< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/04/29

بسم الله الرحمن الرحیم

ما استفاده الاعلام من رواية علي بن مهزيار وما يلاحظ عليه ق1

 كان الحديث في أهم النصوص التي استدلوا بها لإثبات وجوب الخمس في أرباح المكاسب سواء في زمن الحضور أو الغيبة, والنص هو صحيحة علي بن مهزيار الذي اعتنى به الاعلام كثيرا؛ لوجود مقطع فيه مع فرض تماميته ودفع الاشكالات الأخرى الواردة على الرواية ستكون هذه الرواية من أفضل ما يمكن الاستدلال به لإثبات الخمس في أرباح المكاسب.

 والرواية التي في المقام هي: ما ورد في وسائل الشيعة الباب الثامن من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث12583 ( فأما الغنائم والفوائد فهي واجبةٌ عليهم في كل عام قال الله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم} والغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر والميراث الذي لا يحتسب من غير أب الخ..)..

 هذا المقطع من النص أدى بالأعلام الى الدفاع عن هذه الصحيحة بشتى أنواع الدفاع لرفع ودفع كل اشكال أو تهافت أو تناقض محتمل في الرواية.

 فلا يخفى بأن الرواية تحمل بعض الاشكاليات التي يتضمنها صدر الرواية وذيلها على وجه الخصوص, فصدر الرواية يشتمل على إيجاب الخمس على النقدين اللذان هما من موارد وجوب الزكاة لا الخمس, وذيلها يقول بإيجاب نصف السدس لا الخمس. بالاضافة الى تناقض الصدر والذيل مع الوسط

 ولكي نعرف حقيقة الاشكالات المحتملة في الرواية تفصيلا, علينا أن نقطعها الى مقاطع ثلاث:

 المقطع الأول: ما يشير إلى وجوب الخمس فيما لا خمس فيه.

 المقطع الثاني: ما يشير الى وجوب الخمس في كل فائدة, وهذا المقطع يتنافى مع المقطع الأول والثالث.

 المقطع الثالث: ما يشير الى وجوب نصف السدس فيما وجب فيه الخمس.

 ولابد لنا أن نشير قبل الدخول في تفصيل هذه المقاطع الى وجود أصل لم يتعرض له الاعلام بصورة جلية وواضحة, ومفاده: لو فرضنا مجيء رواية ذات مقاطع عشر, وكان بعض هذه المقاطع موافقا لمقتضى القاعدة وبعضها الآخر ليس كذلك, فهل يا ترى في مثل هذه الحالة تسقط الرواية كلها عن الاعتبار أم الساقط ما كان مخالفا منها للقاعدة فقط؟

 على وجه الاجمال نقول أن البعض يذهب الى سقوط الرواية عن الاعتبار للتناقض والتهافت الحاصل فيها, الا أننا نعتقد غير ذلك, فنرى القول بالتفكيك ـ وفقا للمباني التي نراهاـ أي نأخذ كل مقطعٍ مقطع بنحو الاستقلال, ويمكن أن نأخذها بما هي رواية واحدة لا بعنوان التقطيع وذلك حين وجود الترابط وعدم التهافت, وهذا الأمر نافع لنا في كثير من المسائل وغير مختص بالمسائل الفقهية فقط.

 علما أن التفصيل في هذا الأصل مبتنٍ على ثبوت اعتبار الرواية وفقا للمباني التي يراها الفقيه.

 أما المقطع الأول وهو قوله (ع) (إن الذي أوجبت في سنتي هذه وهذه سنة عشرين ومائتين فقط لمعنى من المعاني أكره تفسير المعنى كله خوفا من الانتشار ، وسأفسر لك بعضه إن شاء الله إن موالي - أسأل الله صلاحهم - أو بعضهم قصروا فيما يجب عليهم ، فعلمت ذلك فأحببت أن أطهرهم وأزكيهم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس).

 فالسؤال الأول المطروح في هذا المقطع أن الإمام (ع) يفترض أن هذه السنة هي سنة 220هـ, فهل أن الامام كان موجودا في هذه السنة أم أن شهادته كانت سنة 219 هـ؟

 صحيح المشهور يعتقد أن الإمام قد استشهد في سنة 220هـ, الا أن جملة من المؤرخين ـ كالمسعودي في مروج الذهب وابن خلكان في وفيات الأعيان والشيخ عباس القمي في منتهى الآمال ـ يعتقدون أن شهادته (ع) كانت سنة 219 هـ, فمن كان يعتقد صحة هذه الرواية عليه أن يثبت في الرتبة السابقة أن شهادته (ع) قد حصلت في سنة 220 هـ, أما من يعتقد بأن الشهادة كانت 219 هـ فدون شك أن هذا النص لا يكون ثابتاً ومفيدا له حينئذٍ.

 من هنا تتأكد أهمية البعد التأريخي ودوره في عملية الاستنباط.

 أما السؤال الثاني فنقول لو سلمنا أن الامام (ع) كانت شهادته سنة 220 هـ, فما هي الخصوصية لهذه السنة التي من أجلها قال الامام بوجوب تطهير شيعته أريد أن أطهركم علما أن بعض الشيعة ربما لم يعطوا الحقوق لسنين متعددة؟ فإن قيل أن الامام قال ذلك في هذه السنة لأنه يعلم أنها سنة شهادته, نقول أن التطهير غير متوقف عليه (ع) وذلك لإمكان حصول ذلك من الامام الذي بعده, فهذا المعنى لا يمكن أن نتصوره الا إذا كان قد صدر من الامام الثاني عشر(ع) لفرض حصول الغيبة وعدم وجود من يقوم مقامه من الائمة (ع) أما غير من الائمة فلا يمكن تصور مثل هذا المعنى بحقه.

 أما المقطع الثاني وهو قوله (ع) :( إن مواليّ أسأل الله صلاحهم أو بعضهم قصروا فيما يجب عليهم فعلمتُ ذلك فأحببت أن أطهركم وأزكيهم بما فعلتُ في عامي هذا من أمر الخُمس قال الله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهركم وتزكيهم بها وصلوا عليهم إن صلاتك سنكن لهم والله سميع عليم} ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم, {وقل اعملوا فسير الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبأكم بما كنتم تعملون}).

 فالسؤال المطروح هنا: أن الامام قد استدل على وجوب الخمس بآية وجوب الزكاة, وما يدل على أن الرواية قد استدل بها لوجوب الزكاة دون الخمس ما ورد : (عن الحسن ابن محبوب عن عبد الله ابن سنان قال قال: أبو عبد الله نزلت آية الزكاة {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها في شهر رمضان} فأمر رسول الله مناديه فنادى في الناس إن الله تبارك وتعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة الخ...), فالاستدلال بالآية في غير محله؛ لأن المراد إثباته بهذا الدليل وجوب الخمس في أرباح المكاسب, والمستدل به لا يدل ولا يثبت الا وجوب الزكاة.

 وهذا ما حدا بالأعلام الى القول: أن الامام ليس بصدد إثبات وجوب الخمس من الآية, بل هو بصدد إرادة التطهير الذي يمكن الاشارة إليه من خلال هذه الآية, بمعنى كما يتحقق التطهير بالزكاة فكذا يتحقق بما أوجبت عليكم من الخمس في هذه السنة, فالهدف والغاية من الاستدلال بالآية هو التطهير لا إيجاب الخمس.

 المقطع الثالث: قوله (ع): (ولم أوجب ذلك عليهم في كل عام ، ولا أوجب عليهم إلا الزكاة التي فرضها الله عليهم ، وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول ، ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة ولا ضيعة إلا ضيعة سأفسر لك أمرها تخفيفا مني عن موالي ومنا مني عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم ولما ينوبهم في ذاتهم), أي أن وجوب الخمس الذي حكمت به قد تعلق بالذهب والفضة بشرط الحول, دون الموارد الأخرى وذلك تخفيفا عن الموالي, وهو ـ إيجاب الخمس ـ إنما كان في هذا العام دون ما مضى من الأعوام).

 فالسؤال المطروح هنا: أن الذهب والفضة حينما يحول عليهما الحول تجب فيهما الزكاة دون الخمس, فكيف نرى الامام يوجب الخمس فيهما؟

 الجواب الأول: ما أفاده السيد الخوئي من أن أيجاب الخمس في الذهب والفضة لا بعنوانهما, بل بما لهما من أرباح وفوائد, أي: الإيجاب في أرباح فوائدهما ومكاسبهما فنراه (قدس) يقول في المستند ص202 (أما لو أريد من الذهب والفضة ما كان بنفسه مورداً للخمس كما لو وقع ربحاً في تجارةٍ ـ كما هو غير بعيدٍ ـ فهو ظاهر إذ عليه يكون هذا استثناء عمّا ذكره من السقوط في الأرباح فأسقط (ع) الخمس عن كل ربحٍ ما عداهما فيجب فيهما بعد حلول الحول لا بعنوانهما الأولي يعني بما هما ذهب وفضة بل بما أنهما ربحٌ في تجارةٍ ولا ضير في ذلك أبداً كما هو ظاهر).

 الا أن ما أفاده (ره) غير تام ويمكن أن نلاحظ عليه:

 أولاً: يلزم من كلامه (ره) تخفيف الخمس من الامام على شيعته, وهو خلاف ظاهر الرواية, الكاشفة عن أن الامام كان بصدد إيجاب الخمس على شيعته؛ لأنه (ع) لو كان يريد التخفيف فلا ينبغي أن يقول ولم أوجب عليهم, بل يكتفي بالقول أوجبت عليهم؛ لفرض أن الخمس ثابت عليهم في كل سنة, وإرادة التخفيف في هذه السنة على وجه الخصوص لوجود غاية في ذلك.

 فما ذكره (قدس) لا ينسجم مع ظاهر الرواية لأن لزوم تخفيف الخمس يعارض إيجابه الظاهر من الرواية.

 نعم التخفيف ظاهر في نص الرواية القائل: ولم أوجب عليهم في متاعٍ وفي آنية ولا دواب.

 ثانياً: يلزم من قوله (قدس) وجود التنافي بين المقطعين القائلين: (ولم أوجب ذلك عليهم في متاعٍ ولا آنيةٍ ولا دواب) و (فأما الغنائم والفوائد فهي واجبةٌ عليهم في كل عام), فالمتاع والآنية والدواب والخدم والربح والتجارة والضيعة ليست من الفوائد, فكيف يقول الامام بالتخفيف وذلك كما نراه في الأسطر القليلة السابقة على تلك العبارة, ثم يقول بعد ذلك بوجوب الخمس فيها في كل عام.

 الجواب الثاني: ما أفاده بعض المعاصرين من أن الخمس المذكور في صدر الرواية ـ الذي تم إيجابه في الذهب والفضة ـ ونصف السدس المذكور في ذيلها ليس هو الخمس المصطلح, بل هو مطلق الصدقة. أما الخمس المصطلح فهو ما ورد في قوله (ع) فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة في كل عام, والتعبير بوجوب الخمس للنقدين ـ الموجود في صدر الرواية ـ إنما هو بيان للمقدار الذي أوجب الامام فيه الصدقة وليس إشارة الى حقيقة الخمس المصطلح, والأمر نفسه بالنسبة الى نصف السدس الوارد في ذيل الرواية.

 ولنا أن نتساءل حينئذٍ: لماذا فرض الامام صدقة واجبة مقدارها الخمس في الذهب والفضة في حين أننا نعلم أنهما من موارد وجوب الزكاة؟

 يقول: الواضح من كلام الامام الوارد في صدر الرواية وذيلها أنه يريد القول بأن أتباعه وشيعته لسنين متتالية لم يؤدوا حقوق الزكاة الثابتة عليهم, فأراد الامام أن يصالحهم عليها وذلك لا يكون الا عن طريق إيجاب مقدار الخمس في النقدين ليحل الباقي بعد إخراج ذلك المقدار.

 أما سبب إيجاب ذلك في خصوص النقدين دون غيرهما من الغلاة وغيرها؛ فلأجل: أن الغلاة وغيرها تؤخذ منها ضرائب الزكاة من الحكام آنذاك لعدم إمكان إخفاءها وكونها مما يرى ويلاحظ, والسبيل إليها من السهل اليسير, بخلاف النقدين فإن عدم أخذ ضرائب الزكاة منها ممكن؛ لأنها مما يمكن إخفاءه وعدم ملاحظته والسبيل إليها من الصعب العسير.

 أما القرائن التي ساقوها على أن الخمس الموجود في صدر الرواية ونصف السدس الموجود في ذيلها ليس هو الخمس المصطلح, فهي:

 الأولى: استدلال الامام (ع) بآية الصدقة الكاشف عن عدم إرادته للخمس المصطلح, بل لصدقة من الصدقات وذلك عن طريق إعمال ولايته.

 الثانية: أنه أوجب مقدار الخمس فيما لا يجب فيه الا الزكاة وهذا يكشف عن أن المراد ليس هو الخمس المصطلح, بل الصدقة.

 الثالثة: أن كل تعبيرات الامام (ع) قد وردت بلفظ أوجبت الكاشفة عن أن تلك التشريعات قد حصلت عن طريق البعد التشريعي الولائي الثابت للامام. وهذا يكشف بدوره أن الامام لا يريد بكلامه الخمس الاصطلاحي ولا الزكاة الواجبة, بل مراده صدقة ما شرعها الامام(ع) ولائياً لغايات واعتبارات هو يعلمها.

 فلذا نراه يقول: (ولعلّ مراده(ع) بالخمس الذي أوجبه في سنةٍ خاصّة في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول كما قيل هو الزكاة,ـ بمعنى مطلق الصدقةـ حيث أن شيعته× قصّروا في أداء زكاتهما ـ الاصطلاحيةـ والزكاة تتعلق في كل سنةٍ فصالح الإمام في زكاتهما فصالح الإمام في زكاتهما في السنوات المتعددة التي قصّروا فيها والشاهد على ذلك ذكر آية الزكاة وذكر آية الصدقات ثم قوله بعد ذلك ولم أوجب عليهم ذلك في كل عام إلا الزكاة التي فرضها الله عليهم وقوله ولا ربح في ربح مع أن الربح ممّا يجب فيه الخمس المصطلح ويكون مشمولاً لقوله بعد ذلك فأما الغنائم ووجه تخصيص الذهب والفضة بأخذ الزكاة أن خلفاء الوقت كان يأخذون الزكوات منهم من الأموال الظاهرة فقبلها الإمام تخفيفاً وأما الذهب والفضة فلما لم تكونا من الأموال الظاهرة لم يكن لعمال الزكوات إليها سبيلٌ فطالب الإمام زكواتهم تطهيراً لأموالهم وتوسعة لفقراء الشيعة وحفظهم من الشدة التي كانت تنتظرهم بوفاة الإمام فإن سنة عشرين ومئيتن كانت سنة شهادته وهذا هو الذي لم يحب الإمام انتشاره قبل وقوعه وبما ذكرنا يرتفع الإشكالات الموردة على الصحيحة ويتعين العمل بمضمونها فتدبر).

 وهذا المعنى نفسه يذهب إليه السيد الحكيم في مصباح المنهاج وذلك في ص176- 177 حيث يقول بعد ذكر الاشكال: (لكنّه مع أن الواجب في الذهب والفضة الزكاة لكنه يندفع بأن عدم وجوب غير الزكاة فيهما بأصل التشريع لا ينافي إيجابه الخمس في خصوص تلك السنة بمقتضى ولايته العام للعلة التي ذكرها في صدر الحديث وهو أجبنيٌ عن الخمس الثابت بأصل التشريع الذي هو محل الكلام, بل هو من سنخ الصدقة كما يناسبه العلة المذكورة والاستدلال بآيتي الصدقة ولا أوجب عليهم إلا الزكاة التي فرضها وأما ما فهمه الخ...).

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo