< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/02/11

بسم الله الرحمن الرحیم

في دلالة السياق على اختصاص الغنيمة بدار الحرب

 كنا نتكلم في حديث الأمس عن الاتجاه القائل باختصاص الغنيمة الواردة في الآية الكريمة بدار الحرب, لا بغزوة بدر فقط, وبينا أن مرادهم من غنيمة دار الحرب ما كان شامل وعام لغنائم دار الحرب في وقت الرسول عليه الصلاة والسلام وما بعده الى قيام الساعة.

  واستدلوا على ذلك بـ:

 السياق: أي الآيات السابقة واللاحقة لآية الغنائم.

 الا أن السيد الخوئي قد أورد على هذا الدليل بما مفاده: أن المورد لا يخصص الوارد؛ لأن ذلك يبعث على انعدام الآية بانعدام موردها.

 و الحق أن ما ذكره السيد الخوئي إنما يرد فيما لو كان استدلال القائلين بالاختصاص بمورد وشأن النزول, الا أننا نرى أن دليلهم هو السياق لا مورد النزول, فما أورده رحمه الله غير تامٍ وليس في محله.

 ولابد لنا من الالفات هنا الى أننا حينما نأتي الى مورد شأن النزول أو الحادثة التي كانت سببا في نزول الآية, فتارة أن المورد هو لبيان مصداقٍ من مصاديق الآية كما في محل الكلام فأن غزوة بدر مصداق من مصاديق غنائم دار الحرب, فالمورد هنا غير مخصص للوارد.

 وأخرى يستفاد من القرائن المحيطة الاختصاص بالمورد, وحينئذٍ لا يمكن التمسك بقاعدة المرود لا يخصص الوارد وذلك كما نرى في قوله تعالى «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر

» فأولي الأمر عنوان عام, لكن حينما أتت النصوص المعتبرة وكشفت أن المراد من أولي الأمر هم أهل البيت فقط لا غير, فهنا لا يمكن التمسك بعموم مفهوم أولي الأمر, بل يقتصر في ذلك على أهل البيت فقط. أي المورد في المقام مخصص للوارد, و بذلك يفهم أن قاعدة المورد لا يخصص الوارد تكون جارية وفاعلة فيما لم يقم دليل خاص على إرادة الاختصاص.

 والأمر هذا غير مختص بمدرستنا فقط, بل هناك من المدرسة الأخرى من يعتقد: بأن المورد حينما يكون لبيان مصداقٍ من المصاديق فهو غير مخصص للوارد, أما إذا دلت القرائن والأدلة على أن المورد خاص ففي المقام يكون المورد مخصص للوارد, وهذا ما يذهب إليه حسين الحربي في كتابه قواعد الترجيح عند المفسرين عند حديثه عن «قواعد الترجيح» المتعلقة بالسنة النبوية حيث قال في الجزء الاول ص191 في القاعدة الأولى: « إذا ثبت الحديث وكان نصا في تفسير الآية فلا يصار الى غيره»: أي إذا كان الحديث دال على الاختصاص فلا نذهب حينئذٍ للسياق أو إطلاق الآية للقول بالتعميم أو الشمول وأن المورد في ذلك غير مخصص للوارد؛ لأن مورد هذه القاعدة فيما لو لم يكن هناك ما يدل على الاختصاص. هذا فيما يتعلق بالمورد الأول.

 المورد الثاني: لو فرضنا حصول التنافي بين السياق ومورد الآية كما لو أن سياق الآية يفيد شيئاً والمورد أو الرواية تفيد شيئا آخر, مثلاً: أن السياق في آية الغنائم يفيد بأن الغنيمة هي غنيمة دار الحرب فقط, الا أن الرواية الورادة عن الامام الجواد علیه السلام تفيد أن المراد من الغنيمة الواردة في الآية شاملة لكل فائدة وغير مختصةٍ بغنيمة دار الحرب فقط. فأيهما يقدم في المقام؟

 نقول المقدم في المقام هو قول الامام علیه السلام؛ لأنه من القرائن الخاصة المقدمة على السياق حين فرض التعارض؛ لكونه كاشف عن المراد الحقيقي من الآية حيث أن قوله مفصل لمجمل الآية ومخصص لعمومها ومقيد لإطلاقها.

 والكلام هذا نفسه جارٍ فيما يتعلق بآية التطهير «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت

» فلفظ أهل البيت لغة وعرفا واستعمالا شامل لنساء النبي الا أن شأن النزول ومورده مخرج لهن وبهذا يقع التعارض والتنافي حينها نتساءل أيهما المقدم؟

 نقول: إن الالتزام بالسياق متوقف على عدم وجود الدليل الدال على الاختصاص, الا أننا نرى أن دلائل شأن النزول ومورده دالة على الاختصاص, فيقدم, فتكون الآية مختصة بالخمسة أصحاب الكساء.

 وهذا المعنى يشير إليه سعيد الطوفي في شرح مختصر الروضة المجلد الثالث ص107 بقوله: «أَمَّا دِلَالَةُ السِّيَاقِ عَلَى أَنَّهُنَّ مُرَادَاتٌ مِنَ الْآيَةِ ، فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا بَعْضُ التَّمَسُّكِ; لَكِنَّ ذَلِكَ مَعَ النُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ، عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ خَاصٌّ بِهَؤُلَاءِ ، فَلَا يُفِيدُ ، وَالْقُرْآنُ وَغَيْرُهُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ يَقَعُ فِيهِ الْفَصْلُ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْكَلَامِ بِالْأَجْنَبِيِّ» فلو كانت النصوص في مقام بيان المصداق لا الاختصاص لكان نساء داخلات تحت عموم لفظ أهل البيت, الا أن الحال ليس كذلك لدلالة النصوص على الاختصاص بأصحاب الكساء, فالمورد في المقام مخصص للوارد.

 أما ابرز الدلائل التي بينها الرسول عليه الصلاة والسلام الكاشفة عن اختصاص لفظ أهل البيت بأصحاب الكساء فقط, دون شمولية ذلك لزوجاته فهي:

 الأول:

حصر

أصحاب الكساء تحت كساء وثوب واحد وإخراج أم سلمة منه, وهذا يكشف عن أن أم سلمة لو كانت مشمولة بالخطاب لدخلت معهم تحت الكساء أيضاً, علما أن الآية نزلت في بيتها, ولو كان إدخاله للخمسة تحت الكساء لبيان المصداق لا للاختصاص لكان أدخل أم سلمة في الكساء ولو لمرة واحدة, وبذلك يفهم أن المورد دال على الاختصاص فيكون حينئذٍ مخصص للوارد.

 الثاني:

تكرر الوقوف على بيت علي وفاطمة في حين أن الآية قد نزلت في بيت أم سلمة, بالاضافة الى أنه (ص) لم يقف ولو لمرة واحدة على بيت أحد من نسائه وهذا كاشف بدوره أيضاً عن اختصاص أهل بيته ببيت علي وفاطمة لا غير, ولو كان ذلك لبيان المصداق لكان عليه أن يقف ولو لمرة واحدة بباب بيت واحدة من نسائه, الا أن ذلك لم يحصل, ومن ذلك يفهم إرادة الاختصاص, لا بيان المصداق, فيكون المورد في المقام مخصص للوارد.

 ثم أنه (ص) لكي يبين خصوصية هذا البيت قام بغلق كل الأبواب الملتصقة بالمسجد عدا بيت علي وفاطمة؛ ليكشف بذلك أن حكم هذا البيت حكم المسجد من حيث القدسية والطهارة, وما ينبغي الاشارة إليه هنا أن الروايات الواردة في المقام من المدرسة الأخرى تكشف عن أن الرسول (ص) كان يقول: والله ما أغلقت بنفسي ولا فتحت بنفسي وإنما أمرت فامتثلت «ما ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحيٌ يوحى

».

 الثالث: عدم ادعاء واحدة من نسائه بشمولها بآية التطهير ولو كان ذلك قد حصل لتناقلته الأخبار, علما أن تحقق الشمول لهن لو كان حصل لكان له الأثر الكبير بالنسبة لهن قي مقام الاحتجاج, خصوصاً لتلك التي خرجت محاربة إمام زمانها, فادعاؤها بذلك مفيدا لها في تأليب الناس على أمير المؤمنين (ع), الا أننا لم نر منهن من تدعي شمولها بآية التطهير, بل أن عائشة تنقل في إحدى مرويات التفسير أن آية التطهير خاصة باصحاب الكساء فقط.

 وبهذا يتضح أن عمومية السياق واللفظ والعرف واللغة غير مفيدٍ إذا قام دليل على الاختصاص, ويقدم المفيد للاختصاص حين التعارض على كلٍ من السياق واللغة والعرف.

 من هنا فأننا نجد البعض يقول أن إدخال الرسول للخمسة تحت الكساء هو من باب بيان المصداق لا لإثبات الاختصاص, يريد بذلك أن يفيد: أن المورد في المقام غير مخصص للوارد وذلك لإدخال زوجات الرسول في الآية. وهذه النكتة من النكات المهمة التي لم يتعرض لها أحد عند بحثه في آية التطهير.

 لذلك نجد أن الألباني يقول في رواية له تحت عنوان منزلة السنة في الإسلام وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن

في ص7: ضرورة السنة لفهم القرآن... الى أن يقول: في ص11 ضلال المستغنين بالقرآن عن السنة, وهذا بخلاف ما يدعيه البعض الذي لا علم له من أتباع مدرستهم من الاكتفاء بالقرآن دون السنة. فهو يدعي الضلال للقائلين بذلك ولا يخفى أن كل ضلال بدعة وكل بدعة في النار.

 ثم يقول في ص12: عدم كفاية اللغة لفهم القرآن, بل لابد من وجود الرسول ليبين لنا المقاصد والمرادات «لتبين للناس ما نزّل إليهم

» وبيانه عليه الصلاة والسلام لا يحتمل فيه الإصابة والخطأ, بل قطعي الإصابة «ما ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى

», وما علينا الا الامتثال لما بينه عليه الصلاة والسلام«ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا

».

 الى أن يفيد في ص18 بأن الاستغناء عن السنة غير ممكن معللا ذلك بقوله:: لأن السنة ـ الصحيحة المعتبرة ـ حاكمة على كتاب الله ومبينة له...الخ.

 وبالعودة لأصل البحث نقول حينما يكون هناك شأن للنزول في آية من الآيات, وللآية تلك سياق ثبت فيه العموم, فلشأن النزول ومورده حينئذٍ حالات ثلاث هي:

الأولى:

أن يكون شأن النزول مبينا لمصداق من المصاديق فهنا تجري قاعدة المورد لا يخصص الوارد.

الثانية:

أن يكون شأن النزول مبيناً للمصداق والاختصاص فهنا لا تجري قاعدة المورد لا يخصص الوارد؛ لورد البيان من الرسول أو الامام الدال على إثبات الاختصاص.

الثالث:

أن يقع التنافي بين شأن النزول والسياق الباعث على حصول التعارض بينهما وهنا يقدم شأن النزول على السياق وذلك إما من باب تقديم الأظهر على الظاهر؛ لأن قرينية السياق ظهور وقرينية المورد أظهر, وإما من باب تقديم النص على الظاهر؛ لأن السياق ظاهر وشأن النزول نصٌ.

 ويظهر من خلال هذا البيان تمامية السياق في المقام؛ لأن الحالة الأولى الكاشفة عن بيان المصداق غير مخصصة للوارد, أما الحالة الثانية فلم يكن هناك ما هو دال على الاختصاص, وأما الحالة الثالثة فلم نرى أي وقوع للتنافي.

والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo