< قائمة الدروس

الأستاذ السيد کمال الحيدري

بحث الفقه

32/05/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الخمس في أرباح المكاسب هل هو من النوع الأول من أنواع التشريعات أم الثاني؟

 قبل الدخول في تفاصيل بحثنا لهذا اليوم لابد لنا من استذكار الحدث الجلل الذي حدث في مثل هذا اليوم المصادف 9/نيسان/ لعام 1980 حيث فارق هذه الأمة الفيلسوف العظيم والمفكر الكبير المرجع الديني المجاهد أستاذنا الأجل السيد محمد باقر الصدر (قدس) مستشهدا مضحيا بأعز ما يملك من أجل إحياء القيم الأخلاقية والدينية التي كادت أن تنعدم لولا دمه الطاهر الشريف, فكما عهدناه معطاءً بقلمه كان أكثر عطاءً بدمه, فمن الواجب علينا إذ نعيش ذكراه اليوم أن نشير الى أهم الخصائص التي يتميز بها رضوان الله عليه:

 الأولى: كان عالم دين كبير يتميز بالاحاطة الشاملة لكثير من العلوم الضرورية التي يحتاجها الفقيه المتصدي لإدارة شؤون المجتمع وقيادته.

 ولم تكن مرجعيته التي يصبو إليها أسيرة الفقه والأصول, بل تجاوز حدود المألوف في ذلك حتى وجدناه عبقريا في علومٍ متعددة كالفلسفة والتفسير والاقتصاد والاجتماع؛ إدراكا منه أن جمود المرجع على الفقه والأصول سوف يؤدي الى الانتكاسة والاحباط في مدرسة آل البيت (ع).

 الثانية: بالاضافة الى كونه عالما دينيا كبيرا, كان مفكرا من الطراز الاول, مبدعا في كثير من الأبواب العلمية التي خاض فيها فلم يكن ديدنه رحمه الله أن يكون متلقيا فقط, بل كان قليل المطالعة كثير التفكير حرصا منه لأن يأتي بكل ما هو جديد من الابداع والفكر.

 الثالثة: كان محيطا بكل الظروف والشرائط التي من حوله (عارفا بزمانه), أي: أنه كان على دراية كاملة بالظروف المناسبة لإرادة تطبيق أي عمل من الأعمال, وأن الزمان والمكان هل هو مناسب لذلك أم لا.

 الرابعة: كان متصديا بحق, وعارفا لكل ما تحتاج الأمة وتريد, فلم يكن مفتياً في الحلال والحرام فقط, بل أخذ على عاتقه هموم الأمة ومشاكلها, مطالبا بحقوق المظلومين, مهددا ومنددا باستبداد الظالمين, مضحيا من أجل القيم والمبادئ والدين, مرخصا دمه من أجل كرامة وعزة المؤمنين. فهو الشجاع الجسور الصلب بوجه الظلم والظالمين, والحنون العطوف الرؤوف لكل أبناء مجتمعه والمحيطين به.

 عودا على بدء: كان الكلام في صحيحة علي بن مهزيار وقلنا أن هذه الرواية من الروايات الصحيحة الأعلائية المعتبرة عند الجميع, فلم يقع خلاف من أحد في صحة هذه الرواية وهذا ما يجعلنا أن نتخذ من الرواية أصلا لتفسير وتبيين الروايات الأخرى الواردة في باب الخمس هذا أولاً.

 ثانياً: أن الرواية سوف تكون خالية من أي تنافٍ واضطراب وفقاً للقراءة التي قدمناها, ومن هنا فلا نقبل الدعوى القائلة بأن الأصحاب قد أعرضوا عنها وذلك لأن من الاصحاب من عمل بها, وحال من اعرض عنها كحال من أعرض عن الاجماع المدركي. بالاضافة الى ذلك لم يثبت أن الإعراض قد حصل من فقهاء الصدر الاول للغيبة الصغرى.

 ثالثا: لا يوجد في الرواية ما هو مخالف للمسلمات, بل أنها على القواعد المسلمة في الفقه الامامي.

 رابعا: أن الرواية مشتملة على نوعين من أنواع الخمس, الاول ما هو مرتبط بالفرض الإلهي والتي عبرت عنه الرواية بقولها فأما الغنائم والفوائد فهي واجبةٌ عليهم في كل عام الذي اُستدل عليه بقوله تعالى {واعلموا أنما غنمتم}, والثاني ما هو ما هو مرتبط بالإمام (ع) والذي من موارده وضع الخمس فيما لا خمس فيه كالذهب والفضة, ورفع الخمس عما ثبت فيه الخمس كالربح في التجارة, وإيجاب نصف السدس مكان الخمس وذلك كما في الضياع.

 خامسا: أن موضوع الخمس في النوع الاول من التشريع هو الغنيمة والفوائد, علما أننا حينما نراجع الرواية سوف نجد أن بين الغنيمة والفوائد قاسما مشتركا وهو أن كليهما يحصلان من دون ترقب وجهد, فلذا نجد الامام(ع) يقول (والغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء ، والفائدة يفيدها ، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر ، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن ، ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله ، ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب ، وما صار إلى موالي من أموال الخرمية الفسقة فقد علمت أن أموالاً عظام صارت إلى قوم من مواليّ فمن كان عنده شيء من ذلك فليوصل إلى وكيلي), وبهذا يتضح أن الغنيمة غير مختصة بغنائم دار الحرب فقط بل شاملة لكل ما هو حاصل دون جهدٍ وترقب.

 علما ومن خلال ما تقدم فأننا من القائلين بوجوب الخمس في الهدية والجائزة الخطرة التي لا ينتظر فيها إخراج المؤونة وحول الحول, والكلام نفسه بالنسبة الى المال المجهول المالك عند القول بشمول الخمس له, بخلاف الهدية والجائزة غير الخطرة التي يشترط فيها حول الحول وعدم المصرف.

 أما ما هو موضوع الخمس في النوع الثاني من أنواع التشريعات؟ هذا ما يأتي الحديث عنه في القادم القريب إنشاء الله

 بعد إن اتضح أن القسم الأول والثاني من الفوائد هي من مواضيع النوع الأول من التشريعات نريد أن نعرف أن القسم الثالث الذي هو أرباح المكاسب من أي مواضيع التشريعات هو؟ لا شك ولا إشكال أنه ليس من مواضيع النوع الأول, فهل هو من مواضيع النوع الثاني أم الثالث؟ علما أن الثمرة العملية المترتبة على ذلك مهمة وكبيرة, فلو ثبت أنه من النوع الثاني فهذا يكشف أن وجوب الخمس فيه غير قابل للتغيير والتحليل وحاله في ذلك حال الركعتين الأخيرتين في الصلاة, أما لو كان من النوع الثالث فللامام الحق في التحليل والتغيير, وذلك ثابت للامام بعنوانه قائد الأمة وولي أمرها ومثل هذا الأمر قد حصل في كثير من الموارد ومما يدل على ذلك الرواية الواردة في وسائل الشيعة الباب 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة باب استحباب الزكاة في الخيول ـ علما أنه قد عبر باستحباب الزكاة هنا لفهمه حصول التعارض وحينما جمع بين الروايات قال بالاستحباب, وقد بينا سابقا بأننا لا نقبل بمثل هذا الجمع الذي قام به ـ فقد صدر الحكم الولائي من أمير المؤمنين(ع) بوجوب الخمس فيها لوجود ضرورةٍ في ذلك.

 تقول الرواية: ( عن محمد بن مسلم وزرارة عنهما جميعاً^ قالا وضع أمير المؤمنين على الخيل العتاق الراعية في كل فرس...), فالواضع هو الامام (ع) وإلا لو كان الحكم من التشريعات الثابتة لاستدل الامام على ذلك بآية الغنائم.

 ولنا أن نتساءل هنا هل الخمس الذي وضع في عهد الصادقين (ع) والائمة الذين من بعده من النوع الثاني أم الثالث, أي هل هو من قبيل وضع الركعتين في الصلاة الرباعية أم من قبيل وضع الزكاة على الخيول؟

 الواضح خصوصا عند التدقيق في الرواية السابقة أنه من النوع الثالث لا الثاني؛ لأن أحكام النوع الثاني جزء ثابت في الشريعة ولا يمكن فيها التغير, بخلاف النوع الثالث من الاحكام حيث أنه ليس جزءً من الشريعة وقابل للتغيير حسب الظروف والشرائط. ولذا نجد في رواية علي بن مهزيار أن الامام يقول أوجبت في سنتي هذه, أي في السنة القادمة قد يتغير الحكم عندما تتغير الظروف, والأمر نفسه بالنسبة لنصف السدس فإنه قد يتغير الحكم الى الخمس عند تغير ظروفه, وهذا ما حصل بالفعل حين تولى الامام الهادي (ع) قيادة الأمة. وغير ذلك الكثير من الأدلة الدال على أن الحكم ولائي صدر لاقتضاء الضرورة في ذلك.

 ومنه يظهر أن كل الاحكام المتعلقة بالخمس في أرباح المكاسب التي صدرت في عهد الصادقين ومن بعده من الائمة هي أحكام ولائية ناشئة عن وجود ضرورة في ذلك.

 ولنا أن نتساءل هنا : أن الصلاحية الثابتة للامام (ع) في تشريع الخمس ولائيا هل هي ثابتة للفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة أم لا؟

 لاشك أن تلك الصلاحية ـ وجوب الخمس في أرباح المكاسب ـ التي كانت للامام الجواد قد انتقلت الى الامام الهادي (ع) ومنه الى الامام الحسن العسكري (ع) ومن بعدهم انتقلت الى الامام الحجة (عج) ولم يثبت أن الامام الحجة قد قام برفع هذه الصلاحية الثابتة بالحكم الولائي, علما أن الامام كان يأخذ الخمس من أرباح المكاسب؛ لأنه لم يثبت لنا بأي دليل أن الامام حينما انتقل من الغيبة الصغرى الى الغيبة الكبرى قد رفع هذا الحكم الولائي.

 ولا يخفى أنه (ع) لا يعمل صلاحيته تلك بأخذ الخمس من أرباح المكاسب في الغيبة الكبرى؛ لأنه غائب أرواحنا فداه, فهل يا ترى قد انتقلت تلك الصلاحية وذلك الحكم الى الفقيه الجامع للشرائط القائم مقامه أم لا؟ وقد يتداخل البحث هنا مع بحث نظرية الحكم عند الشيعة الامامية في زمن الغيبة, فلو قلنا أن الائمة (ع) قد حرموا قيام الدولة الإسلامية في الغيبة الكبرى كما عليه جملة من الاعلام فلا يحتاج الفقيه حينئذٍ الى الصلاحيات التي ذكرناها, بل يكتفى بمسألة الفتيا في الحلال والحرام فقط.

 فالمسالة إذن مرتبطة بمبنى الفقيه وما يرى, ولذا نجد السيد الخوئي يقول في آخر الجزء الأول من كتاب التنقيح (أن الولاية لم تثبت للفقيه في عصر الغيبة بدليلٍ وإنما هي مختصٌ بالنبي والأئمة^, بل الثابت حسبما تستفاد من الروايات أمران: نفوذ قضائه وحجية فتواه وليس له التصرف حتى في مال القصر...), فهو غير مسؤول على شيءٍ سوى بعض الأمور التي لا يرضى الشارع بفواتها, لا بعنوانه فقيها بل لأن الشارع لا يقبل بذلك, فحاله في ذلك حال سائر المؤمنين.

 وبقية التصورات والمباني المختلفة لفقهاء الامامية حول الصلاحيات الثابتة لنائب الامام سوف نعرض لها مفصلاً في قادم الابحاث إنشاء الله.

 والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo