< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/03/11

بسم الله الرحمن الرحیم

أدلة القائلين باختصاص آيات الغنائم بدار الحرب ومناقشتها

  اتضح من خلال ما تقدم من الأبحاث بأنه على فرض القبول بمسألة انصراف الإطلاق إلى المتعارف, فإنه لا إشكال أن المراد من ذلك هو: الانصراف إلى المعنى المتعارف. أما المصاديق والتطبيقات فهي خارجة عن دائرة الشرع والشريعة, وترتبط بالمسائل التي تكون لتحديد المفاهيم, فعندما نقول تجب النفقة فالمراد هو المعنى المتعارف, بغض النظر عن المصاديق, المتعارفة وغيرها, سواء كان ذلك في مكان وزمان واحد أم لا, فالمصاديق قد تتغير من زمانٍ الى زمان ومن مكانٍ الى

مكان هذا أولاً.

ثانياً:

مع التسليم بأن الفقهاء في بعض كلماتهم - لم يلتزموا بذلك لكن من باب التنزل- يصرفون الإطلاق إلى الأفراد المتعارفة, فإن ذلك:

 1ـ ليس إجماعاً مبتنٍ على القطع واليقين وإنما غاية ما يمكن أن يُدعى في ذلك هو الشهرة, علما أن مخالفة الشهرة أمر ممكن ولا مانع فيه, بل أن المخالفة قد تكون للإجماع أيضا فنحن نرى ذلك في مسألة نجاسة البئر, ونجاسة الكتابي, و نجاسة الناصبي ونحوها, ففرض الحجية لهذا الأقوال هو بسبب شهرتها بين الفقهاء, فأي محذورٍ يحصل عند مخالفتها؟! ثم إن حجية الأقوال المشهورة والتي جعلوا منها كبرى متسالم عليها, هي في الحقيقة غير معلومة المنشأ والتأسيس.

 إذن من أهم أدلة القائلين بعدم الاكتفاء بالرؤية المسلحة لإثبات الهلال, هو الانصراف, وهو لا يصمد أمام كثير من المفندات التي أشرنا إليها.

 وللبحث تفصيلات أخرى تأتي في مناسبات مستقلة إن شاء الله.

 2ـ ما ذُكر في كلمات بعض من تعرض لهذه المسألة, علماً أني لم أجده بصورة واضحة في كلماتهم, إلا أنه قد يقال بإمكان الاستدلال بهذا الدليل: فورود روايات ـ بعضها صحيح السندـ فيها عنوان الرؤية: >صم للرؤية وافطر للرؤية< أو >صوموا للرؤية وافطروا للرؤية< فهنا قد يقال: بأن هذا العنوان إذا كان محمولاً على الطريقية فالقول بشمول الرؤية المسلحة صحيحٌ ولا محذور فيه, أما إذا قيل أن العنوان محمول على الموضوعية فالقول بشمول الرؤية المسلحة ليس بصحيح و تام.

 ومرادنا من الطريقية هو: تحصيل الواقع وإحرازه عن أي طريقٍ كان.

 وقول الروايات >صم للرؤية<, فذلك لا لخصوصية فيها؛ بل باعتبارها أحد الطرق التي تحصل لنا الواقع, أما الاشارة إليها فلأنها أوضح المصاديق التي يمكن إحراز الواقع بها, خصوصاً في ذلك الزمان.

 وأما الموضوعية فالمراد بها هو: أن الموضوع >الرؤية< له دخل في تحصيل الواقع وإحرازه, فلا بد من تحقيق ذلك العنوان حتى يتحقق الواقع, وهذا من قبيل >إنما يحلل الكلام ويحرم الكلام< فقول بعتُ واشتريتُ وأقرضتُ ـ هذه العناوين ـ لها دخل في الصحة والفساد وفي الجواز وعدمه.

 والكلام نفسه بالنسبة الى الرؤية فقد يقال بأن لها مدخلية وموضوعية في إحراز الحكم, وحيث أنها لا تنطبق إلا على الرؤية المجردة دون المسلحة فتخرج المسلحة عن هذا العنوان.

 إلا أن هذا الكلام غير تام, ويمكن أن يجاب عليه بنحو الإجمال بالقول: عندما يؤخذ عنوان في نصٍ من النصوص فهل الأصل فيه الموضوعية أو الطريقية, أم أنه لا يؤخذ فيه أي أصل من ذلك, ويترك الأمر الى القرائن في التعيين؟ هذا بحث يؤخذ تفصيله من مضانه.

 أما فيما يرتبط بمسألة البحث: >صم للرؤية وافطر للرؤية< فيوجد لذلك أكثر من جواب:

الجواب الأول:

وجود مجموعة من القرآن في هذه النصوص, تبين أن الرؤية قد أخذت على نحو الطريقية, ونشير إجمالاً إلى قرينتين.

القرينة الأولى:

إن أكثر النصوص التي عبرت بالرؤية, جُعلت الرؤية فيها قبال التظنّي والتخمين والحدس ونحو ذلك, فعندما نرجع إلى المنطق أو اللغة نجد ذلك جلياً واضحاً.

 فقول الإمام >صم للرؤية وافطر للرؤية< يراد به: أن الصوم لابد أن يكون مبتنٍ على قطعٍ ويقين, خصوصاً مع ملاحظة أن الصوم من الفرائض الأساسية التي لا ينبغي التساهل في أمرها.

 أما ما يطرح من تساؤل عن ذكر الرؤية بالخصوص؛ فذلك لأنها أوضح المصاديق لتحقيق القطع واليقين. فتحقيق ذلك في سالف الزمان, لا يكون إلا عن طريق المصاديق الأكثر تحصيلاً للاطمئنان, والمورد هنا من قبيل الروايات القائلة: >أنّ الفاصلة بين الحق والباطل أربعة أصابع< أي أن رؤيتك للشيء تكشف عن أحقيته, إلا أن سماعك له لا يعني بطلانه «لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ» فالإمام × يريد التأكيد على أن الاعتماد لابد أن يكون مبتنٍ على أوضح المصاديق وأبرزها, فلا أحد يشك بأن الرؤية لإثبات الحقيقة خير من السماع بها, وهذا لا يعني بطلان السمع في ثبوت بعض الحقائق.

 ففي النصوص الواردة في هذا الأمر: كما في وسائل الشيعة المجلد العاشر ص289 ـ مؤسسة آل البيت ـ في كتاب الصوم أبواب أحكام شهر رمضان الباب الحادي عشر:

الرواية الأولى:

>عن أبي عبد الله الصادق×قال: قلت له كم يجزي في رؤية الهلال فقال إن شهر رمضان فريضة من فرائض الله فلا تؤدوا بالتظني, أو فلا تؤدى بالتظني<؛ وذلك لأنها فريضة لا يمكن التساهل فيها.

الرواية الثانية:

>عن محمد ابن مسلم عن الباقر× قال: إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتم فافطروا وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية< فنجده قد ذكر التظني و ذكر في قباله الرؤية التي هي أحد مصاديق قسيميه.

 وكذلك ما ورد في نفس كتاب الصوم في أبواب أحكام شهر رمضان الباب الثالث الرواية الثانية: >وإذا رأيتموه فافطروا وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية<.

 وكذلك الرواية العاشرة: >صيام شهر رمضان بالرؤية وليس بالظن<.

 وكذلك الرواية الحادية عشر في كتاب علي >صم لرؤيته وافطر لرؤيته وإياك والشك والظن< فالتحذير الذي يذكره الإمام, المتعلق بالشك والظن, يكشف عن الأهمية التي عليها اليقين ـ الأصولي لا المنطقي ـ وإرادة الامام له.

 ومما يؤيد ذلك: الروايات الواردة في باب الشهادة, في وسائل الشيعة المجلد السابع والعشرين ص341: >عن الصادق×قال: لا تشهدنّ بشهادةٍ حتى تعرفها كما تعرف كفك< فالإمام× هنا يريد أن يقول: لابد أن تكون الشهادة على أمرٍ محسوس وجلي واضح, ولا يشترط في ثبوت ذلك أن يكون باليقين.

  والكلام نفسه في الرواية الواردة عن الرسول وقد سئل عن الشهادة, فقال: هل ترى الشمس على مثلها فاشهد أو دع, وهنا لا ينبغي لنا الجمود على النص والقول بأن الشهادة لا تكون إلا عن طريق اليقين ـ كما يرى ذلك بعض الأعلام ـ بل علينا أن نتعدى ذلك حيث أمكن التعدي.

القرينة الثانية

: جملة من الأعلام ومن بينهم بعض المعاصرين نسبوا هذه الروايات ـ روايات الرؤية ـ إلى الاضطراب, أو حملوها على الموضوعية, بمعنى: أن هذه الروايات تكلمت عن عدم إمكان ثبوت الرؤية عند عدم ثبوتها لجميع الناس أو أغلبهم, فثبوتها لواحد أو اثنين غير كافٍ لتحقيق المراد, وهذا ما عليه فتاوى بعض الأعلام المعاصرين.

 أما الروايات الواردة في هذا المجال فهي:

الرواية الأولى:

ما في المجلد العاشر, ص يقول 289: >وليس رؤية الهلال أن يقوم عدّةٌ, فيقول واحد قد رأيته ويقول الآخرون لم نره إذا رآه واحد رآه مائة وإذا رآه مائة رآه ألف< فالإمام يريد ألقول: بأن رؤية الهلال لابد أن تصل إلى درجة من اليقين, بحيث إذا رآه شخص أمكن رؤياه لمئةٍ آخرين.

 فلهذا, نعتقد بأن وقوع الاختلاف في العين المسلحة أيضاً, غير كافٍ لثبوت الهلال.

الرواية الثانية:

>قال: وليس بالتظني ولا بالرأي ولكن بالرؤية وثبوت الرؤية ليس أن يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد هو ذا هو وينظر تسعة فلا يرونه< فالواضح أن العدد لا موضوعية له في ثبوت الرؤية, بل أن الامام يريد القول: >على اليقين صم وعلى اليقين افطر< وبسبب ذلك نرى بعض الأعلام المعاصرين يذهب الى وضع تلك الروايات وعدم الاعتماد عليها, لأنها مضطربة وغير واضحة المراد.

الرواية الثالثة:

الرواية الرابعة عشر من نفس الباب >وليس رؤية الهلال أن يجيء الرجل والرجلان فيقولان رأينا إنما الرؤية أن يقول القائل رأيت فيقول القوم صدق<.

 إذن ظاهر روايات الرؤية أنها محمولة على الطريقية, وبذلك تكون الرؤية المسلحة داخلة تحت ذلك العنوان؛ لأنها مما يحصل لنا اليقين أو الاطمئنان بالثبوت, بل أنها من أوضح مصاديق تحصيل ثبوت الهلال.

 إلا أننا لو تنزلنا عن كل ما سبق وقلنا: بأن الرؤية المقصودة في الروايات محمولة على نحو الموضوعية, لأمكننا أن نجيب على ذلك بالقول

بأنه:

مع

التسليم بأن الرؤية لها مدخلية في ذلك, إلا أن الكلام ليس في ذلك أصلا, بل أنه في إمكان شمول الرؤية للرؤية المسلحة وعدم إمكان ذلك, ومن المعلوم أن الأغلب قال بالانصراف الى المصداق المتعارف, الذي يلزم منه الكثير من المحاذير التي بيناها.

 ولنا هنا أن نبين قضية مفادها: عدم وجوب الفحص بالرؤية المسلحة عند عدم إمكان الرؤية المجردة ؛ لأن هذا الأمر من الموضوعات التي لا يجب الفحص عنها, نعم للتخلص من الاختلاف يمكن اللجوء الى ذلك, فرفع الاختلاف من منطقة الى أخرى, ومن دولة الى أخرى, ومن مكانٍ الى آخر, يمكن تحقيقه بالاعتماد على الرؤية المسلحة. وهذا الأمر جارٍ في كل الموضوعاتو وليس فيما نحن فيه فقط.

 إذن فعندما نقول بكفاية الرؤية المسلحة >صم للرؤية وافطر للرؤية< فلأنها من أوضح مصاديق الرؤية في زماننا, وحالها كحال الرؤية المجردة, إن لم تكن أدق.

 عودٌ على بدء: قلنا أن الأدلة التي استدل بها لإثبات أن المراد من الغنيمة في آية «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ...» غنائم دار الحرب, هي: السياق وتتبع النظائر. وبينا النظائر الموجودة في كل من سورة: الفتح والنساء و الأنفال الآية 69, وأن المدعي الذي أقام هذا الدليل يقول: أنه حينما تتبع بعض الموارد الباقية وجدها أنها استعملت هذه المادة في غنائم دار الحرب فقط.

 وبعبارة أخرى:

أن المدعي يقول: كلما استعلت مادة غنيمة في القرآن فالمراد منها غنائم دار الحرب لا غير.

 أما نحن فنقول كلام المدعي يكون صحيحاً إذا لم تكن هناك قرينة على الخلاف: أي عندما لا تكون هناك قرينة تدل على أن الغنيمة استعملت بمعنى آخر تكون الكلية تامة, أما إذا ثبت وجود قرينة تدل على الاستعمال في غير غنائم دار الحرب فهنا الكلية تكون غير تامة, وبذلك لا يتم الدليل.

 فلو أتينا الى الآية 94 من سورة النساء, قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا» والقصة في هذه الآية معروفة وهي: أن رجلا كان له غنيمات وبعض الدواب أو الجمال, فوجد مجموعة من المسلمين, فسلم عليهم قائلا السلام عليكم وشهد لهم الشهادتين, لكنهم قالوا أن هذا إنما يقول ذلك حتى لا يقتل, فما كان منهم إلا أن قتلوه وسلبوه, «لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ» فقيل أن مغانم جاءت في مسائل الحرب فقط.

 إلا أن أعلام المفسرين قد اتفقت كلمتهم على أن المراد من الغنائم هو الأعم من غنائم دار الحرب, فيشمل بذلك كل رزق حلال, ومن أبرز الموارد التي ذكرت لذلك:

الأول:

ما ذكره الطبري في ذيل الآية «لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ» فيقول: فعند الله مغانم كثيرة من رزقه وفواضل نعمه فهو خير لكم إن أطعتم الله فيما أمركم به ونهاكم عنه فأثابكم بها على طاعتكم إياه فالتمسوا ذلك من عنده.

الثاني:

ما أشار إليه ابن كثير, في قوله تعالى: «فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ» أي خيرٌ مما رغبتم فيه من عرض الحياة الدنيا الذي حملكم على قتل مثل هذا الذي ألقى إليكم السلام وأظهر إليكم الإيمان فتغافلتم عنه واتهمتموه بالمصانعة والتقية لتبتغوا عرض الحياة الدنيا فما عند الله من المغانم الحلال خيرٌ لكم من مال هذا الذي قتلتموه.

الثالث:

ما ذكره العلامة الطباطبائي في ذيل المجلد الرابع من الميزان ص41 في تفسير قوله تعالى «لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ» يقول: والمراد بابتغاء عرض الحياة الدنيا, طلب المال والغنيمة وقوله «فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ» جمع مغنم وهو الغنيمة أي ما عند الله من المغانم أفضل من مغنم الدنيا الذي يريدونه لكثرتها وبقائها فهي التي يجب عليكم أن تؤثروها.

 إذن: بناءً على ما بيناه في الموراد الثلاثة لا يتم الدليل الثاني.

 إلا أنني أعتقد أن المراد بالمغانم في الآية «لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ»: مغانم دار الآخرة لا الدنيا, وذلك يتضح من خلال بيان قرينتين:

القرينة الأولى:

عندما نضم قوله تعالى «فَعِنْدَ اللَّهِ» الى قوله تعالى: «مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ» يكشف أن المراد ليس الأمر الدنيوي؛ لأن الآية جعلت تقابل بين عرض الحياة الدنيا و الآخرة.

القرينة الثانية:

إن القرآن الكريم من أوله إلى آخره لا يطلق على ما في الدنيا بأنه كثير, بل غالباً ما ينعته بالقليل كما في قوله تعالى «قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى» وقوله: «فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ» وقوله «وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ» وهذا يكشف أن المغانم الكثيرة هي في الدار الآخرة لا الدنيا.

 نعم, أن القرآن الكريم في مورد واحد أو أكثر, يذكر حصول الغنيمة في الدنيا, وذلك للحكمة فقط, كقوله «وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا» فإتيان الحكمة يكون في الدار الدنيا, وهي سبب لترتب الخير عليها, وتعريف القرآن للحكمة أو لأي شيء آخر يكون ببيان مصداقه الخارجي, فنراه يقول في الآية الكريمة {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ} فالشارع يعرّف لنا البر بذكر مصاديقه. وكذلك قوله: «وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا» فقد آتى الله الحكمة للقمان كما في قوله «وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ» ومن أبرز مصاديق تلك الحكمة التوحيد الذي يشير إليه تعالى بقوله «وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ ِلأَبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ». وهذه الآية تبين ما للتوحيد من أهمية عظمى لا ينبغي التساهل والتسامح فيه, و من الحكم التي أوصى لقمان بها ابنه هي ما يتعلق بعلم الله فيقول«يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُنْ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ

فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ» ومن الحكمة الشكر الذي يترتب على التوحيد فلذلك نجده يقول «وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنْ اشْكُرْ لِلَّهِ» ثم يبدأ لقمان بتوصية ابنه بالتزام الفرائض والصفات الحسنة فيقول له« يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } وهكذا..

والحمد لله رب العالمين

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo