< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/05/01

بسم الله الرحمن الرحیم

ما استفاده الاعلام من رواية علي بن مهزيار وما يلاحظ عليه ق

3

 كان الكلام فيما سبق عن رواية علي بن مهزيار وتحدثنا عن فهم الاعلام من تلك الرواية.

 أما حديثنا في هذا اليوم فهو أننا نعتقد بان الخمس على نوعين:

 الاول: الخمس الثابت بالفرض والتشريع الإلهي وهذا ما أشار إليه الامام في المقطع الثاني من الرواية بقوله فأما الغنائم والفوائد فهي واجبةٌ عليهم في كل عامٍ, قال الله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم}.

 والذي يظهر من كلامه (ع) أن المراد من الفوائد هو الغنائم لا شيء آخر, وأن العطف الحاصل بينهما هو عطف تفسير لا مغايرة.

 الثاني: الخمس الثابت بالأمر الولائي أي بالتشريع الثالث من تشريعات الاحكام وهذا ما أشار إليه الامام في المقطع الاول والثالث في الرواية فقال تارة ولم أوجب عليهم, وقال أخرى وإنما أوجبت عليهم.

 أما الفرق بين هذين النوعين فهو: أن ما يتعلق بالنوع الاول المعبر عنه بقول الامام والفوائد فهي واجبةٌ عليهم في كل عامٍ لابد من فيه إيصال المال الى الامام أو وكلائه فهو غير قابل للتحليل والوضع أو التغيير بالزيادة و النقيصة. بخلاف النوع الثاني فالإمام يستطيع فيه التحليل أو التغيير بزيادة أو نقيصة.

 من هنا فلابد لنا حينما نأتي الى الأنواع السبعة التي يجب فيها الخمس من التمييز والتفريق هل أنها من النوع الاول أو الثاني.

 وما هو موجود في الرواية فيه الدلالة الكافية على التفريق حيث بيّن الامام (ع) الموارد التي تندرج تحت النوع الاول والموارد التي تندرج تحت النوع الثاني.

 لذا فأننا نعتقد بأن رواية علي بن مهزيار هذه من أهم الروايات في باب الخمس, بل لعلها الرواية الوحيدة التي ورد فيها مثل هذا التفصيل لأنواع تشريع الخمس.

 ومن هنا تظهر فائدة ما اشرنا إليه سابقا من أن فهم أنواع التشريع الصادر يوّلد للفقيه رؤية متكاملة يستطيع من خلالها التعامل مع الروايات ويجنبه الوقوع في الخلط أوالتشويش.

 وهذا النوع من التفريق قد لاحظه الفقيه الهمداني في الرواية المزبورة حيث أنه أفاد في مصباح الفقيه قائلاً: ظاهر الرواية عدم اندراج أرباح التجارات والزراعات في الغنائم التي أوجب الله تعالى فيها الخُمس, مستفيدا ذلك من الأسطر القليلة السابقة على هذه العبارة التي تفيد ثبوت الخمس في كل عام على موالي الامام حيث تقول الرواية (وأن خمس الغنائم ثابت في كل عامٍ بخلاف أرباح التجارات الذي هو موكولٌ أمره إلى الإمام أن يضعه أو يرفعه أو يخففه).

 ويتضح من خلال ما أفاده الفقيه الهمداني التكلف الذي صار إليه السيد الخوئي في الجواب عليه فنراه يقول في المستند ص206 : (وهذا الإشكال ـ عدم اندراج الأرباح في الغنائم ـ أيضاً لا يرجع إلى محصّل لأنّ المذكور فيها لو كان هو الغنائم فقط ـ من دون الفوائد ـ لأمكن الاستظهار المذكور ولكن اقترانها بالفوائد قرينة قطعية على أن المراد بها معنىً عام يشمل مطلق الأرباح وغيرها), من هنا فان السيد الخوئي يرى أن عبارة فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة مخصصة بالعبارة التي قبل ذلك؛ حيث لا يمكن الجمع بين العبارتين القائلتين: واجبة عليهم في كل عام, و ولم أوجب ذلك عليهم في ربحٍ ربحه في تجارةٍ. ومرجع الفهم الذي عليه السيد الخوئي هو اعتقاده بأن الاحكام الواردة في الخمس في الرواية هي من تشريع واحد لا تشريعات متعددة.

 ولنا أن نقول أن الفقيه الهمداني يرى في عطف الفوائد على الغنائم عطف تفسير لا مغايرة, فلا تندرج الأرباح فيها كما يعتقد السيد الخوئي. ولو تنزلنا وقلنا أن العطف عطف مغايرة وأن الفوائد غير الغنائم فلا شك أننا قد بينا فيما سبق أن الفوائد على أقسام ثلاث, ولا دليل على أن المراد منها هو ما يشمل القسم الثالث. فما ذكره السيد الخوئي غير تام.

 أما ما أورده السيد محمد سعيد الحكيم في مصباح المنهاج ص178 على الفقيه الهمداني بقوله: (ومما ذكرنا يظهر وجه اندفاع ما عن الفقيه الهمداني ما أشرنا إليه آنفاً من أن صدر الصحيح المشتمل على التخفيف ليس وارداً في الخمس المعهود) غير تام أيضاً وهو نفس المعنى الذي ذهب إليه بعض المعاصرين من أن الخمس الوارد في صدر الرواية محمول على الزكاة كما اشرنا الى ذلك مسبقاً حيث قلنا أن المأخوذ باستدلال الآية هو حيثية التطهير التي تحصل بأخذ الزكاة والخمس, لا أن الاستدلال بآية الزكاة يجعل المورد المستدل له محمول على الصدقة, بل أن المستدل له بالآية هو الخمس المصطلح.

 ومنشأ هذه الاشكالية التي وقع فيها صاحب مصباح المنهاج وبعض المعاصرين حينما وجدوا أن صدر ووسط وذيل الرواية قد اختلفت فيها الاحكام هو اعتقادهم بأن تشريع حكم الخمس من نوع واحد, الا أن الحقيقة ليس كذلك, فمن الخمس ما هو بتشريع وفرض الهي ثابت لا يتغير, ومنه بتشريع الامام الذي يستطيع فيه التحليل أو التغيير بالزيادة والنقيصة.

 والأمر هذا ـ التصور الغالب بأن تشريع الخمس من نوع واحد ـ قد أشار إليه صاحب منتقى الجمان وبين في ذلك مواطن الاشكال التي تصورها بعض الفقهاء؛ فجعلت بعضهم يتردد في الأخذ بالرواية, والآخر يحمل الخمس الوارد فيها على الصدقة, الى غير ذلك من الاشكالات التي وقعوا فيها فنراه (ره) يقول: (قلت على ظاهر هذا الحديث عدة إشكالاتٍ ارتاب منه فيه بعض الواقفين عليه, ونحن نذكرها مفصلةً ثم نحلها بما يزيل عنها الارتياب.

 الإشكال الأول: أن المعهود والمعروف من أحوال الأئمة أنهم خزنة العلم وحفظة الشرع يحكمون فيه بما استودعهم الرسول وأطلعهم عليه وأنهم لا يغيرون الأحكام بعد انقطاع الوحي وانسداد باب النسخ فكيف يستقيم قوله في هذا الحديث أوجبت في سنتي ولم أوجب ذلك عليهم في كل عام, الى غير من ذلك من العبارات الدالة على أنه (ع) يحكم في هذا الحق بما شاء وأختار. الى أن يقول:

 الاشكال الرابع: أن الوجه في الاقتصار على نصف السدس غير ظاهرٍ بعد ما عُلم من وجوب الخمس في الضياع التي يحصل منها المؤونة كما يستفاد من الخبر الذي قبل هذا وغيره مما سيأتي.

 إذا تقرر هذا فأعلم أن الإشكال الأول مبنيٌ على ما اتفقت فيه كلمة المتأخرين من استواء جميع أنواع الخمس في المصرف ونحن نطالبهم بدليله ونضايقهم في بيان مأخذ هذه التسوية كيف وفي الأخبار التي بها تمسكهم بل ينادي بالاختلاف كالخبر السابق الى أن يقول: وإذا قام لا أقل الاحتمال احتمال الاختلاف فضلاً عن اتضاح سبيله باختصاص بعض الأنواع بالإمام فهذا الحديث مخرّج عليه وشاهدٌ به, وإشكال نسبة الإيجاب فيه بالإثبات والنفي إلى نفسه مرتفعٌ معه؛ فإن له التصرف في ماله بأي وجه شاء أخذاً وتركاً وبهذا ينحل الاشكال الرابع, ثم يقول (ره) في ص441 ثم إن في هذه التفرقة بمعونة ملاحظة الاستشهاد بالآية وقوله بعد ذلك فليتعمد لإيصاله ولو بعد حين دلالة واضحة على ما قلناه من اختلاف حال أنواع الخمس وان خمس الغنائم ونحوها مما يستحقه أهل الآية ليس للإمام أن يرفع فيه ويضع على حد ما له في خمس نحو الغلاة وما ذاك إلا للاختصاص هناك والاشتراك هنا).

 وبهذا يتضح عدم تمامية ما أفاده السيد الروحاني لرد الرواية ـ المبحوث عنها في المقام ـ بقوله: (وأما مكاتبة علي ابن مهزيار, فهي وإن كانت بحسب السند صحيحة إلا أنها بحسب المتن مضطربةٌ جداً بحيث أوجب الاطمئنان الشخصي بعدم صدورها من المعصوم (ع) وإليك فقرات منها كشاهد صدقٍ على ما ادعيناه), فيذكر عدة شواهد لعدم صدور الرواية من الامام هي:

 الشاهد الأول: يقول: (قال إن الذي أوجبت في سنتي إلى أن يقول: ولا يخفى أن الآية الكريمة واردة في باب الزكاة ولا ربط لها بباب الخمس فكيف استدل بها للخمس, وهذا يوجب في النفس من الرواية شيئا, وان كان قابلا للتوجيه أيضاً, كما لايخفى), علما أننا نجد الائمة (ع) يقولون أن الذي نفعله له آثار على حد آثار ما كان يفعله الرسول(ص) وهذا ما تؤكده الرواية الواردة في وسائل الشيعة: (كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي الرضا يسأله الإذن في الخُمس, فكتب إليه(ع) إن الله واسعٌ كريم, ضمن على العمل الثواب وعلى الضيق الهم لا يحل مالٌ إلا من وجهٍ أحله الله إن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالتنا وعلى موالنا وما نبذله ونشتري من أعراضنا ممن نخالف سطوته فلا تزووه عنّا ولا تحرموا أنفسكم دعائنا ما قدرتم عليه فإن إخراجه مفتاح رزقكم وتمحيص ذنوبكم).

 الشاهد الثاني: (ولم أوجب ذلك عليهم في كل عام ولا أوجب عليهم الا الزكاة التي فرضها الله عليهم وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة الى أن يقول: الا في ضيعة سوف أفسر لك أمرها وفي هذه الفقرة جهاتٌ يصعب فهمها:

  الأولى: قوله (ع) ولم أوجب عليهم ذلك في كل عام, وهو منافٍ لقوله فأما الغنائم فهي واجبة عليهم في كل عام.

 ولنا أن نلاحظ : إن منشأ القول بالمنافاة ناشيء من عدم التفريق بين أنواع التشريع.

 الثانية: قوله(ع) وإنما أوجبت عليهم الخمس مع العلم بأن في الذهب والفضة إذا كانا مسكوكين مع حولان الحول يجب الزكاة دون الخمس.

 ولنا أن نلاحظ : إن إمكان ورود الاشكال المدعى مبتنٍ على فرض أن الامام يريد تشريع الخمس الثابت في الكتاب والسنة على النقدين, الا أن الحقيقة ليس كذلك, فالخمس الذي شرعه الامام هو من نوع آخر من أنواع التشريع اقتضت الضرورة والحاجة إليه.

 الثالثة: قوله (ره) أنه على فرض ثبوت الخمس فيهما أيضاً فما هو الوجه في قوله: وإنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه, وهل الخمس على تقدير ثبوته ممّا يتقيد بحسب التشريع بسنة خاصة وهل أن أمر تقييده بذلك بيد الإمام (ع).

 ولنا أن نلاحظ: لا أحد يشك بأن التشريعات الإلهية غير خاضعة للتقييد, الا أن التشريع المشار اليه هو من نوع آخر قد ثبت للامام الحق في أن يشرع فيه بالتحليل والوضع والتغيير.

 الشاهد الثالث: (فأما الغنائم فهي واجبة عليهم في كل عام ففيه أولاً أنه منافٍ لصدر الرواية وثانياً: أن خمس الغنيمة المأخوذ من دار الحرب غير واجبٍ إلا مرةٍ واحدة) الا أننا لا نؤمن بأن الآية تتكلم عن غنائم دار الحرب فحسب, بل هي شاملة للنوع الثاني من الفوائد أيضاً.

 ويتضح أيضا عدم تمامية ما أورده صاحب مدارك الاحكام على الرواية, حيث نراه يقول في المجلد الخامس ص383 : ( وأما رواية علي ابن مهزيار فهي معتبرة السند لكنها متروكة الظاهر). لتصوره أن الاحكام المتعلقة بالخمس من نوع واحد وقد بينا أن هذه التصور غير صحيح لتعدد أنواع الخمس الوارد في الرواية.

 ويتضح أيضاً عدم تمامية ما أورده المحقق الأردبيلي حيث أنه ذكر مجموعة من الاشكالات على الرواية في مجمع الفائدة والبرهان المجلد الرابع ص315.

 بقي أن نشير الى مجموعة من البحوث المتعلقة بالرواية, وهي:

 الأول: الرواية التي وردت في وسائل الشيعة بعد أن تذكر الغنائم والفوائد تقول: من قبيل ومثل مالٍ يؤخذ لا يعرف له صاحبٌ فلابد من دفع خمس مثل هذا المال أيضاً؛ لأنه مجهول المالك, الا أنه لا يخفى أن المشهور يعتقد بأن المال المجهول المالك لا يجوز تملكه وإخراج خمسه عدا البعض الذي ذهب الى جواز ذلك لاستنادهم في ذلك على صحيحة على بن مهزيار.

 ولنا أن نتساءل أن قول الامام ومثل مالٍ يؤخذ لا يُعرف له صاحبٌ الوارد في الصحيحة هذه هل هو دال على مجهول المالك أم لا؟

 ذهب البعض الى أن هذا القول دال على المال المجهول المالك؛ وذلك لأنهم فهموا من الرواية أن المال لا يعرف له صاحبٌ أي على نحو السالبة بانتفاء المحمول, أما البعض الآخر فقد ذهب الى أن القول لا يدل على ذلك؛ لأنهم فهموا من القول أن المال لا صاحب له من أصل, أي على نحو السالبة بانتفاء الموضوع.

 فعلى الرأي الأول يكون المال مشمولا للخمس وعلى الثاني لا يكون كذلك.

 جملة من الاعلام ومنهم السيد الخوئي ذهبوا الى أن هذا القول لا يشمل المال المجهول المالك؛ لأن الرواية لم تقل مالٍ يؤخذ لا يُعرف صاحبه, بل قالت لا يُعرف له صاحبٌ.

 ومثل هذه النكات والاستظهارت التي يفهمها الفقهاء حدت ببعض الاعلام الى أن ينعتها (بأنها مخالفة للمسلمات), الا أن الحقيقة ليس كذلك, فلكل فقيه دليله وحجته.

 الثاني: أن هذه الرواية في عقيدتنا من أوضح وأدق الروايات في باب الخمس في أرباح المكاسب, وسنجعل منها الأصل في فهم وتبيين الروايات الأخرى الواردة في المقام التي لا يوجد فيها التفصيل الكافي.

 الثالث: أوضحنا فيما سبق بأن التشريعات الموجودة عندنا على أنحاء ثلاث هي:

 أولا: التشريعات الثابتة الحاصلة بالفرض والتشريع الإلهي.

 ثانيا: التشريعات التي سنها الرسول (ص) من قبيل الركعتين الاخيريتين من الصلاة.

 ثالثا: التشريعات الولائية.

 ولا يخفى أن الخمس في أرباح المكاسب ليس من النوع الأول من التشريعات, فهل هو من النوع الثاني أو الثالث؟ تفصيل ذلك وما يترتب عليه من ثمرة يأتي في قادم الابحاث إنشاء الله

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo