< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/03/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 الخمس: رد السيد الخوئي على أدلة النافين

 كنا نتكلم فيما سبق في مناقشات ما أفاده السيد الخوئي من أجوبة على من نفى الخمس في أرباح المكاسب ووصلنا بنا الحديث الى الجواب الخامس الذي أفاده + والذي كان مضمونه: أن الرسول الأكرم قد اعتنى بمسألة الخمس كاعتناءه بمسألة الزكاة ويدلل على ذلك وجود كثير من الدلائل والشواهد الواردة عنه والتي تكشف عن أنه قد كتب الى كثير من المناطق والقبائل كتباً يطالبهم فيها بدفع الخمس, وهذا ما أشار إليه في مستند العروة الوثقى ص197 بقوله: >على أن العامة قد رووا هذا الخمس عن النبي فقد ورد في صحيح البخاري والترمذي أن رجلاً من بني عبد قيس جاء إلى النبي فلما أراد الانصراف أمره بالصلاة والصيام والزكاة وإعطاء الخمس مما غنم<.

  ومما يؤيد ما ذهب إليه السيد الخوئي+, ما ورد في مسند أحمد بن حنبل ـ الطبعة الحديثة ـ الجزء الثالث ص464 حيث تقول الرواية >قال سمعت ابن عباس أن وفد عبد قيس لما قدموا على رسول الله قال ممن الوفد قالوا ربيعة قال مرحباً بالوفد أو قال القوم غير خزايا ولا نداما قالوا يا رسول الله أتيناك من شقة بعيدة وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر ولسنا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر حرام فأخبرنا بأمر ندخل به الجنة ونخبر به من ورائنا ... الى أن يقول أمرهم بالإيمان بالله, قال أتدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقامُ الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا الخمس من المغنم< ويمكن أن نستفيد من الرواية نكتة مفادها: إن عدم الأيمان برسول الله يلازم عدم صحة الإيمان بالله مطلقا, وقد بيّن لنا الرسول الأكرمبأن الإيمان بالله لا يتحقق إلا بإقامة الصلاة وإعطاء الخمس من المغنم.

 وورد نفس هذا المضمون عندنا ففي كتاب أصول الكافي ـ الطبعة الحديثة ـ ص 442 تقول الرواية: > عن أبي حمزة قال لي أبو جعفر إنما يعبد الله من يعرف الله فأما من لا يعرف الله فإنما يعبده هكذا ضلالا, قلت: جعلت فداك فما معرفة الله قال: تصديق الله عز وجل وتصديق رسوله وموالاة علي والإئتمام به وبأئمة الهدى والبراءة إلى الله عز وجل من عدوهم هكذا يُعرف الله عز وجل<, فالواضح من الرواية أن معرفة الله لا تكون إلا بالائتمام بعلي وأهل بيته والبراءة من أعداءهم ومع عدم ذلك لا تتحقق المعرفة الحقيقية له عز وجل.

 علما أن الرواية مورد الاستدلال ـ ما ورد في مسند أحمد بن حنبل ـ قد وردت في سنن الترمذي في المجلد الثالث ص 39, وبيانها بنفس البيان الذي تقدم.

 ومما ورد من الروايات بهذا المجال ما نقله الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة في القسم الثاني من الجزء السادس ص847 , الحديث2857 قال: >إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وفارقتم المشركين وأعطيتم من الغنائم الخمس وسهم النبي...الخ<. التي يقول فيها بعد ذلك: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وجهالة الصحابي لا تضر كما تقرر.

 وكذلك ما ورد في كتاب المعجم المتوسط للطبراني, في المجلد الخامس ص132, والرواية واضحة الدلالة على المراد حيث تقول >لما بلغه قدوم رسول الله وفد إليه وقبل إسلامه وسأله أن يكتب له كتاباً يدعو به إلى الإسلام. فكتب له في رقعة من آدم أو من أديم بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتابٌ من محمد رسول الله لمالك ابن أحمر ولمن اتبعه من المسلمين أماناً لهم ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة واتبعوا المسلمين وجانبوا المشركين وأدوا الخمس من المغنم وسهم الغارمين...الخ<.

 وكذلك ما ورد في ضعيف تاريخ الطبري, الذي حققه وخرّج رواياته وعلّق عليه محمد بن طاهر البرزنجي, بإشراف ومراجعة المحقق محمد صبحي حسن الحلاق, في المجلد السابع ص245 الرواية طويلة الذيل ننقل منها ما يخص المقام فقط, تقول الرواية >قالت وكان رسول الله بعث إلى بني الحارث ابن كعب بعد أن ولّى وفدهم عمر ابن حزم الأنصاري ثم ليفقههم في الدين ويعلمهم السنة ومعالم الإسلام< إلى أن يقول > وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله وما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار عشر ما سقي<.

 وكذلك ما ورد في البداية والنهاية لابن كثير, من تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي في المجلد السابع ص318 تقول الرواية: >وأن الله قد هداكم بهداه إن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأعطيتم من المغانم خمس الله<

 إذن: ما أراد إثباته + لم يكن ثابتاً برواية واحدة فقط, بل بأكثر من ذلك كما بيّنا, وبذلك يتضح أن الرسول قد اعتنى بمسألة الخمس عناية بالغة, وهذا يكشف بدوره عن أن الخمس قد أوجب وشرع تشريعا من النوع الأول, لا أنه لم يعتنِ به كعنياته بالزكاة كما يقول البعض.

 فإن قيل: أننا نسلم أن الغنائم والمغانم والمغنم مما يتعلق فيها الخمس, إلا أننا لا نسلم أن المراد مما ذكر في النصوص يتعلق بأرباح المكاسب, بل بغنائم دار الحرب فقط, فلا ينفعنا حينئذٍ شيءٌ مما اُستدل به من النصوص, ولا يكون دالا على مراده+.

 إلا أنه + لم يكن غافلا عما يمكن ايراده, بل أنه كان شديد الالتفات والتوجه الى ذلك, لذا نجده قد أجاب عن ذلك الإيراد المقدر في ص197 بهذا البيان: >فإن من الواضح عدم إرادة الخمس من غنائم دار الحرب لعدم فرض قتالٍ أو غزوٍ في المقام بل المراد خمس الأرباح والمتاجر كما لا يخفى<.

 وهذا المعنى أشار إليه السيد محمد سعيد الحكيم مع توسيع أكثر في كتابه مصباح المنهاج في ص171 معلقاً على ما قرأناه من الروايات بقوله: >وهي كالصريحة في أن الخمس المذكور من كل ما يملك الإنسان ولا يختص بغنائم دار الحرب ولا سيما بلحاظ أن دفع خمس غنائم الحرب لم يكن من وظيفة المحارب بل يقوم به النبي بنفسه ولا يقسم الغنيمة بين المحاربين إلا بعد أخذ خمسها<.

 وللكلام تتمة تأتي في الغد انشاء الله.

والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo