< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/03/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الخمس في أرباح المكاسب: أدلة النافين والمثبتين

 كان الكلام يدور حول الخمس في أرباح المكاسب, هل أنه شُرع كتشريع الصلاة والصوم والحج, أي: هل تشريعه من النوع الأول من التشريعات الثلاثة التي أشرنا إليها أم لا.

 المشهور بين علمائنا والراكز في أذهان المتشرعة أنه لا فرق بين تشريع الخمس وتشريع الصلاة والصوم والحج والزكاة, ولذلك جاءت كثير من التساؤلات حول هذه الفريضة, وإلا لو كان تشريع الخمس في أرباح المكاسب من النوع الثاني أو الثالث فلا مجال للتساؤل حينئذٍ, باعتبار أن الإمام وجد مصلحةً في تشريعه فشرعه.

 وهذا المعنى نجده بشكل واضح وصريح في مواضع متعددة, كما في كلمات السيد الخوئي+ فنراه يقول في مستند العروة الوثقى ص193 : >ينبغي التكلم في مقامين: أحدهما في أصل التشريع وأنّه هل يجب الخمس في هذا القسم كما وجب في سائر الأقسام< وفي ص194 يقول كذلك >بل في الجواهر أن هذا هو الذي استقر عليه المذهب< أي: أنه ثابت على حد ثبوت الأقسام الأخرى.

 و في ص195 يقول كذلك: >فكيف ما كان فلا ينبغي التأمل في إطلاق الآية المباركة في حد ذاتها وشمولها لعامة الأرباح والغنائم< أي: أن الآية هي التي أثبتت وجوب الخمس في أرباح المكاسب, لا أن الوجوب قد ثبت من خلال تشريعٍ من رسول الله أو من خلال حكم ولائي من الإمام أو نائبه.

 من هنا تنبعث كثير من التساؤلات التي اشرنا إليها بالأمس والتي هي من قبيل: عدم الاعتناء بالخمس كما أعتني بالزكاة و الصيام أو غيرها من التشريعات التي هي من النوع الأول, و عدم الأمر بجباية الخمس, وعدم اشتهار السؤال عن هذه الفريضة قبل عهد الصادقين وغير ذلك.

 وهذا ما جعل السيد الخوئي يجيب أجوبة متعددة ذات مطالب متنوعة ومن ابرز ما أجاب لذلك:

 الأول: يقول: لو سلّمنا أن الرسول ومن بعده لم يأمروا بجباية الخمس, فإن ذلك لا يدل على عدم تشريع الخمس بأصل الشريعة لأنه: كم عندنا من نظير أن التشريع ثابت في عصر التشريع ولكن إبلاغه إنما تأخر الى زمن متأخر, من قبيل تلك التشريعات التي ستظهر في زمان الإمام الحجة ×, فلا شك أن مجموعة من التشريعات سيبلغها الإمام مع أن تشريعها قد صدر من النبي, لذلك يقول >صدر هذا التشريع في عصر التشريع ولكن وصوله إلى الناس وإبلاغه لهم إنما كان في زمن الأئمة المتأخرين< ثم بعد ذلك بدأ بتفسير >تدريجية الأحكام< بقوله: أن التدريجية قد تطلق ويراد بها التدريجية في عصر التشريع - يعني العصر النبوي- و تطلق تارة ً أخرى ويراد بها معنى: أن التشريع صدر في عصر النبي إلا أن الإبلاغ للناس لم يصدر في عصره, بل جاء متأخراًً عن ذلك.

 ولنا أن نقرأ عبارته + التي يبين فيها ذلك, حيث يقول: >والجواب: أما بناءً على ما سلكناه من تدريجية الأحكام وجواز تأخير التبليغ عن عصر التشريع< ومراده من التدريجية هنا: أنه التشريع قد تم في عصره لكن بيان ذلك التشريع موكول إلى الإمام× ليظهره في ظرفه المناسب له, , >و يظهر من بعض النصوص أن جملة من الأحكام لم تنشر الى الآن, وأنها مودعة عند صاحب الأمر#, فهو المأمور بتبليغها عند ظهوره< ولعله يعتبر هذا الجواب حاسماً وقاطعاً لمادة الإشكال, لذا نراه يقول: >فالأمر على هذا المبنى الحاسم لمادة الإشكال< فلا يبقى حينئذٍ إشكال؛ لأن طبيعة هذه الأحكام تقتضي عدم ظهورها في عهده.

 وجوابه+ يتم في صورةٍ ولا يتم في أخرى, فما يتم فيها هي:

 أولاً: أن يكون التشريع في عصر النبي فحسب, أما بعده فلا بد أن لا يكون هناك أي تشريع, وعند ذلك فظهور أي تشريع في عصر أي إمام من الأئمة, هو في الحقيقة تبليغ منه × لا تشريع.

 أما لو قلنا أن التشريع الثابت للرسول ثابت للإمام × فكلامه + غير تام؛ وذلك لاحتمال أن يكون الإمام في مقام التشريع لا في مقام التبليغ والبيان.

 ثانياً: أن لا يكون الإمام مشرعا للأحكام الولائية, وإلا لو فرضنا أن الأئمة قد ثبت لهم ذلك الحق, فقد يكون تشريع الخمس هو من موارد ذلك.

 فتمامية جوابه+ متوقفة على عدم ثبوت التشريع والأحكام الولائية له×.

 ولا بد من الاشارة هنا الى هذه نقطة وردت في بصائر الدرجات الجزء الثاني ص237 باب ما فوّض إلى الرسول فقد فوّض إلى الأئمة^ قال: >إن الله أدب رسوله حتى قوّمه على ما أراد ثم فوّض إليه فقال: «ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» فما فوّض الله إلى رسوله فقد فوّضه إلينا< من هنا فأن الخمس لو كان ثابتاً في عصر التشريع, فثبوته من القسم الأول لا من الثاني وهذا ما تكشف عنه الروايات التي منها: >لا والله ما فوّض الله إلى أحد من خلقه إلا إلى رسول الله وإلى الائمة عليه وعليهم السلام قال وهي جاريةٌ في الأوصياء<.

 فالقضية إذن تابعة الى المبنى والبناء, ويمكن أن نشير هنا الى إشكال مبنائي مفاده: أنه قد يقال أن السيد الخوئي قد يلتزم بأن الأئمة ليس لهم حق التشريع, إلا أنه+ لا يلتزم بأن الأئمة^ ليس لهم حق الأحكام الولائية.

 ومما بيناه يتضح أن ما ذكره الشيخ اللنكراني+ في كتابه الخمس والأنفال ص10 فيه خلط بين أمرين, فلربما لم يلتفت بشكل دقيق إلى مراد السيد الخوئي+, فلذا يقول في ص110 بعد نقله لعبارة السيد الخوئي ومناقشته لها: >إلا أنّه أنّ الحكم المشروع الثابت في القرآن وظهوره فيه كيف أودع بيانه من النبي إلى الإمام< فمن المعلوم أن السيد الخوئي يرى أن الآية لا تدل على المراد فلا يشكل عليه بالقول: أنه أودع بيانه إلى الإمام, والإشكال الأهم الذي يذكره هو >مع أنه لا شاهد في الآية الشريفة على تأخير إجرائه وعدم كون المقصود عدم إجرائه مدة من الزمن< ففهم الشيخ اللنكراني من كلام السيد الخوئي أن النبي قد شرّعه وبينّه للناس إلا التنفيذ فقد أوكله إلى الأئمة^ وهذا ليس بصحيح لوضوح أن البيان والتنفيذ شيء, والإيداع والتبليغ شيء آخر, فالسيد الخوئي لا يريد أن يقول بأن الرسول قد بيّن وترك التنفيذ حتى يقال ما الدليل على تأخير الإجراء, بل أنه قال: أن الرسول بيّن لأوصيائه ذلك وترك الإبلاغ إلى ما بعدُ.

 فما ذكره اللنكراني من إيراد ليس بتام.

الثاني:

وفي هذا الجواب يدفع السيد الخوئي التساؤل القائل بأن الرسول قد أمر بجباية الزكاة دون الخمس بقوله: >أما مع الغض عن ذلك ـ الجواب الأول ـ فبإبداء الفرق بين الزكاة والخمس لنكتتين: النكتة الأولى: أن الزكاة ملكٌ عامٌ للمسلمين والخمس ملكٌ شخصي للنبي< فليس من المناسب لشأنه أن يطالب بملكه الشخصي, لأنه ليس في ذلك ارتباط بمنافع المسلمين, فلهذا يعتقد أن المطالبة لا بد أن تكون في الزكاة لأنها مما يرتبط بمصالح المسلمين ومنافعهم, وهو مأمور بأخذها, لقوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة}, فالله أمره بذلك, وهذا يستتبع بعث العمال لجبايتها, أما الخمس فليس كذلك, أي: لم يأمره الله بجبايته وهذا يلازم عدم البعث للجباية, بل اكتفى بالتبليغ فقط, فيقول في ذلك >ومن ثَم لم يؤمر في مورده إلا بمجرد التبليغ كما في سائر الأحكام من الصلاة والصيام دون الأخذ< ويؤيد ذلك بقرينة تقول>فلم يكن ثَمة باعث على جباية الخمس, بل قد لا يناسب ذلك شأنه وجلالته كما لا يخفى<.

 إلا أننا نتساءل: كيف يمكن لله أن يجعل لرسوله حقا لا يناسبه!؟

 و الخمس ـ أعم من أن يكون في أرباح المكاسب ـ من أهم محاور البحث في زمن الغيبة, في كون الخمس ملك من, لأن الآية المباركة قالت: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} فالثلاثة الثانية واضحة في أنها ملك من يرجع الى هاشم بالنسب ـ السادةـ لكن الكلام في سهم الإمام.

  فالراكز في ذهن علماء مدرسة أهل البيت من عصر الغيبة إلى يومنا هذا أنه ملك شخصي للإمام×, فكل الأحكام التي تترتب على الملكية تترتب على الخمس الثابت للإمام×, فلا يجوز التصرف فيه من دون إذنه.

 وخير شاهدٍ على ذلك, أقوال فقهاء عصر الغيبة, فقد تعددت أقوالهم بما يتعلق بالسهام الثلاثة تلك, فقولٌ يقول: لابد أن تدفن إلى أن يأتي صاحبها, و يقول آخر بإلقائها في البحر, وقول يذهب الى حفظها الى أن يظهر صاحبها ومثل هذه الآراء كثير, وهي كلها ترى أن الأموال ملك الامام×.

  إلا أن المتأخرين من العلماء وجدوا بأن هذه الأقوال والآراء لا يمكن قبولها والأخذ بها؛ لبعدها عن الإنصاف وعدم انسجامها مع العقل, فالقائل بالتحليل منهم ذهب الى عدم وجوب الخمس, أما القائل بعدم التحليل فقد انتهى إلى قولين آخرين:

 الأول: أن يكون التعامل مع الأموال تعامل مجهول المالك, فإن قيل: أن الإمام ليس مجهولاً, وأن الخمس معلوم مالكه وهو الحجة×, قلنا نعم, لكن نوسع دائرة مجهول المالك لتشمل من حتى من لم يعلم مكانه, وأننا في الحقيقة نجهل مكان الإمام×, فلذلك نتعامل مع الأموال معاملة مجهول المالك, واستدلوا على ذلك ببعض الروايات, بل أن البعض ذهب أكثر من ذلك فقال أن المال مجهول المالك؛ لأننا نعرف الامام باسمه لا بشخصه, وهذا ما ذهب إليه صاحب الجواهر, ففي المجلد السادس عشر ص177 من كتابه الجواهر, بعد نقله للأقوال ومناقشتها, يقول: >وأقوى من ذلك معاملته معاملة المال المجهول مالكه باعتبار تعذر الوصول إليه روحي له الفداء إذ معرفة المالك باسمه ونسبه دون شخصه لا تجعله معلوم المالك, بل لعله حكمه حكم مجهول المالك باعتبار تعذر الوصول إليه للجهل به<.

 أما عصر فقهائنا المعاصرين فيعتقدون أن الأموال للإمام ولابد من صرفها في ما يرضيه×, وهذا الشرط مما تتوافر عليه كل كتب علماء الأمامية في هذا العصر, ويترتب على ذلك كثير من اللوازم من أبرزها: الرجوع الى مرجع التقليد في ذلك لا الحاكم الشرعي.

 والشرط المزبور ـ إحراز الرضا ـ قد توجه إليه صاحب الجواهر إلا أنه لم يكتف به فلذلك نراه يقول >وأما الاستناد إلى إذن الفحوى ففيه منع حصول العلم بالرضا بذلك إذ المصالح والمفاسد التي في نظر الإمام مما لا يمكن إحاطة مثلنا به خصوصاً من لم تزهد نفسه في الدنيا منّا فقد يكون صلة واحدٍ من شيعته أو إطفاء فتنةٍ بينهم أو فعل أمور لها مدخلية في الدين أولى من كل شيء في نظره كما يومأ إليه تحليلهم بعض الأشخاص وأقاربهم في شدة الحاجة فكيف يمكن القطع برضاه فيما يفعله غيرهم خصوصاً مع عدم خلوص النفس من الملكات الردية كالصداقة والقرابة ونحوهما من المصالح الدنيوية فقد يفضَل على البعض لذلك ويترك الباقي في شدة الجوع بل والحيرة بل ربما يستغني ذلك البعض بقبض ما حصل له فيحتال في قبض غيره إلى تمليك زوجته أو ولده ما عنده كي يبقى فقيراً فيقبض ما يشاء وكيف يمكن أن يقاس هذا بفعل أمير المؤمنين وكيف ...< فكلامه واضح في أنه لا يقبل ذلك الشرط لعدم إمكان إحراز رضاه× لكثير من الأسباب كما بين +.

 ونشير هنا الى نكتةٍ ترتبط بمحل بحثنا مفادها : أن إحراز الرضا ـ في البيع الفضولي ـ بالفحوى دون التصريح هل هو جائز أم لا؟

 الشيخ الأنصاري& في مكاسبه في الطبعة الحديثة الجزء الثالث ص346, يقول: >وكيف كان, فالظاهر شموله ـ الفضولي ـ لما إذا تحقق رضا المالك للتصرف باطناً وطيب نفسه بالعقد من دون حصول إذن منه صريحاً أو فحوى< وفي موردٍ آخر في ص395 من مكاسبه يقول: >مع أنه قد يقع الاقباض مقروناً برضا المالك بناءً على ظاهر كلامهم من أن العلم بالرضا لا يخرج المعاملة عن معاملة الفضولي< فالانصاري + يرى أن العمل بالفحوى لا يخرج المعاملة عن فضوليتها.

 أما ما يتعلق ببحثنا فالملاحظ أن التصرف في أموال الامام مبتنٍ على الحدس أو الظن بالرضا لا على القطع واليقين, فالحال هنا كالحال في عمل الفضولي, بمعنى: أنه يحتاج الى إقرار صاحب المال لتصحيح ما حصل من تصرف في الحق. لذلك نرى صاحب الجواهر في نهاية المطاف وفي ص 176-177 يقول: >ومع ذلك كله يظهر لك سر ما ذكره المفيد من المحنة والحيرة لعدم وضوح مأخذ قاطع للعذر لشيء من هذه الأقوال المذكورة, كما يومأ إليه ظهور الاضطراب في هذه المسألة من أساطين الأصحاب في تمام الخمس فضلاً عن حق الإمام منه منهم المفيد والشيخ و...< الى أن يقول: >وأما حقه× فالذي يجول في الذهن أن حسن الظن برأفة مولانا< فلا طريق لإثبات ذلك عند من يعتقد أن المال ملك شخصي للإمام إلا رأفة الامام ور حمته.

 إلا أن الحقيقة أن الامام × له حيثيتين في الملكية وهما:

 1ـ الملكية الكائنة له بما هو فرد من الأفراد.

 2ـ الملكية الكائنة له بما هو إمام وذات منصب.

 وهذان الأمران يعبر عنهما في القانون بـثبوت الملكية لـ الشخصية الحقيقية أو الشخصية الحقوقية. ونحن نعتقد أن المال الثابت للإمام من الخمس, ثابت له باعتباره أمام وذات منصب لا ملكاً شخصياً.

 وهذا ما ورد في كلماتهم ^ ففي وسائل الشيعة الجزء التاسع ـ مؤسسة آل البيت ـ ص537, هناك روايات متعددة, لكننا نكتفي بذكر رواية واحدة ففي كتاب الخمس الباب الثاني, باب أن الأنفال كلها للإمام خاصة, تقول الرواية:>قلت لأبي الحسن الثالث× إنّا نؤتى بالشيء فيقال هذا كان لأبي جعفر× عندنا فكيف نصنع فقال: ما كان لأبي× بسبب الإمامة فهو لي وما كان غير ذلك فهو ميراثٌ لنا على كتاب الله وسنّة نبينا< والرواية واضحة في التفصيل بين حق الامام الثابت له بالمنصب والحق الثابت, فما يثبت له من الخمس هو لكونه إماماً وذات منصب لا لكونه فردا وشخصا.

 فما أفاده السيد الخوئي في الجواب الأول ليس بتام, وذلك لأن الخمس ليس ملكاً شخصياً للإمام؛ بل مرتبط بمنصب الامامة والقيادة لا غير.

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo