< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/03/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 الخمس: رد السيد الخوئي على أدلة النافين ومناقشة ذلك

 كان كلامنا في محاضرة الأمس يتعلق بما أفاده السيد الخوئي من أجوبة حول ما يثار على الخمس من اثاراتٍ وايرادات, ووصل بنا المقام الى الجواب الثالث الذي ذكره +, علماً أنه لا يصمد أمام كثير من الإشكالات, إلا أننا وقبل الدخول في تتمة ما ذكره +, لا بد من الاشارة الى أهم المباني التي نعتقدها على مستوى البحث النظري في مسألة الخمس وهي كما يلي:

 الأول: نعتقد أن الخمس في زمن الغيبة بما في ذلك أرباح المكاسب سواءٌ كان المتعلق منه بسهم الإمام أو المتعلق منه بالهاشميين ـ السادة ـ ملك للمنصب لا الشخص, فالخمس في زمن الحضور للإمام فحسب, وهذا ما تواترت عليه كثير من النصوص, فقد ورد في كثير من الروايات نص >هو لنا<, وليس نصفه لنا ونصفه الآخر للفقراء من بني هاشم.

 الثاني: يتعلق هذا الأصل بمسألة الحكم والإدارة, فمن المعلوم أن المعصوم هو من يملأ هذا المنصب في زمن الحضور, إلا أن الكلام فيمن يملأه في زمن الغيبة, وهنا توجد عندنا نظريتان أساسيتان هما:

 الأولى: تعتقد هذه النظرية أن الائمة ^ في زمن الغيبة هم من أعطى هذا المنصب للفقيه, لكن هذا الإعطاء هل كان لمطلق الفقيه, أم لفقيه خاص ضمن شروط وضوابط معينة, وحصول ذلك هل يتوقف على دور الأمة في تحديد ذلك أم لا؟ هذا ما يرجع في تحقيقه الى الفقه السياسي لتعيين ذلك.

 الثانية: تعتقد هذه النظرية أن الائمة ^ لم يعطوا الولاية لأي فقيهٍ من الفقهاء, وهذا ما يجعل الأمة مؤمنة قابلة بأي فقيه يتصدى لذلك, كي لا يحرم المجتمع الإسلامي والشيعي على وجه الخصوص من القائد والإمام الذي يدير لهم شؤون حياتهم, ويحل لهم مستعصيات مشاكلهم.

 فسواء بنينا على النظرية الأولى أو الثانية أو على ثالثة تقول: أن الائمة أعطوا الولاية لشيعتهم في تعيين الفقيه ضمن ضوابط وشروط معينة, لإرشاد الأمة إرشاداً صحيحا, حتى يكون انتخابهم صحيحا ودقيقاً, فنحن نعتقد بأن الخمس مرتبط بعنوان المنصب والقيادة, وما ذكر له من عناوين ـ فقراء بني هاشم مثلا ـ هو من باب بيان مورد الصرف لا الملكية والتمليك, لكننا لو تنزلنا وقلنا أن الشارع ملّك السهم للإمام وفقراء بني هاشم فالتمليك كما هو للجهة الحقوقية بالنسبة للإمام, هو للعنوان بالنسبة للسادة لا الأشخاص, أي أن التمليك للكلي لا للافراد.

 من هنا فأن من آمن من الأعلام بأن التمليك للعنوان قد أعطى للمكلف حق تطبيق العنوان على مصاديقه, فلذلك قالوا بعدم إشتراط الإذن حينئذٍ, إلا أننا لا نرى ذلك أبداً, بل لا يوجد دليل على إعطاء المكلف حق التطبيق, ولا الإذن له بذلك.

 عودٌ على بدء: كان السيد الخوئي + في مقام الاستدلال لإثبات أن الخمس في أرباح المكاسب ثابت في أصل التشريع, مقربا استدلاله بقوله: >وإلا لو لم يكن كذلك ـ ثابتا بأصل التشريع ـ لبقي فقراء بني هاشم بلا نصيب أو مورد يؤمن لهم حاجاتهم<, الذي يلزم منه بالتأكيد نقص في التشريع, فلا بد حينئذٍ من أن الخمس قد أوجب وشُرع ـ تشريعا من النوع الأول ـ وهذا ما دل عليه الكتاب العزيز والسنة المتواترة كما يرى+, لكن حال دون وصول التشريع ظروف وملابسات كثيرة, فنراه يقول بهذا الصدد > إلا أن هذا كله لا يكشف عن عدم الوجوب, وعدم الوصول لا يلازم عدم التشريع بعد أن نطق به الكتاب العزيز والسنة المتواترة<.

 ثم بعد ذلك يبدأ + بالرد على القائلين ـ بأن الخمس لو كان ثابتاً بأصل التشريع لكان الاعتناء به كالاعتناء بالزكاة, من قبيل الأمر بجبايته أو السؤال عن حدوده وضوابطه, أو اهتمام الحكام به وغير ذلك, إلا أننا لم نرَ ذلك البتة ـ بقوله: > استدلالكم قائم على أن عدم الوجدان كافٍ لإثبات عدم الوجود إلا أن هذا كله لا يكشف عن عدم الوجود وعدم الوصول لا يلازم عدم التشريع والإنصاف أنه لم يتضح لدينا بعدُ ماذا كانت الحالة عليه في عصرهكيف والعهد بعيد والفصل طويل وقد تخلل بيننا عصر الأمويين اللذين بدلوا الحكومة الإسلامية حكومة جاهلية ومحقوا أحكام الدين حتى أن كثيراً من الناس لم يعرفوا وجوب الزكاة الثابت بنص القرآن, كما يحكيه لنا التأريخ والحديث بل في صحيح أبي داود وسنن النسائي أن أكثر أهل الشام لم يكونوا يعرفون أعداد الفرائض, وعن ابن سعد في الطبقات أن كثيراً من الناس لم يعرفوا مناسك حجهم وروى ابن حزم عن ابن عباس أنه خطب في البصرة وذكر زكاة الفطرة وصدقة الصيام فلم يعرفوها حتى أمر من معه أن يعلم الناس, فإذا كان الحال هذه بالإضافة إلى مثل هذه الأحكام التي هي من ضروريات الإسلام ومتعلقة بجميع الأنام فما ظنك بمثل الخمس الذي هو حق خاص له ولقرابته ولم يكن من الحقوق العامة كما في الزكاة بل لخصوص بني هاشم زادهم الله عزاً وشرفا فلا غرابة إذن في جهلنا بما كان عليه أمر الخمس في عصره أخذاً وصرفاً<.

 وهذا ما اختاره الشيخ اللنكراني في كتاب الخمس مع إضافة بعض النكات, حيث يقول >والحق أن يقال أن بعد الحق وكثرة الفصل بين مثل هذه الأزمنة وبين زمن النبي أوجب الجهل بما في زمانه مع وجود أمور أخر مانعة عن ظهور الأحكام ورواجها مثل تغير مسير الخلافة وانحرافها عن موردها الأصلي ومثل حكومة من لا يرى, ومما يؤكد هذا الأمر ومما يؤيد<.

 وما أفاده السيد الخوئي واختاره الشيخ اللنكراني لا يخلوا من مناقشة, وذلك لان كثيرا من الأمور التي حدثت في صدر التشريع قد وصلت إلينا رغم محاولة الحكام والظلمة محوها وطمسها, وهي مما وقع فيها الاختلاف والبحث بين الاتجاهات الاسلامية الى يومنا هذا, ليس ذلك فحسب, بل يمكننا أن نلاحظ على ذلك عدة ملاحظات أخرى هي:

 الأولى: نعتقد أن القضايا التي يمكن إخفائها و تغيير مسارها لا تكون في مثل هذه القضايا؛ لكونها واسعة النطاق ومحل للابتلاء, فالسعي الى تغييرها أو محوها بحيث لا تصل إلينا أمر قريب من المحال .

 الثانية: إن الساعين لا خفاء الحقائق وتبديلها يرومون الى ذلك فيما إذا كانت الحقائق والتشريعات لا تنسجم وتتلائم مع ما يريدونه ويسعون إليه, والخمس ليس من هذا القبيل, حيث يعتبر من الموارد المالية المهمة التي يسعون إليها, فبه يمكن تشييد البلاط, وتقوية الخلافة والحكومة, التي ما فتئوا في التفكير بتركها للحظة واحدة.

 الثالثة: إن كثيرا من الأمور التي أصابها التحريف والتغيير خصوصا في عهد الخليفة الثالث والعهد الأموي, لم تكن تحفظ وتصل إلينا لولا الجهد المبذول من أهل البيت ^الذين بينوا لنا حال كثيرٍ من المواقف التي أراد الطغاة تغييرها وتحريفها, فكانوا يبينون لشيعتهم أن هذه القضية كانت في عهد رسول الله هكذا, إلا أن فلانا قد قام بتغيرها و تحريفها, حينئذٍ لو كان الخمس من هذه الموارد لما كان لهم ^ أن يبخلوا على شيعتهم ببيان حقيقة الخمس كما فعلوا ذلك في الزكاة حينما بينوا أمرها بهذه الطريقة: >فعن عبد الله بن سنان قال أبو عبد الله الصادق× لما أنزلت آية الزكاة {خذ من أموالهم صدقة} وأنزلت في شهر رمضان فأمر رسول الله مناديه فنادى في الناس أن الله فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ففرض الله عز وجل عليهم من الذهب والفضة وفرض الصدقة من الإبل والبقر والغنم ومن الحنطة والشعير فنادي فيهم بذلك في شهر رمضان قال ثم لم يفرض لشيء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قبل فصاموا وأفطروا فأمر مناديه فنادى في المسلمين أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم قال ثم وجه عمّال الصدقة وعمّال الطسوق< , فنجد هنا اهتماما واضحا من المعصوم × في التبليغ لفريضة الزكاة, فلو كان حال الخمس كحال الزكاة, أي: ثابتا بأصل التشريع فلا بد من الاهتمام به ولو في مورد واحد على الأقل إلا أننا لم نر مثل ذلك قد حصل.

 الرابعة: الملاحظ أن أئمة أهل البيت^ عندما كانوا يبينون حقائق وتشريعات تنسجم مع الذوق العام لعامة المسلمين لم ينسبوها الى الرسول, أما عندما يريدون بيان حقيقة أو تشريع لا ينسجم مع ذلك الذوق, فنراهم يسندونه الى الرسول أو الى أمير المؤمنين× باعتباره الخليفة الرابع وأفضل الصحابة, وحيث أن الخمس من المسائل التي لا تنسجم مع ما ذكرناه من الذوق فلابد حينئذٍ من أن اسناده الى الرسول أو أمير المؤمنين فيقولون في ذلك مثلا أن رسول الله أو أمير المؤمنين ÷ قال كذا وفعل كذا وأمضى كذا, إلا أننا لم نر ذلك في أي نصٍ من النصوص التي وردت عنهم^.

 إذن بهذه الملاحظات الأربع يتبين عدم تمامية ما ذكره+ من أن عدم الوجدان لا يكشف عن عدم التشريع, بل نقول أن عدم الوجدان هنا يكشف عن عدم التشريع, الكاشف بدوره عن عدم الاهتمام و عدم البعث لجباية الخمس, وغير ذلك من التساؤلات.

 أما الجواب الخامس الذي كان السيد الخوئي بصدده فكان مفاده: إن القول بعدم إعتناء الرسول بأخذ الخمس وعدم جبايته, قول مجانبٌ للحقيقة بعيدٌ عنها كل البعد؛ حيث يوجد الكثير من الدلائل والقرائن والشواهد المؤيدة لذلك, فالثابت أنه قد بعث أشخاصاً وأرسل رسائلاً لجمع الخمس وجبايته. وهذا المعنى حينما يتم, فلا معنى حينئذٍ لكثير من الإشكالات والايرادات التي تثار حول مسألة الخمس. إلا أن الحقيقة أن ما ذكره+ قابل للمناقشة وعلى أكثر من وجه سوف نأتي إليها في القريب القادم انشاء الله.

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo