< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/04/30

بسم الله الرحمن الرحیم

ما استفاده الاعلام من رواية علي بن مهزيار وما يلاحظ عليه ق2

 ذكرنا في حديث الأمس ما ذهب إليه البعض من أن الخمس الوارد في الرواية محمول على الزكاة دون الخمس المصطلح واستشهد لذلك بآية الصدقات التي لا يمكن الاستدلال بها الا لذلك وهذا يكشف أن المراد من الخمس في الرواية هو الزكاة لا غير. وبينا كذلك النكتة التي أشاروا إليها في تخصيص الخمس في النقدين دون غيرهما من الغلاة والفوائد.

 الا أن ما ذكره الاعلام في ذلك غير تامٍ ولا يصمد أمام كثير من الاشكالات والمناقشات التي ترد, ومن أهمها:

المناقشة الأولى:

إن مقتضى القاعدة الأولية في العناوين الواردة في الروايات هو الحمل على المعنى المصطلح لا غير, الا إذا قامت قرينتة على الخلاف.

 فحينما يرد لفظ الزكاة لابد من حمله على المعنى المصطلح والأمر نفسه بالنسبة للخمس, خصوصا إذا ما علمنا أن تقابلا بين المعنيين قد حصل في الرواية كما نرى في قوله (ع) بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس ولم أوجب ذلك عليهم في كل عام ولا أوجب عليهم إلا الزكاة. فلو حملنا الخمس على الزكاة لكان ذلك خلاف الظهور.

 نعم, قد يقال بأننا نسلم معكم بأن حمل أحدهما على الآخر خلاف الظاهر, الا أننا نعتقد بوجود قرائن تصحح لنا هذا الحمل كاستدلاله (ع) بالآية «خذ من أموالهم صدقة», الدال على أن مراد الامام هو الزكاة دون الخمس, فحملنا وإن كان على خلاف الظاهر الا أن وجود القرائن عليه تجعله مما لا بأس ومحذور فيه.

 قلنا: إن كلامكم صحيح وتام فيما لو كان تفسير القرائن منحصر بما تذهبون إليه الا أن الحق ليس كذلك؛ لأن القرائن تفيد أعم من ذلك, فكما يمكن أن تستفيدوا منها لمرادكم يمكن أن يستفاد منها المعنى المقابل كذلك, وذلك كما نرى في الرواية: (قال أبو عبد الله الصادق(ع) من زعم أن الإمام يحتاج إلى ما في أيدي الناس فهو كافرٌ إنما الناس يحتاجون أن يقبل منهم الإمام(ع) قال الله عز وجل «خذ من أموالهم صدقة») والمراد من الرواية واضح هو الأعم من الزكاة والخمس وكما هو معلوم فأن الاستدلال بالأعم لإثبات الأخص غير ممكن. فلا يمكن الأخذ بالقرائن لإثبات ما تريدون لأنها غير منحصرة بذلك.

المناقشة الثانية:

لو سلمنا أن المراد من الخمس في إيجاب الامام على النقدين هو الزكاة لكونهما من مواردها, الا أن ذلك لا يمكن أن يكون صحيحا في الموارد الأخرى ـ

المتاع والآنية والدواب والخدم والربح في تجارةٍ والضيعةـ لأنها ليست من الموارد التي يجب فيها الزكاة لكي يحصل فيهما التخفيف, فلا يمكن حمل الخمس فيها على الزكاة, فيتعين الخمس المصطلح.

المناقشة الثالثة:

الملاحظ أن الامام الجواد (ع) قد قرر مكان الخمس الواجب نصف السدس وهذا ما نراه في الضياع والغلاة بقوله: فأما الذي أوجب من الضياع والغلاة في كل عامٍ فهو نصف السدس, وهذا يدل على أن المراد من الخمس في الرواية هو الخمس المصطلح دون الزكاة ويدل على ذلك أن الامام الهادي (ع) قد قال بالخمس في الأمور التي جعل الامام الجواد فيها نصف السدس وقال أن ذلك من شأن الامام الجواد (ع) وهذا المعنى نجد في الرواية الواردة في الوسائل الجزء التاسع ص501 :(عن علي بن مهزيار عن الامام الهادي(ع) : أقرأني عليٌ كتاب أبيك فيما أوجبه على أصحاب الضياع أنه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤونة وأنه ليس على من لم تقم ضيعته بمؤونته نصف السدس ولا غير ذلك, فاختُلف من قِبلنا في ذلك, فقالوا يجب على الضياع الخمس بعد المؤونة, فكتب وقرأه علي ابن مهزيار عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله وبعد خراج السلطان).

 ولذا السيد الخوئي في المستند ص205 يشير إلى هذه المسألة بشكل واضح وصريح, فبعد أن يقرأ الرواية يقول: (وجوابه(ع) بوجوب الخمس بعد المؤونة الكاشف عن اختصاص نصف السدس بزمان أبيه وأن حكم الضيعة هو الخمس غير أنه اكتفى بنصف السدس).

 فيظهر بذلك أن نصف السدس الوارد في ذيل الرواية مرتبط بالخمس المصطلح وليس الزكاة, وهو الذي أشار إليه الامام(ع) بقوله ولا ضيعة إلا ضيعة سأفسرها لك.

 والحق أن هذه الرواية من أحسن وأفضل الروايات التي يمكن الاستدلال بها في المقام حينما تُقرأ قراءة صحيحة أي عندما نأخذ بعين الاعتبار كل الظروف والشرائط المحيطة للرواية, لا أننا نأتي إليها مجردة عن ذلك.

 ومنه يتضح أن لمعرفة التأريخ مدخلية واضحة في فهم المراد من الروايات, والرواية التي في المقام خير دليل على ذلك, فلا يخفى أن الامام الجواد (ع) قد عاصر الخليفة المعتصم العباسي المعروف بفسقه وتعسفه وحماقته الذي استخدم كل الطرق التي من شأنها تضييق الخناق على الامام والنأي به بعيدا عن محبيه وشيعته وذلك عندما استقدمه الى بغداد.

 وبهذا يُعرف أن الوضع الذي كان يعيشه الامام (ع) ليس وضعا طبيعيا بل محفوفا بالمخاطر و الخوف, فلذا نجد الامام (ع) يقول في صدر الرواية اسأل الله صلاحهم ثم يقول: ولم أوجب ذلك عليهم منّاً مني عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم ولما ينوبهم في ذاتهم الكاشفة عن الوضع الصعب الذي يعيشه الامام وشيعته, هذا أولا.

 ثانيا: ذكرنا فيما سبق من الابحاث وفي الدرس 132 على وجه الخصوص أن الفائدة التي يحصل عليها الانسان على أقسام ثلاث:

 الاول: التي تحصل عن طريق المغالبة والحرب وهي التي يصطلح عليها بغنائم دار الحرب.

 الثاني: التي تحصل من غير توقعٍ وجهدٍ أو كسبٍ وعملٍ, كالجائزة والهدية.

 الثالث: التي تحصل عن طريق الزراعة أو أرباح التجارات والمعاملات.

 فالرواية التي في المقام تريد القول أن الخمس في القسم الاول والثاني ثابت بالتشريع والفرض الإلهي ولا مجال لرفعه أو وضعه أو التغير فيه بالزيادة أو النقيصة؛ فلذا نجد الامام (ع) يؤكد على وجوب إخراجه إليه أو لوكلائه.

 أما القسم الثالث فأمره موكول إليهم (ع) فيستطيعون فيه التحليل والوضع والتخفيف.

 فبالالتفات الى هذا التفريق الكائن بين هذه الأقسام, يتضح عدم وجود الاضطراب والتهافت المدعى في الرواية؛ لأنها شاملة للتفصيل الذي بيناه, فما يتعلق بالقسم الاول والثاني قد عبرت عنه الرواية بقولها: فأما الغنائم والفوائد فهي واجبةٌ عليهم في كل عامٍ واستدل الامام (ع) لذلك بآية الغنيمة «واعلموا أنما غنمتم» ليبين بذلك أن هذين القسمين هما فرض الهي لا يناله التغيير بالوضع أو التحليل, أما القسم الثالث فنرى الامام (ع) يعبر عنه بـ إني أوجبتُ عليهم في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول.

 وإيجابه (ع) يكشف عن إمكان التغيير بالوضع أو التخفيف.

 أما سبب الإيجاب في النقدين دون غيرهما فهو: أن من الصلاحيات التي ثبتت للامام (ع) أنه يستطيع أن يشرع بحكمه الولائي الخمس في الموارد التي ثبتت فيها الزكاة حين اقتضاء الضرورة لذلك, وبما أن النقدين غالبا ما تكون من ملك الاغنياء أوجب الامام فيهما الخمس, فلذا نجده (ع) يقول: ولا أضعه لا في متاعٍ ولا في آنيةٍ ولا في دواب ولا خدم ولا ربحٍ ربحه في تجارةٍ, وليس سر الإيجاب فيهما ما أفاده البعض من أنها قابلة للإخفاء.

 يقول(ع) (قال الله «واعلموا أنما غنمتم» والغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرءُ والفائدة يفيدها والجائزة من الإنسان للإنسان, والميراث الذي لا يُحتسب, وما صار إلى مواليّ من أموال الخُرميّة -الفسقة- وقد علمت أن أموالاً عظام صارت إلى قومٍ من مواليّ فمن كان عنده شيءٌ من ذلك فليوصل إلى وكيلي ومن كان نائياً بعيد الشقة فليتعمد لإيصاله ولو بعد حين فإن نية المرءُ خير من عمله وإنما أوجبتُ عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول ولا ربحٍ ربحه في تجارةٍ فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام الخ..) وقوله (ع) فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام كاشف عن أن الربح في تجارةٍ غير الفوائد. وهذا المعنى أشار إليه الفقيه الهمداني مستفيدا ذلك من أن الامام قد أوجب الخمس في الفوائد دون أرباح التجارات.

 والملاحظ في الرواية أن الامام قد قام بأمورٍ, أهمها:

 أولاً: أوجب الخمس فيما لا خمس فيه وذلك في النقدين.

 ثانيا: حلل الخمس في الموارد التي يجب فيها الخمس وذلك كما في المتاع والآنية والأرباح الخ...

 ثالثا: قال بوجوب نصف السدس مكان الخمس في الضيعة والغلة شريطة أن تقوم الضيعة بالمؤونة, أما من لم يكن كذلك فنصف السدس ساقط أيضاً.

 ويظهر من ذلك أن الامام بصدد إثبات أن الخمس في القسم الأول والثاني هو فرض من الله لا يمكن التغيير فيه بالزيادة أو النقيصة.

 أما القسم الثالث فهو من صلاحياته (ع) فله الحق في الإيجاب والتحليل, وذلك تابع الى اقتضاء الضرورة التي يحددها هو(ع) بعنوانه ولي الأمر.

 وبهذه القراءة ـ أن الاحكام بعضها ثابتة وبعضها ولائي ـ المعتمدة لدينا ترتفع كل الاشكالات التي ترد على الرواية, فلا تناقض أو تهافت في المقام, بخلاف القراءة التي عليها المشهور الذي يرى أن كل الاحكام الواردة في الرواية هي من الاحكام الثابتة فقط, اللازمة حينئذٍ لكثير من الاشكالات والملاحظات والاثارات التي اُشير إليها, من قبيل التهافت والتضاد وغير ذلك.

 فالرواية تقول: (إن مواليّ أسأل الله صلاحهم أو بعضهم قصروا فيما يجب عليهم, فعلمتُ ذلك بما فعلتُ في عامي هذا من أمر الخُمس ـ بالحكم الولائي لا الثابت ـ وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه ـ أي السنتين الأخيرتين من حياته (ع) المحفوفة بكثير من المخاطر والمضايقات عليه وعلى شيعته ـ الذهب والفضة التي قد حال عليها الحول ولم أوجب ذلك عليهم في متاعٍ ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح في تجارة ولا ضيعة الا في ضيعة سأفسر لك أمرها تخفيفا مني ـ بالحكم الولائي ـ عن موالي ومناً مني عليهم الى أن يقول: فأما الغنائم والفوائد فهي واجبةٌ فهي واجبة عليهم في كل عام ـ بالفرض الإلهي الثابت ـ قال تعالى«واعلموا أنما غنمتم»)

 وبهذا يتضح أن آية الغنيمة شاملة للقسم الأول والثاني, ومنه يظهر أننا من القائلين بوجوب الخمس في الجائز والهدية لقوله (ع): (والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطرٌ).

 أم القسم الثالث من الفوائد الذي هو أرباح المكاسب فهل الخمس فيه قابل للزيادة والنقيصة أو الرفع والتحليل؟

 هذا تابع لتحديد نوع التشريع فيه فهل هو من التشريعات الثابتة التي لا تتغير أم أنه من التشريعات الولائية.

 علما أننا عندما نراجع كلمات الفقهاء كالسيد الخوئي مثلا كما في هذه الرواية نجده يوجه بعض الاحكام على أنها ثابتة بالحكم الولائي رغم أنه يذهب الى أنها من الاحكام الثابتة, ومن أبرز ما ورد في ذلك:

 المورد الأول: (ومع التنازل عن ذلك ودعوى ظهور الرواية في إيجاب الخمس في الذهب والفضة بعنوانهما الذاتي حتى لو لم يتعلق بهما خمس الأرباح كما لو كان إرثاً ونحو ذلك فلا ضير فيه أيضاً لما عرفت من أنّه(ع) لم يكن بصدد بيان الحكم الشرعي مطلقا, بل أوجب(ع) الخمس في خصوص سنته هذه فقط وقد تقدم أنّ ولي الأمر له الولاية على ذلك, فله إسقاط الخمس عن التجارة, وجعله في الذهب والفضة ولو مؤقتاً لمصلحة يراها مقتضية لتبديل البعض بالبعض), ونحن لا نعتقد بالتبديل, فبالإضافة لثبوت الزكاة فيهما للإمام الحق أن يوجب الخمس فيهما لا بعنوانهما الأولي, بل بعنوان أنهما من النقود التي يتعلق بهما الخمس.

 المورد الثاني: (

بداهة أن الصحيحة تنادي من بدايتها إلى نهايتها بأعلى صوتها بأنه(ع) في مقام تخفيف الخمس إما بالإلغاء محضاً كما في المتاع والآنية والخدم والربح أو بالإلغاء بعضاً كما في الضيعة كما أشار(ع)أو بالوضع كذا...).

المورد الثالث:

(والمتحصل من جميع ما قدمناه أن هذه الرواية صحيحة السند ظاهرة الدلالة على وجوب الخمس في الفوائد والغنائم ـ ومقصوده من الفوائد أرباح المكاسب وهذا ما نختلف فيه حيث أننا نرى أن المقصود من الفوائد القسم الأول والثاني فقط ـ وإن أسقط(ع)حقه الشخصي في بعض السنين الى أن يقول: كما اتضح أنه لا ينبغي الشك في وجوب الخمس في الفوائد مطلقا وعدم الاختصاص بغنائم دار الحرب). وهذا الإشكال أشرنا إليه سابقاً حيث قلنا أن السيد الخوئي وجملة من الأعلام يتصورون أن وجوب الخمس إذا لم يكن مختصاً بغنائم دار الحرب فهو شاملٌ للقسم الثاني والثالث مع أن الملازمة منتفية في ذلك, فقد لا يكون وجوب الخمس مختصاً بغنائم دار الحرب الا أنه يكون شاملا للقسم الثاني دون الثالث.

 وما أشار إليه السيد الخوئي أشار إليه الفقيه الهمداني وجملة من الاعلام, على أن الاحكام الواردة في الرواية من مختصات الامام (ع).

والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo