< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/04/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الخمس: تأسيس قواعد عامة لقراءة الروايات

 ذكرنا فيما سبق أن المحور الأساس لهذه الأبحاث يدور حول وجوب الخمس في أرباح المكاسب في زمن الغيبة, لأن ذلك هو محل الابتلاء .

 من هنا لابد لنا أن نقف على التحليل والدليل النظري لهذه الفتوى والنظرية المرتكزة في الذهن المتشرعي وما اعتقده أن كثيراً من الأعلام لا يجرؤون الحديث عن ذلك بشكل صريح.

 بعبارة أخرى: إذا أردنا الاستفادة من كلمات المحدَثين والأعلام فلا توجد هناك شفافية ووضوح في دليل الخمس. فلابد حينئذٍ من الوقوف عند هذه المسألة مفصلاً, مذكرين أن محور البحث هو الخمس في أرباح المكاسب ومن خلال طيات البحث سوف نتكلم عن المال الحلال المختلط بالحرام.

 استدل القائلون بوجوب الخمس في أرباح المكاسب بأدلة هي:

 الأول: الآية المباركة, وقلنا أن الآية غير دالة على ثبوت الخمس في أرباح المكاسب وذلك لعدة ملاحظات أبرزها: أن فريضة مهمة ـ كالخمس في أرباح المكاسب ـ لا يمكن أن يكون إثبات وجوبها موكول الى آية غير واضحة الدلالة في ذلك؛ لاختلاف علماء التفسير واللغة وغيرهما في شمول الآية لذلك وعدم شمولها, ولو فرضنا أنها شاملة فهي لا تصمد أمام كثير من التساؤلات والملاحظات التي عرضنا لها مفصلا فيما تقدم من الابحاث, وقلنا أن الأجوبة التي ذكرت لذلك غير تامة وسديدة.

 الثاني: الاجماع, وقلنا في ما سبق أنه على فرض ثبوت حجيته فهو لا يثبت لنا أن الخمس ثابت في الشريعة كثبوت الصلاة والزكاة و غيرهما من الفرائض.

 الثالث: ارتكاز المتشرعة, الذي جزم الاعلام بوجوده في عصر الائمة(ع), ولا نريد هنا أن تساءل عن سبب حصول ذلك الجزم, وإن أمكن إثبات حصوله بالاستصحاب القهقرائي, وأن القضية كانت واضحة خصوصا في زمن الامام الرضا والجواد والهادي(ع)؛ لذا كثرت الاسئلة والأجوبة للوكلاء القائمين على ذلك, حين بُعثوا من الائمة آنذاك.

 وهذا المعنى يشير إليه صاحب الجواهر في الجزء السادس عشر ص45 يقول: (وهو الذي استقر عليه المذهب والعمل في زماننا هذا, بل وغيره من الأزمنة السابقة التي يمكن دعوى اتصالها بزمان أهل العصمة(ع)) فهو يشير بوضوح الى الارتكاز المتشرعي القائم آنذاك.

 فالارتكاز المتشرعي في كثير من الأحيان يكون مستنداً للأعلام لإثبات الحكم الشرعي وإن لم يكن هناك دليل واضح على الحكم, خصوصاً بالارتكاز الحاصل من المعاصرين للمعصوم, معللين أن ذلك حصل من خلال تواجدهم ومعاصرتهم المعصومين, وهذا المعنى ما نجده في مسألة كيفية الوضوء والابتداء من المرفق, فجملة من الأعلام ومنهم السيد الخوئي يقول بعدم الدليل على ذلك, إلا انه يقول بعد ذلك أن الارتكاز المتشرعي وإصرار الاعلام على ذلك يكشف عن أن ذلك متلقى من الأئمة, وهذا ما نجده جارٍ في بحث الخمس أيضا.

 لذا نجد السيد السبزواري في كتابه مهذب الأحكام المجلد الحادي عشر, ص485 يقول:( ويدل عليه مضافاً إلى أخبارٍ مستفيضةٍ بل متواترة استقرار المذهب عليه قديماً وحديثاً والسيرة المستمرة في جميع الأنصار والأعصار بين الامامية من زمن الأئمة, واهتمامهم على أخذه وجعلهم الوكلاء لذلك وإنكار أشد الإنكار على من يمنعه عنهم, ولم ينسب الخلاف إلا إلى ابنيّ جنيد وعقيل ابن أبي عقيل). وقلنا فيما سبق أن هؤلاء لم يختلفوا في أصل الخمس وإنما اختلفوا في مسألة التحليل.

 نقول: أن هذا الدليل على فرض تماميته فهو يثبت أصل الوجوب لا نوعه, مع عدم بيان نوع التشريع وهل هو من التشريعات الأولية أم أنه صادر بعنوانٍ ولائي, بالاضافة الى ذلك أن الارتكاز دليل لبي فلا يكون له حينئذٍ معقد إطلاق ليتمسك به, فيرد عليه ما ورد على الاجماع.

 الرابع: الروايات, وهو من أهم الأدلة في المقام, ولنا في هذا المورد وغيره من الموارد أن نبحث الأمور التالية:

 الأمر الأول: وجود الدليل وعدمه, على وجوب الخمس في أرباح المكاسب.

 فلا نجيب حينئذٍ ـ في البحث النظري ـ على من يدعي بأن الخمس غير ثابتٍ في أرباح المكاسب بقولنا أن السيرة أو الارتكاز هما من اثبت لنا ذلك, خصوصا مع علمنا بأنهما قد يتأتيا في كثيرٍ من الأحيان بسبب آراء الفقهاء, الذي يبعث في النفس السكون ويزيد من اطمئنانها بأنهما كانا ثابتين في عصر المعصوم (ع), إلا أن الحقيقة قد تكون غير ذلك.

 وقد يقول قائل: أن الأدلة التي استدل بها على وجوب الخمس ـ بكل أنواعه لا أرباح المكاسب فقط ـ إنما هو بسبب المنع الذي حصل من الطغاة لأهل البيت من أخذ حقهم الثابت لهم بصريح القرآن «أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى» فلم يدفع الناس ولسنين طوال الخمس المتعلق بهم, الذي سبب اختلاط المال الحلال بالحرام, وحينها أوجب الائمة الخمس على شيعتهم تطهيرا لأموالهم من ذلك.

 علما أننا لا نملك أي دليل على ثبوت الخمس في أرباح المكاسب وما يدعى من ثبوت ذلك من بعض الاعلام هو على مستوى البحث النظري فقط.

 فعلينا, حينما نقرأ النصوص أن نعرف هل أنها في مقام إثبات الخمس في أرباح المكاسب, أم أنها في مقام إثبات الخمس لأجل استنقاذ حقوقهم من الفيء وغيره, الموجودة في أموال الناس.

 الأمر الثاني: لابد أن نعرف حين عرضنا للروايات الدالة على وجوب الخمس في أرباح المكاسب هل أن تشريعها على نحو التشريع الإلهي الثابت, كما في قوله تعالى{أقيموا الصلاة}, أم انه على نحو التشريع النبوي من قبيل إضافة الركعتين الأخيرتين في الصلاة الرباعية, أم أنه تشريع ولائي حكمت به الضرورة في وقت معين.

 ولا يخفى أن هناك نوعان آخران من الاحكام هما:

 1ـ الاحكام القضائية الصادرة من النبي أو الامام حينما يحصل اختلاف أو مخاصمة في أمر ما.

 2ـ الاحكام التي يمكن استفادتها من خلال بعض الأفعال التي يقوم بها المعصوم كالتخضيب بالحناء الذي كان يقوم به الرسول(ص), ولابد هنا من إحراز أن الرسول قد قام بذلك ليؤسس حكما, لا أنه قد قام بذلك رغبة منه تتعلق به(ص) على وجه الخصوص.

 ولذا نجد السيد العلامة في كتابه سنن النبي يذكر كثيرا من الأمور بعنوان المستحبات, علما أن ذلك لم يثبت, لإمكان أن تكون متعلقة بحياته الشخصية(ص).

 أما ما يتعلق بالأمر الثاني فحينما يثبت أن الخمس ثابت بأصل التشريع فهذا ينتج لنا نقطتان لابد من بحثهما:

 الأولى: أن يكون الخمس في أرباح المكاسب ثابتاً في عصر الغيبة كما كان ثابتا في عصر الحضور. وحينئذٍ سوف نصطدم بروايات التحليل حيث لا معنى لأن يحلل الامام مسألة ثابتة بأصل التشريع, فنحتاج عندئذٍ الى مؤونة وتكلف لرفع هذه الاشكالية.

 الثانية: الالتزام بالمقدار المحدد الذي ثبت له الوجوب, فكما أن صلاة الصبح ركعتين لا يمكن الزيادة والنقيصة فيها من قبل المعصوم, كذلك الخمس فأن المقدار المحدد له لا يمكن أن يزيد أو ينقص فيه.

 أما لو قلنا بأنه من الاحكام الولائية فيوجد هنا بحثان:

 الأول: أن الحكم الولائي الصادر منهم(ع) هل فيه اختصاص بزمن الحضور دون الغيبة أم لا.

 الثاني: لو ثبت عدم الاختصاص بزمن الحضور فليس من حقنا التصرف في المقدار الثابت بزيادة أو نقيصة.

 أما لوثبت أن الحكم الولائي هذا مختص بزمن الحضور فحسب, ففي زمن الغيبة يكون الحكم ـ بالزيادة والنقيصة ـ موكول الى من يتصدى لإدارة شؤون المجتمع وقيادته.

 ولابد من الاشارة هنا الى أمر مهم مفاده: أننا حينما نشك في نوع تشريع الخمس ـ في أرباح المكاسب ـ, هل هو ثابت بأصل التشريع أم بالحكم الولائي, فعلى أي قاعدةٍ نعتمد حينئذٍ للقول بأحدهما دون الآخر؟

 وهذا ما لم يلتفت أليه كثير من الاعلام فمثلا السيد محمد سعيد الحكيم نجده في مصباح المنهاج ص170 يقول: (وأما احتمال كون أمرهم به وعملهم عليه تبعاً لولايتهم العامة لا تبعاً للتشريع - أي التشريع الثابت- فهو مخالفٌ لظاهر النصوص هنا وفي سائر ما يصدر عنهم)

 ولا نعلم ملاك المخالفة التي يدعيها حفظه الله, حيث لا توجد ضابطة أو أصل يمكن من خلالها تحديد المخالفة وتشخيصها, علما أننا حينما نعود الى اللغة العربية نجد أن العطف دال على التأسيس لا التأكيد, إلا إذا دل دليل على الخلاف, ولنا حينئذٍ أن نتساءل ما هو المعين لأحد التشريعين حين الشك بأحدهما, أي عندما نشك بأن هذا التشريع من التشريع الثابت أو من الولائي فما المحدد للقول بأحدهما دون الآخر؟

 هذا ما نحاول الوقوف عنده مفصلا في قادم الابحاث انشاء الله.

 الأمر الثالث: لابد أن نبحث في الرواية التي تقول بثبوت الحكم ولائيا, أن الحكم مختص بالإمام الذي اعمل ولا يته فحسب, أم أن الأمر أعم من ذلك فيشمل الذي لم يعمل ولايته أيضاً, كالامام الجواد والهادي وغيرهم(ع), وحينئذٍ نتساءل: أن القول بالشمول أو بعدمه هل هو مبتنٍ على قاعدة أو أصل أم لا, وحينما نقول بالشمول فهل أن ذلك جارٍ في عصر الغيبة أم مختص بعصر الحضور فقط, وحين نشك في ذلك هل نقول بالاختصاص بعصر الحضور أم بالشمول؟

 وهذه القضية تناولها الاعلام بشكل مختصر ومقتضب جدا, فعلى سبيل المثال نجد السيد محمود الهاشمي في المجلد الثاني من تقريراته ص44 يقول: (أن يكون إيجابه من باب التصدي للولاية وهذا منفيٌ, بما هو المركوز في الذهن المتشرعي الشيعي من ثبوت هذا الخمس على حد ثبوته في سائر الأقسام< والاختصار والاقتضاب واضح في كلامه جدا؛ فالمتشرعة لا يستطيعون تمييز الثابت من المتغير حتى يقول لهم >بما هو مركوز عندهم من الثابت).

 ولنا الآن أن نستعرض روايات وجوب الخمس لنطبق عليها ما بينا من الأمور الثلاثة التي أسسنا لها قبل قليل, لنرى هل أنها تنفعنا في المقام أم لا, والروايات هي:

 الرواية الأولى: الرواية المعروفة بصحيحة علي ابن مهزيار, وتعد هده الرواية من أهم الروايات في هذا الباب, وذلك لوجود خصوصيتان فيها:

 1ـ أنها من الروايات المعتمد عليها في تفسير الغنيمة في آية الأنفال, وأنها تثبت الشمول والعموم في ذلك.

 2ـ تثبت وجوب الخمس في أرباح المكاسب.

 وهي مما نقله الشيخ في التهذيب, وطريقه إلى علي ابن مهزيار طريقٌ صحيح تام, لقوله فيه في الجزء العاشر من المشيخة ص85 بقوله (وأما رواياتنا إلى علي ابن مهزيار الخ...). فلا محذور في طريق الرواية لثبوت صحته من الشيخ الطوسي الى علي بن مهزيار.

 لكن يبقى الكلام في علي ابن مهزيار نفسه, خصوصا عندما نعرف أن خمسة رواياتٍ صحيحة من سبعة قد وردت عن طريقه, بل أن الروايات الواردة عن الامام(ع) تأمر بإعطاء الخمس له, بل أكثر من ذلك فالروايات الصحيحة تذكر أنه حينما اجتمعت عنده الاموال طلب التحليل من الامام في تلك الاموال, الى غير ذلك من الأمور.

 علما أنه قد عاصر ثلاثا من الائمة(ع) هم الرضا والجواد والهادي(ع), وقد قيل في مدحه الكثير, وذلك كما في معجم رجال الحديث, المجلد الثاني عشر, ص192 يقول( علي ابن مهزيار روى عن الرضا وأبي جعفر (ع) واختص بأبي جعفر الثاني وتوكل له وعظم محله منه وكذلك أبو الحسن الثالث وتوكل لهم في بعض النواحي وخرجت إلى الشيعة فيه توقيعات بكل خير وكان ثقة في روايته لا يطعن عليه صحيحا اعتقاده وصنف الكتب المشهورة ثم سكن الأهواز فأقام بها كان إذا طلعت الشمس سجد وكان لا يرفع رأسه حتى يدعو لألف من إخوانه بمثل ما دعا لنفسه وكان على جبهته سجادة مثل ركبة البعير) وغير ذلك الكثير مما نقل عنه.

 فتبين مما تقدم عدم وجود المحذور في شخص الراوي و سند الرواية.

والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo