< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/04/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 الخمس: ملاحظات حول أدلة المثبتين للخمس في أرباح المكاسب

  بينّا بالأمس الجواب الأخير الذي ذكره السيد الخوئي+ للإجابة على التساؤل القائل: أن النبي لم يعتني بالخمس كما اعتنى بأمر الزكاة فأجاب+ على ذلك بالقول: إن القول بعدم اعتناء النبي بالخمس وأنه لم يأمر بجبايته قول غير سديد وذلك لأن الثابت أن النبي قد اعتنى بالخمس كاعتناءه بالزكاة, وهذا ما كشفت عنه النصوص بأنه قد بعث الرجال والكتب من أجل الخمس وجبايته.

 إلا أننا حين التأمل بجوابه+ نجد أن هناك مجموعة من الملاحظات لابد من ذكرها وهي:

 الأولى: إن ما ذكرناه من الروايات المؤيدة لما ذهب إليه+ جاءت عن طرق أهل السنة والجماعة ولم يرد منها شيء في طرقنا.

 ولنا هنا أن نتساءل: هل يمكن الاعتماد على ما ورد في كتب علماء ومحدثي الفريق الآخر, لإثبات مسألة من المسائل, خصوصا عندما تكون المسألة بالغة الأهمية والخطورة, كالخمس, مع فرض أن مثل تلك المسائل لم تكن قد وردت عن طرقنا ولو بطريق واحد, أو أنها وردت لكن عن طرق لا تصمد أمام الموازين الرجالية والحديثية, علما أن عدم الالتزام والأخذ بما ورد في مصنفاتهم سوف يبقي الاسئلة على حالها من دون أي جواب ؟

 للجواب على ذلك لا بد من بيان نكتة مهمة مفادها: ينبغي للفقيه أو الباحث في المعارف الدينية أن يؤسس لتحديد الموقف ـ قبل الخوض في تلك المسائل ـ تجاه قبوله الروايات التي وردت عن طريق علماء ومحدثي الفريق الآخر, والتي تتعلق بمواضيع ومسائل مختلفة, علما أنه قد لا يمتلك أي رواية أو مؤيد لما يراه ويذهب إليه, ضمن الموروث الذي يؤمن به ويتبناه, كما لا ينبغي له ـ الفقيه أو الباحث ـ التبعيض في الأخذ, بأن يأخذ ما يراه منسجما متلائما مع ما يريد, وناعتا لما ليس كذلك بعدم الصحة والسقوط عن الاعتبار.

 من خلال ما تقدم نعرف أن المسالة مبنائية, ولا نعرف أن السيد+ هل يؤمن بالأخذ من الرأي المخالف أم لا, لنحكم على ما تبناه بالتمام وعدمه.

 الثانية: لو سلمنا أن النبي قد اعتنى بالخمس كاعتناءه بالزكاة فبعث له من يأخذه ويجبيه, إلا أن ذلك لم يحل إلا تساؤلا واحدا من التساؤلات التي بيناها , أما الاسئلة التي لم تحضَ بجوابٍ مشف ٍللغليل فهي:

 1ـ أن من جاء بعده لم يفعل كما فعل هو.

 2 ـ أن أمير المؤمنين × لم يهتم بالخمس و يعتني به كما كان رسول الله.

 3 ـ أن المسلمين لم يعتنوا بالخمس كما كان يعتني به رسول الله.

 4ـ أن الشيعة في مائة وخمسين سنة لم يسألوا عن الخمس وحدوده وضوابطه. وغير ذلك الكثير الذي بقي دون جواب أو حل.

 الثالثة: إن كل النصوص الواردة قد اتفقت على مادة واحد تفيد بأن الخمس هو في الغنيمة, وهذا مما لا إشكال فيه, إلا أن التساؤل هل أن هذه المادة شاملة لأرباح المكاسب أم لا؟

 أعتقد البعض بشمول المادة لذلك, وربما يكون منشأ اعتقاده قد حصل من حصر موارد الخمس في مصداقين فقط, هما غنائم دار الحرب والخمس في أرباح المكاسب, ووجد حينها أن بعض النصوص تحث وتأمر بالخمس في وقتٍ ليس فيه جهاد أو قتال, حينذاك اعتقد بأن الخمس مختص في أرباح المكاسب, وذلك من باب أن انتفاء أحد المصداقين مثبت للآخر؛ فعدم وجود القتال أو الجهاد يلازمه عدم وجود الخمس لعدم وجود الغنائم ـ غنائم دار الحرب ـ المثبت للخمس في أرباح المكاسب, وهذا ما نجده واضحا في عبارات السيد الخوئي+ حيث يقول>: >فإن من الواضح عدم إرادة الخمس من غنائم دار الحرب لعدم فرض قتالٍ أو غزوٍ, بل المراد خمس الأرباح والمتاجر< إلا أن هذا ليس بصحيح وذلك لان الأمر غير قائم على مصداقين فقط بسقوط أحدهما يثبت الآخر, بل توجد موارد أخرى للخمس غير غنائم دار الحرب وأرباح المكاسب, كالخمس في المعادن والمال الحلال المختلط بالحرام.

 فالتسليم بأن الرسول كان يعتني بالخمس أو أن الخلفاء من بعده قد فعلوا نفس ما فعل, لا يلازم أن يكون الثابت من ذلك هو الخمس في أرباح المكاسب, بل قد يكون الثابت هو الخمس في المعادن. علما أننا بيّنا في مباحث سابقة أن الخمس حينما لا يكون مختصا بغنائم دار الحرب فالقدر المتيقن من شموله يكون في المعادن لا أرباح المكاسب.

  ومما يؤيد ما نذهب إليه: أن كل النصوص التي وردت في مصنفات أبناء العامة لم يرد فيه ما يدل على أن المراد هو الخمس في أرباح المكاسب وإلا لو كان كذلك لذكروه وبينوه, لعدم وجود أي موقف مسبق منهم تجاه ذلك, فإن قيل أن عدم ذكرهم لذلك لتأثرهم بالتفسير الذي حصر ذلك بغنائم دار الحرب, قلنا أن ذلك التأثر المحتمل ممكن عندنا أيضاً بسبب النصوص التي خصت الخمس بما كان في أرباح المكاسب فقط.

 وهذا بالحقيقة ليس جوابا صحيحاً ناجعاً, فلا يصلح أن يكون دليلا للفريقين لإثبات المدعى.

 وبهذا يتضح أن التساؤلات التي طرحت بقيت دون جواب ناجع وشافي, وما قيل لها من أجوبة, فيه نوع من التكلف والمؤونة فضلا عن أنها أجوبة بعدية.

 فلا يبقَ إلا أن نقول أن الخمس قد شرع بأمر ولائي, لا قتضاء الضرورة الى ذلك, يرتفع التشريع بارتفاعها. وذلك من قبيل إعطاء الولاية للفقيه في زمن الغيبة, حيث في زمن الحضور تنتفي الضرورة لذلك الذي به ينتفي الإعطاء للولاية.

 من هنا نجد أن السيد محمد سعيد الحكيم يرى لا بدية الجواب عن هذه الأسئلة وإلا بقيت التساؤلات على حالها فنراه يقول في مصباح المنهاج ص171: >غاية الأمر أن يكون عدم ظهور تصدي النبي لأخذه أمراً غير طبيعي يحتاج إلى توجيه, على أن ذلك لا يختص به وتحليل الشيعة منه بعد ذلك...الخ< ولا بد أن يُسأل هنا عن سر إهمال النبي ومن بَعدَه للخمس, وكيف خرج الائمة^ عن سيرته في ذلك, أي: أن رسول الله وأمير المؤمنين÷ وخمسة من الأئمة الذين من بعده لم يأخذوا الخمس, فلماذا الإمام الصادق÷ والأئمة الذي بعده تصدوا لذلك؟.

 قد يقول قائل: أن الشيعة لم يسألوا عن ذلك تسليماً منهم لأئمتهم, إلا أن الثابت أنهم كانوا يسألون الأئمة من باب الفهم لا الاعتراض >لأن الشيعة وإن تأدبوا بالتسليم لأئمتهم والطاعة لهم إلا أنهم كانوا كثيراً ما يحاولون معرفة مطابقة أوامرهم لمصادر التشريع الواردة في صدر الإسلام من الكتاب المجيد والسنة الشريفة< كما يقول.

 فالقضية في الحقيقة فيها كثير من التعقيد وتحتاج الى كثير من التوجيه والبيان, ومن قال من الفقهاء بأن القضية كانت عن أمر ولائي لم يكن صدور ذلك منه اعتباطاً, وذلك لان الأمر يتعلق بمئاتٍ من السنين أو يزيد.

 يتضح مما تقدم أن لا جدوى لما أفاده السيد الخوئي وكذلك عدم تمامية ما ذكره السيد محمد سعيد الحكيم بقوله ص170- 171>فلا يمكن الخروج بذلك عن ظاهر الآية الشريفة ـ في كونها دالة على الاطلاق ـ المعتضد بما تقدم ـ من الروايات المفسرة للآية ـ والمؤيدة بما هو المعلوم من رواياتنا وروايات العامة من أن الله (سبحانه وتعالى) قد عوض بني هاشم زادهم الله شرفا ـ باعتبار أنه الزكاة لم تشملهم ـ والخمس إذا كان مختصاً بغنائم دار الحرب فهو ليس مستمراً ودائمياً فنحتاج حينئذٍ إلى تشريع ثابت ودائم وليس هو إلا الخمس في أرباح المكاسب<.

 وقد بينا فيما سبق ما يرد على هذا الكلام من ايرادات ابرزها: أن التعويض لم يكن متوقفاً على أرباح المكاسب فقط, بل قد يحصل ذلك من المعادن والمال الحلال المختلط بالحرام.

 وتمت الاجابة تفصيلاً كذلك على ما أفيد بأن عدم الوصول لا يدل على عدم التشريع, وكذلك على قوله: ولعلهم اطلعوا من سيرته على ما لم نطلع عليه, وكذلك على قوله: أن ذلك لا يتناسب مع سيرة خلفاء الجور إذ لو كان الخمس ثابتاً بهذه السعة والظهور لرغبوا فيه واهتموا بأخذه ولو فعلوا لشاع وظهر كما ظهر أخذهم الخراج والجزية والزكاة مع أنه ليس لذلك عين ولا أثر في الأحاديث والتاريخ, وكذلك على قوله: وهذه الدعوى مُدفعة بأن ذلك لا يكفي في رد هذه الأحاديث والنصوص التاريخية الكثيرة وتكذيبها ولا سيما أن صدر الإسلام كانوا بنائهم على تحريف ما صدر من النبي.

 أما ما يقال: بأن وجود آية{ذي القربى} في نفس آية الخمس هي التي جعلت الحكام الظلمة يمحون الخمس ويحرفونه, غير ملتفتين في ذلك الى ما فيه من منافع ومصالح مردودٌ, وذلك لأنهم يستطيعون أن يوسعوا دائرة ذي القربى ويدخلوا فيها من يشاءوا ويستفيدون من ذلك أقصى غاية الاستفادة, ويمكنهم كذلك أن يفعلوا في ذلك ما فعلوه في قضية فدك من تحريف وتشويه.

 وهذا ما حصل في كثير من المسائل, كالإمامة مثلاً, حيث أنها كانت من أكثر مسائل الإسلام ضرورة وأهمية في بداية الرسالة, إلا أنها تحولت بعد ذلك الى مسألة نظرية؛ وذلك بسبب التحريف الذي قامت به السلطات الظالمة من تشويه وخلط للحقائق عن طريق إعلامها الموجه, وتحقق ذلك بصورة جلية في عهد ما بعد الرسول والعهد الأموي المقيت حتى بلغ الأمر حداً أن الناس لم يصدقوا بأن أمير المؤمنين قد استشهد في وقت أداءه للصلاة.

 ويتضح أيضاً عدم تمامية ما ذكره بقوله: >هذا ولو غض النظر عن جميع ذلك وسلمنا عدم تصدي النبي بأخذ هذا الخمس فمن الظاهر أن الخمس حق للنبي والأئمة وهو قابل للتحليل<. وذلك لأننا نجد أن القول بالتحليل متعلق بالخمس فقط دون الصلاة والزكاة والحج, علما أنه يعد خير دليل على أن الخمس قد شرع بأمر ولائي لا قتضاء الضرورة لذلك. فنجده يقول: >وهو قابل للتحليل ورفع اليد عنه من قبلهم إعمالاً لسلطنتهم على حقوقهم ولولايتهم على أصحاب الحق كما ثبت في كثير من الموارد, وحينئذ لعل عدم شيوع العمل به في صدر الإسلام يبتني على ذلك لا على عدم تشريعه< إلا أننا نساءل كيف يمكن أن يكون مشرّعاً مع أنهم ^ يتصرفون فيه بالوضع تارة وبالوجوب أخرى!!!.

 ومما بينا يتضح أيضاً عدم تمامية ما ذكره الشيخ اللنكراني+ في كتابه الخمس والأنفال ص111 حيث يقول: >ومما يؤيد أن أمر الخمس كان معمولاً به في زمن الأئمة أيضاً أن أصحاب الخمس كانوا كثيرين ولم يكن لهم طريق للإعاشة نوعاً غير الخمس وعلى فرض عدم مشروعية الخمس في ذلك الزمان أو القول بالاختصاص بغنائم دار الحرب يلزم عدم إدامة ما هو عوض عن الزكاة دائماً لعدم وجود الحرب دائماً مع الكفار إلا قليلا فاللازم القول بثبوت المشروعية والجريان في جميع الفوائد والأرباح< وذلك لأننا بينا بأن مورد التعويض عن الزكاة غير منحصر بأرباح المكاسب فقط.

 ونشير هنا الى جواب آخر ذكره السيد الهاشمي في كتابه الخمس في المجلد الثاني ص45 >الإنصاف أن هذا غاية ما يدل عليه- أي تلك التساؤلات المتقدمة - وهو عدم ظهور أدلة الخمس في مقام الإثبات من الآية الكريمة والروايات الصادرة عن المعصومين الأوائل^ في العموم والشمول لكل فائدة, ومن هنا لا يفهم عامة المسلمين ذلك وأما عدم ثبوته واقعاً فلا يمكن استفادته من مجرد ذلك< أي: من مجرد عدم الإظهار لان عدم الإظهار أعم من عدم الثبوت واقعاً <

 ثم يذكر بعد ذلك سبب عدم إظهار الخمس بقوله>فلعله أخفي بيانه وإظهاره إلى فترةٍ لمصالح وحكم لعل منها ما كان يعرفه أئمة الهدى من أن الحكم الإسلامي وخلافة رسول الله سيزوى عن أهله وأصحابه الحقيقيين المؤهلين له بنص من الله ورسوله< وما يتعلق من كلامه بحثنا هو قوله > ما كان يعرفه أئمة الهدى من أن الحكم الإسلامي وخلافة رسول الله سيزوى عن أهله وأصحابه الحقيقيين ـ حيث لا معنى لان يشرعوا شيئا يكون المستفيد الأول منه السلطة الظالمة ـ ومعه فلا داعي لإظهار مثل هذا الحكم الذي يزيد في قوة الغاصبين وقدرتهم على الظلم والاستيلاء على الأمة وقد ورد في بعض الروايات الإشارة إلى أن الخمس حق الإمارة والحكم فبعد إقصاء الأئمة الأطهار عن ذلك لم يكن في الإفصاح عن هذا الحكم الشرعي وإعلانه أو التأكيد عليه إلا المزيد من تقوية وتعزيز ظلم الظالمين وإعطائهم فرصة أكبر وذريعة شرعية أخرى لابتزازهم أموال المسلمين, الأمر الذي كان يفعله الخلفاء الجائرون ظلماً وجوراً وكان يرزح تحته المسلمون من دون ذلك فكيف إذا ما أعطي بيدهم مثل هذه الذريعة الشرعية<.

 وهذا المعنى بنفسه قد ورد في مصباح المنهاج في ص173 يقول: >وربما كانت الحكمة في ذلك أنّ قيام النبي به وظهور ذلك عنه يستلزم قيام أئمة الجور به من بعده وضياعه على أهله كما ضاع عليهم خمس الغنائم إلى غير ذلك<.

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo