< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/02/13

بسم الله الرحمن الرحیم

الشرائط اللازمة لإمكان الاستدلال بالسياق

 لازال الكلام في الى الاتجاه الذي استدل بالسياق لإثبات الاختصاص بآية الغنائم, وقلنا أن تمامية الاستدلال وعد تماميته يتوقف على بيان مقامات ثلاث تتعلق بالترتيب الحاصل في سور القرآن, وآياته, وكلماته ومقاطعه ضمن الآية الواحدة.

 بينا على نحو الاجمال اتفاق كلمة علماء المسلمين فيما يتعلق بالترتيب الحاصل بين حروف وكلمات وجمل الآية الواحدة أنه وحياني توقيفي صادر من النبي (ص), وبناءً على ذلك يمكن الاستناد على السياق حينئذٍ.

 وتقييدنا بالإجمال احتراز عن التفصيل الموجود بين العلماء عن الرأي الذاهب الى وجود التلاعب في القرآن الكريم حيث أشار الى موارد متعددة تبين عدم وجود الانسجام بين صدر الآية وذيلها كأن يكون شرطها شيء وجزاؤها شيءُ آخر وهذا ما حدا بالبعض الى القول بنقص القرآن الكريم.

 الشيخ فاضل اللنكراني في كتابه مدخل التفسير حول اعجاز القرآن ص292 يقول: «ومن أدلة القائلين بالتحريف ما يسمى في كلماتهم بدليل الاعتبار وهو أننا نلاحظ أن بعض الآيات لا يوجد ارتباط بين أجزائها صدرها وذيلها أو شرطها وجزائها فهذا يدل على وقوع التحريف - التحريف بمعنى النقيصة- ولكنه كلام مرفوض جزماً في الاتجاه الرسمي عند علماء مدرسة أهل البيت وكذلك باقي علماء المسلمين»؛ لأنهم يعتقدون أن الترتيب الموجود بين الآيات بين الحروف والكلمات والجمل في الآية الواحدة ترتيب وحياني نبوي وتوقيفي لا مجال للحديث فيه وهو الحق في المسألة.

 أما الترتيب بين سور المصحف الشريف فقد ادعي أيضا أنه ترتيب وحياني توقيفي قد حصل من الرسول الأكرم, وتفصيل الكلام في هذا الاتجاه لا يجر نفعا وفائدة؛ لعدم ترتب الآثار المعرفية والفقهية عليه؛ لان تقدم السورة وتأخرها غير مضرٍ في المقام بشيء.

 أما ترتيب الآيات في السورة الواحدة فهو البحث الأهم في المقام والذي تترتب عليه كثير من الآثار المهمة في فهم المعارف الدينية عموما والاستنباط على وجه الخصوص.

 لا يخفى أن القرآن الكريم مكون من سور متعددة وكل سورة منه تتكون من مجموعة من الآيات, والمتفق عليه بين علماء جمهور المسلمين عدم وجود الزيادة في القرآن؛ لأن فرض ذلك يعني إمكان الإتيان بمثل آية من آياته وهذا منفي بصريح القرآن.

 علما أن الزيادة المرادة في المقام هي زيادة سورة أو آية, أما غير ذلك من حرف أو حركة أو ضمير فهو مما اتفقت كلمة علماء المسلمين على إمكان حصوله ويدل عليه تعدد القراءات حيث أننا نرى أن البعض يقرأ الآية: مالك يوم الدين

ويقرأها البعض الآخر ملك يوم الدين.

 وكذلك ليس المراد من الزيادة هو وضع آية في القرآن الكريم قد تكررت خمس مرات فيه مثلاً ثم وضعت في مكان سادس, الا أن يدعى أن هذا القرآن قد ثبت بالتواتر جمعه من الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام.

 من هنا فأن علماء المدرستين متفقون على أن القرآن الموجود بين أيدينا لم تحصل فيه الزيادة غير المغتفرة ولم تحصل فيه النقيصة أيضاً.

 وبهذا الصدد يقول السيد الخوئي في كتابه البيان ص259: «قد تبين للقارئ أن حديث تحريف القرآن بمعنى النقيصة ـ هو حديث خرافةٍ وخيالٍ لا يقول به إلا من ضعف عقله».

 أما السيد الطباطبائي فيقول في الميزان المجلد الثاني عشر ص107: «و خلاصة الحجة أن القرآن أنزله الله على نبيه ووصفه في آيات كثيرة بأوصاف خاصة لو كان تغير في شيء من هذه الأوصاف بزيادة أو نقيصة أو تغيير في لفظ أو ترتيب مؤثر فقد آثار تلك الصفة قطعا لكنا نجد القرآن الذي بأيدينا واجدا لآثار تلك الصفات المعدودة على أتم ما يمكن و أحسن ما يكون فلم يقع فيه تحريف يسلبه شيئا من صفاته فالذي بأيدينا منه هو القرآن المنزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعينه فلو فرض سقوط شيء منه أو تغير في إعراب أو حرف أو ترتيب وجب أن يكون في أمر لا يؤثر في شيء من أوصافه كالإعجاز و ارتفاع الاختلاف و الهداية و النورية و الذكرية و الهيمنة على سائر الكتب السماوية إلى غير ذلك، و ذلك كآية مكررة ساقطة أو اختلاف في نقطة أو إعراب و نحوها»

 من هنا نتساءل: هل أن ترتيب الآيات في السورة الواحدة وحياني توقيفي أم لا؟

 قولان في المسألة:

الاول:

المعتقد بأن القرآن الموجود بأيدينا قد جمع في عهد الرسول وأن آيات كل سورة من سوره قد جرى ترتيبها بإشراف الرسول «ص» ولم يقع فيه أي اختلافٍ في الترتيب, وهذا ما يذهب إليه الاتجاه العام من علماء المدرستين.

 يقول الشيخ فاضل اللنكراني في مدخل التفسير ص266: «أمّا الجمع الذي هو محلّ البحث في المقام هو الجمع بمعنى التأليف والتركيب وجعل كلّ آية في السورة التي هي جزء لها، وفي موضعها من تلك السورة، والجمع بهذا المعنى لا يكون إلاّ وظيفة النبيّ ـ بما هو نبيّ ـ ولم يتحقّق إلاّ منه، ولا معنى لصدوره من غيره ، حتّى في عصره وزمن حياته، ومنه يظهر أنّ الروايات الدالّة على تحقّق الجمع من أشخاص معيّنين في زمن النبيّ لا يكون المراد بها هذا المعنى، فإنّ مثل اُبيّ بن كعب لا يقدر على ذلك، وإن كان في حياة النبيّ«ص» ضرورة أنّه من شؤون القرآن وما به تقوم حقيقته، ولا طريق له إلاّ الوحي». وقريب من هذا المعنى ما ذكره السيد الخوئي في البيان ص252 بقوله: «إن هذه الروايات معارضة ـ روايات الجمع في زمن الأول أو الثالث ـ بالكتاب ، فإن كثيرا من آيات الكتاب الكريمة دالة على أن سور القرآن كانت متميزة في الخارج بعضها عن بعض، وان السور كانت منتشرة بين الناس، حتى المشركين وأهل الكتاب ، فإن النبي « ص» قد تحدى الكفار والمشركين على الإتيان بمثل القرآن، وبعشر سور مثله مفتريات، وبسورة من مثله، ومعنى هذا: أن سور القرآن كانت في متناول أيديهم ».

 وبناءً على هذا الاتجاه يمكن الاستناد الى السياق لفهم المراد من الآية, الا أننا سوف نشير الى بعض الملاحظات التي يمكن من خلالها القول بعدم إمكان الاستناد الا بتوفر بعض الشروط.

 الثاني: الاتجاه الذي اختاره السيد الطباطبائي, ففي المجلد الثاني عشر ص127-128 قال: «أن وقوع بعض الآيات القرآنية التي نزلت متفرقة موقعها الذي هي فيه الآن لم يخل عن مداخلة من الصحابة بالاجتهاد كما هو ظاهر روايات الجمع الأول و قد تقدمت» مناقشا فی ذلک الأدلة التي استند إليها القائلون بأن الترتيب بين آيات السورة الواحدة ترتيب توقيفي وحياني.

 أما رأينا في المقام فقد أخترتنا أن الترتيب توقيفي وحياني, حيث بينت ذلك في كتاب أصول التفسير والتأويل ص540-580 فقلت في ذلك: «والخلاصة ما تقدم من الأدلة المثبتة من كون القرآن مجموعاً في عهد النبي علیه الصلاة والسلام وبيده ومرتباً في زمنه إن لم يكن مثبتاً لكون ترتيب السور ايضا بأمره ونظره فلا أقل من إثباته لكون ترتيب الآيات وتشكيل السور إنما كان بأمره ونظره, ضرورة أن له المدخلية الكاملة في ترتب غرض الكتاب وحصول الغاية المقصودة, لأن المطالب المتفرقة المتشتتة لا تفي بتحقق الغرض...».

 وبهذا يظهر أن المبنى تارة يكون أن الترتيب توقيفي وحياني وبه يمكن التمسك بسياق الآية لفهما.

 وأخرى يكون المبنى ما ذهب إليه السيد الطباطبائي من أن الاستناد الى السياق لا يكون الا حين إحراز أن هذه الآية واقعة ضمن هذه المجموعة من الآيات, أما حين إحراز العدم أو عدم الإحراز ـ الشك في ذلك ـ فلا يمكننا حينئذٍ التمسك بالسياق؛ لأنه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

 هذا هو الجواب الثاني ـ جواب مبنائي لا بنائي ـ على القائلين بالتمسك بالسياق لفهم المراد من الآية.

الجواب الثالث:

حتى لو تم التسليم بأن الترتيب توقيفي وحياني فأن ذلك لا يلازم إمكان التمسك بالسياق لفهم المراد بالآية؛ لأن الدليل دل على التوقيفية ووضع الرسول للآية فقط, لا غير, وهذا لا يعني إمكان التمسك بالسياق؛ لأنه لازم أعم, والذي يحقق لنا إمكان التمسك بالسياق هو:

 أولاً: إحراز أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد وضع هذه الآية في هذه المجموعة من الآيات لكونها مرتبطة مضموناً بالآيات القبلية والبعدية لها.

 أما إذا أحرزنا أو شككنا بأن وضعها في هذه المجموعة لغاية أخرى غير غاية الارتباط المضموني فلا يمكن حينئذٍ التمسك بالسياق, فالآية «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا

» إذا أحرزنا أنها موضوعة بين هذا الجمع من الآيات لارتباطها المضموني بما قبلها وبعدها من الآيات يمكننا التمسك بسياقها, أما مع عدم ذلك ـ إحراز العدم أو عدم الإحراز ـ فلا يمكن التمسك بالسياق حينئذٍ.

 والأمر نفسه بالنسبة الى مقطعٍ من مقاطع الآية فأن التمسك بسياق الآية تلك لفهم ذلك المقطع يتوقف على إحراز أن يكون وضع المقطع هنا هو لارتباطه المضموني بالمقاطع القبلية والبعدية له, أما مع الشك أو القطع بعدم إرادة ذلك ولأي سبب كان فلا يمكن التمسك بالسياق حينئذٍ.

 لذا فأن من أهم إشكالات الفريق الآخر علينا قولهم: أن آية التطهير حتى لو لم يتمسك بسياق الآيات لها ويكتفى بالتمسك بسياق الآية نفسها فأن ذلك كافٍ في إثبات أنها تتكلم عن زوجات الرسول لكون المضمون الذي تتكلم عنه الآية متعلق بأزواجه عليه الصلاة والسلام.

 نقول إن ذلك يتم فيما لو تم إحراز أن الوضع هنا بسبب الارتباط المضموني لمقطع التطهير بما قبله وبعده من المقاطع, ومع عدم إحراز ذلك فضلا عن إحراز العدم ـ لحفظ الآية من الحذف أو التحريف مثلا ـ وخصوصا حينما نعلم أن ذلك المقطع قد نزل مستقلا عن المقاطع السابقة واللاحقة في الآية التي هو فيها فلا يمكن حينئذٍ التمسك بسياق الآية لفهم ذلك المقطع منها والقول أنه مختص بزوجات النبي.

 وخير شاهدٍ على ما ندعي أن حذف مقطع التطهير من الآية غير مخل ومؤثرٍ بمضمونها ونسقها فعندما نقرأ الآية بالنحو التالي «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ...* وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا

» نجدها مستقيمة المعنى لا وجود لأي خلل أو عدم ارتباط بين مقاطعها وهذا يكشف بدوره عن عدم الارتباط المضموني بين مقاطعها ومقطع التطهير.

 وهذا المعنى نجده في جملة من الآيات القرآنية كالتي تتحدث منها عن مسألة الامامة والولاية فقوله: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ... فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

» نجدها تامة المعنى لا خلل وإشكال فيها حتى مع حذف مقطع إكمال الدين منها. والقول بأن حذف مقطع إكمال الدين مخلٌ بمعنى ومضمون الآية مردود بقوله تعالى في سورة الأنعام الآية 145 حيث أنه تكلم عن الآية نفسها مع حذف مقطع إكمال الدين منها فقال «قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

».

 وخلاصة القول في المقام: أن من أراد الاستناد لسياق الآيات المحيطة بآية الغنائم لإثبات الاختصاص في غنائم دار الحرب لا بد أن يلاحظ في ذلك ما يلي:

أولا:

لا بد من الإثبات في الرتبة السابقة أن الترتيب في الآيات توقيفي وحياني, ومع عدم ذلك لا يمكن التمسك بالسياق حينئذٍ لإثبات الاختصاص.

ثانيا:

لا بد من الإثبات في الرتبة السابقة أن وضع الآية بين مجموع هذه الآيات إنما هو للارتباط المضموني بالآيات السابقة واللاحقة لها.

 فمع إحراز هذين الأمرين يمكن الاستناد الى السياق لفهم المراد من الآية والاستدلال بها أما مع عد ذلك فلا يمكن حينئذٍ الاستناد للسياق لإثبات المطلوب.

 والشك في هذين الأمرين أو في الأمر الثاني دون الأول باعث على إجمال الآية اللازم لعدم إمكان التمسك بسياقها, علما أن شرط التمسك بالسياق هو ثبوت كلا الأمرين لا أحدهما دون الآخر؛ لأن ثبوتهما معا هو المحقق للقدر المتيقن.

 وبذلك يثبت أن الوجه الأول الذي أستدل به على اختصاص الغنيمة في الآية المباركة بغنائم بدار الحرب غير تام أيضاً.

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo