< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/02/06

بسم الله الرحمن الرحیم

فيما تفيده قاعدة الغنم والغرم على إفادة الشمول وما يلاحظ عليها, وفيما يفيده السياق على إفادة الاختصاص وما يلاحظ عليه

 كان الكلام في الشواهد التي ساقها أصحاب الاتجاه الأول لإثبات العموم والشمول في مادة الغنيمة الواردة في الآية الكريمة ليشمل النحو الثالث من الفائدة, فأتممنا الكلام في ثلاث منها ووصل بنا المقام الى:

 الشاهد الرابع: من كان له الغنم فعليه الغرم ولابد لنا قبل القول الفصل في هذه القاعدة بصحتها أو عدم صحتها أن نبين حقيقة مفادها: أن هذه القاعدة من القواعد العقلائية لا العقلية كما يتصور البعض, و الخلط هذا قد حصل كثيرا عند الاعلام فنرى التعبير عن القواعد العقلائية بالعقلية, وسببه إما الخطأ أو الاشتباه أو المسامحة, علما أن الفارق بين القاعدتين كبير جداً, ومن أبرز ما يميز هذين القاعدتين عن بعضهما هو:

 أولا: عدم صحة نقيض القاعدة العقلية ـ حينما تكون القاعدة العقلية صحيحة ـ بأي حال من الأحوال, بخلاف القاعدة العقلائية ففرض صحة نقيضها ممكن ولا محذور فيه وذلك فيما لو تبدلت الشرائط والظروف.

 ثانيا: إن صدق القاعدة العقلية ثابت ومتحقق في كل النشئات لا في بعضها دون البعض, فأن قولنا النقيضان لا يجتمعان هذا أمر مطابقه صحيح ثابت في عالم الدنيا والآخرة وغيره من العوالم, بخلاف القاعدة العقلائية فأن صدقها محدد ضمن العالم والنشأة التي هي فيها ولا يمكن أن تتجاوزه في الصدق الى غيره الا بتحقق الشروط اللازمة التي يتوقف عليها صدقها, علما أن نحو ثبوتها كائن في ظرف وجود الاجتماع والمجتمع أما مع عدم وجود ذلك فلا موضوع لها حينئذٍ.

 بناءً على ذلك فالتعبير عن القاعدة العقلائية بالعقلية غير صحيح وغير خالٍ من المسامحة,

 وهذا ما نراه قد حصل في كلمات بعض الاعلام ففي ما وراء الفقه الجزء الثامن نجد أن السيد محمد الصدر رحمه الله قد عبر غير مرة عن هذه القاعدة ـ من له الغنم فعليه الغرم ـ بالعقلية وذلك كما في ص258 بقوله: فإذا التفتنا إلى جانب ذلك إلى القاعدة العقلية القائلة من له الغنم فعليه الغرم.

 وكذلك في ص260 بقوله: وهؤلاء يكونون بالحصة العليا تطبيقاً ومصداقاً للقاعدة العقلية من له الغنم فعليه الغرم.

 وكذلك في ص269 بقوله: ومن زواية نلتفت أن العصبة مصداق وتطبيق للقاعدة العقلية من له الغنم فعليه الغرم.

 وكذلك في ص301 بقوله: وقد سمعنا في بعض الفصول السابقة أن هذه القاعدة العقلية: من له الغنم فعليه الغرم.

 والخلط هذا غير حاصل في المورد الذي أشرنا إليه فقط بل في موارد أخرى أيضاً, وهذا يبعث على تداخل وترتب نتائج القاعدتين على بعضهما فتسري نتائج القاعدة العقلية على القاعدة العقلائية وكذلك العكس.

 فمثلاً أن من أهم خصائص القاعدة العقلية عدم قبولها التخصيص فعند عدم التمييز والوقوع في الخلط بين القاعدتين يمكن أن تسري هذه الخصيصة والقول بها في القواعد العقلائية.

 وكذلك قاعدة المؤمنون عند شروطهم فأنها قاعدة عقلائية قد أمضاها الشارع, الا أنه يمكن الخروج عنها حين اتفاق الطرفين على ذلك, فعند الوقوع في الخلط بين القاعدتين يمكن أن ترتب هذه النتيجة على القاعدة العقلية.

 والامر في القاعدة المشار اليها ـ الغنم والغرم ـ هو نفسه بالنسبة الى قاعدة قبح العقاب بلا بيان حيث وقع البحث العميق والمفصل عن حقيقة كونها من القواعد العقلية أو العقلائية.

 فذهب المشهور من الاصوليين الى أنها قاعدة عقلية بحلاف السيد الشهيد الذي يعتقد بعقلائيتها.

 وما يترتب من نتائج على التفريق المذكور كبير, فالقول بأنها عقلية يلازم عدم إمكان التخصيص فيها, والواقع ليس كذلك لأننا نرى إمكان التخصيص وذلك كما في قولهم الا إذا قام دليل على حجية خبر الواحد, بخلاف القول بعقلائيتها فأنه لا يلازم ذلك.

 أما ما يلاحظ على هذه القاعدة بغض النظر عن منشأها ـ في أنها وردت عن لسان الشارع أو استفيدت من بعض الأخبار ـ وحدودها؛ لكون ذلك غير مفيد في المقام؛ لأننا نتكلم في أن الغنيمة لغة هل هي شاملة للنحو الثالث من الفوائد أم لا؟ ولا علاقة لنا باستعمال الشارع واستخدامه سواء كان بنحو أوسع أو أضيق, فكل ذلك غير نافع في المقام, من هنا يمكننا القول:

 أولاً: على فرض تمامية الأصول الموضوعية لهذه القاعدة فهي غير نافعة في المقام بشيء؛ لأن الحديث في الغنيمة لغة لا في ما أفاده الشارع.

 ثانياً: لا يمكن لفريضة كبيرة كالخمس أن تثبت بقاعدة أو دليل كهذا الدليل ( الغنم والغرم), نعم هذه القاعدة صالحة لأن تكون مؤيدا أو شاهدا لدليلٍ على الخمس قد فرض ثبوته في مرتبة سابقة.

 هذا تمام الكلام في الشواهد الأربع التي ساقها الاتجاه الأول لإثبات العموم والشمول في لفظ الغنيمة بما يشمل النحو الثالث من أنحاء الفائدة.

الاتجاه الثاني:

المعتقد بأن لفظ الغنيمة في الآية الكريمة مختص بالنحو الاول من انحاء الفائدة, أي: بغنائم دار الحرب واستدلوا على ذلك بـ :

الدليل الأول:

الاستناد الى وحدة السياق, علما أن المستندين الى ذلك قد وقعوا في خلطٍ بين الدليل الذي نحن فيه (وحدة السياق) وبين الدليل الثاني الذي أفادوه(استقراء الاستعمال القرآني) فنراهم قد جعلوا الدليلين واحدا في حين أن أنهما دليلين اثنين, ولتقريب ذلك نقول:

 أن قوله تعالى: {وسع كرسيه السموات والأرض

} فلفظ الكرسي لم يأتي في القرآن إلا في مورد واحد في آية الكرسي, ولا يوجد استعمال آخر غيره وبهذا فيكون الدليل منعدم هنا لأن شرطه تعدد الاستعمال وهو مفقود في المقام, أم الدليل الأول (السياق) فهو ممكن؛ لوقوع لفظ الكرسي في سياق الآية التي هو فيها أو بين الآيات المحيطة به.

 وأصحاب هذا الاتجاه يعتقدون أن لفظ الغنيمة وان كان يفيد العموم والشمول لغة الا أن القرآن الكريم قد استخدمه في مورد واحد فقط هو غنائم دار الحرب, مستدلين على ذلك بالسياق.

 أما المراد بالسياق أو وحدة السياق فيتضح معناه من خلال بياننا لأنواع القرائن فنقول إن القرائن على أقسام ثلاث: لفظية, وغير لفظية (لبية), وسياقية.

 أما اللفظية فالمراد منها واضح وهي القرائن من الألفاظ التي يبينها المتكلم بكلامه.

 أما غير اللفظية أو اللبية فالمراد منها القرائن العقلية التي لا يمكن الإشارة لها باللفظ.

 أما القرائن السياقية فلنا أن نوضحها بالمثال ليتقرب المعنى أكثر:

 من الأمثلة على ذلك ما ورد في سورة المائدة, قوله تعالى {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويأتون الزكاة وهم راكعون

} فلو أردنا أن نقف على هذه الآية لاستخراج إمامة الامام أمير المؤمنين منها فأن المعتقد بالسياق سوف يعترض علينا حينئذ بالقول: أن ذلك عير ممكن لأن الآية محفوفة بمجموعة من الآيات المانعة من ذلك الاستظهار من قبيل {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء

} و{يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه

} و{إنما وليكم الله ورسوله

} و{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء

}, الدالة على المحبة والنصرة لا الولاية والخلافة. نعم, استظهار المعنى المزبور ممكن فيما لو كانت الآية جاءت لوحدها من دون أن تكون محفوفة بالآيات السابقة واللاحقة عليها المؤثرة في استظهار معناها.

 ومن الأمثلة على ذلك أيضاً قوله تعالى {يا نساء النبي

} و{ومن يقنت منكن

} و{إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت

} وقوله {واذكرن ما يتلى في بيوتكن

} فآية التطهير مسبوقة وملحوقة بآيات تتكلم عن نساء النبي (ص) فقط لا غير, والقول بأنها مختصة بأهل البيت لا ينسجم ويتوافق مع السياق حسب ما يرون, نعم قد يكونوا مشمولين بضمير جمع المذكر السالم كما يفيد الفخر الرازي حيث يقول: ثم أن الله تعالى ترك خطاب المؤنثات وخاطب بخطاب المذكرين بقوله { ليذهب عنكم الرجس} ليدخل فيه نساء أهل بيته ورجالهم... الى أن يقول: والأولى أن يقال هم أولاده وأزواجه والحسن والحسين وعلي منهم لأنه كان من أهل بيته بسبب...الخ

 أما صاحب كتاب الإحكام في أصول الاحكام فيقول أن الآية شاملة لهم ـ علي وفاطمة والحسن والحسين ـ وغير مختصة فيهم لأن صريح الآيات المحيطة بها تتكلم عن زوجات الرسول.

 علما أن الأقوال في هذه الآية ثلاث:

 الأول: اختصاصها بنساء النبي.

 الثاني: اختصاصها بالخمسة أصحاب الكساء.

 الثالث: شاملة لأصحاب الكساء وزوجات الرسول ودليله تغيير الضمير.

 أما الآية التي محل البحث وهي قوله تعالى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}

فنجد أن الآيات التي قبلها تتكلم عن الحرب حيث تقول: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ* وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ* وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ* وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ

} والآيات التي بعدها أيضاً كذلك لأنها تقول: { إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

فيكون السياق حينئذٍ عن الحرب والقتال والجهاد.

 من هنا فإن أصحاب الاتجاه الثاني يعتقدون أن الغنيمة في الآية مستعملة في غنائم دار الحرب فقط؛ لدلالة السياق على ذلك, وإن أمكن شمولها للنحو الثالث لغة.

 ولنا أن نذكر هنا أننا قد بينا في المباحث الأصولية أن القرينة المتصلة هادمة لأصل الظهور سواء الدلالة التصورية منه أو التصديقية أما المنفصلة فهي هادمة لحجية الظهور لا لأصله.

 ولنا هنا أن نتساءل: أن القرينة السياقية هل هي هادمة لأصل الظهور أم لحجية الظهور؟

 نقول أن القرينة السياقية هادمة لأصل الظهور, التصوري منه والتصديقي. وهذا ما استند إليه المحققين والمفسرين من المدرسة الاخرى في قرينة السياق.

 وهذا ما أشار اليه صاحب مسالك الإفهام كما بينا في المباحث السابقة حيث قال:

{واعملوا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه

} ظاهر الغنيمة ما أخذت من دار الحرب ويؤيده الآيات السابقة واللاحقة وعلى ذلك حملها أكثر المفسرين.

 فيكون المدار حينئذٍ هو استعمال القرآن وفقا للسياقات الحافة بالاستعمال لا ما أفادته اللغة

 لذا في حاشية مسالك الإفهام يقول: وأطبق الجمهور على إنكاره ـ قول اللغوي ـ وخصوها بغنيمة دار الحرب.

 فالدليل الأول لأصحاب الاتجاه الثاني هو أن سياق الآيات دال على أن المراد بالغنيمة هي خصوص غنائم دار الحرب, أم الاستعمال اللغوي أو العرفي فغير مأخوذٍ بنظر الاعتبار.

 أما بن عاشور في التحرير والتنوير يقول أن البحث متعلق بالغنيمة من حين قوله تعالى {يسألونك عن الأنفال

}؛ لأنه يرى أن الغنيمة والنفل شيءٌ واحدٌ فيكون استدلاله حينئذٍ ليس بالسياق, بل بكل السورة, أي: بالجو الحاكم على الآية وهو الحديث عن أنفال وغنائم دار الحرب.

 أما الحديث عن تمامية هذه الدليل ـ السياق ـ وعدمه يأتي في قادم الابحاث.

والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo