< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/03/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 الخمس: رد السيد الخوئي على أدلة النافين ومناقشة ذلك

  كنا نتكلم فيما سبق من الحديث عن الأجوبة التي ذكرها السيد الخوئي+عن بعض التساؤلات التي تثار حول الخمس ووصل بنا المقام الى الجواب الثاني, حيث بيّن هناك نكتتين مفادهما: >أن الخمس حقٌ له ولأقربائه فيشبه الملك الشخصي, حيث لا تعود فائدته لعامة المسلمين< وصرحوا حينها بأن الخمس في النصف الأول ملك شخصي للإمام ×.

 أما النكتة الثانية في الجواب والتي كانت عدم عودة الفائدة لعامة المسلمين. فقد أشار لها + في مكانٍ آخر بقوله: >فإذا كان الحال هذه بالإضافة إلى مثل هذه الأحكام فما ظنك بمثل الخمس الذي هو حق خاص له ولقرابته ولم يكن من الحقوق العامة<.

 و مما يترتب على النكتة الأولى عدم جواز التصرف بحق الإمام إلا بإذنه, أي: أن التصرف يكون على خلاف مقتضى القاعدة, فيحتاج ذلك الى توجيه كي يصح التصرف.

 إلا أننا وفي حديث سابق قد بينا: بأننا لا نقبل أن الخمس ملك شخصي للإمام, بل هو ثابت له باعتباره إمام وذات منصب, ونذكر لذلك بالإضافة الى ما ذكرناه سابقا شاهدين آخرين هما:

 الأول: ما ورد في وسائل الشيعة مؤسسة آل البيت المجلد التاسع ص489 الحديث الثاني عشر, عن المرتضى في رسالة المحكم والمتشابه بإسناده عن علي× قال: >وأما ما جاء في القرآن من ذكر معايش الخلق وأسبابها فقد أعلمنا سبحانه ذلك من خمسة أوجه وجه الإمارة ووجه العمارة ووجه الإجارة ووجه التجارة ووجه الصدقات فأما وجه الإمارة فقوله {وأعلموا أنما غنمتم من شيء< إلى آخره.< فالخمس إذن مرتبط بمقام الإمارة والمنصب الذي يثبت الإمام.

 الثاني: ما ورد في الوسائل المجلد التاسع ص531 الرواية التاسعة عشر المسندة عن علي, فبعدما ذكر الخمس وأن نصفه للإمام قال >إن للقائم بأمور المسلمين بعد ذلك الأنفال< وهي واضحة بأن الخمس أو الأنفال مرتبطة بالقائم بأمور المسلمين باعتباره كذلك لا غير.

 وكثيرة هي الروايات التي عبرت بالمضمون القائل: >فما كان لله فهو لرسوله وما كان لرسوله فهو للإمام<. وواضح أن تعليق الحكم هنا على الوصف ومرتبط بعنوان الإمامة لا بعنوان آخر, بالإضافة الى ذلك أن ما تبنيناه ينسجم مع روح الشريعة وذوقها, حيث لا معنى لأن تؤسس الشريعة الى ملكيةٍ شخصيةٍ لأناسٍ سر وجودهم من أجل الإنسانية والدين وخدمتهما.

 وبذلك تحل عقدة التصرف في حق الإمام في زمن الغيبة, فكل من يملأ هذا المنصب له حق التصرف في ذلك الحق, ويكون تصرفه على مقتضى القاعدة دون وجود أي مخالفة تذكر, وحينئذٍ لا نحتاج إلى التكلفات والتوجيهات التي ذكرت في كلمات أعلامنا وفقهائنا, التي كان منشأها هو القول بالملكية الشخصية للإمام, الملازم لكون التصرف على خلاف مقتضى القاعدة, ومن الشواهد على ما اخترناه من أن الملكية للمنصب قوله تعالى: {فأن لله خمسه} فلا يخفى أن اللام التي في قوله >لله< ليس بمعنى الملك الشخصي له جل شأنه, حيث لا معنى لذلك.

 إذن إذا كان الحق ملك للمنصب, فما كان لله فهو لرسوله, بدليل انتقال اللام « فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}, وما ثبت للرسول فهو للإمام كما دلت على ذلك كثير من النصوص, وهذا كله مبتنٍ على حضور الإمام, أما مع غيبته فهو ثابت لكل من يحتل موقع النيابة العامة أو من تصدى لأمور المسلمين, ويكون التصرف حينئذٍ حسبما يراه ذلك المتصدي ولا علاقة لإذن الإمام بذلك, وهذا يلزم منه:

 أولا: عدم تمامية ما ذهب إليه القائلون بملكية الإمام الشخصية.

 ثانيا: لو سلّمنا أن النصوص دلت على الملكية الشخصية للإمام, ولو بقرينة الروايات التي قالت >فهي لنا<, إلا أننا نرى أن تلك الملكية المجعولة للإمام من قبل الشارع إنما هي باعتبار إدارته لأمور المسلمين وشؤونهم, لا أنها ملكية شخصية تتعلق بإدارة أموره الخاصة. وبذلك فالنكتة الثانية القائلة بعدم عودة الفائدة لعامة المسلمين غير تامةٍ أيضاً.

 ثالثاً: لو سلمنا أن السهم ثابت على نحو الملكية الشخصية للإمام, إلا أننا لا نسلم أن فائدته لا تعود لعامة المسلمين, حيث أن الملاحظ أن السهم نصف منه للإمام ونصفه الآخر لفقراء ومساكين بني هاشم, حينئذٍ عندما يريد الامام أن يتنازل , فلابد أن يتنازل عن حقه فقط؛ لعدم انسجام المطالبة مع شأنه ومقامه, أما التنازل عن حقوق الهاشميين فذلك غير ممكن؛ لأنه مما يرتبط بحقوق الآخرين التي لا بد له من المطالبة بها. وبذلك لا يتم ما أفاده السيد الخوئي من أن المطالبة لا تنسجم مع شخصه ومقامه الشريف, لكونها لا تصب في الصالح العام.

 أما فيما يتعلق بالإشكال القائل: أن الخمس في أرباح المكاسب لو كان فريضة كالزكاة والصلاة والحج لكان الاعتناء به كالاعتناء بتلك الفرائض. أي: لكان له جباية, وأسئلة تدور حول حدوده وضوابطه, إلا أننا لم نرى مثل ذلك الاهتمام وتلك الاسئلة وهذا يعني أن الخمس لم يكن ثابتا في الشريعة كثبوت الصلاة والزكاة والحج.

 السيد الخوئي في جوابه عن ذلك ادعى أن الخمس في أرباح المكاسب ثابت بأصل التشريع واستدل على ذلك بدليل يتوقف على بيان مقدمتين هما:

 الأولى: أنّ الشارع حرم على فقراء بني هاشم تأمين احتياجهم من الزكاة والصدقات الواجبة.

 وهذا موضع وفاقٍ بين علماء المسلمين ويدلل على ذلك قوله تعالى: « إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً } فالمراد من أهل البيت هم قرابة رسول الله, ومراده من الصدقة هي الزكاة بالمعنى الأخص.

 الثانية: أن هؤلاء الذين حرموا من مورد الزكاة, لابد لهم من مورد آخر يؤمن له احتياجاتهم, فان قيل إن تأمين ذلك يكون عن طريق غنائم دار الحرب, قلنا: إن ذلك لا يكفي؛ لاستمرارية الحاجة وعدم استمرارية الحروب, فلذلك فنحن بحاجة الى مورد دائمي البقاء وليس ذلك إلا خمس أرباح المكاسب.

 وهذا ما أشار إليه + في مستند العروة الوثقى في ص198 _ 199بقوله: >لا خلاف بيننا وبين العامة في عدم جواز دفع الزكاة لبني هاشم وأن الصدقة عليهم حرام حتى أنه لا يجوز استعمالهم عليها والدفع من سهم العاملين وقد رووا في ذلك روايات متواترة <.

 ولا بأس بالإشارة الى بعض الروايات التي تؤيد المقدمة الثانية: ففي المجلد التاسع من وسائل الشيعة ص511 قال: >قال: ما أفاء الله ... قال منّا خاصة ولم يجعل لنا سهماً في الصدقة, أكرم الله نبيه وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس< الرواية الأخرى هي: >ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا, أكرم الله رسوله وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس فكذبوا الله <.

 فالسيد الخوئي في المستند كما ذكرنا يقول: >أولاً: حرم عليهم الصدقة ومن الواضح الضروري أن الحرب ليست قائمة بين المسلمين والكفار مدى الدهر ليتحقق بذلك موضوع الخمس من غنائم دار الحرب فتدفع إليهم وعليه فلو كان الخمس مقصوراً على غنائم دار الحرب ولم يكن متعلقاً بما له دوام واستمرار من الأرباح والتجارات فكيف يعيش الفقراء من بني هاشم, في عصر الهدنة الذي هو عصرٌ طويل الأمد بعيد الأجل كما عرفت والمفروض تسالم الفريقين على منعهم عن الزكاة أيضاً كما مر إذن فما هو الخمس المجعول عوضاً عنها في هذه الظروف فلا مناص من الالتزام بتعلقه كالزكاة بما له دوام واستمرار وثبات وقرار في جميع الأعصار لتستقيم العوضية وتتم البدلية الأبدية ولا يكون الهاشمي أقل نصيباً من غيره وليس ما هو كذلك إلا عامة الأرباح والمكاسب حسب ما عرفت< فالنص الذي بينه + واضح الدلالة على ما يريده من المقدمتين من تحريم الزكاة عليهم, وتشريع موردٍ آخر يؤمن لهم احتياجاتهم, ولا طريق لإثبات ذلك ـ تشريع المورد المؤمن ـ إلا بالالتزام بأن الشارع عندما حرم عليهم الزكاة شرع لهم ما يؤمنون به احياجاتهم بأصل التشريع, أي: تشريعا من القسم الأول من الأحكام لا من القسمين الثاني والثالث.

 إلا أننا نرى غرابة في جوابه + ويمكننا أن نقول في الجواب عن ذلك:

 أولا: أن قولك بأن تأمين الاحتياج متوقف على الخمس في أرباح المكاسب لأنها دائمة بخلاف غنائم دار الحرب غير تام؛ وذلك لأن موارد الخمس كثيرة فإمكان تأمين الحاجة قد يحصل من خلال موارد أخرى كالغوص, والمعادن والمال الحلال المختلط بالحرام وغير ذلك من الموارد, ولا يتوقف ذلك على الخمس من أرباح المكاسب فقط.

  علما أننا قد بينا مسبقاً بأن الخمس في أرباح المكاسب قد ذكر لتشريعه ثلاث احتمالات هي:

 الأول: أنه بأصل التشريع.

 الثاني: أنه تشريع نبوي.

 الثالث: أنه حكم ولائي حكومتي.

 واحتمل بعض الأعلام احتمالاً رابعا لذلك فقال: أن الخمس في أرباح المكاسب إنما أوجبه أهل البيت باعتبار أن حقوقهم قد غصبت في غنائم دار الحرب والمعدن والكنز مما سبب ذلك اختلاط أموال المسلمين بالمال الحرام, عند ذلك أوجب الأئمة الخمس في أرباح المكاسب, وبذلك يكون الخمس في أرباح المكاسب من مصاديق اختلاط المال الحلال بالحرام.

 ثانيا: لا نسلم معكم بأن عدم تشريع الخمس يلازم ما ذكرتموه من محذور عدم تأمين حاجات فقراء بني هاشم عند عدم أخذهم الزكاة؛ وذلك لأن المسؤول عن رفع حاجة الفقراء ومنهم فقراء بني هاشم هو القائم والمتصدي لإدارة شؤون حياتهم, ومن غير المعقول أن يكون اعتماده في ذلك على الزكاة فقط, بل لا شك من وجود موارد أخرى غير الزكاة يمكن من خلالها تأمين حاجات المجتمع, ومن خلال ذلك تؤمن حاجة فقراء الهاشميين.

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo