< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/04/09

بسم الله الرحمن الرحیم

قراءة في رواية علي ابن مهزيار وأهم ما يلاحظ عليها

 لازال الكلام قائما في الملاحظات التي أبداها الاعلام في صحيحة علي بن مهزيار, فبعد أن أشرنا في حديث الأمس الى كلمات بعضهم كالمقدس الاردبيلي في مجمع الفائدة, والفقيه العاملي في المدارك, والسيد الميلاني في محاضرات في فقه الامامية, نشير اليوم الى كلمات بعض آخر منهم, فممن أبدى الملاحظة على ذلك من المعاصرين السيد محمد الروحاني في كتابه المرتقى الى الفقه الأرقى ص23 نجده يقول: (وأما مكاتب علي ابن مهزيار فهي وإن كانت بحسب السند صحيحة إلا أنها بحسب المتن مضطربة جداً بحدٍ أوجب الاطمئنان الشخصي بعدم صدورها من المعصوم(ع)). فنراه رحمه الله يذهب الى الاطمئنان بعدم الصدور.

 وفي مقابل هذا الاتجاه ـ الاتجاه الثاني ـ الذي يمثله من المعاصرين السيد الميلاني والسيد الروحاني, يوجد اتجاه آخر حاول جاهدا أن يدافع عن هذه الرواية, ويرد الاشكالات الواردة عليها. ومن أبرز أعلام هذا الاتجاه الشهيد الثاني حيث نراه في كتابه منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان في الجزء الثاني ص439 يقول (قلت على ظاهر هذا الحديث عدة إشكالاتٍ ارتاب منها فيه بعض الواقفين عليه ونحن نذكرها مفصلةً ثم نحلها بما يزيل عنه الارتياب بعون الله سبحانه ومشيئته...). فذكر في ذلك أربعة أو خمسة اشكالات ودافع عنها.

 وممن حاول الدفاع عن ذلك أيضاً السيد الخوئي في مستند العروة الوثقى في ص201 - 206 يقول: (ولنأخذ في شرح بعض فقرات هذا الحديث الشريف المروي عن أبي جعفر الجواد(ع) ودفع ما أورد عليه من الإشكالات.. الى أن يقول: والمتحصل من جميع ما قدمناه أن هذه الرواية صحيحة السند ظاهرة الدلالة على وجوب الخمس في الفوائد والغنائم وإن أسقط(ع) حقه الشخصي في بعض السنين فيصح الاستدلال بها ولا يرد عليها شيءٌ من الإشكالات). وكلامه (قده) واضح في الدفاع عن الرواية, إلا أن الملاحظ من عبارته القائلة (وإن أسقط(ع) حقه الشخصي في بعض السنين) أن الخمس ليس من الفرائض الثابتة؛ وذلك لأنه لو كان كذلك لما أمكن إسقاطه؛ لعدم إمكان ذلك في الاحكام الثابتة فيتعين كونها من الاحكام الولائية.

 من هنا يتضح ما ذكره صاحب الحدائق (ره) في كتابه الحدائق الناضرة المجلد الثاني عشر ص359 بعد نقله الإشكالات التي ذكرها الشهيد الثاني في منتقى الجُمان بقوله: (أقول جميع ما تكلفه في دفع هذه الإشكالات مبنيٌ على ما زعمه وإجابته عليها... الى أن يقول: وبالجملة فالحق ما ذكره جملة من الأصحاب من أن الرواية في غاية الإشكال ونهاية الإعضال).

 هذا هو مهم الأقوال التي قيلت حول رواية علي بن مهزيار من قبل أعلام الطائفة.

 ولا يخفى أن الرواية قد وردت في الوسائل نقلا عن التهذيب, ففي الجزء التاسع من الوسائل ص501 (عن محمد ابن الحسن الصفار عن أحمد ابن محمد وعبد الله ابن محمد جميعاً عن علي ابن مهزيار قال: كتب إليه أبو جعفر (ع) وقرأتُ أنا كتابه إليه في طريق مكة قال إنّ الذي أوجبت في سنتي هذا) والواضح من الرواية أنها لم تكن سماعاً, بل وجادةً, اللازم منه إمكان الادخال والتحريف, إلا لمن اطمأن قلبه بأن خطها هو خط الامام(ع) .

 كما أنها قد وردت في ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار للعلامة المجلسي(قده) فنعتها هناك ـ وفقاً لمقتضى القاعدة ـ بصحيحة السند.

 ونريد هنا أن نقف على الرواية لنرى الاشكالات التي قيلت بحقها لكن من وجهٍ آخر ولنا أن نلاحظ في ذلك:

 أولا: أن المثير للاستغراب في هذه الرواية أن الامام (ع) حينما يتكلم عن الخمس أو الزكاة نراه يتكلم بصيغة لا تنسجم مع مقام المعصوم, فنراه يتكلم بلسانٍ وكأنه هو الله حينما يريد أن يشرع فنجده يقول كما تنقل الرواية: قال: (إن الذي أوجبت في سنتي هذه) و(وأزكيهم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس) و(ولم أوجب ذلك عليهم في كل عامٍ) و(ولا أوجب عليهم إلا الزكاة) و(وإنما أوجبتم عليهم الخمس في سنتي) و(ولم أوجب ذلك عليهم) و(تخفيفاً مني على مواليّ ومنّاً مني عليهم). وهذه اللسان واللغة وإن كانت ثابتة لهم بمقتضى آية {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} و القواعد الكلامية, إلا أنها غير معهودةٍ عنهم(ع).

 ببيانٍ آخر: إن منطق أهل البيت(ع) ليس منطقا مماثل لـ (أنا الذي أوجبت), و(أنا الذي فعلت), ولذا نجد الشريف الرضي حينما وجد مثل هذا الكلام منقولا عن أمير المؤمنين (ع) امتنع عن نقله في نهج البلاغة؛ معللا ذلك بأن هذا لا يمكن أن يصدر عن المعصوم (ع).

 وكذلك نجد أن الشهيد الثاني في (منتقى الجُمان) ـ عندما يأتي إلى هذه القضية ـ في المجلد الثاني ص439 يقول: (إن المعهود والمعروف من أحوال الأئمة(ع) أنهم خزنة العلم وحفظة الشرّع يحكمون في الشرع بما استودعهم الرسول وأطلعهم عليه وأنهم لا يغيرون الأحكام بعد انقطاع الوحي وانسداد باب النسخ, فكيف يستقيم قوله في هذا الحديث: أوجبت ولم أوجب وفرضت ونحو ذلك إلى غير ذلك من العبارات الدالة على أنه(ع) يحكم في هذا الحق بما شاء واختار). فلا بد حينئذٍ بعد فرض صحة الصدور أن نجد مخرجا عقلائياً للتخلص من هذه الاشكالية.

 ثانيا: أنها مخالفة لأصول المذهب وقواعده, وذلك لورود النص القائل: (وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول), وذلك لعلمنا أن الوجوب المتعلق بالنقدين بعد مضي الحول هو من موارد الزكاة لا الخمس, والقول بأنه من موارد الخمس بعد مضي الحول فيه مخالفة للاجماع القائم في أصول المذهب.

 بالإضافة الى التهافت المنقول في الرواية عن الامام فنراه تارة يقول أن الثابت في الغنائم والفوائد هو الخمس وأخرى يقول أن الثابت هو نصف السدس كما يبين لنا نص الرواية القائل: ( فأما الغنائم والفوائد فهي واجبةٌ عليهم ـ أي أخراج الخمس ـ في كل عامٍ... الى أن يقول: فأما الذي أوجب من الضياع والغلاة في كل عامٍ فهو نصف السدس) وهذا مخالف للضرورة القائلة بثبوت المقدار الذي هو الخمس في الغنائم والفوائد.

 وكذلك نجد أن المتن غير خالٍ من الاضطراب فنراه(ع) يقول: (ولم أوجب ذلك عليهم في كل عامٍ) ثم يقول بعد ذلك ( فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام) فلا نعلم منه(ع) هل أنه قد أوجب الخمس عليهم آنذاك, أم أنه قد حلله لهم؛ للاضطراب الحاصل بين صدر الرواية وذيلها.

 ومن موارد التهافت أيضا ما نقل عن الإمام قوله: (فأحببت أن أطهرهم وأزكيهم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس مستدلا بقوله تعالى {خذ من أموالهم صدقةً تطهرهم} ولا يخفى أن مورد الاستدلال بالآية مختص بالزكاة, لا الخمس.

 ومن موارده أيضا نجد أن الإمام(ع) في وسط الرواية يقول: (ولم أوجب ذلك عليهم .. إلى أن يقول: وأما الغنائم فهي واجبة عليهم في كل عام... وفي موضع آخر من نفس الرواية يقول: الواجب نصف السدس) فلا نعلم هنا أن الواجب في الضيعة هو الخمس أم نصف السدس, وذلك لأن الرواية تقول: (ولا ضيعة إلا ضيعة سأفسر لك أمرها يجب فيه الخمس...ثم يقول: الذي يجب في الضيعة) فمراد الامام في الرواية غير واضح؛ لأنه لم يوضح ما يجب في الضيعة.

 ومن موارد التهافت ما ذكره الهمداني في مصباح الفقيه المجلد الرابع عشر ص102 بقوله: (هناك تهافت في صدر الرواية, فالرواية تقول: ولم أوجب عليهم ذلك ـ أي الخمس ـ في متاعٍ ولا آنيةٍ ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارةٍ ولا ضيعة فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم) حيث نجد أن الرواية قد وضعت الخمس عن التجارة وأثبتتها في الفوائد والغنيمة وهذا خلاف ما يراد إثباته من الرواية وهو ثبوت الخمس في أرباح المكاسب, وهذا خير دليلٍ على عدم ثبوت الخمس فيها ـ أرباح المكاسب ـ فلا تكون حينئذٍ الغنيمة والفوائد الثابت فيها الخمس شاملة لأرباح المكاسب .

 وغير ذلك الكثير من الاضطراب والتهافت الذي تحمله الرواية, ولنا حينئذٍ أن نتساءل: هل من الممكن أن يصدر من الامام كتاباً على درجة عالية من الأهمية؛ لإثبات فريضة كبرى من فرائض الشريعة؛ يحمل في جوانبه كثيرا من الاضطراب والتهافت والتناقض, وكذلك ألم يكن بإمكان الامام أن يبين ذلك بشكلٍ صريح وجلي, وحينها فلا نحتاج الى مزيدٍ من التكلف والتوجيه!!؟

 فما موجود في الرواية من التهافت والاضطراب المشار إليه يشكل قرينة واضحة على عدم إمكان الاستفادة منها, لعدم وضوحها في إفادة المراد والمبتغى.

 لذلك فإننا في قادم الابحاث سوف نبحث في الرواية أمرين هما:

 الأول: في إمكان دفع الاشكالات والتناقضات الموجودة في الرواية وعدم ذلك؟

 فإن لم يمكن ذلك نتوقف حينئذٍ عنها, ونبحث عن رواية أخرى تدلنا على المراد والمنشود. وإن أمكن ذلك ننتقل حينئذٍ الى الأمر:

 الثاني: بعد دفع الاشكالات ورفعها نتساءل حينئذٍ: هل أن الرواية دالة على الخمس في أرباح المكاسب أم لا؟ ولو ثبتت دلالتها في ذلك, فهل أن تشريعها من النوع الأول أم الثاني أم الثالث؟ ولو قلنا انه من النوع الثالث, فهل أنه كان ثابتاً بأصل التشريع ـ إلا أن الضرورة اقتضت عدم تبليغه وبيانه في السابق؛ لعدم تحقق الظروف والشرائط اللازمة لذلك ـ , أم أنه شُرع بحكم ولائي خاص من الامام(ع)؟ ولو ثبت أنه شرع بحكم ولائي فهل أن ذلك مختص بزمانه, أم أنه سارٍ الى الأزمنة الأخرى غير زمانه(ع).

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo