< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/02/10

بسم الله الرحمن الرحیم

في دلالة السياق على الاختصاص, وأهم ما يميزه عن مورد وشأن النزول

 كان الكلام في فيما أفاده أصحب الاتجاه الثاني حيث استدلوا أولاً بالسياق على اختصاص آية الغنائم بدار الحرب فقط.

 وعلماء أهل السنة حينما استندوا الى آية الغنائم لإثبات اختصاصها بغنائم دار الحرب لم يثبتوا ذلك من خلال الاستناد الى البحث اللغوي وذلك لأنهم يعتقدون بأنه حتى لو كانت مادة الغنيمة دالة على العموم لغة فهي تدل على الاختصاص بغنائم دار الحرب بدليلية السياق. فالاشكال عليهم بقول اللغوي القائل بأن مادة الغنيمة دالة على العموم في غير محله. وأن الظهور في سياق الآية غير منعقد في العموم لكي يبحث عن حجيته وعدم حجيته؛ لانهدامه بقرينية السياق.

 وهذا الرأي ـ دلالة السياق على الاختصاص بغنيمة بدار الحرب ـ هو المختار بين مشهور علماء أهل السنة وذهب إليه أيضاً بعض من علماء الامامية كالمقدس الاردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان الجزء الرابع ص311 حيث يقول: « و اما الدليل عليه فكأنه الإجماع المنقول في المنتهى، مع انه ينقل الخلاف فيما بعد ذلك و سيجي‌ء و استدل عليه بالآيات، مثل قوله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ» و الغنيمة عامّة فيما يعدّ غنيمة و نعمة، و فائدة خرج منه ما خرج بالدليل، بقي الباقي تحت العموم.

 و لا يدل- كون الكلام قبله في القتال، و ذكره أيضا بعده- على كون المراد به غنيمة دار الحرب فقط و ان كان هو محتملا غير بعيد، مع عدم ظهور صدق الغنيمة على كل فائدة و نفع و لو كان بالكسب و الجهد و الطاقة مع خروج الافراد الكثيرة، مثل الميراث و نحوه عند الأكثر فتأمّل».

 و السيد محمد الموسوي العاملي في مدارك الاحكام المجلد الخامس ص378-381 فبعد ذكر الرواية الواردة عن الامام الجواد (ع) ونقل الأدلة التي سيقت لإثبات الخمس في غير غنائم دار الحرب والتي من ضمنها آية الغنائم يقول: «و في جميع هذه الأدلة نظر: أما الآية الشريفة فلأن المتبادر من الغنيمة الواقعة فيها غنيمة دار الحرب‌ كما يدل عليه سوق الآيات السابقة و اللاحقة، فلا يمكن التجوز بها في غيره إلا مع قيام الدلالة عليه».

 والسيد الهاشمي في كتابه الخمس الجزء الثاني ص12-13 : «الّا انّ هذا الكلام لا يتم على اطلاقه، فانه اذا فرض انّ المعنى الاخص و هو غنائم الحرب كان بخصوصيته ممّا يستعمل فيه لفظ الغنيمة كمعنى استعمالي‌ و لو مجازا اصبح السياق المذكور صالحا للقرينية على تعيين المعنى المستعمل فيه اللفظ في المعنى الخاص لا العام، و هذا واضح، و في المقام لا اشكال في كون المعنى الخاص ممّا يستعمل فيه اللفظ كثيرا حتى احتمل كونه المعنى الحقيقي الاصلي للغنيمة، فيكون السياق المذكور صالحا للقرينية على ارادته من الآية المباركة و لا اقل من الاجمال».

 وبهذا البيان يظهر أن علماء مدرسة أهل السنة قد أجمعوا على الاستفادة من قرينة السياق لإثبات مدعاهم, وهذا أصل مهم في فهم الآيات القرآنية المرتبطة بآيات الأحكام لوجود قرينة السياق فيه وغير مختص بآية الغنيمة فقط, فلابد لنا حينئذٍ أن نعرف هل أن السياق قابل لأن يكون قرينة على بيان المراد من ذلك الحكم أم لا.

 والأصل هذا من أهم مباحث أصول علم التفسير التي لم يتعرض له الاعلام على نحو التفصيل ليتبين لنا هل أن للسياق قرينة أم لا, ولو كانت کانت القرينية ثابتة فما هي الضابطة في الاعتماد عليها وعدم الاعتماد.

 وفي مقابل القول باختصاص آية الغنائم بغنائم دار الحرب هناك من يقول بعدم الاختصاص كالسيد الخوئي في مستند العروة الوثقى ص195 فبعد أن يذكر القول بالشمول يقول: «ولا ينافيه ذكر القتال في الآيات السابقة عليها واللاحقة لها لما هو المعلوم من عدم كون المورد مخصصاً للحكم الوارد عليه», فيعتقد رحمه الله أن ورود الآية في ذلك المورد الخاص لا يجعل منها مختصة به, بل هي صالحة للانطباق على غيره, فيكون القول بالاختصاص غير تام.

 ولكي يكون كلامه رحمه الله واضح بصورة جلية, لابد لنا أن نعرف حقيقة المورد ما هو؟

 لا يخفى أن المراد من معنى المورد هو: شأن نزول الآية أو الحادثة التي بسببها نزلت الآية الكريمة, ومن المعلوم أنه لا قائل أو مدعي بأن شأن نزول الآية بالمعنى الذي اوضحناه مخصص للآية بذلك المورد مانع لها عن الانطباق على مورد آخر, وإلا للزم انتفاء الفائدة من الآية في غير مورد نزولها, بل سوف تنعدم بانعدامه.

 من هنا أسس الاعلام لهذه القاعدة بقولهم: المورد لا يخصص الوارد.

 علما أن هذه القاعدة غير مأخوذة من لسان النبي أو الامام, بل أنها متصيدة من بعض الأخبار الواردة في المقام والتي أشرنا لها في كتابنا المنهج التفسيري تحت عنوان قاعدة الجري والانطباق ففي ص76 وما بعدها قلنا: «وما ورد في شأن النزول وهو الأمر أو الحادثة التي تعقب نزول آية أو آيات لا يوجب قصر الحكم على الواقعة لينقض الحكم بانقضائها ويموت بموتها وهذا واضح». أما الروايات الواردة والتي يفهم منها القاعدة المزبورة فهی:

الرواية الأولى:

الواردة في تفسير العياشي:«عن الإمام الصادق عليه السلام قال: أن القرآن حيٌ لم يمت وأنه يجري ما يجري الليل والنهار, وكما يجري الشمس والقمر يجري على آخرنا كما يجري على أولنا».

الرواية ثانية

: الواردة في تفسير العياشي: « عن الإمام الباقر عليه السلام ولو أن الآية إذا نزلت في قومٍ ثم مات أولئك القوم ماتت الآية لما بقي من القرآن شيء ولكنّ القرآن يجري أوله على آخره مادامت السماوات والأرض ولكل قومٍ آية يتلونها منها من خير أو شر».

الرواية ثالثة:

«عن الفضيل ابن يسار, قال: سالت الباقر عن هذه الرواية ما في القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن وما فيها حرف إلا وله حدٌ ولكل حد مطّلَع ما يعني بقوله ظهر وبطن؟ قال عليه السلام: ظهره تنزيله وبطنه تأويله منه ما مضى ومنه ما لم يكن بعدُ يجري كما يجري الشمس والقمر كلما جاء منه شيء وقع», أي: انطبق عليه.

 فعلى هذا الأساس نرى أن السيد الخوئي يذهب الى أن المورد في آية الخمس غير مخصص للوارد.

 وتمامية ما أفاده رحمه الله وعدم تماميته يتوقف على بيان أصل من أصول التفسير مفاده:

 أن المورد وشأن النزول هل هو السياق أم أنهما شيئان يختلف أحدهما عن الآخر؟ فإن كانا بمعنى واحد فالحق فيما أفاده رحمه الله وإن كان أحدهما غير الآخر فلا يتم ما ذهب إليه؛ لأن القوم استدلوا بشيءٍ وجوابه شيءٌ آخر.

 والحق أن المورد وشأن النزول شيءٌ والسياق شيء آخر وذلك لأن المورد هو المصداق أما السياق فهو القاعدة المستفادة منه لا مصداقها.

 وبالتطبيق على محل الكلام نقول: أن المورد وشأن النزول في الآية هو غزوة بدر أما السياق فهو مطلق الحرب والفرق بينهما واضح, فمطلق الحرب أصل وقاعدة عامة, أما غزوة بدر فهي مصداق من مصاديق تلك القاعدة ـ مطلق الحرب ـ, والشاهد على ذلك أن القائلين بالاختصاص استدلوا بوحدة السياق لا بمورد النزول؛ إذ لو كانوا استدلوا بمورد النزول لقالوا أن الآية مختصة بغنائم غزوة بدر لا غير, الا أنهم يعتقدون أن الخمس في الغنيمة يتحقق في كل غزوة تحصل فيها الغنيمة بقطع النظر عن كونها بدر أو احد أو الخندق, بل لو أن معركة حصلت في المستقبل وأمكن فيها الحصول على الغنائم لثبت فيها الخمس, فالسياق الذي هو مطلق الحرب يختلف عن شأن النزول ومورده الذي هو غزوة بدر.

 وبهذا يظهر عدم صحة الاشكال القائل بأن المورد لا يخصص الوارد فيما لو كان المراد هو شأن النزول أو مورده؛ لأن المستدل على الاختصاص استدل بوحدة السياق الذي يختلف كلياً عن شأن النزول ومورده.

 علما أن هناك من الآيات كثير يختلف فيها السياق عن مورد وشأن النزول فمثلا عنوان أهل البيت الوارد في الآية الكريمة «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا

» فشأن نزول هذه الآية هم الخمسة أصحاب الكساء الا أننا نعلم أن الائمة الباقين مشمولون بهذه الآية لأنها غير متوقفة على من نزلت بحقهم, الا أن هذا لا يعني أن نجعل لفظ أهل البيت عاما مطلقا فقها ولغة, أي: أن الاعتقاد بالشمول لا يعني التعميم مطلقاً.

 والكلام نفسه في المقام فأننا نعتقد بأن المورد غير مخصص للوارد, بمعنى: انه غير مختص بشأن النزول الا ان ذلك لا يعني التعميم والشمول لمطلق الفائدة, بل لابد من النظر الى سياق الآية لمعرفة المحور الذي تتحدث فيه فهل هي في مقام الحديث عن مطلق الغنيمة الشاملة لكل فائدة أم في مقام الحديث عن الغنيمة المختصة بدار الحرب فقط.

 وبهذا البيان يتبين عدم تمامية الاشكال الذي ذكره الشيخ فاضل اللنكراني في كتابه الخمس ص11 الذي يقول: «و يدلّ على عموم الغنيمة في آية الخمس و عدم الاختصاص بغنائم دار الحرب مضافاً إلى ما ذكر، و إلى أنّ تعليق الحكم على «ما غنمتم» إنّما هو بصورة الفعل الماضي و لم يقل أحد بالاختصاص بغزوة بدر مع كونها شأن نزول الآية؛ لأنّ القول بالاختصاص بغنائم دار الحرب عامّ يشمل جميع الغزوات من دون اختصاص بها»؛ لاستدلال القائلين بالاختصاص بدار الحرب بالسياق, ولإيراده رحمه الله بمورد وشأن النزول وفرق بين الأمرين كبير كما أوضحنا, أي: أن الخمس ثابت على نحو العموم والشمول في كل غنيمة حصلت بدار الحرب ومن أي غزوة كانت. ولا يمكن التعميم الى الفائدة التي حصلت بدون الحرب.

 نعم, إن الإيراد الذي ذكره رحمه الله يمكن أن يكون وارداً فيما لو كان القائلون بالاختصاص قد استدلوا بشأن النزول, الا أن الواضح أنهم قد استدلوا بالسياق, وما شأن النزول الا مصداق من مصاديق السياق.

 ولابد من الإشارة هنا الى قاعدة مهمة في علم أصول التفسير مفادها: لو كان عندنا سياق وشأن نزول في آية من الآيات, فهما في الحقيقة إما أن يكونا متفقين وإما أن يكونا متنافيين, فإن كانا متفقين فلا شك حينئذٍ في كون المورد وشأن النزول مصداق من مصاديق الآية والسياق, أما إذا كانا متنافيين ـ وكم لهذا من نظير في الروايات وذلك فيما لو كانت الرواية وبيان الامام الذي يبين فيه مصداق الآية يخالف السياق ـ فيقدم المورد أو البيان الوارد عن الامام عليه ـ الذي يفهم منه المعارضة مع السياق ـ لأنه إما أن يكون مخصصا أو مقيدا أو مفصلا لعموم القرآن أو إطلاقه أو إجماله.

 الا أننا نلاحظ أن الذي لم يقف على هذه الأصل بدقة وعمق فأنه يذهب الى طرح الرواية معتمدا في ذلك على القاعدة القائلة : اعرضوا كلامنا على كلام ربنا

وفي الحقيقة هو لم يتوجه الى أن الرواية قد تكون مخصصة أو مقيدة أو مفصلة لكلام الله.

 والكلام في المقام هو الكلام فلو أن رواية قد وردت عن الامام وقالت أن الغنيمة شاملة لكل فائدة وغير مختصة بغنائم دار الحرب فالمقدم هنا هو كلام الامام لأنه إما مفصل لمجمل الآية أو مخصص لعمومها أو مقيد لإطلاقها.

 وآية التطهير {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت

} من قبيل هذا القبيل فأن قرينة السياق فيها دال على أن المراد من لفظ أهل البيت هم نساء النبي الا إذا قيل أن تبديل الضمير دال على خروجهن.

 الا أن ذلك ليس بصحيح حيث أن تبديل الضمير لا يدل على إخراج النساء, بل غاية ما يدل عليه هو إدخال الرجال, والخطاب بضمير جمع المذكر السالم إنما هو من باب التغليب, أي : إذا كان الحديث عن مجموعة فيها الرجال والنساء فالخطاب لهم سيكون بضمير جمع المذكر السالم.

 علما أن اللغة تساعد على أن يكون المراد من لفظ أهل البيت في الآية هن زوجات الرجل, فأن الرجل يقول لزوجه أهلي, والاستعمال القرآني كذلك ففي سور هود الآية 73 يقول تعالى «وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب, قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب, قال أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد

» فاستخدم لفظ أهل البيت في زوج النبي عليه آلاف التحية والسلام, لكننا نتساءل حينئذٍ هل شأن التزول ومورده يمكنه تخصيص أو تعميم السياق أم لا؟

 تفصيل ذلك في البحث القادم إنشاء الله

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo