه الأرقى في ص33 و 36 حيث يقول: وأما مكاتب علي ابن مهزيار وهي وإن كانت بحسب السند صحيحة إلا أنّها بحسب المتن مضطربة جداً بحدٍ أوجب الإطمئنان الشخصي بعدم صدورها من المعصوم (ع) ثم يقول في ص36: وعليه فلا دلالة للرواية على أن الغنيمة مساوقة للفائدة مفهوماً ولو تنزلنا عن ذلك فلا أقل من الاحتمال الموجِب للإجمال والمتحصل من ذلك كله أنه لما ذكرناه كله أو بعضه وما لم نذكره أيضاً من بعض وجوه الإشكال يحصل الجزم عادةً بعدم صدور المتن المذكور عن المعصوم(ع) ولا أقل من الاطمئنان وبذلك يسقط الاستدلال بها للمقام ـ أي تفسير الغنيمة في الآية بما يشمل النحو الثالث من الفوائدـ.

 ولابد من الالفات هنا أن الاشكالات الواردة على الرواية تتراوح بين العشرة والاثني عشر إشكالا, فإن أمكن دفع هذه الاشكالات, وقيل بعدم الاختصاص بغنائم دار الحرب فغاية ما تثبته الرواية بالشمول هو النحو الثاني من الفوائد دون الثالث.

 وللكلام تتمة

والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo